الله أعظم مما جال في الفكر
الله أعظم مما جال في الفكر | وحكمه في البرايا حكم مقتدر |
مولى عظيم حكيم واحد صمد | حي قديم مريد فاطر الفطر |
يا رب يا سامع الأصوات صل على | رسولك المجتبى من أطهر البشر |
محمد المصطفى الهادي البشير هدى | كل الخلائق بالآيات والسور |
وآله والصحاب الكائنين به | كأنجم حوله من يسمو على القمر |
أشكو إليك أمورا أنت تعلمها | فتور عزمي وما فرطت في عمري |
وفرط ميلي إلى الدنيا وقد حسرت | عن ساعد الغدر في الآصال والبكر |
يا ربنا جد بتوفيق ومغفرة | وحسن عاقبة في الورد والصدر |
قد اصبح الخلق في خوف وفي ذعر | وزور لهو وهم في أعظم الخطر |
واللقيامة أشراط وقد ظهرت | بعض العلامات والباقي على الأثر |
قل الوفاء فلا عهد ولا ذمم | واستحكم الجهل في البادين والحضر |
باعوا لأديانهم بالبخس من سحت | وأظهروا الفسق بالعدوان والأشر |
وجاهروا بالمعاصي وارتضوا بدعا | عمت فصاحها يمشي بلا حذر |
وطالب الحق بين الناس مستتر | وصاحب الإفك فيهم غير مستتر |
والوزن بالويل والأهواء معتبر | والوزن بالحق فيهم غير معتبر |
وقد بدا النقص في الإسلام مشتهرا | وبدلت صفوة الخيرات بالكدر |
وسوف يخرج دجال الضلالة في | هرج وقحط كما قد جاء في الخبر |
ويدعى أنه رب العباد وهل | تخفى صفات كذوب ظاهر العور |
فناره حنة طوبى لداخلها | وزور جنته نار من السعر |
شهر وعشر ليال طوال مدته | لكنها عجب في الطول والقصر |
فيبعث الله عيسى ناصرا حكما | عدلا ويعضده بالنصر والظفر |
فيتبع الكاذب الباغي ويقتله | ويمحق الله أهل البغي والضرر |
وقام عيسى يقيم الحق متبعا | شريعة المصطفى المختار من مضر |
في أربعين من الأعوام مخصبة | فيكسب المال فيها كل مفتقر |
وجيش يأجوج مم مأجوج قد خرجوا | والبغي عم يسيل غير منهمر |
حتى إذا أنقذ الله القضاء دعا | عيسى فأفناهم المولى على قدر |
وعباد للناس عبد الخير مكتملا | حتى يتم لعيسى آخر العمر |
والشمس حين ترى في الغرب طالعة | طلوعها آية من أعظم الكبر |
فعند ذلك لا إيمان يقبل من | أهل الجحود ولا عذر لمعتذر |
ودابة في وجوه المؤمنين لها | وسم من النور والكفار بالقبر |
والخلف هل فتنة الدجال قبلهما | أو بعد قد ورد القولان في الخبر |
وكم خراب وكم خسف وزلزلة | وفيح نار وآيات من الندر |
ونفخة تذهب الأرواح شدتها | إلا الذين عنوا في سورة الزمر |
وأربعون من الأعوام قد حسبت | نفخا تبث به الأرواح في الصور |
قاموا حفاة عراة مثل ما خلقوا | من هول ما عاينوا سكرى بلا سكر |
قوم مشاة وركبان على نجب | عليهموا حلل أبهى من الزهر |
ويسحب الظالمون الكافرون على | وجوههم وتحيط النار بالشرر |
والشمس قد أدنيت والناس في عرق | وفي زحام وفي كرب وفي حصر |
والأرض قد بدلت بيضاء ليس لها | خفض ولا ملجأ يبدو لمستتر |
طال الوقوف فجاءوا آدما ورجوا | شفاعة من أبيهم أول البشر |
فرد ذاك إلى نوح فردهم | إلى الخليل فأيدي وصف مفتقر |
إلى الكليم إلى عيسى فزدهم | إلى الحبيب فلباها بلا حصر |
فيسأل المصطفى فصل القضاء لهم | ليستريحوا من الأهوال والخطر |
تطوي السموات والأملاك هابطة | حول العباد لهول معضل عسر |
والشمس قد كورت والكتب قد نشرت | والأنجم انكدرت ناهيك عن كدر |
وقد تجلى إله العرش مقتدا | سبحانه جل عن كيف وعن فكر |
فيأخذ الحق للمظلوم منتصفا | من ظالم جار في العدوان والبطر |
والرزن بالقسط والأعمال قد ظهرت | ووزنها عبرة تبدو لمعتبر |
وكل من عبد الأوثان يتبعها | بإذن ربي وصار الكل في سقر |
والمسلمون إلى الميزان قد قسموا | ثلاثة فأسمعوا تسقيم مختصر |
فسابق رجحت ميزان طاعته | له الخلود بلا خوف ولا ذعر |
ومذنب كثرت آثامه فله | شفع بأوزاره أو عفو مفتقر |
وواحد قد تساوت حالتاه | له حبس وبين البشر والحصر |
ويكرم الله مثواه بجنته | بجود فضل عميم غير منحصر |
وفي الطريق صراط مدفوق لظى | كحد سيف سطا في دقة الشعر |
الناس في ورده شتى فمستبق | كالبرق والطير أو كالخيل في النظر |
ساعي وماش ومخدش ومعتلق | ناج وكم ساقط في النار منتثر |
للمؤمن وروده بعده صدر | والكافرون لهم ورود بلا صدر |
فشفع المصطفى والأنبياء ومن | يختاره الملك الرحمن في زمر |
في كل عاص له نفس مقصرة | وقلبه عن سوى الرب العظيم برى |
فأول الشعفا حقا وأخرهم | محمد ذو البهاء الطيب العطر |
مقامه ذروة الكرسي ثم له | عقد اللواء بعز غير منحصر |
والحوض يشرب منه المؤمنون غدا | كالارى يجري على الياقوت والدر |
ويخلق أقواما قد احترفوا | كانوا أولى العزة الشنعاء والنجر |
والنار مثوى لأهل الكفر كلهم | طياقيا سبعة مسودة الحفر |
جهنم ولظى والحطم بينهم | ثم السعير كما الأهوال في سقر |
وتحت ذلك جحيم ثم هاوية | يهوي بها أبدا سحقا لمحتقر |
في كل باب عقوبات مضاعفة | وكل واحدة تسطو على النفر |
فيها غلاظ شداد من ملائكة | قلوبهم شدة أقوى من الحجر |
لهم مقامع للتعذيب مرصدة | وكل كسر لديهم غير منجبر |
سوداء مظلمة شعثاء موحشة | دهماء مخرفة لواحة البشر |
فيها الجحيم مذيب الوجوه مع | الأمعاء مر شدة الإحراق والشرر |
فيها الغساق الشديد البرة يقطعهم | إذا استغاثوا بحر ثم مستعر |
فيها السلاسل والأغلال تجمعهم | مع الشياطين قسرا جمع منقهر |
فيها العقارب والحياة قد جعلت | جلودهم كالبغال الدهم والحمر |
والجموع والعطش المضني ولا نفس | فيها ولا جلد فيها لمصطبر |
لها إذا ما علت فور يقلبهم | ما بين مرتفع منها ومنحدر |
جمع النواصي مع الإقدام صيرهم | كالقوس محنية من شدة الوتر |
لهم طعام من الزقوم يعلق في | حلوقهم شوكة كالصاب والصبر |
يا ولهم عضت النيران أعظمهم | بالموت شهوتهم من شدة الضجر |
ضجوه وصاحوا أزمانا ليس ينفعهم | دعا داع ولا تسليم مصطبر |
وكل يوم لهم في طول مدتهم | نزع شديد من التعذيب والسعر |
كم بين دار هوان لا انقضاء لها | ودار أمن وخلد دائم الدهر |
دار الذين اتقوا مولاهم وسعوا | قصدا لنيل رضاه سعى مؤتمر |
وآمنوا واستقاموا مثل ما أمروا | واستغرقوا وقتهم في الصوم والسهر |
وجاهدوا وانتهوا عما يباعدهم | عن بابه واستلانوا كل ذي وعر |
جنات عدن لهم ما يشتهون بها | في مقعدين الصدق الروض والزهر |
بناؤها فضة قد زانها ذهب | وعينها المسك والحصبا من الدرر |
أوراقها ذهب منها الغصون دنت | بكل نوع من الريحان والثمر |
أوراقها حلل شفافه خلقت | واللؤلؤ الرطب والمرجان في الشجر |
دار النعيم وجنات الخلود لهم | دار السلام مأمونة الغير |
وجنة الخلد والمأوى وكم جمعت | جنات عدن لهم من مونق نصر |
طباقها درجات عدها مائة | كل اثنتين كبعد الأرض والقمر |
أعلى منازلها الفردوس عاليها | عرش الإله فسل واطمع ولا تذر |
أنهارها عسل مافيه شائبة | وخالص اللبن الجاري بلا كدر |
وأطيب الخمر والماء الذي سلت | من الصداع ونطق اللهو والسكر |
والكل تحت جبال المسك منبعها | يجرونه كيف شاؤوا غير محتجر |
فيها نواهد أبكار مزينة | يبرزن من حلل في الحسن والخفر |
نساؤها المؤمنات الصابرات على | حفظ العهود مع الإملاق والضرر |
كأنهم بدور في غصون نقا | على كثيب بدت في ظلمة السحر |
كل امرىء منهم يعطى قوى مائة | في الأكل والشرب والأفضا بلا خور |
طعامهم رشح مسك كلما عرقوا | عادت بطونهم في هضم منصمر |
لا جوع لا برد لا هم ولا نصب | بل عيشهم عن جميع النائبات عرى |
فيها الوصائف والغلمان تخدمهم | كلؤلؤ في كمال الحسن منتثر |
فيها الغناء والجواري الغانيات لهم | يا حسن الذكر للمولى مع السمر |
لباسهم سندس حلاتهم ذهب | ولؤلؤ ونعيم غير منحصر |
والذكر كالنفس الجاري بلا تعب | ونزهوا عن كلام اللغو والهذر |
وأكلها دائم لاشيء منقطع | كرر أحاديثها باطيب الخبر |
فيها من الخير ما لم يجر في خلد | ولم يكن مدركا للسمع والبصر |
فيها رضا الملك المولى بلا غضب | سبحانه ولهم نفع بلا غير |
لهم من الله لا نظير له شيء | سماع تسليمه والفوز بالنظر |
بغير كيف ولا حد ولا مثل | حقا كما جاء في القرآن والخبر |
وهي الريادة والحسنى التي وردت | وأعظم الموعد المذكور في الزبر |
لله قوم أطاعوه وما قصدوا | سواه إذا نظروا الأكوان بالعبر |
وكابدوا الشوق والأنكاد قوتهم | ولازموا الجد والأذكار في البكر |
يا مالك الملك جد لي بالرضا كرما | فأنت لي محسن في سائر العمر |
يا رب صل على الهادي البشير لنا | وآله وانتصر يا خير منتصر |
ما هب نشر صبا واهتز نبت ربا | وفاح طيب شذا في نسمة السحر |
أبياتها تسع عشر بعدها مائة | كلامها وعظها أبهى من الدرر |