رأيت جرحي واقفاً
في قلبي الشهدُ كم من جرة كسروا | وكم بقلبي رشاً من دمِّها سَكِروا |
غنَّوا له صوتُهم ريحٌ فما عزفوا | لحناً يدندنُهُ في حُزْنِهِ وترُ |
خَطُّوا له، حِبْرهمْ ماءٌ، فما نقشوا | شيئاً ليحفظَهُ في جذْعِهِ شجرُ |
ولا أضاؤوا فوانيساً بساحتِهِ | سقوهُ أعذبَ ما يبكي به حجرُ |
و قطَّعوا ما تبقَّى من سحابتهِ | و أشعلوا زيتَهُ من بعد أنْ ظهروا |
ذاقوا وما ذقتُ إلا مرّ قافيةٍ | تحتَ اللسانِ وفي الفَودينِ تستعرُ |
العابرونَ دمي مجْذافهم هدبي | المحرقون أغانيهم و قد عبروا |
حِنَّاؤهم من دمي فنٌّ ومن عنبي | كحْلٌ ومن مقلتي يُسقون ما عصروا |
على ليالٍ مضتْ من أيِّ نافذة | نظرتُ شوقاً رأيتُ القلب ينكسرُ |
فلا وقفتُ على أطلال ذاكرةٍ | إلا تلألأ في أسْمالها أثرُ |
ولا مررتُ بها إلا وفاح لها | شوقٌ ورفرفَ في أجْفانها سفرُ |
وما نسجْتُ على أستارها لغةً | إلا و ثقَّب في أستارها النظرُ |
بكيتُ لم تبقَ من عينيَّ زاويةٌ | إلا لها دمعةٌ في الركن تنتظرُ |
ولا سرى بعدهم فكري براحلةٍ | إلا يُظَلِّلُهُ في سيره سهرُ |
فإن تكسَّر كوبي كل سوسنةٍ | كوبٌ وكلُّ هوى من بعدهم خطرُ |
غداً سأمحو التضاريسَ التي نزلوا | و أدفن الماءَ و البئرَ الذي حفروا |
نوارسٌ تركتْ في شاطئي أثراً | لتَمحُهُ موجةٌ أو يُجِلِه مطرُ |
و زهرةٌ نَشرتْ في الصيفِ مهجتَها | يأتي عليها شتاءٌ ثم تنتحرُ |
و نسمةٌ أخطأت عنوانَ ساقيةٍ | لتلتقي دمعةً في الرمل تنتشرُ |
أحلى الفراقِ فراقٌ لستَ تفهمُهُ | كالغيمِ يأتي ظلالاً ثم ينحدرُ |