السلام عليكم أستاذة “مطرة القرني” .. ورحمة الله تعالى وبركاته .. منذ أن قرأت تعليقك على دخول بعض المسؤولين على معلمة في فصلها .. وقد قلتِ في التعليق :
“لو انهم بنات رجال ما سمحوا لهم بالدخول”
منذ أن قرأت هذا التعليق الكريم .. وأنا عاجز على الكتابة .. وكذلك عن التعليق .. عاجز عن نسيان الموضوع .. !!
أختي الكريمة .. لا يخفى عليك أن “الموظف ” .. أو”الموظفة” .. يوصف في بعض الأدبيات – بل ذكر ذلك الأستاذ محمد حسين زيدان في “ذكريات العهود الثلاثة” – بأنه”رقيق” .. وبالتالي لم يكن بيد مديرة المدرسة أو المعلمات .. منع وفد رسمي من الوزارة من دخول المدرسة .. تستطيع كل واحد منفردة أن تستقيل .. أو تغادر .. ولكنها لا تستطيع المنع.
كيف وصلنا إلى هذه النقطة؟
أو كيف نحول “دولة محافظة” – بل شديدة المحافظة – إلى “دولة لبرالية”؟
الخطوة الأولى : اختيار أشد الأقوال “محافظة” .. وليس السر هنا بل في نفي كل ما يخالف ذلك. مثلا :الحجاب وهو أحد مرتكزات الخلاف بين “المحافظة” و”اللبرالية” إذ لا يرضى المسلم – في إحدى الاختيارات الفقهية – أن تكشف المرأة وجهها .. وعلى النقيض منه لا يتحمل”اللبرالي” .. أن تتسر عنه!!
نعم. نفي كل ما يخالف ذلك .. حتى يترسخ في أذهان الجميع أن من خالف هذا الاختيار .. فقد خالف الإسلام نفسه .. وأتذكر أنني قرأت أو سمعت – في فيلم تسجيلي – أن الجامعة الإسلامية – في المدينة المنورة ،لم تجدد عقد الشيخ “الألباني” بسبب رأيه في جواز كشف المرأة وجهها!
الخطوة الثانية : السماح .. أو غض النظر عن .. أو عرض المسلسلات – ثم الأفلام – التي ترى فيها المرأة،لا كاشفة وجهها،بل حاسرة .. إلخ .. حتى ينشأ جيل .. بل أجيال على هذه المناظر .. حتى لا يستنكرها أحد ..
وهنا .. أتذكر ما كتبه أحد “تجار السينما” في جدة .. ذكر أنه تقدم لوزارة الإعلام السماح له بفتح”سينما” .. فجاء الرد : لا تعطوه ترخيصا .. ولا تمنعوه من فتحها!! كانت”السينما” معروفة في”جدة” – بل وفي المدينة المنورة نفسها!! – تهاجمها “الهيئة” بين حين وآخر .. وقد وثق لقطة من ذلك الروائي المصري”العمري” في روايته”اهبطوا مصرا”
الخطوة الثالثة : اليقام بعمل مناقض تماما لمبدأ “الحجاب” وستر المرأة .. أي “بذرة لبرالية” تستورد .. وتُزرع كما هي .. ليقف كل إنسان عند حده .. أعني كشف الرجال على النساء .. دون وضع “خطة”لتغيير حالة “الضرورة”التي تبيح لرجل أن يكشف على امرأة جاءت بكامل حجابها .. ولا تسمح رجل أجنبي أن يرى وجهها .. !!
الخطوة الرابعة :
أ – يُفتح الباب لـ”المثقفين” للاعتراض على”الحجاب” .. وتُطرح أسئلة تبدو .. في جيل نشأ على “الحاسرات” في”المسلسلات” منطقية جدا : هل المرأة في ماليزيا ليست مسلمة؟ هل المرأة في كذا أو كذا ليست مسلمة؟كما كتبت الأستاذة انتصار العقيل .. دون أن تشير إلى وجود نساء مسلمات .. في مكان أو آخر .. يرتدين “البكيني” على الشواطئ!!
ب – تتدخل فئة”باحث شرعي” في الموضوع وتبدأ وجهة النظر الأخرى – التي لم يكن لها وجود في الخطاب الرسمي – تظهر . . وقد كتب باحث .. يحمل الماجستير أن نساءه لا يخرجن إلا وهن مثل “الغربان” ولكن الأمانة العلمية تقتضي أن يقول أن ستر الوجه ليس واجبا ..
جـ – يترقى الأمر من “باحث شرعي” إلى “عالم” .. وساعد في الأمر “تدخل خارجي” : الفضائيات .. وحين كثر الحديث عبر”الفضائيات”عن جواز كشف وجه المرأة .. نُقل لي أن رجال قال لابنته .. لا تغطي وشك .. كانوا يضحكوا علينا!!
وهذا كله فرع عن أصل واحد .. هو أننا لم نقل للناس أن “ستر الوجه” و”كشفه” – بشروطه – اختيارات فقيهة .. وبلاد الحرمين اختارت حسب مذهبها الفقهي “ستر الوجه” ولا نتدخل في اختيارات الآخرين الفقهية . . بل الذي حدث العكس .. حتى وصل الأمر بالبعض إلى القول أن”كشف الوجه” لا يقول به إلا من ليست لديه غيره .. إن لم يقل أحدهم .. لا يقول به إلا”ديوث”!! وكانت الفكرة حينها استنكار أن يوصف أئمة الفقه .. ومنهم إمام دار الهجرة مالك بن أنس – رحمه الله – بهذا الوصف الشنيع .. ثم تبين عبر الخطوة”د” أن الأكبر من وصف “تابعي” بانعدام الغيرة .. !!
د – نقلت صحيفة”الوطن”عن شيخ من هيئة كبار العلماء عندنا حديثه عن :
( برنامج تشترك فيها النساء بالحجاب الإسلامي بالمعنى الثاني”أي غطاء الرأس دون الوجه”وينبغي أن نفرح بأن 80% من النساء المسلمات يرين أن هذا هو الحجاب الإسلامي الذي يؤجرن باتباعه. مبينا فضيلته أن أكثر من 90% من نساء المسلمين يعتقدن بالمعنى الثاني للحجاب الإسلامي،مشيرا إلى أن الخلاف بين ابن مسعود وابن عباس من زمن المصطفى صلى الله عليه وسلم وحتى الآن.){ جريدة الوطن العدد رقم 1295 بتاريخ 25 / 2 / 1425هـ }
ماذا ؟ لا يقول بجواز كشف الوجه إلا من؟
وصلت للصحابة رضي الله عنهم .. فلا تعليق
وبعد أربعة عشر عاما سئل الشيخ نفسه .. (فضيلة الشيخ ما حكم لبس عباية الكتف،وإطالة الأظافر؟ (..) وأما عباية الكتف فهي إذا كانت واسعة وعليها طرحة ساترة فلا بأس بذلك سواء كانت العباءة على الكتف أو على الرأس مع أن أكثر من تسعين في المائة{ما حكاية التسعين في المائة!! – محمود} من المسلمات الملتزمات في العالم الإسلامي ما عليهن عبايات ولا يعرفن العبايات ونحن نراهم في مكة والمدينة نساء ما شاء الله ملتزمات من حفظة القرآن{ كيف عرف أنهن حافظات بمجرد الرؤية!! – محمود} ومن الداعيات إلى الله لكن ما عندهن عبايات ولهذا أحبتي في الله ما نلزم الناس بالعبايات. العباية عندنا ستر وهي داخلة في الجلابيب التي قال الله تعالى”يا أيها النبي قل لأزواجك وبناتك ونساء المؤمنين يدنين عليهن من جلابيبهن ذلك أدنى أن يعرفن فلا يؤذين”لكن إذا سترت المرأة نفسها سواء كانت سترت بعباءة على الرأس أو بعباية على الكتف كما نرى عند أخواتنا في البادية أو بغير ذلك فالحمد لله) : تسجيل في سنة 2018م.
بعد أن ثارت ضجة على هذه الفتوى .. رد الشيخ بأنه كان يتحدث عبر “إذاعة القرآن الكريم” فهو يتحدث لجميع المسلمين .. وهنا ملاحظتان :
الأولى : السؤال المحدد من سائلة محددة من بلد محدد .. لا يقتضي بالضرورة توجيه الكلام لجميع المستمعات .. ثم لو افترضنا جدلا … ما الذي يمنع أن ترتدي المسلمة – في غير هذا البلد – عباية وهي الأكثر سترا؟ ثم السائلة تسال فقط عن”عباية الرأس” و”عباية الكتف” .. فما الداعي لنسف”العباية” أصلا؟
الثانية : ما علاقة أخواتنا في البادية بالموضوع!!
أثارت الفتوى المشار إليها ضجة – كما أشرتُ – وقبلها فتوى”جواز التأمين” .. بعد عقود من النداء بحرمته .. حتى انتشرت “قصة” أو”نكتة” أن متصلا قال لأحد كبار العلماء عندنا : أبي يأمرني بالتدخين ..
– : لا يجوز.
– : يجبرني.
– : لا طاعة لمخلوق في معصية الخالق.
– : ولكنك قلت في”التأمين” : أطع .. أطع!!
النتيجة لمثل هذه الفتاوى التي تنسف ما قُرر للناس .. عبر عقود .. متوالية .. النتيجة المباشرة له ستكون .. في أقل درجة .. عدم المبالاة بأهل العلم الشرعي وما يوقعوا به عن الله سبحانه وتعالى .. تمام كما عبر عن ذلك بالعامية .. كانوا يضحكون علينا .. وهي عبارة شديدة التعبير.
كما أن فقدان الثقة في أهل العلم الشرعي شديد الخطورة .. فطاعة ولاة الأمر التي ترسخت عبر الثقة في علماء البلد .. فمن الخطورة بمكان جعل الناس تفقد ثقتها فيهم.
الخطوة الخامسة : جعل المرأة تكره أنوثتها .. لا تستطيع السفر إلا بإذن ولي أمرها .. وهذا خلط بين قضية شرعية هي عدم السفر دون محرم .. والرجل الذي أمره النبي صلى الله عليه وسلم أن يذهب ويحج مع زوجته بدلا من الغزة التي كان قد اكتتب فيها .. هنا من الواضح أن تلك الزوجة كانت ستصل إلى مكة المكرمة – في عشرة أيامه – دون أن يوقفها أحد .. ويسألها أين “موافقة ولي الأمر” .. وسبق أن كتبت عن عدم السماح إحدى بناتنا إلا بموافقة زوجها .. مع أنها برفقة “محرم” .. هو والدها!! والشرع أمر بـ”المحرم”فهل الأب غير محرم!! .. إضافة إلى اشتراط – في بعض الحالات : حضرت شخصيا حالتين منها – أن يكون”الشاهد” للمرأة”محرما” لها .. وهذا لم يقل به أحد من الفقهاء .. بل نص الفقه الحنبلي على جواز أن تكشف المرأة وجهها للقاضي في حالة التقاضي .. ونتجية ذلك كله .. ستكون كراهية المرأة لأنوثتها .. وترحيب الكثيرات بكل تغير .. حتى لو كان فيه تجاوز للدين.
الخطوة السادسة : رفع وتيرة تكاليف الحياة .. حتى يصبح أمر توفير الأساسيات .. هما يشغل تفكير غالبية الناس ..
وهذا سينتج شيئين :
الأول : الذي كان يتحرج من إخراج نسائه للعمل .. في غير التعليم .. والعمل غير المختلط .. سوف يضطر إلى غض البصر …إلخ
الثاني : وهذا هو مربط الفرس .. والداعي لكتابة هذه الأسطر .. لذلك سوف أعيد “تعليقك أختي مطرة ” :
“لو انهم بنات رجال ما سمحوا لهم بالدخول”
لو أن “رجلا” أخبرته أخته أنها – وهي المضطرة للعمل – وجدت عملا مختلطا”كاشيرا” – مثلا – بثلاثة آلاف .. سيقول لها : اجلسي في منزلك وتصلك الآلاف الثالثة كل شهر .. ولكن .. ولكن .. مع تصعيب الحياة .. لن يستطيع أن يضرب على صدره .. ويدفع لأخته ما يغنيها عن العمل المختلط .. أما ..
أما إذا ظن “الأخ” أنه من سلالة “عنترة بنت شداد” .. فاراد منع أخته من العمل المختلط .. مع عدم قدرته على تعويضها .. حينها تأتي الخطوة
السابعة : سن قوانين تعاقب “سليل عنترة” .. وتضع في يد تلك الأخت – المضطرة – سيفا تشهره في وجه أخيها أو وليها .. فهي مستقلة بحكم القانون .. فما الذي يستطيع “الأخ” أن يفعل؟
يقاطع أخته .. وهذا بالضبط ما ترغب فيه “اللبرالية” .. تفكيك الأسرة .. وتدميرها.
فهل هذه “بوادر”فتن .. تذكر بحديث سيدنا أبو هريرة – المتفق عليه – رضي الله عنه ،عن الحبيب صلى الله عليه وسلم قال :
(والذي نفسي بيده لا تذهب الدنيا حتى يمر الرجل بالقبر،فيتمرغ عليه،ويقول : يا ليتني مكان صاحب هذا القبر،وليس به الدين وما به إلا البلاء).
من أراد أن يتصور حالة “الفتن” .. وحالة رجل يقف عاجزا وهو يرى “ابنته” أو .. أو .. تُدفع إلى العمل أو تدرس مختلطة بالرجال.. فعليه تصور غضب أم غربية .. غير مسلمة .. لما حصل لابنتها .. فقد
(ادعت أمس والدة طالبة في التاسعة من عمرها أن ابنتها تعرضت إلى”اعتداء جنسي”خلال ساعات التعليم،الاثنين الماضي مع ثمانية من التلاميذ في غرفة مغلقة في مدرسة ابتدائية في واشنطن “دي – سي”.رونالد باركر مدير مدرسة”ونستون”أكد أن أربع فتيات وخمس فتيان تورطوا”في عمل جنسي جماعي رضائي متبادل”وأن”لا جرائم ارتكبت أثناء ذلك” (…) وقالت الأم:”إنني أشعر أن ابنتي اغتصبت بشكل ما. وأن ما حصل كان يجب ألا يحصل.إننا نرسل أولادنا إلى المدرسة للتعلم ونعتقد أنهم في أمان. ولكن هل صحيح أنهم في أمان؟!” (…) وقال { أي مدير المدرسة – محمود} “إن الجنس تم برضا الأطفال”(…) لقد تركت الفتاة وعمرها 9 سنوات صفها ودخلت إلى غرفة صغيرة مجاورة ثم لحقها التلاميذ في غياب المعلم وحصلت”مناوشات جنسية”.){ جريدة الحياة العدد رقم 12462 وتاريخ 5 / 12 / 1417هـ = 12 / 4 / 1997م}.
ومن “طفلة” .. إلى”دكتورة” ..
فالدكتورة رنا قباني ..( في مؤلفاتها تنتقد (…) النفاق الغربي في موضوع المرأة العربية والمسلمة. وكشفت رنا قباني في مقدمة كتابها الصادر بالإنجليزية “الروايات الإمبريالية”اعتداءات وقعت عليها عند التحاقها بأول دفعة فتيات في جامعة كامبردج التي كانت مغلقة أمام النساء حتى عام 1980. وذكرت أنها تعرضت إلى موقف في هذه الجامعة التي تعتبر أرقى مؤسسة أكاديمية غربية،تبين حجم النفاق في الغرب في اتهام العرب بعدم احترام المرأة،وذكرت كيف عرض عليها المشرف على أطروحتها للدكتوراه أن تكون عشيقته وأوصى بطردها من الجامعة عندما رفضت ذلك.){ جريدة الحياة العدد رقم 12079 وتاريخ 2 / 11 / 1416هـ .}
أما هذا “الخبر” – الذي نشرته جريدة”الشرق الأوسط” – فإنه يثير الكثير من الألم .. حيث ..(كسبت طالبات جامعة “ميلز كوليدج”في ولاية كاليفورنيا الأمريكية المعركة بعد أسبوعين من الاحتجاج وعاد مجلس إدارة الجامعة أمس الأول عن قراره بفتح أبواب الجامعة أمام الطلاب الذكور ){ جريدة الشرق الأوسط العدد رقم 4191 وتاريخ 25 / 10 / 1410هـ = 20 / 5 / 1990م} .
لكن “المسلمة الملتزمة لا بواكي لها” ..
صدقت يا سيدي رسول الله .. عليك صلاة الله وسلامه .. وإلى الله المشتكى.
أبو أشرف : محمود المختار الشنقيطي المدني