مشروعان إمبراطوريان يتنافسان ويتصارعان في إقليم المشرق العربي هما “المشروع الإيراني” و”المشروع الأميركي” (!!)
ولكل مشروع منهما أدواته (!!)
أدوات المشروع الإيراني هي
“النظام السوري” و”النظام العراقي” و”حزب الله” و”الحركة الحوثية” (!!)
أما أدوات المشروع الأميركي فهي “النظام السعودي” و”النظام الأردني” و”النظام المصري” (!!)
وعلى هامش هذه الأنظمة الأدوات الثلاثة، توجد دولتان تختلفان قليلا عن هذه الأنظمة هما “تركيا” و”إسرائيل”، ووجه الاختلاف هو أن هاتين الدولتين تتحركان لا بوصفهما أداتين فقط، بل بوصفهما أداتين تنزعان إلى التأسيس لمشروعين قوميين إقليميين تمتلك كل منهما عناصره ومقوماته الثقافية والتاريخية التي تؤسس له من وجهة نظرها، انطلاقا من الطورانية العثمانية لدى تركيا، وانطلاقا من التوراتية البروتستانتية الصهيونية الشوفينية العنصرية لدى إسرائيل (!!)
من هنا يبدو أن القوى المتمترسة في خندق المشروع الأميركي تنزع إلى أن تُرَجِّح ميزان القدرة الإقليمية لصالح هذا المشروع (!!)
المشروع الإيراني يتعرض لاختراقات قاسية في معاقل أهم أدواته وهما “الدولة السورية” التي تسبب اختراقها أميركيا في إضعاف “النظام السوري” بوصفه أداة أساس في سيرورة المشروع الإيراني، و”الدولة العراقية” التي تسبب اختراقها أميركيا في إضعاف “النظام العراقي” بوصفه أداة أساس أخرى في سيرورة المشروع الإيراني (!!)
إن رجحان كفة ميزان القدرة الحالي في هذه المعركة الدائرة في الإقليم لصالح المشروع الأميركي راجع بالدرجة الأولى إلى استخدامه في سيرورته لأنظمة تتحكم في ماكينات دول هامة ومركزية، سواء كانت دولا كاملة الأدواتية بسبب افتقارها الكامل إلى مشاريعها القومية مثل “السعودية” و”مصر” و”الأردن، أو دولا أدوات تنزع إلى التأسيس لمشاريعها القومية لتصبح مُناددة للمشروع الأميركي، وهما تحديدا “تركيا” و”إسرائيل” (!!)
إيران وإدراكا منها لأهمية الدولة وماكينتها في تقوية منظومة أدوات أي مشروع، فإنها لطالما حاولت الدفع باتجاه بسط هيمنة “حزب الله” الفاعلة والمنتجة والحقيقية على الدولة اللبنانية، ولكنها فشلت في ذلك بسبب أن حدة التنافس بين المشروعين كانت في الغالب لصالح الفريق الآخر الأقدر على استخدام أدواته من إيران التي كانت تعاني من أنها ووجهت بالاختراق وهي في مرحلة التأسيس لمشروعها وتشكيل أدواته (!!)
ولهذا السبب وبعد اتضاح وجهة الإقليم في تجاذبات تقاسم النفوذ الإقليمي بين قواه الرئيسة المتنافسة، فإنها – أي إيران – راحت تسابق الزمن لتستعيض عن خسارتها لبنان واختراق العراق وسوريا اختراقات مؤلمة أميركيا، لكي تؤسس لنظام أداة جديد في اليمن بكل الدلالات الإستراتيجية لهذا الإنجاز إن تحقق (!!)
إلا أنها توسعت وتمددت ومددت أدواتها هناك بشكل غير مدروس لا عسكريا ولا سياسيا، متجاهلة أن وصولَها من خلال تلك الأدوات إلى تلك المنطقة الحساسة على النحو المستفز الذي شاهدناه على مدى الأسابيع الأخيرة، يستنفر مخاوف كل من السعودية التي تتحسَّس من مخاطر ما يجري على خاصرتها الجنوبية الغربية، ومصر التي ترى أن شريان حياتها الأهم وهو “قناة السويس” سيصبح في خطر إذا ما تمت سيطرة قوى طامحة وغير مأمونة على مضيق باب المندب (!!)
قد يكون ما يحدث في اليمن ضمن حزمة توافقات معلنة أو ضمنية بين المتنافَسَيْن الأميركي والإيراني، بعد أن عرف كلُّ طرف الإمكانات الحقيقية للطرف الآخر وحدود تطلعاته وقدرته على تجسيدها، وبعد أن تبين لكل منهما مدى إصراره، وعند أي عناصر من هذا الإصرار قد يقف وقد يستمر (!!)
وقد يكون فخا أوقعت فيه الولايات المتحدة إيران وأدواتها بإبدائها عدم اكتراث بما يمكن أن تفعله إيران هناك في سياق سياسة الاستعاضة عن الخسائر والاختراقات في سوريا والعراق، لتجد إيران نفسها مكشوفة أمام دول إقليمية عديدة لها مصلحة كبيرة في أن يتوقف الزحف الإيراني وأدواته في اليمن (!!)
دون أن نتغاضى عن حرص الولايات المتحدة على إبقاء التوازنات محفوظة وفق خطتها الإستراتيجية المرسومة لإدارة أزمة الإقليم وتحديد معالم مستقبله، وهو ما يدل عليه بوضوح تزامن الحملة السعودية المسنودة خليجيا ومصريا وأردنيا وأميركيا على اليمن، مع استجابة واشنطن للمطالب العراقية بتأمين دعم جوي للقوات التي تحاول استعادة تكريت من داعش منذ حوالي شهر كامل بلا فائدة، لنرى كيف أن الطيران الأميركي بدأ بقصف مواقع لداعش في محافظة “صلاح الدين” في رسالة واضحة من واشنطن لإيران مفادها أنها تستطيع الاطمئنان للتوازنات المعقولة والمتوافق عليها علنا أو ضمنا، إذا ما عرفت كيف تُلَجِّم حدود طموحاتها الإقليمية في مناطق نفوذها التقليدية وغير التقليدية، وإذا ما تصرفت على أساس ما تقتضيه تلك التوافقات في كل من اليمن وسوريا والعراق (!!)
لقد كانت الرشوى الكبرى التي قدمتها الولايات المتحدة للمشروع الإيراني برفعها كدولة من قائمة الدول الداعمة للإرهاب، وبرفع “حزب الله” من قائمة التنظيمات الإرهابية، بمثابة مقدمة واضحة على أن إيران قدمت أو انها ستقدم ما عليها تقديمه في لعبة تقاسم النفوذ في الإقليم، وعلى أن الأوراق التي يمتلكها المشروع الأميركي من خلال أدواته الإقليمية، أكبر بكثير مما تتوقعه وتحتمله الطموحات الإيرانية، وأن عليعا من ثم أن تعيد النظر في الكثير من تطلعاتها الإمبراطورية في الوقت الراهن على الأقل لأنها ستكلفها الكثير، مادم هناك إصرار أميركي وإصرار من قبل الأدوات الأميركية في الإقليم على المضي إلى أبعد ما في اللعبة من آفاق لكي لا تتعدى إيران ما قبلت به أميركا، وإن يكن تحت ضغط ميزان قوى مفروض عليها (!!)
ما يجب أن نعترف به بكل مهانة في كل مكونات هذه المعادلة التي نشاهد سيرورتها في الإقليم، هو أننا جميعا بوصفنا عربا لسنا سوى أدوات لتجسيد هذا المشروع أو ذاك، وللعب على هامش هذا المشروع أو ذاك، ولسنا بأي حال أصحاب قضية ولا أصحاب مبادرة، ولا أصحاب فعل (!!)
وكل من يتصور نفسه أنه حليفٌ لهذا الطرف أو لذاك، وأنه ليس مجرد أداة بائسة من أدواته، ويعيش الوهم القاتل بأنه إن كان في خندق أدوات المشروع الإيراني فهو يقاوم الإمبريالية والصهيونية، وأنه إن كان في خندق أدوات المشروع الأميركي فهو يواجه التمدد والتوسع المذهبي الشيعي الصفوي الفارسي لحماية العرب السنة منه، فهو إما أحمق جاهل يُستخدم وقودا لمعركة ليست له فيها أي مصلحة، وإما متواطئ ومنتفع يحاول شرعنه انتفاعه ببطولات زائفة، مرة بأكاذيب مواجهة الإمبريالية والصهيونية من خلال خندق المشروع الإيراني، ومرة بهلوسات وأساطير مواجهة المد الشيعي الفارسي الصفوي من خلال حندق المشروع الأميركي (!!)
ولأننا لا نتحدث عن فريق المنتفعين، فإن جميع الواهمين الذين يعيشون الكذبة وكأنها حقيقة، لا يريدون أن يفهموا أن الأداة بطبيعتها قابلة لأن تُحرق بكل بساطة وبدون تأنيب ضمير الميكافيليية البراجماتية، عندما يتم التأكُّد من أن وجودها أصبح عبئا على سيرورة الصراع كما حددته موازين القوى المتفق على خرائطها بين الكبار المتصارعين (!!)
كما أنهم لا يريدون أن يتقبلوا بكل تواضع المخلصين إن كانوا مخلصين، أن من يتنافسون عليك لن يجدوا أنفسهم ملزمين بمنحك حقك وكرامتك وحريتك ما لم تفرض ذلك عليهم، وأن من لا يمتلك مشروعه القومي المتكامل المنادد لكل المشاريع المتصارعة أيا كان موضعه القُدروي على أرض الواقع، لن يكون سوى في موقع الأداة الدائمةِ الأدواتية، متحركا من خندق مشروع إلى خندقِ مشروعٍ آخر بلا أي إنجاز حقيقي على الأرض (!!)
لا تتعبوا أنفسكم في معرفة من هو صاحب الحق ومن هو على الباطل من هؤلاء الذين ارتموا في أحضان المشروعين، فكلهم باطل لأنهم ارتموا في احضان باطِلَيْن إذا ما قيس الحق والباطل بشروط نهضتنا القومية (!!)
ولا تتعبوا أنفسكم في اختيار أي الخندقين هو الأقل إضرارا بنا وبعروبتنا وبأمتنا كي تقبلوا التخندق فيه، فكل تلك الخنادق مَقاتِلٌ لأمتنا وَمذابح لمستقبلنا، فكل واحد من أصحاب المشاريع يدافع عن مشروعه، وكل واحدة من الأدوات إنما تدافع – في أحسن الأحوال – عن أجندتها الفئوية أو القطرية أو المذهبية أو الطبقية ليس إلا، وليس عن قومية ووطن ونهضة أمة، هذا إذا لم تكن مجرد أداة تنتحر خدمة للمُسْتَخْدِم بلا مقابل أو ثمن (!!)
أنجزوا مشروعكم النهضوي في إطاره الثقافي والسياسي والاقتصادي المتكامل، وادخلوا المعركة من هذا الباب، ستفرضون أنفسكم إن آجلا أو عاجلا، وستلتف حولهم طلائع الأمة لأنكم ستجسدون نهضتها وتحررها من كل أصناف الأعداء، بدءا بالوظيفية، ومرورا بالإمبريالية والصهيونية، وانتهاء بالفارسية والطورانية العثمانية، لأنكم ستلفتون انتباه الكل إلى أنكم تعيدون إنتاج واقعكم باستقلال تام عن أصحاب تلك المشاريع المعادية لنا والمتنافسة على بلادنا وتاريخنا ومستقبلنا وثقافتنا واستقرارنا وتطلعاتنا (!!)