خلعَ الربيعُ على غصونِ البانِ
خلعَ الربيعُ على غصونِ البانِ | حللاً، فواضلها على الكثبانِ |
ونمتْ فروعُ الدوحِ حتى صافحتْ | كفلَ الكثيبِ ذوائبُ الأغصانِ |
وتتوجتْ بسطُ الرياضِ، فزهرها | خدَّ الرياضِ شقائقُ النعمانِ |
وتنوعتُ بسطُ الرياضِ، فزهرُها | متباينٌ الأشكالِ والألوانِ |
مِن أبيَضٍ يَقَقٍ وأصفَرَ فاقِعٍ، | أو أزرَقٍ صافٍ، وأحمَرَ قاني |
والظلُّ يسرقُ في الخمائلِ خطوهُ، | والغُصنُ يَخطِرُ خِطرَة َ النَّشوانِ |
وكأنما الأغصانُ سوقُ رواقصٍن | قَد قُيّدَتْ بسَلاسِلِ الرَّيحانِ |
والشمسُ تنظرُ من خلالِ فروعها، | نحوَ الحدائقِ نظرة َ الغيرانِ |
والطلعُ في خلبِ الكمامِ كأنهُ | حللٌ تفتقُ عن نحورِ غوانِ |
والأرضُ تَعجبُ كيفَ نضحكُ والحيا | يبكي بدمعٍ دائمِ الهملانِ |
حتى إذا افترتْ مباسمُ زهرِها، | وبَكى السّحابُ بمَدمَعٍ هَتّانِ |
ظلتْ حدائقهُ تعاتبُ جونهُ، | فأجابَ معتذراً بغيرِ لسانِ |
طفحَ السرورُ عليّ حتى إنهُ | مِن عِظمِ ما قَد سَرّني أبكاني |
فاصرفْ همومكَ بالربيعِ وفصلهِ، | إنّ الرّبيعَ هوَ الشّبابُ الّثاني |
إنّي، وقد صفَتِ المياهُ وزُخرفَتْ | جَنّاتُ مِصرَ وأشرَقَ الهَرَمانِ |
واخضرّ واديها وحدقَ زهرُهُ | والنِّيلُ فيهِ كَكوثَرٍ بِجنانِ |
وبهِ الجواري المنشآتُ كأنّها | أعلامُ بيدٍ، أو فروعُ قنانِ |
نهضتْ بأجنحة ِ القلوعِ كأنّها | عندَ المَسيرِ تَهُمُّ بالطّيَرانِ |
والماءُ يسرعُ في التدفقِ كلما | عجلتْ عليهِ يدُ النسيمِ الواني |
طوراص كأسنمة ِ القلاصِ، وتارة ً | مُتَفَتِّلٌ كأكارِعِ الغِزلانِ |
حتى إذا كسرَ الخليجُ، وقسمتْ | أمواهُ لُجّتِهِ على الخُلجانِ |
ساوَى البلادَ كما تُساوي في النّدى | بينَ الأنامِ مواهبُ السلطانِ |
النّاصرُ المَلِكُ الذي في عَصرِهِ | شكرَ الظباءُ صنيعة َ السرحانِ |
ملكٌ، إذا اكتحلَ الملوك بنورهِ | خَرّوا لهيبَتِهِ إلى الأذقانِ |
وإذا جَرى بينَ الوَرى ذكرُ اسمِهِ، | تغنيهِ شهرتُهُ عن ابنِ فلانِ |
من معشرٍ خزنوا الثناءَ وقطعوا | بغِنا النُّضارِ جَوائزَ الخُزّانِ |
قومٌ يَرونَ المَنّ عندَ عَطائِهِمْ | شركاً بوصفِ الواحدِ المنانِ |
الموقدو تحتَ المراجلِ للقِرى | فضَلاتِ ما حَطَمُوا مِنَ المُرّانِ |
إنْ أخرَسَتْ فِلَذُ العَقيرِ كلابَهمْ | دعوُا الضيوفَ بألسنِ النيرانِ |
أسدٌ روتْ يومَ الهياجِ أكفهمْ | بدَمِ الأُسودِ ثَعالِبَ الخِرصانِ |
قصفوا القنا في صدرِ كلّ مدرَّعٍ، | والبيضَ في الأبدانِ والأبدانِ |
قد عَزّ دِينُ مُحمّدٍ بسمِيّهِ، | وسما بنصرتِهِ، على الأديانِ |
مَلِكٌ تَعَبّدَتِ المُلوكُ لأمرِهِ، | وكذاكَ دولَة ُ كلّ رَبّ قِرانِ |
وافى ، وقد عادَ السماحُ وأهلُهُ | رِمَماً، فكانَ لَهُ المَسيحَ الثّاني |
فالطيرُ تلجأُ لأنها | بنداهُ لم تأمنْ منَ الطوفانِ |
لاعيبَ في نعماهُ إلاّ أنها | يسلو الغريبُ بها عنِ الأوطانِ |
شاهَدتُهُ، فشَهدتُ لُقمانَ الحِجى ، | ونظرتُ كِسرى العَدلِ في الإيوانِ |
ورأيتُ منهُ سَماحَة ً وفَصاحة ً | أعدَى بفَيضِهِما يَدي ولِساني |
يا ذا الذي شغلَ الزمانَ بنفسهِ، | فأصَمّ سَمعَ طَوارِقِ الحِدثانِ |
لو يكتبُ اسمكَ بالصوارم والقنا | أغنَى عنِ التضرابِ والتطعانِ |
وكتيبَة ٌ ضرَبَ العَجاجُ رِواقَها | من فَوقِ أعمِدَة ِ القَنا المُرّانِ |
نسجَ الغبارُ على الجيادِ مدارِعاً | موصولة ً بمدارعِ الفرسانِ |
ودَمٌ بأذيالِ الدروعِ كأنّهُ، | حولَ الغديرِ، شقائقُ النعمانِ |
حتى إذا استعرَ الوغَى وتتبعتْ | بيضُ الصفاحِ مكامنَ الأضغانِ |
فعلتْ دروعكَ عندها بسيوفهمْ، | فِعلَ السّرابِ بمُهجَة ِ الظّمآنِ |
وبرزتَ تلفظكَ الصفوفُ إليهمُ | لَفظَ الزّنادِ سَواطِعَ النّيرانِ |
بأقَبّ يَعصي الكَفَّ ثمّ يُطيعُهُ، | فتَراهُ بَينَ تَسرّعٍ وتَوانِ |
قد أكسَبتْهُ رِياضَة ً سُوّاسُهُ، | فتكادُ تركضهُ بغيرِ عنانِ |
كالصقرِ في الطيرانِ، والطاووسِ في الـ | ـخَطَرانِ، والخَطّافِ في الرَّوغانِ |
يَرنو إلى حُبُكِ السّماءِ تَوَهّماً | لمشَى عليهِ مشية َ السرطانِ |
وفللتَ حدَّ جموعهمْ بصوارمٍ، | ككراكَ، نافرة ٍ عن الأجفانِ |
ضلتْ فظنتْ في مقارعة ِ العدى | أنّ الغُمودَ مَعاقدُ التّيجانِ |
صَيّرْتَ هاماتِ الكُماة ِ صَوامِعاً، | وكواسرَ العقبانِ كالرهبانِ |
يا ذا الذي خطبَ المديحَ سماحهُ، | فنَداهُ قَبلَ نِدايَ قَد لَبّاني |
أقصَيتَني بالجُودِ ثمّ دَعَوتَني، | فنَدَاكَ أبعَدَني، وإنْ أدناني |
ضاعَفتَ بِرّكَ لي، ولو لم تُولِني | إلا القبولَ عطية ً لكفاني |
فنأيتُ عنكَ، ولستُ أولَ حازمٍ | خافَ النّزولَ بمَهبِطِ الطُّوفانِ |
علمي بصرفِ الدهرِ أخلى معهدي | منّي، وصرفَ في البلادِ عناني |
ولربما طلبَ الحريصُ زيادة ً، | فغَدَتْ مُؤدّيَة ً إلى النّقصانِ |
فَلَئِنْ رَحَلتُ، فقد تَركتُ بَدائِعاً | غصبتْ فصولَ الحكمِ من لقمانِ |
وخريدة ً هيَ في الجمالِ فريدة ٌ، | فهيَ الغَريبَة ُ وهيَ في الأوطانِ |
مُعتادَة ً تَهَبُ الخَليلَ صَداقَها، | فخراً على الأكفاءِ والأقرانِ |
لاعيبَ فيها، وهو شاهدُ حسنِها، | إلاّ تَبَرّجَها بكلّ مَكَانِ |
قَلّتْ، وإنْ حَلّتْ صَنائِعَ لَفظِها | لكم، وإنْ نطقتْ بسحر بيانِ |
فجميلُ صنعكمُ أجلُّ صنائعاً، | وبديعُ فضلكمُ أدقُّ معانِ |