وإياك والدنيا الدنية إنها
وإياك والدنيا الدنية إنها | هي السحر في تخييله وافترائه |
متاع غرور لا يدوم سرورها | وأضغاث حلم خادع ببهائه |
فمن أكرمت يوما أهانت له غدا | ومن أضحكت قد آذنت ببكائه |
ومن تسقه كأسا من الشهد غدوة | تجرعه كأس الردى في مسائه |
ومن تكس تاج الملك تنزعه عاجلا | بأيدي المنايا أو بأيدي عدائه |
إلا أنها للمرء من أكبر العدا | ويحسبها المغرور من أصدقائه |
فلذاتها مسمومة ووعودها | سراب فما الظامي يروى من عنائه |
وكم في كتاب الله من ذكر ذمها | وكم ذمها الأخيار من أصفيائه |
فدونك آيات الكتاب تجد بها | من العلم ما يجلو الصدا بجلائه |
ومن يك جمع المال مبلغ علمه | فما قلبه إلا مريضا بدائه |
فدعها فإن الزهد فيها محتم | وإن لم يقل جل الورى بأدائه |
ومن لم يذرها زاهدا في حياته | ستزهد فيه الناس بعد فنائه |
فتتركه يوما صريعا بقبره | رهينا أسيرا آيسا من ورائه |
وينساه أهلوه المفدى لديهم | وتكسوه ثوب الرخص بعد غلائه |
وينتهب الوارث أمواله التي | على جمعها قاسى عظيم شقائه |
وتسكنه بعد الشواهق حفرة | تضيق به بعد اتساع فضائه |
يقيم بها طول الزمان وماله | أنيس سوى دود سعى في حشائه |
فواها لها من غربة ثم كربة | ومن تربة تحوى الفتى لبلائه |
ومن بعد ذا يوم الحساب وهوله | فيجزى به الإنسان أو في جزائه |
ولا تنس ذكر الموت فالموت غائب | ولا بد يوما للفتى من لقائه |
قضى الله مولانا على الخلق بالفنا | ولا بد فيهم من نفوذ قضائه |
فخذ أهبة للموت من عمل التقى | لتغنم وقت العمر قبل انقضائه |
وإياك والآمال فالعمر ينقضي | وأسبابها ممدودة من ورائه |
وحافظ على دين الهدى فلعله | يكون ختام العمر عند انتهائه |
فدونك مني فاستمعها نصيحة | تضارع لون التبر حال صفائه |
مبرأة من كل غش لأنها | بدت من وديد صادق في إخائه |
أصلي على طول الزمان مسلما | سلاما يفوق المسك عرف شذائه |
على خاتم الرسل الكرام محمد | وأصحابه والآل أهل كسائه |
واتباعهم في الدين ما اهتز بالربى | رياض سقاها طلها بندائه |
وما غردت قمرية في حديقة | فجاوبها ورق بصوت غنائه |