www.omferas.com
شبكة فرسان الثقافة

مشاركة العلماء في الأمور السياسية: نظرية شرعية بين المانعين و المجيزي/بللو تكروالدكتور علي منذو عثمان

0

بللو تكر/قسم الدراسات الإسلامية/جامعة ولاية يوبي،  دماترو- نيجيريا.

والدكتور علي منذو عثمان/قسم الدراسات الإسلامية/جامعة ولاية يوبي،  دماترو- نيجيريا.

التمهيد

جاءت الشريعة الإسلامية لتحصيل مصالح الدين والدنيا، ولا سبيل إلى تحقيق مصالح الدين إلا إذا اعتدلت مصالح الأمة وحسن حالها، ولا يُتَحصَّل على ذلك أيضا إلا إذا وجد فيهم من يقوم بتوحيد كلماتهم وجعلهم على ما يجلب مصالحهم، ويُتحصل على ذلك عبر السياسة. فالسياسة سِلاحٌ عظيمٌ بها تتم مصالح المجتمع.

 قال الإمام الغزالي: “الدنيا مزرعة الآخرة، ولا يتم الدين إلا بالدنيا، والملك والدين توأمان، فالدين أصل، والسلطان حارس، وما لا أصل له فمهدوم، وما لا حارس له فضائع، ولا يتم الملك والضبط إلا بالسلطان”.[1]

وقال شيخ الإسلام إبن تيمية الحراني:” يجب أن يعرَف أن ولاية أمر الناس من أعظم واجبات الدين بل لا قيام للدين إلا بها، فإن بني آدم لا تتم مصلحتهم إلا بالاجتماع لحاجة بعضهم إلى بعض، ولا بد له عند الاجتماع من رأس.[2]

فلأهميتها ودورها في تنفيذ الأوامر خلط الإسلام بينه وبين السياسة، وأوجب النبي صلى الله عليه وسلم تأمير الواحد في الإجتماع بقوله:” إذا خرج ثلاثة في سفر فليُؤَمروا أحدهم”.[3]

  فأوجب تأمير الواحد في الإجتماع القليل العارض في السفر تنبيها بذلك على سائر أنواع الإجتماع.[4]

مفهوم السياسة:

السياسة لغة: عبارة عن معالجة الأموور. وهي مأخوذة من الفعل ساس ويسوس وهي على مصدر فعالة.[5]

واصطلاحا:

 عرفها إبن خلدون بأنها:” حمل الكافة على مقتضى النظر العقلي في جلب المصالح الدنيوية ودفع المضار”.[6]

مشاركة العلماء للأمور السياسية:

كان للموضوع وجهتان:

الوجهة الأولى: تعامل العلماء للسلاطين.

الوجهة الثانية: طلبهم للمناصب السياسية.

الوجهة الأولى: تعامل العلماء للسلاطين.

قبل الحديث حول تعامل العلماء للسلاطين فلا بد من بيان مفهوم العلماء وأنواعهم كي نسطيع التمييز بين الرباني منهم والدنيوي الذي حذر الشرع عن التعامل بهم.

 فالعالم هنا: هو العارف بالقوانين الإلهية. وهم على نوعين:

1. العالم العادل: هو العالم الأمين العامل بعلمه.

 والذي إن تعامل مع السلاطين يلعب دورا هاماًّ في ضبط مسار الحاكم ومراقبة أحكامه، وما يصدر عنه من قرارات، وما يصدره من أحكام وآراء بحيث لا تخرج عن النسق المشروع.[7]

وهم على نوعين باعتبار تعاملهم مع السلاطين:

* منهم من يعامل السلاطين فيلعب الدور السابق.

* ومنهم من لا يعاملهم ويحذر تلامذته عن ذلك تحفظا لسطوتهم. كالإمام أحمد وغيره من السلف.[8]

2. والعالم الدنيوي: هو الذي تعلم العلم ولم يعمل به والذي يوثر مصلحته الخاصة على مصالح العوام وذلك بكل جائز ومستحيل.

وإن تعامل هذا العالم مع السلاطين سعى لمعاونتهم، وترجيح آرائهم وتثبيت عرشهم وملكهم ونصرة طريقتهم، وتأليبهم على مخالفيهم واستباحة حرماتهم، تحقيقا لمصلحته الخاصة. سواء كان السلطان عادلا أم جائرا وهم في ذلك على نوعين:

* منهم من يحقق ذلك عبر المنابر والوسائل الإعلامية.

*  ومنهم من يلعب دوره بالدعاء لهم.

فهذان النوعان من العلماء يجب إكرامهما لعلمهما كما يستحق ذمهما لظلمهما، أقر ذلك إبن مفلح في كتابه الآداب الشرعية :”  فَلَا تَحْرُمُ مُقَابَلَةٌ لَهُ عَلَى إكْرَامِهِ فَإِنَّهُ بِإِكْرَامِ الْعِلْمِ وَالدِّينِ مُسْتَحِقٌّ الْحَمْدَ , كَمَا أَنَّهُ بِالظُّلْمِ مُسْتَحِقٌّ لِلذَّمِّ”.[9]

 أما تعامل العلماء مع السلاطين: فالشريعة الإسلامية دوما تسعى في تحقيق سعادة الدارين ، وتحارب الظلم والتعدي للأمة وكل ما يحارب السِّلم. وقد أمر الله تعالى بالعدل[10] وجعله بين خلقه ميزانا به يكيلون حياتهم ويضعونها على ما أراد الله عز وجل. قال تعالى:” إِنَّ اللَّهَ يَأْمُرُكُمْ أَنْ تُؤَدُّوا الْأَمَانَاتِ إِلَى أَهْلِهَا وَإِذَا حَكَمْتُمْ بَيْنَ النَّاسِ أَنْ تَحْكُمُوا بِالْعَدْلِ”.[11]

فالسلطان العادل: إنه يجوز للعلماء التعامل بهم ومناصحتهم ومعاونتهم في ضبط مسارهم ومراقبة أحكامهم وما يصدر عنهم من قرارات وآراء بحيث لا تخرج عن النسق المشروع.

 قال إبن مفلح :” وَأَمَّا السُّلْطَانُ الْعَادِلُ فَالدُّخُولُ عَلَيْهِ وَمُسَاعَدَتُهُ عَلَى عَدْلِهِ مِنْ أَجَلِّ الْقُرَبِ فَقَدْ كَانَ عُرْوَةُ بْنُ الزُّبَيْرِ وَابْنُ شِهَابٍ وَطَبَقَتُهُمَا مِنْ خِيَارِ الْعُلَمَاءِ يَصْحَبُونَ عُمَرَ بْنَ عَبْدِ الْعَزِيزِ”.[12]

  قال النبي صلى الله عليه وسلم : «: إِنَّ اللَّهَ يَرْضَى لَكُمْ ثَلاَثاً، وَيَسْخَطُ لَكُمْ ثَلاَثاً, يَرْضَى لَكُمْ أَنْ تَعْبُدُوهُ وَلاَ تُشْرِكُوا بِهِ شَيْئاً، وَأَنْ تَعْتَصِمُوا بِحَبْلِ اللَّهِ جَمِيعاً، وَأَنْ تَنَاصَحُوا مَنْ وَلاَّهُ اللَّهُ أَمْرَكُمْ، وَيَسْخَطُ لَكُمْ قِيلَ وَقَالَ، وَإِضَاعَةَ الْمَالِ، وَكَثْرَةَ السُّؤَالِ».[13]

والسلطان الظالم لا يجوز معاونته في ظلمه. قال الشيخ الإمام الرباني، إبن تيمية الحراني:”فالظالم لا يجوز أن يعاون على الظلم[14] لأن الله تعالى يقول: { وَتَعَاوَنُوا عَلَى الْبِرِّ وَالتَّقْوَى وَلَا تَعَاوَنُوا عَلَى الْإِثْمِ وَالْعُدْوَانِ }.[15] وقال عليه الصلاة والسلام :” إِنَّهُ سَيَكُونُ بَعْدِى أُمَرَاءُ فَمَنْ دَخَلَ عَلَيْهِمْ فَصَدَّقَهُمْ بِكَذِبِهِمْ وَأَعَانَهُمْ عَلَى ظُلْمِهِمْ فَلَيْسَ مِنِّى وَلَسْتُ مِنْهُ وَلَيْسَ بِوَارِدٍ عَلَىَّ الْحَوْضَ وَمَنْ لَمْ يَدْخُلْ عَلَيْهِمْ وَلَمْ يُعِنْهُمْ عَلَى ظُلْمِهِمْ وَلَمْ يُصَدِّقْهُمْ بِكَذِبِهِمْ فَهُوَ مِنِّى وَأَنَا مِنْهُ وَهُوَ وَارِدٌ عَلَىَّ الْحَوْضَ “.[16]

ولا بأس لمناصحتهم بل يعد ذلك أفضل الجهاد. قال رسول الله صلى عليه وسلم:” أَفْضَلُ الْجِهَادِ كَلِمَةُ عَدْلٍ عِنْدَ سُلْطَانٍ جَائِرٍ ». أَوْ « أَمِيرٍ جَائِرٍ ».[17]

الوجهة الثانية: طلب العلماء المسلمين للمناصب السياسية

 كان للعلماء في القضية رأيان:

الرأي الأول: هو القول بعدم جواز طلب العلماء المسلمين للمناصب السياسية سدا للذريعة وذلك لأن رجال الدين يحظون بحب الناس، ولديهم مصداقية خاصة أكثر من السياسيين، وعملهم في السياسة يكسر إطار القدسية ويحطم الصورة المترفعة التي يجب أن يتحلى بها رجال الدين من الورع والتقي.

يقول الدكتور عائض القرني في مقال، عنوانها: عالم الشريعة والسياسة. :” بعد رحلة عُمرية طويلة طالعت خلالها التاريخ الإسلامي ومذكرات العلماء والمصلحين عبر التاريخ، وقرأت سيرة الأئمة بالتفصيل ومناهجهم العلمية والدعوية، خلصت إلى ما خلص إليه الكثير منهم، إلى أن عالم الشريعة إذا انغمس في السياسة أفسدت عليه عمله وإصلاحه لأن السياسة في غالب أطوارها متلونة، متقلبة، مخادعة، لأنها تعتمد على المناورة والإحتيال والتدليس والتلبيس. والعِلم الشرعي يحتاج إلى صدق ووضوح وصراحة وهذا ما يخالف غالب أطروحات السياسة”.[18]

وأشرح بأنه في كلامه هذا لا يعني عدم اهتمام الدين بالسياسة إذ الإسلام جاء للدين والدنيا ولسياسة البشر، وأنشأ النبي صلى الله عليه وسلم دولة إسلامية تولى قيادتها الخلفاء الأربعة.  لكن السياسة على ما يرى لها أهلها وروادها وأساطينها الذين يتولونها.[19]

الرأي الثاني: هو القول بجواز مشاركة العلماء المسلمين في المناصب السياسية وذلك لأن الدين والنفس والعرض في ضِمن ما يهتم الشرع بحفظه ، وكانوا اليوم جميعا يواجهون من المشاكل ما لا تُعدّ ولا تُحصى كثرة.

فالدين الإسلامي اليوم يواجه كثيرا من المكر والإحتيالات الغربية التي تهدف إلى تغيير صورته الحقيقية العادلة الصالحة لكل زمان ومكان، إلى ما يؤدي هَجرها وازدراء نظامها. وكان المسلمون يُقتَلون بشكل غير مسبوق في التاريخ ولا مانع لذلك، وأُتلف العِرض ثقافة.

ومما ساعد في تنفيذ ذلك سيطرة أعداء الإسلام وبعض المسلمين الذين ليس لهم روح إسلامي على المسلمين.

 وقد تغير أحوال المسلمين اليوم وقل منهم من يقوم بإنشاء العدل بين أمته، ومحاربة أعداء الإسلام والفساد، ومحافظة الإسلام والمسلمين، بل يسيرون إلى ما تحب هواهم وذلك لتأثرهم بخرافات الغربيين. 

والعلم الشرعي هو الذي عرف الإسلام ومقاصده والذي كان له غَيرة على كل ما يكون للإسلام والمسلمين خطرا، وهم أهل الإيمان الذي يقود ذويه نحو العدل والسعادة. فمشاركتهم في العمل السياسي أسلوب جديد من أساليب الدعوة والذي يكون نصرة للإسلام وعزة للمسلمين. وتخفيفا لبعض الأمور التي لا يستطاع تغييرها إلا بحيل ومدارات جائزة عبر السياسة.

يقول د. مسعود صبري:” ومن الواجب شرعا أن يعود علماء الإسلام إلى مكانتهم في دولتهم، فإن الفصل بين قادة الفكر وهم علماء الإسلام وبين قادة الحكم أفسد على الناس دينهم ودنياهم. فلا بد من تلاحم الطرفين. [20]

ويقول الدكتور يوسف القرضاوي:” فهؤلاء – علماء الدين – من حقهم أن يكون لهم دورهم، وأن يكون لهم إسهامهم في توجيه الناس وفي القضايا العامة، ولا يجوز أن يعزلوا عن السياسة لأنهم تعلموا الدين وتفقهوا فيه”.[21]

ونفهم مما سبق أن أصحاب الرأيين حينما تحدثوا عن آرائهم فإنهم لا يقصدون بذلك موقف الإسلام من العمل السياسي على إطلاقه إذ أنهم متفقون جميعا على أن الإسلام يتضمن في صلب دعوته إصلاح المجتمع. إنما الخلاف في دخول العلماء للمعترك السياسي وكان لكل من الفريقين براهين تقوي وجهة نظرهما.

فالرأي الأول كان له من الصواب قدر لا يجهله من له أدنى بصيرة وتأمل، إلا أن الرأي الثاني  أنفعُ منه حيث أن العالم وإن فاته شيئ لمشاركته في المعترك السياسي عند بعض المحكومين فلمشاركته دور في تخفيف آلام جناية الغربيين للإسلام والمسلمين كما تساعد في سد بعض الثُّغور التي منها تمر أفكار أعداء الإسلام.

 وعليه فإن حفظ البعض أولى من تضييع الكل.[22]

 هل يجوز لكل من أجاب اسم العالم في الإسلام المشاركة في العمل السياسي؟

ليست إجازةُ مشاركةِ العلماء للعمل السياسي إجازةً مطلقة لكل من بلغ في العلم الإسلامي مرتبةَ العالم سدّا للذريعة، وذلك لأن العملية تحتاج إلى العدالة والعلماء باعتبار ذلك على نوعين كما سبق:

1ـ العالم الدنيوي.

2 ـ العالم العادل.

العالم الدنيوي[23]

 كان لهم الأغلية في الأمة المعاصرة ولا يجوز مشاركتهم للعمل السياسي بل حذر السلفُ الصالحُ الأمةَ  من هذا النوع من العلماء قائلين:” احذروا فتنة العالم الفاجر والعابد الجاهل، فإن فتنتهما فتنة لكل مفتون. وأصل كل فتنة إنما هو من تقديم الرأي على الشرع، والهوى على العقل”.[24]

وكان لتعامله مع السلاطين، ومشاركته في العمل السياسي أثَر سيئ للإسلام والمسلمين فمنها:

1 ـ الطعن للإسلام والمسلمين.

2 ـ فرصة يستعمل بها أعداء الإسلام لهدم الإسلام وتعليمه، والتعدي للمسلمين.

العالم العادل[25]

وهم على نوعين بإعتبار ثقافتهم وفهمهم للدين:

النوع الأول: من لا يعرف كيف تسير الحياة، ولا كيف تتطور الدنيا. فخدمة هؤلاء للمعترك الوعظي والتدريسي أنفع من مشاركتهم فى العمل السياسي.

النوع الثاني: من جمع بين معرفة الشرع على حقيقته، ومعرفة الحياة على حقيقتها.

وهم على نوعين بإعتبار مساهمتهم للإسلام:

1 ـ من تخصص في الوعظ والإرشاد.

2 ـ من تخصص في التدريس والتأليف فحسب.

وكان يجوز لهذين النوعين المشاركة في العمل السياسي إلا أنه من المستحسن أن يبق النوع الأول للمعترك الوعظي وذلك لشهرتهم وقربهم للجماعة[26] مع بعض أهل النوع الثاني امتثالا لقوله تعالى: “وَلْتَكُنْ مِنْكُمْ أُمَّةٌ يَدْعُونَ إِلَى الْخَيْرِ وَيَأْمُرُونَ بِالْمَعْرُوفِ وَيَنْهَوْنَ عَنِ الْمُنْكَرِ وَأُولَئِكَ هُمُ الْمُفْلِحُونَ “.[27]  فيقوموا بتنبيه الأمة وبالتخطيط عما يساعد في تحقيق مقاصد الشريعة.

والعالم المشارك للعمل السياسي يساعد النوع الأول في تحقيق خططهم تجاه تقدم الدين ويعمل بقوته الإمارية  لدفع ما يكون خطرا للإسلام والمسلمين ولإزالة سلطان الكافرين والمنافقين ليتولى الأمور أهلها وتعود الأمانة إلى أصحابها تحقيقا لقوله تعالى: “إِنَّ اللَّهَ يَأْمُرُكُمْ أَنْ تُؤَدُّوا الْأَمَانَاتِ إِلَى أَهْلِهَا وَإِذَا حَكَمْتُمْ بَيْنَ النَّاسِ أَنْ تَحْكُمُوا بِالْعَدْلِ إِنَّ اللَّهَ نِعِمَّا يَعِظُكُمْ بِهِ إِنَّ اللَّهَ كَانَ سَمِيعًا بَصِيرًا”.[28]

ما يستحق للمشارك للعمل السياسي:

يستحب لمن يشارِك للعمل السياسي من العلماء معرفة مقاصد الشريعة ليعرف المصالح فيحققها والمفاسد فيدفعها، والتحلى بالحكمة التي تساعده في تقدير العواقب، وتدبر الأمور وحساب الأرباح والخسائر الدينية. وأن يتخذ من العلماء عدولا يَطلب مشورتهم في أموره. وأن لا يكون قلبه معلقا بالمنصب أكثر مما فيه صلاح ومصلحة للأمة، لأن ذلك من علامة الهوى الذي يسده عن قضاء واجباته.

المشاركة للعمل السياسي في الدول الحديثة الحاكمة بغير ما أنزل الله تعالى:

كما كان للعلماء في مشاركتهم في العمل السياسي رأيان كان لهم مثل ذلك أيضا في المشاركة للعمل السياسي في الدول الحديثة الحاكمة بغير ما أنزل الله.

الرأي الأول: هو القول بعدم جواز العيش فيها والمشاركة في أي نشاط سياسي فيها باعتبارها دولة غير مسلمة وإن كان أغلب أهلها أو جميعهم من المسلمين.

الرأي الثاني: هو القول بجواز العيش والمشاركة للعمل السياسي فيها. والحكم بأنها ليست دولة كافرة ولا يجوز تكفيرها مؤكدين أن كل نظام ظهرت فيه أمارات العدل وأسفر وجهه بأي طريق كان فهو من الدين.

يقول إبن عقيل رادّا لشافعي قال: لا سياسة إلا ما وافق الشرع :” فإن أردت بقولك ما وافق الشرع أي يخالف ما نطق به الشرع فصحيح، وإن أردت لا سياسة إلا ما نطق به الشرع فغلط… إلى أن قال: قد بين سبحانه بما شرعه من الطريق أن مقصوده إقامة العدل بين عباده وقيام الناس بالقسط، فأي طريق استخرج بها العدل والقسط فهي من الدين ليست مُخالِفة له”.[29]

فلا يقال إن السياسة العادلة مخالفة لما نطق به الشرع بل هي مُوافِقةٌ لما جاء به بل هي جزء من أجزائه.[30]

فواجب المشاركين للعمل السياسي فيها هو تصحيح ما فيها من انحراف ودعم ما فيها الخير لتحويلها إلى دولة إسلامية في نهاية المطاف.

الخاتمة:

عرض الباحثان في هذه الدراسة البيان حول مشاركة العلماء للأمور السياسية، فأوردا مكانة السياسة في الإسلام وعلاقتها به، إذ لا قيام للدين إلا بها وهي حارسة له، و قد رأينا كيف اعتنى الإسلام بها إذ أوجب النبي صلى الله عليه وسلم تأمير الواحد في الإجتماع القليل تنبيها بذلك على سائر أنواع الإجتماع، كما قمنا بعرض مفهوم السياسة ثم البيان عن مشاركة العلماء للأمور السياسية، فقسمنا الموضوع إلى قسمين باعتبار أوجه التي يفهم منه، الوجهة الأولى تناول الحديث فيها حول تعامل العلماء للسلاطين والحكام، فوضنا فيها أقسام العلماء كي نحصل على التمييز بين الرباني منهم والدنيوي الذي حذر السلف من التعامل بهم. وفي تعاملهم مع السلاطين بيّنا مقاصد الشرع من إقامة العدل ومحاربة الظلم، وجواز التعاون على البر والتقوى وحرمة التعاون على الإثم والعدوان. وتناول البيان في الوجهة الثانية حول مشاركة العلماء للمناصب السياسية، فذكرنا آراء العلماء في ذلك بين المحرمين والمجيزين مؤكدين للرأي الأخير لما فيه من محاولة نصرة الإسلام وعزة المسلمين. وتخفيف بعض الأمور التي لا يستطاع تغييرها إلا بحيل ومدارات جائزة عبر السياسة. ولتباين أحوال العلماء وضّحنا من بينهم من تجوز له المشاركة للعملية ومن لا، وذلك تحفظا. كما طرحنا في نهاية البحث آراء العلماء حول المشاركة للعمل السياسي في الدول الحديثة الحاكمة بغير ما أنزل الله تعالى.

ومن أهم النتائج التي يمكن الحصول عليها خلال هذه الدراسة ما يلي:

* أن الإسلام والسياسة توأمان، فالإسلام مجموعة للقوانين الإلهية التي تحقق مصالح الدين والدنيا، والسياسة، وسيلة، بها تتم تحقيق أوامر الله ونواهيه وحراسة الدين، بل لا قيام للدين إلا بها.

* عناية الإسلام بالرئاسة، إذ أوجب الرسول صلى الله عليه وسلم تأمير الواحد في الإجتماع القليل العارض للسفر تنبيها بذلك على سائر أنواع الإجتماع. وتأسيسه عليه الصلاة والسلام دولة إسلامية في المدينة المنورة.

* سماحة الإسلام وثقافته حيث ترك للمجتهد تقدير الأمور المتغيرة والحكم عليها بالصلاح والفساد للوقائع وظروف الناس وعاداتهم.

* أن العلماء على أنواع اعتبارا لتباين أحوالهم، منهم العادل، والدنيوي الذي يوثر مصلحته الخاصة. فالأول هو الأمين الوارث لهديه عليه الصلاة والسلام وخليفته في إدارة شؤون الدين والدنيا.والأخير خَوَّانٌ له عليه الصلاة والسلام، وأنهما مع تباين أحوالهما يجب إكرامهما لعلمهما كما يستحق النوع الأخير الذم لظلمهم وذلك فيما يتعلق بأمور الدين.

* أن للعلماء في طلبهم للمناصب السياسية رأيين: رأي يؤكد عدم الجواز، والآخر في إجازة ذلك.

* أنها ليست إجازة مشاركة العلماء للمناصب السياسية إجازة مطلقة لكل من أجاب اسم العالم في الإسلام وذلك لتباين أحوال العلماء.

* أن كل نظام ظهرت فيه أمارات العدل وأسفر وجهه بأي طريق كان فهو من الدين.

* أن مشاركة العلماء في العمل السياسي أسلوب جديد من أساليب الدعوة، وواجب المشاركين للعملية نصرة الإسلام وعزة المسلمين. وتخفيف بعض الأمور التي لا يستطاع تغييرها إلا بحيل ومدارات جائزة عبر السياسة.وتصحيح ما في الدول من انحراف، ودعم ما فيها الخير لتحويلها إلى دولة إسلامية في نهاية المطاف.

* أن المقصد الأعظم للشريعة الإسلامية هو تحصيل مصالح الدين والدنيا.

قائمة المراجع:

1 ـ القرآن الكريم.

2 ـ الترمذي، عيسى بن محمد، سنن الترمذي، الناشر : دار إحياء التراث العربي – بيروت، بدون تاريخ.

3. أبو داود، سليمان بن الأشعث، سنن أبي داود، الناشر : دار الفكر، بدون تاريخ. 

4. أبوعبد الله، محمد بن يزيد، سنن إبن ماجه، الناشر : دار الفكر – بيروت، بدون تاريخ.

4. أنس بن مالك، الموطأ. الناشر : مؤسسة زايد بن سلطان آل نهيان، الطبعة : الاولى 1425هـ – 2004م.

5.  الحراني، أحمد بن عبد الحليم مجموع الفتاوى، الناشر : دار الوفاء، الطبعة : الثالثة ، 1426 هـ / 2005 م.

6. أيسر التفاسير، للشيخ جابر الجزائري، الطبعة الخامسة 1424ه-2003م مكتبة العلوم والحكم، المدينة المنورة.

7. السياسة الشرعية، دار المعرفة- بيروت (بدون تاريخ)

8. إبن القيم الجوزية، الطرق الحكمية، الناشر : مطبعة المدني – القاهرة، (بدون تاريخ).

9. مقدمة إبن خلدون، الناشر دار القلم، سنة النشر 1984، مكان النشر بيروت، (بدون تاريخ).

10. المقدسي، أبو عبد الله محمد بن مفلح، الآداب الشرعية لإبن مفلح، الناشر مؤسسة الرسالة، بيروت 1996م.

11. القرضاوي، الدكتور يوسف، مدخل لمعرفة الإسلام، المكتبة الشاملة، الإصدار الأول.

12. القرضاوي، الدكتور يوسف، أولويات الحركة الإسلامية في المرحلة القادمة، المكتبة الشاملة، الإصدار الأول.

13. البارودي العتيبي، سعود بن عبد العالي، الموسوعة الجناعية الإسلامية، الطبعة الثانية .1427

. اطلعت بتاريخ 2019-04-11 1:42 ليلاmobile.saba.org 14. صحيفة سبق الإلكترونية، الرياض.

اطلع بتاريخ 2019-4-9. 1:13 ليلا. mawdoo3.com 15. تعريف السياسة لغة واصطلاحا.

. بواسطة فضيلة الشيخ عبد الرحمن بن عبد الخالق www.moslim.seالمسلمون والعمل السياسي.  16.

اطلع  بتاريخ 2019-4-10 الساعة 12:30.ليلا.

. موقع سماحة الشيخ يوسف القرضاوي. www.al-qaradawi.net17.  

اطلع بتاريخ 2019-04-10 الساعة 12:08 ليلا.

.

الهوامش:

  1. القرضاوي، الدكتور يوسف، مدخل لمعرفة الإسلام، المكتبة الشاملة، الإصدار الأول. ص 197.
  2.     II.       . السياسة الشرعية، دار المعرفة- بيروت (بدون تاريخ) ص 168.
  3. الترمذي، عيسى بن محمد، سنن الترمذي، الناشر : دار إحياء التراث العربي – بيروت، بدون تاريخ. رقم الحديث 2610.
  4.    IV.      . السياسة الشرعية لإبن تيمية ص 168.
  5. انظر:  ar.almaodoo3
  6. مقدمة إبن خلدون، الناشر دار القلم، سنة النشر 1984، مكان النشر بيروت، (بدون تاريخ).ص 97
  7. www.albayan.qe  منصور عبدالرحمن. اطلع بتاريخ 2019-04-30 يوم الثلثاء الساعة 3:16 مساعا.
  8. المقدسي، أبو عبد الله محمد بن مفلح، الآداب الشرعية لإبن مفلح، الناشر مؤسسة الرسالة، بيروت 1996م.ص 282
  9. المرجع السابق: صفحة: 284
  10.     X.       أيسر التفاسير، للشيخ جابر الجزائري، الطبعة الخامسة 1424ه-2003م مكتبة العلوم والحكم، المدينة المنورة.
  11. سورة النساء آية: 58.
  12. المقدسي، أبو عبد الله محمد بن مفلح، الآداب الشرعية لإبن مفلح، الناشر مؤسسة الرسالة، بيروت 1996م.ص 284.
  13. أنس بن مالك، الموطأ. الناشر : مؤسسة زايد بن سلطان آل نهيان، الطبعة : الاولى 1425هـ – 2004م. باب ما جاء في إضاعة المال وذي الوجهين
  14. XIV.  .  الحراني، أحمد بن عبد الحليم مجموع الفتاوى، الناشر : دار الوفاء، الطبعة : الثالثة ، 1426 هـ / 2005 م.فصل في أحوال أهل الضلال.
  15. سورة المائدة آية:2.
  16. أبوعبد الله، محمد بن يزيد، سنن إبن ماجه، الناشر : دار الفكر – بيروت، بدون تاريخ. كتاب الفتن.
  17. XVII.  صحيفة سبق الإلكترونية، الرياض.mobile.saba.org. اطلع بتاريخ 2019-04-11
  18. XVIII.  . المرجع السابق بتصرف
  19. انظر www.moslim.se، اطلع بتاريخ 2019-04-19.    
  20. انظر: www.rabtasunna.com ، بواسطة د. مسعود صبري. رابطة علماء أهل السنة، اطلع  بتاريخ 2019-04-1
  21. انظر: www.al-qaradawi.net ، موقع سماحة الشيخ يوسف القرضاوي، . اطلع بتاريخ 2019-04-1.
  22. XXII.  . . القرضاوي، الدكتور يوسف، أولويات الحركة الإسلامية في المرحلة القادمة، المكتبة الشاملة، الإصدار الأول.. ص 16.
  23. سبق تعريفه في الوجهة الأولى.
  24. XXIV.  . البارودي العتيبي، سعود بن عبد العالي، الموسوعة الجناعية الإسلامية، الطبعة الثانية .1427ص 586.
  25. XXV.  سبق تعريفه
  26. من الممكن أن ير القارئ في كلامي هذا تناقضا، حيث أكدت الرأي الثاني والآن أقول بعدم جواز مشاركة نوعٍ، معتمدا بما استدل به أصحاب الرأي الأول، فأقول  إن أصحاب الرأي الأول قالوا بعدم الجواز مطلقا مع ما في المشاركة من الأرباح الدينية واحتجوا بما لا يجهله القارئ. وأنا على رأي المجيزين لما فيه من نيل القدرة في نصرة الإسلام وعزة المسلمين وتغيير مالا يستطاع تغييره إلا بها، فعلى سبيل التوضيح اخترت من بين  العلماء من يساعد في تحقيق المقاصد المذكورة، وخرَّجت من لا تساعد مشاركته في شيئ من تحقيق المقاصد بل تفسدها معتبارا لتباين أحوالهم، واستحسنت تأخير صنف منهم اعتبارا لتباين أحوال المحكومين في الفهم والتعذر سدا للذريعة.
  27. XXVII.  ـ سورة آل عمران الآية: 104.
  28. النساء الآية: 58
  29. إبن القيم الجوزية، الطرق الحكمية، الناشر : مطبعة المدني – القاهرة، (بدون تاريخ).
  30. المرجع السابق

اترك رد

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني.