تعد قراءة
تعد قراءة كتاب ” النقد الثقافي للناقد الكبير ” عبد الله الغذامي” مهمة غير يسيرة للمتعمق والباحث التفصلي،
ولعلنا لم نجد دراسة متأنية وتفصيلية للكتاب الذي أمسك برؤوس الفلسفة النقدية فوق النخبوية،
ولعل عمق المعرفة لدى تلك القامة السامقة بادية للعيان في تلافيف الكتاب
ولكن يبقى السؤال المطروح هنا حول الكتاب يتفرع لعدة محاور:
1- ماذا كان يريد ان يقول لنا؟
2- المستوى الرفيع من البحث الذي اتخذه:
اما الأول فينحصر في عدة محاور:
ثقافة الهيمنة أو الحوار أو المعارضة ، وهي المسيطرة على عالم الثقافة
2- الفرق بين الثقافة المؤسساتية والحرة.
3- أدبية الأدب والأركان الأساسية في النص الأدبي النسقي.
كان هذا حتى الصفحة 64
ولعل هذا غنى فكري وبحث غير مسبوق ولامطروق في كتب النقد عموما، فقد جاء لافتا مختلفا ولكن:
هناك إغراق في المصطلحية، والفلسفة التفسيرية، رغم استعانته بأقوال مفكرين كبار عالميين، ولعل رأي الأستاذ ” محمد واصف الحكيم ” لدى مطالعته لشذرات منه، يدعوه للقول:
إن الكتاب فوق النخبوي، لأن من ليس لديه رصيد قرائي سابق في عالم النقد والمفاهيم النقدية ،لن يفهم بسرعة مراد المؤلف.
ورغم هذا كان مغرقا بالروح الفلسفية، فهل تعتبر الفلسفة داعما هاما للنقد؟.
نرجح الإيجاب مبدئيا.
وعلى هذا فقد انتقى جمهوره وقرائه.
ففي مجال النقلة الاصطلاحية وقد قدم مصطلحات مركبة ، ليست أصيلة بقدر ماهي اصطلاح على اصطلاح ، بمايعني أنه يمكننا أن نضع أبسط من تلك
لسهولة التناول :
يقول:
تشمل النقلة الاصطلاحية:ص 63
أ- عناصر الرسالة (الوظيفة النسقية)
ب- المجاز (المجاز الكلي).
ج- التورية الثقافية
د-نوع الدلالة
هـ – الجملة النوعية
و – المؤلف المزدوج
*******
ومن خلال الاسقاطات عليها سنقدم وجهة نظرنا:
في العنصر الأول: يذكر رومان ياكوبسون، ولعل ذكر النظريات الغربية أدت إلى تقديم الفكرة وشرحها مركبة
وهو صاحبة أدبية الأدب، فلماذا لانقل: خصوصية الأدب(راجع كتابنا : دراسة في خصوصية الإبداع الأدبي).
وكذا فيما قال بعدها شارحا: ننظر للنص بوصفه حادثة ثقاقية، وليس مجتلى أدبيا.
لماذا هذا الدوران على المعنى؟ هل هو وليد الترجمة؟
في النقلة ب:
يقول بأن المجاز من عوارض الألفاظ، هو يجعل الاستعمال فعل عمومي جمعي وليس فعلا فرديا ، نعم ويكمل:
وهذا يتطلب منا أن نجعل الاستعمال أصلا نظريا ومفهوماتيا: هل بعني أنه يسمح للالفاظ بفرض وظيفتها؟
أتساءل.
ويقول: ص 69
مفهوم المجاز له قدرة فائقة في كشف وتسمية التحولات الدلالية، على مستوى المفردة والجملة، فإن توسع المفهوم سيساعدنا على كشف الازدواج الدلالي الأخطر، ذلك الازدواج الذي
يتلبس الخطاب الثقافي ببعده الكلي الجمعي.
أليس فكرة مثل هذه يمكننا تقديمها بتوضيحين هامين: أن يكون للجملة أكثر من معنى وهو المنهج الأدبي المفتوح
إضافة لأهمية الأمثلة التطبيقية لكل فكرة على بساطتها لو جردناها من مصطلحاتها؟ أم هي المهارة المصطلحية
ليركض القارئ وراء المؤلف في فك شيفرة الفكرة.؟
ج- التورية الثقافية:
نعم هي منجز بلاغي ولكن يقول بناء عليه: في النقد الثقافي لم نعد معنيين بما هو في الوعي اللغوي وإنما نحن معنيون بالمضمرات النسقية
وهي مضمرات لاتعين المصطلحات البلاغية !!!
هل يعني ان لاعلاقة للمعنى بالبلاغة؟
د- الدلالة النسقية:
يميز هنا ناقدنا الكبير مابين دلالة صريحة ودلالة ضمنية، وهذا من أعمدة التعبير الأدبي ولكن أليس مفهوم كهذا يتقاطع مع السيميائية ولو قليلا؟
في مفهومه الدلالي، فلم لانؤلف بين المناهج النقدية مادام هناك مشترك؟ أم هي السباقات المصطلحية.؟
ويقسم:
دلالة صريحة
دلالة ضمنية
دلالة نسقية
هـ – الجملة النوعية(الجملة الثقافية)
يقول هنا:
إن الدلالة الصريحة تستند إلى الجملة النحوية والضمنية تتنشأ عن الجملة الأدبية، وهو مانسميه الجملة الثقافية
انواه الجمل:
الجملة النحوية: دالة صريحة
الجملة الأدبية
الجملة الثقافية المتولدة عن الفعل النسقي في المضمر
أليس هنا تناقض غريب على ماسبق من تعداد؟
و_المؤلف المزدوج:
يقول هنا: كثير من الدراسات اكتفت بتغيير مجالها البحثي دون أن تتوسل لذلك بمنهج منضبط، فوقعت في فخ
الأنساق دون أن تدرك، مما يجعلنا نتخذ بين يدي عملنا هذا قواعد انضباطية منهجية نستعين بها على مراوغة
مادة البحث وملاحقتها.
وعلى هذا هناك مؤلفين اثنين ضمني ونموذجي وفعلي والآخر هو الثقافة ذاتها.والمؤلف المضمر هو الثقافة .
نظن هنا أن أصل الفكرة هي المؤلف المضمر وتكرسه الجمل المتوحة المعنى والتي يحملها التأويل على عدة معان.
وإذن مايقرر الازدواجية ليس فقط المؤلف المضمر بل تعدد دلالات الجملة الواحدة أيضا.
ويتبادر لدينا سؤالا تلقائيا، ربما هو ساذجا في عقيدة النقاد الكبار لكنه ملح حين تغرق الدراسة بهذا الكم الهائل
من المصطلحات: أين النماذج التطبيقية لتوضيح كل فكرة ومصطلح؟
أليس هذا من أبسط حقوق الناقد غير المحترف؟، وحتى الناقد المحترف أيضا؟.
بل هو من أصول الأبحاث الأكاديمية.
يتبع
رغم أن ناقدنا العزيز يفرد قسما هاما من الكتاب لوظيفة الأنساق وماتبعها من مفاهيم، إلا أن تعريفا مختزلا للأنساق أو النسق من وجهة
نظره ، كأن يكون بسيطا غاب عن الطرح، فغاص القارئ في مصطلحات كثيرة منها:أن الأنساق تختبئ وتتوسل بها القيم لعمل عملها الترويضي.
في الصفحة 81: يتكلم عن وظيفة النقد الثقافي: تأتي وظيفته من كونه نظرية في نقد المستهلك: مؤكد الهاء بالفتح.
ويقول في الصفجة 83: الشعر لم يزل مرتهنا لعيوب نسقية لا تجعله مهيأ لأن يقود خطاب التحديث، وقد يكون هو العائق التحديثي.
ثم يقول في الصفحة: 87:
الشعر هو الخطاب الذي احتكر مشروع التحديث عندنا!!!
أليس هذا تناقضا؟ بكل الأحوال نحسب له أن النقد يشمل الجمال إلى جانب القبح سواءوأن هناك ضرورة لدراسة سبب سيادة عمل ما عن غيره، ولكنه نسي أن هناك أسبابا خارج النص مثل المحسوبية
أليس هذا سببا آخر ، يجب مراعاته خارج المثالية النقدية.؟
ص 85
يقول الغذامي في ص 97:
الشعر علم العرب الذي ليس لهم علم سواه.هذا ماقاله عمر بن الخطاب.(العمدة 27/1)
وأثر عن الرسول صلي الله عليه وسلم :لأن يمتلئ جوف أحدكم قيحا حتى يريه خير من أن يمتلئ شعرا.
وكما فعل ابن عباس الذي جعل الشعر أحد مصادر تفسير الآيات القرآنية.
ويخلص بعد هذا العرض وغيره ناقدنا يقول:لقد صار الشعر هو المؤسسة الثقافية العربية وتمت شعرنة الذات العربية وشعرنة الخطاب العربي.
ومع أن الشعراء يقولون مالا يفعلون، فإن اللافاعلية هنا هي إحدى عيوب الخطاب، لأنها تسلب من اللغة قيمتها العملية.
وعليه فعلي الرغم من وجود صفات أخلاقية وجمالية راقية في الشعر، إلا أن فيه صفات أخرى لها من الضرر ما يجعل الشعر أحد مصادر الخلل النسقي في تكوين الذات وفي عيوب الشخصية الثقافية.
فهل هو هنا وضع حل للالتباس الذي وجدناه سابقا؟.
********
يقترح ابن المقفع نوعين من العقل: هما العقل الذاتي والعقل الصنيع، ويفرق بينهما عبر المقارنة بين الأرض الطيبة، والأرض الخراب.
لكن الناقد يقول عن تلك المقولة أنها معزولة ومعلقة في الفراغ.
فنحن لانجد حولنا سوى العقل الصنيع!
فهل كفانا الأوائل المؤونة؟
ويقول ابن المقفع: إن الأوائل أكبر أجساما وأرجح عقولا.ص 133 و107
**********
ولعل أهم قسم في الكتاب عندما يقسم الشعر إلى أطوار وينسف قيمته التاريخية ، بدعل الطور الأول طور الفحولة وذكر القبيلة والمفاخر، ثم الأنا
والنتصار للنفس ثم الوول للتملق والتكسب، بين مديح ينقلب رثاء ومديح يحوي هجاء..وهو براي ناقدنا وشعراء ذاك الزمان إن لم ينبع من الترهي والترغيب
فليس بشعر لأنه سينقلب رثاء ونسيبا لذا عد شعراء ذاك الزمان دي الرمة بربع شاعر، ولعل استنكار المسلمين للهجاء تجسد أكثر ماتجسد بقول سيدنا عمر بن الخطاب عندما
اشترط لإخراج الحطيئة الهجّاء أن يكف عن الهجاء المقذع فساله عنه، فقال:
– ان تقول هؤلاء أفضل من هؤلاء وأشرف، وتبني شعرا على مدح لقوم وذم لمن يعاديهم.ص 165
******
وعلى هذا فإن ناقدنا الكبير يتقاطع معنا بمقولة : ليس هناك شاعر كبير بمعنى كبير،لأن كل شاعر له عورات شعرية.
وقد اتهم ناقدنا المتنبي بالنسق الأناني والقبلي كذلك.
وعلى هذا فإن الشعر العربي يخلو من المنطق بناء عما ورد، فهو مشاعري خالص، وانطباعي تام….فهل تعد هذه عورة شعرية كبيرة؟ وتعريف الشعر من الشعور؟، أم لعورة في انفسنا من أننا قوالون لافعالون؟.
نتساءل.
********
إن أول من قدم غرض المديح أبو تمام والمتنبي، ودخلوا نفق الكذب والمداهنة وهنا يقول الناقد بصدق مزاعم ابن المقفع أن العقل الصنيع حل محل العقل الذاتي، ويقدم سمات النسق الأربعة وهي:
1- الذات الممدوحة المندمجة مع الذات المادحة، وتوظيف كل الوسائل لنشر كل مايتعلق بذلك لنصرة النفس.
2-في النسق الشعري، لاترى الذات غضاضة من التحدث عن ذاتها ونسبة الأمجاد إليها نسبة مجازية لايشترط لها دليل غير دعوى الذات وتصديقها لما تقول عن نفسها.
3-مفهوم الفحولة معنى هو أقرب إلى العنف والبطش، ومن لم يكن ذئبا تأكله الذئاب.
4-الامكان للمعارضة أو مخالفة الرأي، والآخر دائما قيمة ملغية.
5- في النسق يجري تحويل القيم من قيم تنتسب للعمل والفعل، إلى قيم مجازية متعالية.
ويقول أخيرا: الثقافة هي مايربى الوجدان العام للأفراد ويمنحهم النسق الذهبي والسلوكي، وبما إن الشعر عندنا هو ديوان وجودنا الثقافي فقد صار النموذج النسقي المحتذى.ص 199
*************
لقد جرى في العصر العباسي عملية فرز ثقافي
في عصر التدوين، بحيث انقسمت الثقافة مابين:
عربية- وفارسية يونانية، أي متن وهامش، مابين
ثقافة مؤسساتية ومهمشة، بحيث تجمعهما خصلة
الاستبداد والفحولة والأنانية.
وتفرقهما الأمكنة.
وقد كان للجاحظ في كتاب البيان والتبين
محطة في تسخير قلمة للتندر بالعرب:
، كالسود ان والنساء والبرصان والجواري..
.بحيث جعلها مادة للتسلية، ومتى كانت هذه
مادة لتسلية؟.ص 223
حقائق مدهشة واسقاطات غريبة تحتاج وقفة…
*******
في اواخر الكتاب يقدم رؤيته لشعر نزار وادونيس (علي أحمد سعيد) في أن نزار مستفحل وادونيس مشروع تفحيل، وانهما لعبوا بالنسق ولم يخرجوا عن فحولة الاولين، لكن هذا لاينفي
أنه يكمل اتهامه لنزار بتعهير اللغة خاصة في ديوان طفولة نهد، ولعل وجهة نظر مفتش الدولة السابق السوري واصف الحكيم من ان أدونيس فيلسوف وليس شاعر
ولعلنا نتبني وجهة النظر هذه لأن بعض شهره كان هذرا كشعر وللفلسفة هو اقرب.
أتحول إلى طبيعة ثانية
وتنزلق بين فخذي النباتات
كل حجر حارس يسهر معي
وأدخل في أبعاد ترشح من شقوقها البخارات
******
هل مهمة القارئ فك جدائل النص المعقد.؟؟
أم هي هوية ناقد كبير؟ أم هي عضلاته النقدية؟
نتساءل.
*****
مع كل الاحترام للجهد المائز.
د.ريمه الخاني 9-9-2015