تنحصر الرؤية العامة للأفراد على الجو المحيط بهم، ومن ثم التنظير الملحق حول تفاصيله، ويفتقر الأمر للنظرة البانورامية للأمور والتركيز من بعد بنظرة تحليلية، على أمور قد لاتكون ظاهرة للعيان، وتدور معظم الأحاديث الحميمية كذلك، عن طاقة كامنة في كل إنسان لم يجر استثمارها بشكل صحيح، وهذا أمر يحتاج لنظرة موضوعية منطقية ، تبين ماخفي وغمض، وجل الأسباب المؤدية لهدر الإنساني، تنحصر في محورين اثنين:
تقصير شخصي وثقة زائدة عن اللزوم، أوتأثير خارجي وظلم متنوع الألوان.والكتاب يدور حول السبب الثاني أكثر، بإطناب واسترسال محمود.ومن خلال مقتطفات نقتطفها هنا، وبتصرف سوف نقوم بجولة حول أهم كتابنا هذا للفائدة، لعلنا نبحث عما فكربه المؤلف تحليلا، وعن حلول كذلك ولو اقترابية ، إن وجدت، هذا جل مايهمنا ،بصرف النظر عن أهم ماحوته المادة التحليلية المهمة تلك والتي تبين مدى قوة التأثير على الفرد في عصرنا هذا، وفي جعله مقادا لا قائدا حتى على نفسه حتى .والكتاب قيم لم يتلبس بمراجع دون أخرى، بل استعان بمراجع مهمة رافدة بقوة، وعامل الفكرة من جوانبها الأربعة، بثقة واقتدار، وبلا الاستعانة بمصطلحات معماة وغامضة، ورغم محاولته إيجاد حلول بسيطة ، إلا أن الأمر أعقد من ذلك في الحقيقة، ويحتاج حلا أكثر تعقيدا لاستمرار عملية الهدر، و لعل معرفة نسبة الهدر التي وصل إليها الإنسان، يبقى أمرا نسبيا لا قاطعا، وهذا الهدر يحمله معظمنا بقدر ما، وسوف ندرج لاحقا أهم ماورد في الكتاب.
من هوالدكتور مصطفى حجازي؟
هو أكاديمي ومفكر لبناني، حائز على دكتوراه الدولة في علم النّفس من جامعة ليون – فرنسا
مجالات التخصص العام: علم النفس، والبحوث والدراسات السكانية، مجالات التخصص الدقيق: الشباب/المراهقون، الصحة العقلية، والسلوك النفسي.
الخبرة الأكاديمية/الفنية: التدريس الأكاديمي، التدريب/بناء القدرات، وبرامج الحث والدعوى
من خبراته المهنية:
– أستاذ علم النفس في الجامعة اللبنانية (من 1983 إلى 1990)
– أستاذ الصحة النفسيّة والإرشاد النفسي في جامعة البحرين (من 1991 إلى 2006)، مارس
محور الفكرة:
يتحدث المؤلف، في بداية الخمسين صفحة من الكتاب، أن الفرد قد يهدر طاقته ذاتيا، أو خارجيا من خلال قوى مسيطرة، وهذا قد يوقعه في المنفى الذاتي، وتهميش نفسه طواعية، بصرف النظر عن التهميش الخارجي، وتكريس التبعية، لتحقيق غايات شخصية أخرى، قد تولد في نفسه الاضطراب الذاتي والتشويش الرؤيوي.وهذا بدوره يبين مدى العلاقات الطفلية والطفيلية التي نراها في الواقع، فالطفلية حسب مارأيت أنها تصرف مصلحي غير مسؤول، والطفيلية، تصرف تسلقي ملتوٍ على ظهور بعضهم.وكما قال عنه المؤلف، هو طابع مادي مصلحي وصولا للمغانم، مستندة على قوى لاواعية، تضفي عليه قيمة نفسية مضاعفة، تضاف إلى قيمته المادية.
**************
الترويض للحيوانات
ويروض المستبد من حوله، والذي يملك المرونة ليناور، ويتكيف تكنيكيا دون أن تغيير بنيوي حقيقي.وعبر نزوة السطوة، والنرجسية والأنا المثالي، مما يؤدي إلى نرويض المهدور للخنوع والقبول بالشروط والظروف المفروضة.ينتهي بالتعلق الرضوخي بالمستبد والإعجاب به، والرضا مما يشكل منتهى مبتغاه، الذي يؤزل سلطانه.وفي حال عدم الرضوخ، يجري تهميشه ونبذه.
هي عملية قمقمة للطاقات، وإخضاع للإرادات،ومراقبة للذات،وحتى النيات من الداخل، هو حصار محكم، يؤدي للتعلق المازوشي،بالمستبد، كحالة من الإعجاب الظاهري الحقيقي، بقوته ومكانته وهو مايشكل حالة متقدمة من هدر الكيان الإنساني، المتعلم والمفروض.
ماهو الترويض وأساليبه؟
نقترب من الصفحة التسعون، لنجد توضيحا لمفهوم الترويض، بنظر المؤلف، فهو تعريفا تدريب الحيوان، وتشكيل للسلوك الغريزي، بحيث يؤدي الحيوان السلوكيات والمهام المطلوبة، وقد يصل الأمر لاستئناس بعضها، والبرية منها، فيتوسل تقنيات تعلم معروفة.
وبينت المدرسة السلوكية عند بافلوف، بالتعلم بالاقتران الشرطي، والتي عرضت استخدامات واسعة ، في ترويض الجماهير، وغسل الأدمغة، والحرب النفسية والإعلانات.
ويوازيها في الشهرة، أعمال سكنر في التشريط الإجرائئي، التي اختلف نجوميته المسرح في مجال التعليم لكا يزيد عن نصف قرن، (أفهمها كمصطلح الإرساء)، ربط السلوك بالطعام وهو مايستخدم في عمليات التعذيب والسلوكيات الأمنية.
أما الإشراط الإجرائي عند سكنر، فهو يقوم على أن السلوك الإيجابي يرتبط بالمكافأة، أي نتيجة وأن السلوك تحكمه توابعه أو متاعه.أما السلبي فلامكافأة له، ولانتيجة، وعليه فيعني شعب مروض ، أي شعب مهدور الكيان، حسب مفهوم المؤلف، وعلى لسان يونغ تشانغ: حين كنت قد تمرست بعادة النقد الذاتي وكنت ألوم نفسي تلقائيا، على نوازع تتعارض مع توجهات ماو، كانت مثل هذه المشاعر في الحقيقة تخيفني، ولم يكن واردا أن أناقشها مع أحد، ولا في نفسي، فحاولت كبتها والتخلي عنها بطريقة التفكير السليمة، وعشت مع حالة مع التهام الذاتي الدائم، ولم يكن الغرض من هذا النقد الذاتي خلق شعب بلا أفكار فقط بل شعب مروض وبالتالي مهدور الكيان.
وتقول في مكان آخر : إن مجرد الاستفسار هو تطاول وخيانة، ولفرط التعميم يصبح الإنسان رقيبا على نواياه، وعندها يكون الترويض قد بلغ منتهاه وبلغ النجاح.
في المتخبرات الحيوانية، تجري التجربة على تعميم السلوك التجنبي، وهذا مايعمل عليه تماما البوليس السياسي، في ممارسة التغيير التي تنزل في ضحاياه، فيصبح ملفوفا بالخوف، فيعمم على السلوكيات وهذا مايطلق عليه مبدأ التعميم السلوكي: principle behavioral generalization
حيث يتبع فيه عدة أساليب، منها بعد التركيز عن الأمور الهامة، وإلغاء أي سلوك يهددها وهذا يسمى الصيد السلوكي: behavioral Trapping أي اصطياد تلك السلوكيات التي تخدم تعزيز هيمنة السلطة المستبدة، والشغل على نماذج متنوعة من السلوكيات التجنبية، بحيث تغطي المجال الحيوي للناس، وبالتاليث تنتشر سطوة المستبد على جميع النواحي الثقافية.
لعل بعض حالات الطغيان تتجاوز كل ماسبق من ضبط تجنبي وتعلم اجتماعي، وتعميم في ترويض الناس وصولا إلى غرس حالة من الاستسلام المتبلد لقدرها، فيما يعرف باستجابة العجز المتعلم:
Seligman and learned Helplessness قال Bandura:يتم فرض السيطرة بالتعلم الاجتماعي، مستعينا بكل وسائل الدعاية، والترويج للشائعات، التي تسري بين الجماهير، بسرعة خارقة.وهنا يعمل قانون التعزيز الفارقيDifferential reinforcement حيث يثاب سلوك الخضوع والولاء، ويعاقب سلوك الاستقلال والتمرد والمعارضة، مبدأ إما معنا او علينا…وعليه فهناك آليات تعزيز السلوك السلبي negative refoment في انحسار التأثير حتى الوصول للخضوع، وآليات تشكيل السلوكBehavior Shaping وتتجسد في تعليم مهارات مثل الحيوانات يترتب على أساسها السلوك بطريقة تسلسلية Chaining عبر التحليل والتركيب وهنا يصل هدر الكيان الذاتي إلى أقصى مداهن من خلال غزوه واحتلاله والاستيلاء عليه.
وتعد كثافة الاحتفالات دورا في تطريس اللحمة الاجتماعية لتمتص التوترات والاحباطات المترتبة على ذلك السلوك الجديد، فتحول دون تفجير الصراعات والتمرد، ومن ثم تكريس التلاعب بالهوية الوطنية والتلاعب بالعقول، ويبسط محمد عابد الجابري، في كتابه العقل السياسي العربي، أن الرعية عندما تتمرد لاتريد بديلا أو الوصول للاستقلال، بقدر رفع الظلم والجور عنها.
وتعتبر أداة الفلسفة أداة لدعم العصبية الحاكمة ضد العصبيات المنافسة، ولذلك فهي لم تؤد إلى نهضة وطيدة الأركان .
وعندما يعجز المهدور عن توجيه غضبه إلى الخراج على شكل مجلبهة وقتال، فسيرتد إلى الذات ويحطم صورتها، في الوقت الذي ستصاب الشخصية بالحزن، ويبرز الاكتئاب ال ذي يغذيى من مشاعر الذنب نظرا للعجز والفشل والخسارة، وتعلم السلطة تماما، أن السيطرة على الأفراد تمر من خلال عملية إفراط التأثيم، وتأجيج مشاعر الذنب الداخلية.ويعد هدر الفكر أهم ركن في ثلاثية الهدر الأخطر، أي هدر الفكر والوعي والطاقات، ولهدر الفكر صفتان تميزان عالمنا الراهن، في المستقبل المنظور، هي التسارع وانعدام التأكيد، فكل شيئ متسارع سواء على مستوى التطور العلمي والنفسي، ولاشيء من السياسة والاقتصاد والاجتماع بقي على حاله، كما أن عمر التقنيات في تناقص مستمر، فالإنسان من حيث التعريف: هو الكائن المفكر المعبر، ذلك مايميزه عن كل الكائنات الحية، والفكر نتاج التفكير، أي أعمال النظر في الشيء وتأمله. والتفكير في اللغة هو ترتيب الأمور في الذهن، ليتوصل به إلى مطلوب، فيكون علما أوظناكما ورد في القاموس المحيط والفكر لغة، هو حركة الذهن نحو المبادئ والرجوع فيها إلى المطالب، والنظر في المعلومات الواقعة،ضمن هذه الحركة.وفي نظر علم النفس التفكير يعني المعالجة الذهنية للتصورات بقصد هادف. ص 167.فلسفيا مجموعة الآراء والمذاهب المشتركة، بين أفراد جماعة ما، يتخذون منها إطارا مرجعيا يحدد الرؤية ومنهج المقارنة والتعامل، وأسلوب الحكم والتقويم، ومرشد الممارسة واتخاذ القرارات والمواقف.
الفكر والوعي والعلاج..
إن الفكر ينشط بالحوار، حيث يطلق الجسم مادتي الأندروفين والدوبامين في الدماغ وهما يولدان حالة من النشوة والحيوية، والاستمتاع والدينامية، فإن التحديات الفكرية تحتاج إلى حل وتنشيط يساعد هذا على زيادة تكوين الشبكات العصبية في الدماغ.
ومع التحريم والتجريم يخصى الذهن، ويفرض التطفيل (أي حالة التبعية الطفلية)، وهذا مايهدر الكيان البشري.لايقتصر أمر الفكر على الثقافة والإنسانيات، بل إن مؤسسات البحث العلمي بدورها تخضع لأهداف السلطة.وطبعا لافرص عمل ولا إعداد صحيح للعقل العلمي البحثي، مما يجعله ينحسر دون خط الفقر المعرفي.
لعل هدر الوعي والطاقات والانتماء، يجري من خلال أدوات التضليل الإعلامي وبرامجه لخدمتها أما هدر الطاقات، وخصوصا الكفاءات العلمية الشابة، فهو ببساطة تبديد محض لإمكانات المجتمع ورصيده الاستراتيجي المستقبلي، الذي يشكل أساس نمائه.وخاصة التهميش، وترويج ثقافة التسلية،تعريف الوعي في القاموس المحيط: وعى الشيء والحديث يعيه وعيا، حفظه وتدرب وقبله وجمعه وهواه.إنها حالة إدراك الشيء.ويرى علم النفس أن الوعي له وظيفتين هما المراقبة والتوجيه.هذا وهناك الهدر الوجودي، وهو إهدار عام لحالات اجتماعية نتجت عن الهدر السابق من حالات اجتماعية خاصة محزنة.وينتج عن ثلاثية الهدر المحتمل في العصبيات والاستبداد والعولمة مزيدا من الهدر البشري من خلال التفاقم المتصاعد للداخلين ضمن خط الفقر.وهو أمر يتجاوز المجاعات والبطالة والفقر، ولعل الهدر الذاتي ومحركات اللاوعي، التي تجعل المهدور يتقبل دور الضحية وهذا أقرب لعرض المرض النفسي، وهناك آليات دفاعية يتجاوزها المهدور إما بالمحافظة على البقاء بالشعي لتلبية الحاجات اليومية فقط، أو محاولة لتحقيق طموحه والحيوية الوثابة لديه أوإصابته بالاكتئاب لدى تقبله للهزيمة، ويمكننا تعريف الهدر بأنه اعتداء غير مستحق يتخذ طابع الظلم وعدم الإنصاف، من قبل شخص ظالم، وهو يعطل الحوار وهذا مايؤدي إلى الحالة الازدواجية، او الانشطارية، تظهر القبول وتبطن القلق والاحتقانات، مما يجعل حالة الشخص إما واضحة أو مخفية، أو غير مفهومة أو مجهولة، وتعد آليات الدفاع عن الهدر تتمثل إما بالحالة الانشطارية، أو بالاحتماء بالماضي، أو بالقدر والمكتوب، أو باللجوء لكثرة الكلام كتمويه، ويعد علم النفس الإيجابي، يحاول رفع مقدار الاقتدار لدى المهدور، بتعزيزي التفكير الإيجابي، بآلية التفاؤل المتعلم learn optimism وهو أسلوب تفسير تفاؤلي، ويدرج المختصون في الموضوع أربعة محاور:
إدراك الانفعالات والوجدانيات والعواطف وتحديدها.
توظيف الذكاء العاطفي، في تيسير التفكير من حيث توجيهه وتعديله، وتحديد ألوياته، بناء لنوع العواطف ذات الصلة.
إدراك الانفعالات والعواطف، من حيث الانفتاح على الإيجابي كما السلبي منها، وإدارتها وتوجيهها.
قال باولوا فيري: المناضل التربوي من أجل بناء الاقتدار المهدور والمستضعفين:
إنك تصنع طريقك من خلال سيرك….
28-9-2019
محور الفكرة:
يتحدث المؤلف، في بداية الخمسين صفحة من الكتاب، أن الفرد قد يهدر طاقته ذاتيا، أو خارجيا من خلال قوى مسيطرة، وهذا قد يوقعه في المنفى الذاتي، وتهميش نفسه طواعية، بصرف النظر عن التهميش الخارجي، وتكريس التبعية، لتحقيق غايات شخصية أخرى، قد تولد في نفسه الاضطراب الذاتي والتشويش الرؤيوي.وهذا بدوره يبين مدى العلاقات الطفلية والطفيلية التي نراها في الواقع، فالطفلية حسب مارأيت أنها تصرف مصلحي غير مسؤول، والطفيلية، تصرف تسلقي ملتوٍ على ظهور بعضهم.
وكما قال عنه المؤلف، هو طابع مادي مصلحي وصولا للمغانم، مستندة على قوى لاواعية، تضفي عليه قيمة نفسية مضاعفة، تضاف إلى قيمته المادية.
**************
الترويض للحيوانات
ويروض المستبد من حوله، والذي يملك المرونة ليناور، ويتكيف تكنيكيا دون أن تغيير بنيوي حقيقي.وعبر نزوة السطوة، والنرجسية والأنا المثالي، مما يؤدي إلى نرويض المهدور للخنوع والقبول بالشروط والظروف المفروضة.ينتهي بالتعلق الرضوخي بالمستبد والإعجاب به، والرضا مما يشكل منتهى مبتغاه، الذي يؤزل سلطانه.وفي حال عدم الرضوخ، يجري تهميشه ونبذه.
هي عملية قمقمة للطاقات، وإخضاع للإرادات،ومراقبة للذات،وحتى النيات من الداخل، هو حصار محكم، يؤدي للتعلق المازوشي،بالمستبد، كحالة من الإعجاب الظاهري الحقيقي، بقوته ومكانته وهو مايشكل حالة متقدمة من هدر الكيان الإنساني، المتعلم والمفروض.
ماهو الترويض وأساليبه؟
نقترب من الصفحة التسعون، لنجد توضيحا لمفهوم الترويض، بنظر المؤلف، فهو تعريفا تدريب الحيوان، وتشكيل للسلوك الغريزي، بحيث يؤدي الحيوان السلوكيات والمهام المطلوبة، وقد يصل الأمر لاستئناس بعضها، والبرية منها، فيتوسل تقنيات تعلم معروفة.
وبينت المدرسة السلوكية عند بافلوف، بالتعلم بالاقتران الشرطي، والتي عرضت استخدامات واسعة ، في ترويض الجماهير، وغسل الأدمغة، والحرب النفسية والإعلانات.
ويوازيها في الشهرة، أعمال سكنر في التشريط الإجرائئي، التي اختلف نجوميته المسرح في مجال التعليم لكا يزيد عن نصف قرن، (أفهمها كمصطلح الإرساء)، ربط السلوك بالطعام وهو مايستخدم في عمليات التعذيب والسلوكيات الأمنية.
أما الإشراط الإجرائي عند سكنر، فهو يقوم على أن السلوك الإيجابي يرتبط بالمكافأة، أي نتيجة وأن السلوك تحكمه توابعه أو متاعه.أما السلبي فلامكافأة له، ولانتيجة، وعليه فيعني شعب مروض ، أي شعب مهدور الكيان، حسب مفهوم المؤلف، وعلى لسان يونغ تشانغ: حين كنت قد تمرست بعادة النقد الذاتي وكنت ألوم نفسي تلقائيا، على نوازع تتعارض مع توجهات ماو، كانت مثل هذه المشاعر في الحقيقة تخيفني، ولم يكن واردا أن أناقشها مع أحد، ولا في نفسي، فحاولت كبتها والتخلي عنها بطريقة التفكير السليمة، وعشت مع حالة مع التهام الذاتي الدائم، ولم يكن الغرض من هذا النقد الذاتي خلق شعب بلا أفكار فقط بل شعب مروض وبالتالي مهدور الكيان.
وتقول في مكان آخر : إن مجرد الاستفسار هو تطاول وخيانة، ولفرط التعميم يصبح الإنسان رقيبا على نواياه، وعندها يكون الترويض قد بلغ منتهاه وبلغ النجاح.
في المتخبرات الحيوانية، تجري التجربة على تعميم السلوك التجنبي، وهذا مايعمل عليه تماما البوليس السياسي، في ممارسة التغيير التي تنزل في ضحاياه، فيصبح ملفوفا بالخوف، فيعمم على السلوكيات وهذا مايطلق عليه مبدأ التعميم السلوكي: principle behavioral generalization
حيث يتبع فيه عدة أساليب، منها بعد التركيز عن الأمور الهامة، وإلغاء أي سلوك يهددها وهذا يسمى الصيد السلوكي: behavioral Trapping أي اصطياد تلك السلوكيات التي تخدم تعزيز هيمنة السلطة المستبدة، والشغل على نماذج متنوعة من السلوكيات التجنبية، بحيث تغطي المجال الحيوي للناس، وبالتاليث تنتشر سطوة المستبد على جميع النواحي الثقافية.
لعل بعض حالات الطغيان تتجاوز كل ماسبق من ضبط تجنبي وتعلم اجتماعي، وتعميم في ترويض الناس وصولا إلى غرس حالة من الاستسلام المتبلد لقدرها، فيما يعرف باستجابة العجز المتعلم:
Seligman and learned Helplessness قال Bandura:يتم فرض السيطرة بالتعلم الاجتماعي، مستعينا بكل وسائل الدعاية، والترويج للشائعات، التي تسري بين الجماهير، بسرعة خارقة.وهنا يعمل قانون التعزيز الفارقيDifferential reinforcement حيث يثاب سلوك الخضوع والولاء، ويعاقب سلوك الاستقلال والتمرد والمعارضة، مبدأ إما معنا او علينا…وعليه فهناك آليات تعزيز السلوك السلبي negative refoment في انحسار التأثير حتى الوصول للخضوع، وآليات تشكيل السلوكBehavior Shaping وتتجسد في تعليم مهارات مثل الحيوانات يترتب على أساسها السلوك بطريقة تسلسلية Chaining عبر التحليل والتركيب وهنا يصل هدر الكيان الذاتي إلى أقصى مداهن من خلال غزوه واحتلاله والاستيلاء عليه.
وتعد كثافة الاحتفالات دورا في تطريس اللحمة الاجتماعية لتمتص التوترات والاحباطات المترتبة على ذلك السلوك الجديد، فتحول دون تفجير الصراعات والتمرد، ومن ثم تكريس التلاعب بالهوية الوطنية والتلاعب بالعقول، ويبسط محمد عابد الجابري، في كتابه العقل السياسي العربي، أن الرعية عندما تتمرد لاتريد بديلا أو الوصول للاستقلال، بقدر رفع الظلم والجور عنها.
وتعتبر أداة الفلسفة أداة لدعم العصبية الحاكمة ضد العصبيات المنافسة، ولذلك فهي لم تؤد إلى نهضة وطيدة الأركان .
وعندما يعجز المهدور عن توجيه غضبه إلى الخراج على شكل مجلبهة وقتال، فسيرتد إلى الذات ويحطم صورتها، في الوقت الذي ستصاب الشخصية بالحزن، ويبرز الاكتئاب ال ذي يغذيى من مشاعر الذنب نظرا للعجز والفشل والخسارة، وتعلم السلطة تماما، أن السيطرة على الأفراد تمر من خلال عملية إفراط التأثيم، وتأجيج مشاعر الذنب الداخلية.ويعد هدر الفكر أهم ركن في ثلاثية الهدر الأخطر، أي هدر الفكر والوعي والطاقات، ولهدر الفكر صفتان تميزان عالمنا الراهن، في المستقبل المنظور، هي التسارع وانعدام التأكيد، فكل شيئ متسارع سواء على مستوى التطور العلمي والنفسي، ولاشيء من السياسة والاقتصاد والاجتماع بقي على حاله، كما أن عمر التقنيات في تناقص مستمر، فالإنسان من حيث التعريف: هو الكائن المفكر المعبر، ذلك مايميزه عن كل الكائنات الحية، والفكر نتاج التفكير، أي أعمال النظر في الشيء وتأمله. والتفكير في اللغة هو ترتيب الأمور في الذهن، ليتوصل به إلى مطلوب، فيكون علما أوظناكما ورد في القاموس المحيط والفكر لغة، هو حركة الذهن نحو المبادئ والرجوع فيها إلى المطالب، والنظر في المعلومات الواقعة،ضمن هذه الحركة.وفي نظر علم النفس التفكير يعني المعالجة الذهنية للتصورات بقصد هادف. ص 167.فلسفيا مجموعة الآراء والمذاهب المشتركة، بين أفراد جماعة ما، يتخذون منها إطارا مرجعيا يحدد الرؤية ومنهج المقارنة والتعامل، وأسلوب الحكم والتقويم، ومرشد الممارسة واتخاذ القرارات والمواقف.
الفكر والوعي والعلاج..
إن الفكر ينشط بالحوار، حيث يطلق الجسم مادتي الأندروفين والدوبامين في الدماغ وهما يولدان حالة من النشوة والحيوية، والاستمتاع والدينامية، فإن التحديات الفكرية تحتاج إلى حل وتنشيط يساعد هذا على زيادة تكوين الشبكات العصبية في الدماغ.
ومع التحريم والتجريم يخصى الذهن، ويفرض التطفيل (أي حالة التبعية الطفلية)، وهذا مايهدر الكيان البشري.لايقتصر أمر الفكر على الثقافة والإنسانيات، بل إن مؤسسات البحث العلمي بدورها تخضع لأهداف السلطة.وطبعا لافرص عمل ولا إعداد صحيح للعقل العلمي البحثي، مما يجعله ينحسر دون خط الفقر المعرفي.
لعل هدر الوعي والطاقات والانتماء، يجري من خلال أدوات التضليل الإعلامي وبرامجه لخدمتها أما هدر الطاقات، وخصوصا الكفاءات العلمية الشابة، فهو ببساطة تبديد محض لإمكانات المجتمع ورصيده الاستراتيجي المستقبلي، الذي يشكل أساس نمائه.وخاصة التهميش، وترويج ثقافة التسلية،تعريف الوعي في القاموس المحيط: وعى الشيء والحديث يعيه وعيا، حفظه وتدرب وقبله وجمعه وهواه.إنها حالة إدراك الشيء.ويرى علم النفس أن الوعي له وظيفتين هما المراقبة والتوجيه.هذا وهناك الهدر الوجودي، وهو إهدار عام لحالات اجتماعية نتجت عن الهدر السابق من حالات اجتماعية خاصة محزنة.وينتج عن ثلاثية الهدر المحتمل في العصبيات والاستبداد والعولمة مزيدا من الهدر البشري من خلال التفاقم المتصاعد للداخلين ضمن خط الفقر.وهو أمر يتجاوز المجاعات والبطالة والفقر، ولعل الهدر الذاتي ومحركات اللاوعي، التي تجعل المهدور يتقبل دور الضحية وهذا أقرب لعرض المرض النفسي، وهناك آليات دفاعية يتجاوزها المهدور إما بالمحافظة على البقاء بالشعي لتلبية الحاجات اليومية فقط، أو محاولة لتحقيق طموحه والحيوية الوثابة لديه أوإصابته بالاكتئاب لدى تقبله للهزيمة، ويمكننا تعريف الهدر بأنه اعتداء غير مستحق يتخذ طابع الظلم وعدم الإنصاف، من قبل شخص ظالم، وهو يعطل الحوار وهذا مايؤدي إلى الحالة الازدواجية، او الانشطارية، تظهر القبول وتبطن القلق والاحتقانات، مما يجعل حالة الشخص إما واضحة أو مخفية، أو غير مفهومة أو مجهولة، وتعد آليات الدفاع عن الهدر تتمثل إما بالحالة الانشطارية، أو بالاحتماء بالماضي، أو بالقدر والمكتوب، أو باللجوء لكثرة الكلام كتمويه، ويعد علم النفس الإيجابي، يحاول رفع مقدار الاقتدار لدى المهدور، بتعزيزي التفكير الإيجابي، بآلية التفاؤل المتعلم learn optimism وهو أسلوب تفسير تفاؤلي، ويدرج المختصون في الموضوع أربعة محاور:
إدراك الانفعالات والوجدانيات والعواطف وتحديدها.
توظيف الذكاء العاطفي، في تيسير التفكير من حيث توجيهه وتعديله، وتحديد ألوياته، بناء لنوع العواطف ذات الصلة.
إدراك الانفعالات والعواطف، من حيث الانفتاح على الإيجابي كما السلبي منها، وإدارتها وتوجيهها.
قال باولوا فيري: المناضل التربوي من أجل بناء الاقتدار المهدور والمستضعفين:
إنك تصنع طريقك من خلال سيرك….
28-9-2019