لو أفادَتنا العَزائِمُ حالا،
لو أفادَتنا العَزائِمُ حالا، | لم نجدْ حسنَ العزاءِ محالا |
كيفَ يولي العزمُ صبراً جميلاً | حينَ وارَى التربُ ذاكَ الجمالا |
ما ظَننّا أنّ ريحَ المَنايا | تَنسِفُ الطّودَ، وتُردي الجِبالا |
جارَ صَرفُ الدّهرِ فينا بعَدلٍ | لم نجدْ للقولِ فيهِ مؤالا |
أفَما تَنفَكّ أيدي المَنايا | تسلبُ المالَ، وتفني الرجالا |
فإذا أبدى لها المَرءُ سِلماً، | جردتْ عضباً، وراشتْ نبالا |
كلّما رُمنا نمُوّ هِلالٍ | غَيّبَتْ بَدراً أصابَ الكَمالا |
فإذا ما قلتُ قد زالَ حزنٌ، | أبدلَتْ أحداثُها اللاّمَ دالا |
كيفَ دكّتْ طودَ حِلمٍ نَداهُ، | سبَقَ الوَعدَ، وأفنى السؤالا |
كيفَ كفّ الدهرُ كفاً كريماً | ليَمينِ الدّهرِ كانتْ شِمالا |
ثملٌ من نشوة ِ الجودِ أضحَى | لليتامَى والأيامَى ثمالا |
نِعَمٌ لسائليهِ جَوابٌ، | لم يَصِلْ يَوماً إلى لَن ولا لا |
دَوحَة ٌ من عِرقِ آلِ وِشاحٍ، | قد دَنَتْ للطّالبينَ مَنالا |
قد رَسَتْ أصلاً وطابتْ ثِماراً، | وزكَتْ فَرعاً ومَدّتْ ظِلالا |
أزعَجَ النادي بنَجواهُ ناعٍ، | كم نفوسٍ في دموعٍ أسالا |
فسمعنا منهُ ندباً لندبٍ | أبعدَ الصبرً، وأدنَى الخيالا |
باتَ يهدي للقلوبِ اشتغالا | ولنيرانِ الهُمومِ اشتِعالا |
قد مَرَرنا في مَغانيهِ رَكباً؛ | وغَوادي الدّمعِ تَجري انهمالا |
وسألنا النارَ عنهُ، فقالتْ: | كانَ تاجُ الدينِ ركناً، فزالا |
كانَ وبلاً للعفاة ِ هتوناً، | ولأحزابِ العُداة ِ وَبالا |
كانَ تاجُ الدينِ للدهرِ تاجاً، | زادَ هامُ الدّهرِ منهُ جَمالا |
كانَ زلزالاً لباغ عصاهُ، | ولباغي الرّفدِ منهُ زُلالا |
كانَ للأعداءِ ذُلاٍّ وبؤساً، | ولراجي الجُودِ عِزّاً ومالا |
كانَ للنّاسِ جَميعاً كَفيلاً، | فكأنّ الخلقَ كانوا عيالا |
راعَ أحزابَ العِدى بيراعٍ، | طالمَا أنشأ السّحابَ الثّقالا |
ناحلِ الجسمِ قصيرٍ دقيقٍ | دَقّ في الحَربِ الرّماحَ الطّوالا |
يَجعَلُ النّومَ عليهم حَراماً، | كلّما أبرَزَ سِحراً حَلالا |
فإذا ما خَطّ اسوَدَ نَقشٍ | خلتهُ في وجنة ِ الدهرِ خالا |
يا كريماً طابَ أصلاً وفرعاً، | وسما أماً وعمّاً وخالا |
وخليلاً مذْ شربتُ وفاهُ | لم أردْ نبعاً بهِ أو خلالا |
وإذا ما فهتُ باسمِ أبيهِ، | كانَ للميثاقِ والعَهدِ فالا |
إنْ أسأنا لم يَرُعْنا بلَومٍ، | وإذا لمناهُ أبدَى احتمالا |
كانَ عَصرُ الأنسِ منك رُقاداً، | ولَذيذُ العَيشِ فيهِ خَيالا |
مَن لدَستِ الحُكمِ بعدَك قاضٍ | لم يَمِلْ يَوماً إذا الدّهرُ مالا |
مَن لإصلاحِ الرّعايا، إذا ما | أفسدتْ منها يدُ الدّهرِ حالا |
مَن لإطفاءِ الحروبِ، إذا ما | صارَ آلُ المَرءِ بالكرّ آلا |
وإذا صارَ الجِدالُ جِلاداً، | أخمدَ الحربَ، وأفنى الجدالا |
ربّ يومٍ معركُ الحربِ فيهِ | حطّمَ السّمَر وفلّ النّصالا |
ذكرَ الأحقادَ فيهِ رجالٌ، | حببَ الطعنُ إليها النزالا |
في مَكَرٍّ واسعِ الهَولِ ضَنكٍ، | لا يُطيقُ الطِّرفُ فيهِ مَجالا |
ألبسَ الجوَّ العجاجُ لثاماً، | وكسا الخَيلَ الغُبارُ جِلالا |
شمتُ في إصلاحهِم عَضبَ عزمٍ | فيهِما، إنْ جارَ دَهرٌ ومَالا |
بكَ كَفّ اللَّهُ كفّ الرّزايا، | وكفَى اللهُ الأنامَ القتالا |
فلَئنْ وارَتكَ أرضٌ، فها قَد | سارَ منكَ الذكرُ فيها وجالا |
لم يَمُتْ مَن طابَ ذِكراً، وأبقى | بعدَهُ شبَهاً لهُ أو مِثالا |
أسدٌ خلفَ شبليْ عرينٍ | شيدا مجداً لهُ لن ينالا |
ظلّ زينُ الدينِ للدهرِ زيناً، | وجمالُ الدينِ فيهِ جمالا |
فأرانا اللهُ أقصى الأماني | فيهما، إنْ جاءَ دهرٌ ومالا |
وحباكَ اللهُ في الخلدِ روحاً، | ونَعيماً خالداً لَنْ يُزالا |