www.omferas.com
شبكة فرسان الثقافة

الْحَقْ : مخدر يُباع في بلاد المسلمين .. جِهارا

0

أبو أشرف : محمود المختار الشنقيطي المدني

دعك من العنوان،أيها القارئ – إن اصطادك “شَرَكُ” العنوان – يتعلق الأمر أو تتعلق هذه الأسطر .. بقضية تاريخية .. وقرت في نفسي لدرجة أنني ظننت أن الناس كلهم قد أحيطوا بها علما!!

وهي انني أعتبر نفسي العدو الأول لـ”الدخان” أو”تباكة” – كما يسميه الشناقطة – أو”التتن”أو”التوتون”،أو”الخبيثة”كما كانت تسميه جدتي،رحم الله والديّ ورحمها.

نعم. أعتبر نفسي العدو الأول لـ”الذي لا يُسمى” في منطقة الشرق الأوسط وشمال أفريقيا .. كنتً أكرهه .. ولكنني أصبحتُ – وأمسيتُ ،وأضحيتُ – أمقته.

لا يتعلق الأمر فقط بالحساسية التي أعاني منها … ولكنه أفقدني إخواني – من المدخنين – فقد كان عليّ أن أضحي بالاجتماع بهم .. مع مرض قد يستمر أسبوعا أو أكثر .. وأزعم أن أكثر من 60% من إجازتي العادية ذهبت ضحية للمرض .. وقد كان أقل ما يستطيع الموظف الحصول عليه منها 15 يوما!

كانت حساستي .. واضطراري لهجر إخواني .. سببا مباشرا لكراهتي للدخان .. ثم مقته لسبب آخر “محدث” .. مرض أحد إخواني .. فقيل لي “يدخن”!! عندها أحسست أن “الكراهية”التي كنت أكنها للدخان .. أقرب إلى “الحب”قياسا على ما شعرتُ به .. بطبيعة الحال .. قدر الله – سبحانه وتعالى – وما شاء فعل .. وشفا الله أخانا .. وعافاه ..

ألح عليّ سؤال افتراضي  ..  بل سؤالان :

كيف دخنتُ؟

لماذا لم أتركه؟

إن عجز “المدخن”الذي أيقين من  ضرر ال؟؟؟ .. هو الذي جعلتي أصمه بـ”المخدر” .. وبناء عليه وضعتُ العنوان المخاتل… إضافة إلى سبب آخر .. سوف يأتي إن شاء الله.

في بداية ابتلاء الأمة بهذا الداء .. لم تكن أضراره قد عُلمت .. علم اليقين .. لذلك نجد اضطرابا لدى العلماء في حكم الدخان .. بين من يفتي بحرمته .. ومن يفتي بعكس ذلك.

وجدتُ في “كناشتي” عناوين لمخطوطات،متعلقة بهذا البلاء، لم أذكر مصدرها !!

(العنوان :  رسالة في أحوال الدخان ومصه / الشيخ عبد النافع / القرن 12 / أولها :”الحمد لله الذي حرم على عباده الخبائث وأحل لهم الطيبات )

(العنوان :  الصلح بين الإخوان في إباحة الدخان / عبد الغني النابلسي”1142هـ – 1731م”/ أولها : “الحمد لله الذي جعل استعمال دخان التتن نافعا .. ومحللا لما تكاثف في الصدر من لزوجة البلغم ومهضما عن المعدة .. ” وآخرها:”والتبغ باق على أوصاف خلقته شمس الإباحة منه فوق أفلاك .. الحمد لله )

(العنوان : غاية البيان لحل شرب مالا يغيب العقل من الدخان / علي بن محمد الأجهوري المالكي “1066هـ – 1656م”/ آخرها :”فقد اتضح لك أن شرب مالا يغيب العقل من الدخان المذكور غير محرم باتفاق المذاهب الأربعة )

(العنوان : رسالة في أحكام الدخان والقهوة “لم يذكر لها عنوان” / محمد بن مصطفى الخادمي أبو السعود “ت 1168هـ – 1755م”/أولها :”اعلم أن أسباب الحرمة أمور .. الإسكار كالخمر،أو النجاسة كالبول والدم،أو المضرة كالطين والحجر ..” آخرها:”وإن الخلاف وإن ظهر ضعفه فالأولى عدمه ما لم يخالف بمشروع مأثور . والله تعالى أعلم”)

(العنوان : رسالة في حكم الدخان بين الإباحة والتحريم / “مجهول المؤلف” / تاريخ النسخ القرن 12 هـ )

(العنوان : رسالة في الدخان وبيان حله : وهي رد على رسالة محمود جلبي الشهير بخشن محمد جاويش الملقب بالحجاج الثاني / المؤلف : أحمد بن مصطفى “رئيس الأطباء بمدينة مغنيسيا”/ تاريخ النسخ 1126هـ)

(العنوان : رسالة في منافع الدخان واستطابته / منصور المغربي “كان حيا سنة 1126هـ” أولها”فهذه رسالة في منافع النبات المسمى بتبغة وقد أظهر الله تعالى على يد الشيخ العارف والقطب الكامل الشيخ منصور المغربي فبين صنوف منافعه ..إلخ”)

ذكر أبو السعود أن من أسباب التحريم”المضرة” فلعله – غفر الله لنا ولوالدينا وله –  لو عرف أضراره لما أفتى بجواز “تعاطيه”

أما السبب الآخر لوصم “الدخان”بـ “المخدر”فعطفا على ما جاء في يوميات”إحسان الترجمان”وهو مقدسي جُند في الحرب العالمية الأولى،وقد كتب تلك اليوميات بين عامي 1915 – 1916م.  

جاء في اليوميات { يوم الجمعة 23 نيسان 1915 “غربي” 10 نيسان 1331 “عثماني” الموافق 9 جمادى الثانية 1333″هجري” وتحت عنوان “التوتون أهم من الأكل” : في الهامش : السجائر}

كتب”إحسان”ما يلي :

(نفذ الدخان من القدس ولم يعد يجد أحد دخان مطلقا وقد استاء الجميع من ذلك وضجوا لفقدانهم التوتون. فقد نفذت عدة أشياء من قبل مثل السكر والكاز والأرز وما شاكل،ولكنهم لم يهمهم ذلك كاهتمامهم بالدخان. إنه والحق يقال لأمر عجيب. استغنت الأهالي عن أشياء كثيرة ولكنهم اهتموا بأمر الدخان أكثر من الأكل حتى أن البعض صار يصخب على الحكومة ويلومها لإعلانها هذه الحرب.

أخذت اليوم دخان من والدتي من مشروبها الخصوصي “ماركة “((صامسو)) وهي قد تدبرت لهذا الأمر وخزنت عندها بضعت صناديق. ولاشك بأنه سيكفيني ويكفيها ريثما يأتي الدخان. آخر صندوق دخان نفذ البارحة وقد كان معي سيكارتين فرطت السكارتين ولففتهما ثلاث سكارات اقتصادا. إن داء الدخان لداء عظيم سامح الله من علمني عليه.){ص 130 – 131 (عام الجراد : الحرب العظمى ومحو الماضي العثماني من فلسطين) / سليم تماري / مؤسسة الدراسات الفلسطينية + مؤسسة الدراسات المقدسية / 2008}.

بطبيعة الحال حين يستغني الناس عن الطعام .. ويبلعون ألسنتهم .. ولكن حين غاب”الدخان”صخبوا على الحكومة .. فلعلي أُعذر إن وصفتُ الدخان بأنه”مخدر”فقد أفقد الناس خوفهم من الحكومة !!

هجر”إحسان”الدخان فترة،ثم عاد إليه .. وكتب :

 (لم أدخن عن اشتياق إليه بل إنني لما تركت الدخان في هذه المدة اتهمني كاتبي بالبخل لأنني تركته. {“شياطين الإنس”هؤلاء في كل زمان!! فكم من تاركٍ للدخان عاد إليه بسبب سيجارة ألح عليه بها صديق!! – محمود}كلا والله لم يكن ذلك عن بخل مني بل كان ذلك لأمرين أولهما لأنني كنت أجد مشاكل جمة حتى أجد دخاني. وفي كل مرة كنت آخذ”اشتري”دخانا بها كنت أضطر دائما لأن أمالق بائعه وأترجاه حتى يرضى أن يبيعني احتياجي وهذا ما دعاني لتركه. والسبب الثاني هو المحافظة على صحتي. ولكن السبب الأول هو الأهم .){ ص 317}.

قد يكون السؤال الذي يطرح نفسه : لماذا لا تحرم القوانين الدولية هذا”المخدر” الذي ثبت ضرره !!

الجواب بطبيعة الحال”الدورلار” أو”المال” .. كتب الأستاذ عبد الحي زلوم :

(إن القتل من أجل المال يقع ضمن قيم النظام الذي تطالب الولايات المتحدة العالم بتبنيه. في نظام الرأس مالية المعلوماتية يعتبر المال المقياس النهائي للنجاح. ولم تفعل واشطن الكثير لكبح جماح صناعة التبغ طيلة 33 سنة. وذلك بعد أن أقر كبار الأطباء في وزارة الصحة الأمريكية،منتصف الستينيات من القرن الماضي،بوجود دليل كاف ودامغ لدعم الافتراضات القائلة بأن التدخين قاتل ومسبب للإدمان. “مجلة التايم 30 يونيو 1997″قالت :”إن الأمريكيين يخسرون ما مجموعه 4 ملايين سنة تراكمية سنويا من حياتهم في وقت مبكر مما يمثل أسوأ فضيحة صحية أمريكية باتة مقبولة بشكل روتيني. ومن السخرية إنكار رؤساء شركات التبغ والسجائر الحقائق الدامغة بأن التدخين يؤدي إلى الإدمان والموت،علما بأن كمية ضخمة من الوثائق الداخلية الحاسمة التي كشف النقاب عنها خلال العقد الماضي أثبتت عكس ذلك”(..) وخلال السنوات الثلاثين التي قدم فيها كبار الأطباء في وزارة الصحة الأمريكية البينات المقنعة على الخواص القاتلة لصناعة التبغ،قضى حوالي 14 مليون أمريكي نحبهم موتا أو قتلا من الدخان){  ص 12- 13}.

تلويحة الوداع :

كتب أخونا مالك الشباز،عن تجربته في الحج :

(في تلك الحجة أجزم أنه تم استهلاك مليون زجاجة من المشروبات على الأقل،وتدخين عشرة ملايين سيجارة.المسلمون العرب على وجه الخصوص كانوا لا يكفون عن التدخين. كانوا يدخنون حتى وهم محرمون وأنا على يقين أن التدخين لو وجد في عهد الرسول لحرمه) {ص 263 – 264 “مذكرات مالكولم إكس } .

كما قال سيدنا عبد لله بن عباس – رضي الله عنهما – “خذوها من غير فقيه”

أقول .. خذوها من غير “فقيهين”!!

أبو أشرف : محمود المختار الشنقيطي المدني

يوم الجمة 14 شعبان  1440هـ = 19 إبريل 2019م.

اترك رد

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني.