المرأة وقضايا الاختلاط واللباس والزينة والحلية
اتضح لنا من خلال الفصلين السابقين أنه لا يوجد حياة عامة للرجال وأخرى خاصة بالنساء،
وإنما هناك مجتمع إنساني مليء بالحيوية والنشاط وتتكامل فيه أدوار الجنسين.
على هذا خلق الله الشعوب والقبائل والأزواج، وبناء عليه كان التكليف. بجهود الناس جميعاً تبنى المجتمعات وبتعاونهم يتحقق التقدم والبناء وتسير الإنسانية إلى الأمام. لكل فرد حياة عامة وأخرى خاصة وهما يعززان بعضهما بعضاً ومن خلالهما يستطيع تحقيق ذاته فيشعر بقيمته وينسجم مع ذاته ويصبح أكثر قدرة مع الزمن على تقديم ما فيه الخير لذاته ولمجتمعه.
هناك فروقات جسمانية بين الذكر والأنثى، لكن لا توجد دلائل في خلق الله أن هذه الفروقات تقود إلى إلغاء الحياة العامة لأي من الذكر والأنثى، إلا أنها بالضرورة تقود إلى فروقات وظيفية. الفروقات الوظيفية هي أيضاً ذات طبيعة تكاملية تيسر على الجنسين البناء الأسري والمجتمعي. أي أنها ليست مقيدة للحركة والنشاط وإنما تجعل من اليسير توزيع الأدوار حسبما تقتضيه الحاجات الأسرية وتقديرات كل من المرأة والرجل في حياتهما معا. وينعكس هذا بالتأكيد على التكليف فيسعى كل طرف حسبما يجد أن في قدرته أن يسعى ويحجم عن تلك الأعمال خارج قدرته وطاقاته. وهذا أيضا لا يتغذى على الحياة العامة ولا يلغي الحياة الخاصة.
من الملاحظ أن التكوين الإنساني بشخصيه الذكري والأنثوي يشكل عاملاً تنظيميا طبيعيا للمجتمع. فبسبب تدخل هذا التكوين في الطاقات وبالتالي في الوظائف فإنه يعمل على ترتيب الأمور بين الرجل والمرأة ترتيبا طبيعيا، على الأقل في عدد من الأمور مثل القوامة وحضانة الأجنة. وعليه من المتوقع أن يأتي التشريع الخاص بالحياة الاجتماعية واليومية منسجما مع الترتيب الطبيعي. فهل هذا التوقع صحيح؟
إذا نظرنا إلى جدل المسلمين حول المرأة في الإسلام والذي تمت الإشارة إليه في بداية هذا العمل، نجد أن المسلمين لا يركزون على مسألة الحق والباطل، وإنما ينهمكون في مسألة الحلال والحرام، ويكرسون الجهد والوقت الكبيرين في تحليل ما هو وارد في التشريع وأطرافه من روايات عن صحابة أو أناس صالحين أو سلف صالح. وهناك قضايا اجتماعية تشد انتباهم أكثر بكثير مما يشد إلى قضايا الحق والباطل مثل الاختلاط والزينة واللباس. وهذه قضايا عنيت بها الكثير من الكتابات الإسلامية والدروس الدينية وخطب الجمعة وتوجهات الوعظ والإرشاد. ومن شدة التركيز عليها، امتلأت موضوعاتها بالتفاصيل الدقيقة وبأقوال العديد من الدعاة والناصحين والواعظين. فهل هم بهذا على حق؟ أم أنهم وجدوا في هذه المواضيع ما يسد عجزاً عن تناول مسائل إسلامية ذات علاقة أكثر أهمية في ترتيب الحياة الإسلامية؟
يتناول هذا الفصل هذه القضايا بحثا عن بعدها الإسلامي ومحوريتها في التركيب الاجتماعي والتنظيم. وكمقدمة لبحثها أرى ضرورة استبعاد الآيات الخاصة بنساء النبي كأساس لاستنباط الأحكام. تقول الآيات:
يا نساء النبي لستن كأحد من النساء إن اتقيتن فلا تخضعن بالقول فيطمع الذي في قلبه مرض وقلن قولا معروفا * وقرن في بيوتكن ولا تبرجن تبرج الجاهلية الأولى وأقمن الصلاة وآتين الزكاة وأطعن الله ورسوله، إنما يريد الله ليذهب عنكم الرجس أهل البيت ويطهركم تطهيراً * واذكرن ما يتلى في بيوتكن من آيات الله والحكمة، إن الله كان لطيفا خبيرا” ( الأحزاب، 32-34 ).
هذه آيات خاصة بنساء النبي بدليل قول الله تعالى: ” يا نساء النبي لستن كأحد من النساء “. بمعنى أن ما ينطبق على نساء النبي لا ينطبق بالضرورة على نساء المؤمنين لأنهن عبارة عن حالة خاصة، وبالتالي فإن ما يترتب عليهن بسبب هذا الوضع مختلف عما ينطبق على بقية النساء. وقد أولى سبحانه نساء النبي بآيات خاصة أخرى مثل:
يا أيها النبي قل لأزواجك إن كنتن تردن الحياة الدنيا وزينتها فتعالين أمتعكن وأسرحكن سراحا جميلا * وإن كنتن تردن الله ورسوله والدار الآخرة فإن الله أعد للمحسنات منكن أجرا عظيما * يا نساء النبي من يأت منكن بفاحشة مبينة يضاعف لها العذاب ضعفين وكان ذلك على الله يسيرا * ومن يقنت منكن لله ورسوله وتعمل صالحا نؤتها أجرها مرتين وأعتدنا لها رزقا كريما” (الأحزاب، 28-31).
واضح من هذه الآيات أن الله يضاعف الجزاء لنساء النبي مميزا إياهن عن نساء المؤمنين. فالتي تأتي بخير يضاعف لها الثواب، ومن تأتي بفاحشة يضاعف لها العقاب.
فضلا عن هذا، تخاطب الآيات نساء النبي بنساء النبي وليس بنساء الرسول، وتطلب منهن الطاعة لله والرسول. وذلك لما يلي:-
أ- تزوج النبي نساء كنبي وليس كرسول صاحب رسالة يبلغها للناس. فكصاحب رسالة بلغ الرسول الناس بما أوحي إليه حول الزواج وكيفية إتمامه لعموم المسلمين. ولو كان زواجه كرسول لوجب الاقتداء به في ذلك القدر من التعدد.
ب- طلبت الآيات من نساء النبي أن يخترن الله ورسوله والدار الآخرة ذلك لأن الرسول هو حامل التعاليم والشرائع وعليهن إطاعته.
ولعل هذا التمييز الدقيق بين الرسول والنبي بحاجة إلى بحث مسهب منفصل. ولكن يبقى من المهم الإشارة إلى أنه تمت مخاطبة نساء المؤمنين بآيات أخرى ستتم الإشارة إليها.
الظهور العام
يتعارف الناس على الظهور العام على أنه الاختلاط. والاختلاط عبارة عن اصطلاح مترجم عن الفرنجية وهو Co-ed، ولا يوجد، حسب معرفتي، ما يقابله في اللغة العربية سوى الظهور العام أو المشاركة العامة، علماً أن المصطلح الفرنجي يتعلق فقط بالتعليم المختلط في المدارس والجامعات، وهو يعني التعلم معا، أن يتعلم الذكور والإناث معا في ذات المكان. أخذ المسلمون هذا المصطلح وعمموه على كل النشاطات التي يمكن أن يجتمع فيها الجنسان.
تعبير الاختلاط ليس مستعملا في التاريخ الإسلامي ولم يرد في التشريع، وهو تعبير حديث أدخل إلى الثقافة الإسلامية بفعل تأثير الحضارة الأوروبية. ما يمكن أن يكون في الإسلام هو الظهور العام أو المشاركة بهدف قضاء مصالح خاصة أو عامة وهو يشمل الذكور والإناث. وهذه مسألة لم تأخذ حيزا في أدبيات التاريخ الإسلامي لأنها لم تكن مثار جدل لدى المسلمين ولا كانت قضية تستفز أعصاب الناس أو تتعدد حولها اجتهادات المجتهدين.
من خلال تتبعي لهذه المسالة إسلاميا انتهيت إلى أنها ليس القضية المهمة والكبيرة التي يجب أن ينشغل بها المسلمون ويركزوا عليها. إنها قضية لا علاقة لها بالإسلام ولا تمت له بصلة ولا يعنى بها الإسلام. وجدت في كتب التاريخ الإسلامي ما يزخر بنشاطات المرأة العامة ومشاركتها. كان هناك المجاهدة والمحاسبة والمعلمة والطالبة والتاجرة والمضمدة والفقيهة والراوية والمرضعة والحكيمة والمشترية والمشاركة في المجالس العامة والخاصة، الخ. لم أجد أن المرأة في التاريخ الإسلامي كانت غائبة عن مختلف النشاطات الاجتماعية والسياسية والاقتصادية والحربية. وهناك العديد من الكتب التي تروي قصصا عن مسلمات لامعات نابغات مبدعات، والكتاب المسلمون المعاصرون لا ينفون ذلك وإنما يؤكدونه. وعادة ما تتردد أسماء مثل خديجة والشفاء وعائشة وأسماء وخولة وأم عمارة والخنساء وفاطمة.
لا يوجد في القرآن الكريم أي نص يحرم الظهور العام أو يمنعه أو يدعو إلى تجنبه، ولم أجد في الحديث ما صح منه وما حسن ما ينص على ذلك. بل هناك ما يؤكد ويؤيد مشاركة المرأة في الأعمال العامة. قال تعالى: ” والمؤمنون والمؤمنات بعضهم أولياء بعض يأمرون بالمعروف وينهون عن المنكر ويقيمون الصلاة ويؤتون الزكاة ويطيعون الله ورسوله أولئك سيرحمهم الله إن الله عزيز حكيم ” ( التوبة، 57 ). الرجال يأمرون النساء بالمعروف والنساء يأمرن الرجال بذات الأمر، والإثنان يعملان من أجل إحقاق الحق. وقال سبحانه في معرض النشاط الاقتصادي والاجتماعي: ” ولما ورد ماء مدين وجد عليه أمة من الناس يسقون ووجد من دونهم امرأتين تذودان قال ما خطبكما قالتا لا نسقي حتى يصدر الرعاء وأبونا شيخ كبير * فسقى لهما ثم تولى إلى الظل فقال رب إني لما أنزلت إلي من خير فقير * فجاءت إحداهما تمشي على استحياء، قالت إن أبي يدعوك ليجزيك أجر ما سقيت لنا فلما جاءه وقص عليه القصص قال لا تخف نجوت من القوم الظالمين * قالت إحداهما يا أبت استأجره إن خير من استأجرت القوي الأمين ” ( القصص، 23-26 ). حسب هذه الآيات لم تتوارى الفتاتان خجلا وإنما ابتعدتا عن الازدحام، ولم يكن لديهن حرج في التحدث مع الشاب، ولا في أن تدعوه إحداهن على استحياء إلى أبيها، ولا في تشجيع أبيها على استئجاره.
والمرأة في القرآن تحاور وتجادل، إذ قال سبحانه: ” قد سمع الله قول التي تجادلك في زوجها وتشتكي إلى الله والله يسمع تحاوركما إن الله سميع بصير ” ( المجادلة، 1 ). والمرأة تبايع وتلتزم بالشرائع السماوية والرسول عليه السلام يقبل المبايعة: ” يا أيها النبي إذا جاءك المؤمنات يبايعنك على أن لا يشركن بالله … فبايعهن واستغفر لهن الله إن الله غفور رحيم ” ( الممتحنة، 12 ). وهي يمكن أن تناجي الله رب العالمين: ” قالت رب أنى يكون لي ولد ولم يمسسني بشر، قال كذلك الله يخلق ما يشاء، إذا قضى أمرا فإنما يقول له كن فيكون ( آل عمران، 47 ). وهي أيضا مضيافة تقدم الطعام: ” ولقد جاءت رسلنا إبراهيم بالبشرى قالوا سلاما قال سلام فما لبث أن جاء بعجل حنيذ * فلما رأى أيديهم لا تصل إليه نكرهم وأوجس منهم خيفة قالوا لا تخف إنا أرسلنا إلى قوم لوط * وامرأته قائمة فضحكت فبشرناها بإسحق ومن وراء إسحق يعقوب * قالت يا ويلتي ءألد وأنا عجوز وهذا بعلي شيخا إن هذا لشيء عجيب. قالوا أتعجبين من أمر الله رحمت الله وبركاته عليكم أهل البيت إنه حميد مجيد ” (هود، 69-73). إنها تتحدث مع الضيوف وتضحك وتناقش.
أما في السيرة النبوية والأثر فالأمثلة كثيرة على الظهور العام للمرأة ومشاركتها في مختلف نشاطات الحياة. فكانت النساء تستفتي الرسول عليه السلام في مختلف المجالات. حتى أن الاستفتاء كان يمس أمورا خاصة جدا. فإن صحت الرواية، قبل رجل امرأته وهو صائم ، فسألت المرأة عن ذلك فقال لها رسول الله: ” إن رسول الله يفعل ذلك “. و في رواية عن زينب بنت أم سلمة أنها شكت لعائشة من غلام يدخل عليها. فنصحتها عائشة بأن ترضعه عملا بما قاله عليه السلام لسهلة ابنة سهل حول ذات القضية: ” أرضعية حتى يدخل عليك …. ” ينسجم هذا مع ما رواه مسلم:
عن عائشة أن سالما مولى أبي حذيفة كان مع أبي حذيفة وأهله في بيتهم فأتت سهلة ابنة سهل النبي عليه السلام فقالت : إن سالما قد بلغ ما يبلغ الرجال وعقل ما عقلوا وإنه يدخل علينا وإني أظن أن في نفس أبي حذيفة من ذلك شيئا فقال لها النبي عليه السلام : أرضعيه تحرمي عليه ويذهب الذي في نفس أبي حذيفة. فرجعت فقالت: إني قد أرضعته فذهب الذي في نفس أبي حذيفة2.
يقول الشيخ عبد الحليم أبو شقة عن الحافظ ابن حجر أن هذه القصة ثابتة وأن عائشة كانت تأمر بنات أخوتها أن يرضعن من أحبت أن يدخل عليها ويراها وإن كان كبيرا خمس رضعات ثم يدخل عليها3.
وفي السيرة أن المرأة قد قامت على خدمة الرجال وتقديم الطعام لهم “. عن سهل قال: لما عرس أبو أسيد الساعدي دعا النبي عليه السلام وأصحابه فما صنع لهم طعاما ولا قربه إليهم إلا امرأته أم أسيد: بلت تمرات في تور من حجارة من الليل، فلما فرغ النبي عليه السلام من الطعام أماثته له فسقته تتحفه بذلك4”.
وحسب الروايات فإن رسول الله عليه السلام كان يزور أم سليم وكان يطلب منها أن تحضر الطعام له وأن تخرج ونسوة أخريات معه إلى الجهاد. فيروي البخاري، على سبيل المثال، أن رسول الله عليه السلام قال: ” هلمي يـا أم سليم ما عندك. فأتت بذلك الخبز فأمر به رسول الله عليه السلام ففت وعصرت أم سليم عكة فأدمته. فأكل القوم كلهم وشبعوا والقوم سبعون أو ثمانون ….5.
شاركت المرأة الرجال الهجرة إلى الحبشة مثل أسماء بنت خميس، وشاركتهم في مبايعة رسول الله صلى الله عليه وسلم، واستقبلت الرسول في المدينة المنورة عند وصوله من مكة. وقد استقبلت أسماء بنت خميس الرجال في بيتها. أما أسماء بنت أبي بكر فكانت تلتقي الرسول باستمرار في منزل والديها، وقد دعاها ذات مرة ليحملها خلفه على راحلته وهو مسافر مع جمع من الأنصار6. وكانت المرأة تحاور الرجال دون وجل “. عن أم الفضل بنت الحارث أن ناسا تماروا عندها يوم عرفة في صوم النبي صلى الله عليه وسلم فقال بعضهم: هو صائم. وقال بعضهم: ليس بصائم. فأرسلت له بقدح لبن وهو واقف على بعيره فشربه7 ” وكان رسول الله عليه السلام يساعد النساء في قضاء حاجاتهن: ” عن أنس بن مالك قال: كانت الأمة من إماء أهل المدينة لتأخذ بيد رسول الله صلى الله عليه وسلم فتنطلق به حيث شاءت8 “. وعن أنس أن امرأة كان في عقلها شيء فقالت: يا رسول الله إن لي إليك حاجة فقال: يا أم فلان انظري أي السكك شئت حتى أقضي لك حاجتك فخلا معها في بعض الطرق حتى فرغت من حاجتها9 “.
وقد كان من المعروف أن أم شريك الأنصارية كانت مضيافة وكان بيتها منزلا لأصحاب رسول الله. أما أسماء بنت أبي بكر فقد استقبلت رجلاً فقيرا بعد أن نزعت الغيرة من نفس زوجها. وأما في الغزوات فكانت المرأة تقوم على العطشى والجوعى وتداوي الجرحى وترد القتلى.
هذه مجرد أمثلة سقتها حول نشاطات المرأة ومشاركتها في الحياة العامة للمسلمين جنبا إلى جنب الرجل. والسيرة تزخر بأمثلة كثيرة وكذلك سير الصحابة والتاريخ الإسلامي. وهي جميعا ترد بوضوح على من ينكرون الظهور العام للمرأة ويعملون على حصرها بين جدران المنزل. فالقرآن واضح والسنة تؤكد ما ورد في القرآن. علما أنه من المحتمل أن بعض الروايات التي وردت في كتب السنة قد لا تكون صحيحة، لكنها موجودة في كتب يتمسك بها أصحاب إنكار الظهور العام على المرأة بشدة ويعتبرونها مراجع أساسية في فهم الدين الإسلامي، ويقدمونها أحيانا في جدلهم على القرآن الكريم.
واجهت عددا من المتخصصين في الشريعة بهذه المسألة فمنهم من أقر بالأقوال أعلاه ومنهم من خلط بين المبدأ والآداب. قال بعضهم أنه بما أن الفتاة تخرج سافرة الوجه كاشفة الرأس ولابسة للقصير من الثياب فإنها تحدث فتنة، وفي ذلك ما يجعل الاختلاط ( الظهور العام ) حراما. أي أن هؤلاء يحرمون مبدأ إسلاميا بسبب ما قد يصاحب تطبيقه من سلوكيات غير إسلامية. وهذا أمر يشكل بالحقيقة مشكلة كبيرة لأن فيه اعتداءاً على الشرع الإسلامي بحجج لها علاقات بتصرفات أفراد. فبدل أن يتم الحديث حول هذه التصرفات يجري زج الإسلام بجريرة من هو أو هي غير ملتزمة بالتعاليم الإسلامية.
إذا قسنا مثلا ما يقوله هؤلاء على التجارة المختلطة بالغش فإنه من الضروري أن نحرم التجارة. هناك تجار وباعة يغشون بأشكال متعددة، ولا بد من تحريم مبدأ التجارة لأن السلوكيات غير ملتزمة بالتعاليم الإسلامية. فهل هذا مـن المنطق؟ طبعا لا. فتعطيل التجارة يعطل الكثير من مصـالح الناس ويجعل حياتهم أكثر صعوبة وقسوة، وهو عمل مناقض للمبدأ الإسلامي الذي يحل البيع والشراء. والأفضل دائما هو إصلاح السلوكيات بحيث تتمشى مع الآداب الإسلامية التي من المفروض أن يلتزم بها البيع والشراء. وهكذا الأمر بالنسبة للظهور العام. فلا يجوز تحريم ما أحل الله، والمنطق الإسلامي يفرض العمل على ترسيخ الآداب لكي تنسجم مع المبدأ. وعليه فإن تعطيل مشاركة المرأة في الحياة العامة ليس من الإسلام.
يظن بعض الكتاب الإسلاميين أن الاختلاط معناه أنه خلطة من الذكور والإناث لا هدف لهم سوى الاحتكاك الجنسي. هذا ظن خاطئ على الرغم من إمكانية استغلال الظهور العام لهذا الغرض. ولهذا حرم الله انتهاك العرض والزنا ووضع العقوبات. فلو أراد الله ، ولله المثل الأعلى، أن يمنع الظهور العام لسبب ما يمكن أن ينشأ من احتكاكات جنسية لفعل. لكن حكمة الله، وكما رأينا خلقا وتكليفا، اقتضت تعاون الناس ومشاركتهم في الأعمال العامة. ولو حصل لظهرت تناقضات في المجتمع الإسلامي يصعب حلها، إذ كيف يمكن أن يخلق الإنسان بذكره وأنثاه بطاقات لتلبية حاجاته ثم يمنعه من ممارسة هذه الطاقات؟ وكيف يمكن أن يحصل التكليف والذي يعتبر القيام به عملا إسلاميا ثم تمنع الأنثى من السعي الذي لا يمكن أن ينحصر داخل جدران المنزل أو بمعزل عن كل عناصر المجتمع؟
العمل الجماعي عبارة عن مبدأ إسلامي ولهذا خاطب الله المسلمين كأمة وقال لهم: ” كنتم خير أمة أخرجت للناس تأمرون بالمعروف وتنهون عن المنكر، ” وهو يعود على الأمة بمنافع تزن أضعاف الضرر الذي يمكن أن ينشأ عن احتكاكات جنسية. فلا تؤخذ الأمة بهوس جنسي على حساب العمل الجماعي والتعاون المتبادل الذي يؤدي إلى التقدم والرقي الأخلاقي. التعاون المتبادل يولد الثقة المتبادلة بين الناس ويرسخ مفهوم الأخوة ويعزز رغبة الناس في تحقيق الإنجازات وزيادة الإنتاج ويؤدي إلى تطوير مفاهيم المشاعر المتبادلة ويضعف آفاق الاستغلال والانحراف. وهكذا هي سيرة الأمم التي تسير سريعا في طريق التقدم وتبدأ بالنهوض في مختلف مجالات الحياة. الأمة المتقدمة تعيش مراحل من المد الأخلاقي الذي يجد طريقه إلى نفوس الأفراد وسلوكياتهم. تسارع الأمة إلى الأمام يؤدي إلى تماسكها الأخلاقي وسموها السلوكي، وهبوطها يؤدي إلى تدهور أخلاقي وانتشار الفاحشة. ولنا في أمتنا الحاضرة أكبر دليل على ذلك. ففي حين ينشغل العديد من الناس في الوعظ والإرشاد حول الإسلام والسلوكيات التي يجب أن يتبعها الأفراد، نجد أن الأمة تغرق في الهزائم والإذلال والتراجعات، وأن السلوكيات التي تتم مقاومتها تستفحل بالمزيد مع مرور الأيام. السبب أن مرحلة التخلف أقوى بكثير من كل الوعظ والإرشاد. فلو استطاعت الأمة أن تحقق إنجازات في مجال عسكري أو اجتماعي أو اقتصادي وبصورة مؤثرة في النفوس لتغيرت الكثير من السلوكيات بفعل ضغط الإنجاز.
فضلاً عن أن الافتراض بأن مجتمع المسلمين يخلو من الآثام واقتراف الحرام عبارة عن افتراض خاطئ. لو كان الافتراض صحيحا لما كان هناك ضرورة للحدود والعقوبات التي شرعها الله سبحانه. لا مفر، مجتمع المسلمين يعاني من تصرفات وسلوكيات تخرج عن التعاليم الإسلامية وتحل الحرام وتحرم الحلال. ومن يتصور أن المجتمع الإسلامي عبارة عن مجتمع مثالي مطلق إنما يوهم نفسه. وإذا كان الأمر كذلك بالنسبة لمجتمع إسلامي، فهل يمكن أن نجعل مجتمعا كمجتمعنا خاليا من الآثام، وأن نحاصر الإثم بالعدوان على ما أحل الله؟
اللباس
لباس المرأة عبارة عن قضية كبيرة جداً لدى المختصين في الشريعة والمهتمين بإقامة الإسلام كمنهج حياة. وهي قضية تفوق في الاهتمام الذي تحظى به اهتمام المسلمين بقضايا الجهاد ومقاومة الاستبداد والحاكم الظالم وإنهاء اغتصاب أرض المسلمين والهيمنة الاستعمارية عليهم، وتفوق قضايا التقدم العلمي وبناء الجامعات والمدارس على أسس حديثة وتطوير العقل التحليلي واستصلاح الأراضي والدفع نحو العقلية الإنتاجية على حساب التوجهات الاستهلاكية. وتفوق أيضا قضية الإنسان ككيان وتحريره من قوى الظلم والطغيان والخروج به من دوائر التخلف والتبعية والاستغلال الاقتصادي والاغتراب والتهميش والتجهيل وتغييب الوعي والرأي الحر.
ظهور شعر المرأة مثلا يحظى باهتمام لدى البعض أكثر من الاهتمام الذي تحظى به قضية فلسطين أو قضية التنمية في الوطن العربي. بل يعتبرون اختفاء شعر المرأة تحت غطاء مقدمة هامة نحو معالجة مختلف القضايا. فمأساة الأمة تكمن في المظاهر غير الإسلامية، وإذا ما اختفت هذه المظاهر فإن الأمة تبدأ بالتغلب على كل الصعاب والتحديات.
ينشغل الناس في بلادنا بقضايا اللباس إلى درجة الهوس. فلا يجوز أن تكشف المرأة شعرها ويجب ألا تظهر منه أي شعرة. وحتى يتم ذلك بشكل إسلامي جيد عليها أن تغطي رأسها بغطاءين: أحدهما تحتي محكم والآخر يضرب فوقه. وإذا ظهرت شعرة، حسب رأي أحد خطباء الجمعة، تهتز السماوات، لما لها من أثر سلبي. وعلى المرأة أن تعقد غطاء رأسها بربطة ذاتية عند العنق، ولا يحل لها أن تعقده بمشبك يلمع أو يحمل لمسة جمال. ويجب أن يكون ثوبها الخارجي فضفاضا بحيث لا تظهر معه تفاصيل جسدها حتى مع تعرضها لمهب الريح. ولا يجوز لها أن تحيط وسطها بإزار أو حزام من شأنه أن يظهر الخصر. ومن المفروض أن يكون الثوب طويلا بحيث يكسو الجزء العلوي من القدمين، ولا يحق لها أثناء جلوسها أن تضع رجلا فوق أخرى حتى لا يظهر شيء من ساقها أو أن تظهر انحناءة فخذها من الأعلى. وإلى غير ذلك من التفاصيل التي تجعل المرأة مشغولة باستمرار بجسدها وما يمكن أن يظهر منه وما يجب ألا يظهر.
دققت بما ورد في القرآن الكريم حول لباس المرأة وبما ورد عن رسول الله صلى الله عليه وسلم ولم أجد كل هذه التفاصيل وكل هذه التعقيدات التي يتم الحديث عنها ويُسهب في شرحها. ورد في القرآن آيتان تحتويان على مبدأين يحكمان لباس المرأة وهما: ” وقل للمؤمنات يغضضن من أبصارهن ويحفظن فروجهن ولا يبدين زينتهن إلا ما ظهر منها وليضربن بخمرهن على جيوبهن …. ” ( النور، 31 ) ” يا أيها النبي قل لأزواجك وبناتك ونساء المؤمنين يدنين عليهن من جلابيبهن ذلك أدنى أن يعرفن فلا يؤذين وكان الله غفورا رحيما ” ( الأحزاب، 59 ). المبدآن الواردان في هاتين الآيتين هما الضرب على الجيوب ودنو الجلابيب. لكن ما هي الجيوب وما هي الجلابيب وما هو الدنو؟
هناك من لا يعتمد على هاتين الآيتين ويعتبر أن الآية الموجهة لنساء النبي موجهة أيضا لنساء المؤمنين وعليهن الالتزام بها بما في ذلك مخاطبة الناس من وراء حجاب10. وقد سبق أن أشرت إلى هذه الآية.
تقول أغلب التفاسير الإسلامية حول الجيوب أنها الصدر، وهي تفاسير اجتهادية لا تستند إلى نص صريح. يقول أصحاب هذا الاجتهاد أن المرأة كانت قبل نزول الآية تغطي رأسها وتلقي بذيل الغطاء على ظهرها تاركة صدرها مكشوفا. والذي طلبته الآية هو أن يرتد الغطاء إلى الصدر ليغطيه. أما بالنسبة للجلابيب فيتم تعريفها في أغلب التفاسير على أنها الثوب الفضفاض الذي يلبس فوق الثياب فيغطي الجسد كله. وغالباً ما نجد تفاسير تستند في ذلك على حديث منسوب إلى الرسول عليه السلام ويقول في صيغة خطاب إلى أسماء بنت أبي بكر: ” إن المرأة إذا بلغت المحيض لم يصلح أن يرى منها إلا هذا وهذا ” وأشار إلى وجهه وكفيه. اعتبر أبو داود هذا الحديث ضعيفا لأنه مرسل ولأن راوي الحديث وهو خالد بن دريك لم يدرك عائشة التي يقال أنه نقل الحديث عنها. وبالتالي لا يجوز الاستناد إليه. وهذا ما يؤكده أبو شقة الذي لا يشك في ضعف الحديث 11. عدا هذا الحديث الضعيف لا يوجد حديث واضح، عدا روايات عن أمور حدثت أمام رسول الله، حول مسألة لباس المرأة.
حاول الشيخ ناصر الدين الألباني أن يدعم الحديث المنسوب أعلاه وأخرج شبيهه عن البيهقي الذي نقل الحديث عن ابن لهيعة. فذكر أنه عن عياض بن عبد الله أنه سمع إبراهيم بن عبيد بن رفاعة الأنصاري يخبر عن أبيه أظنه عن أسماء بنت عميس أنها قالت: ” دخل رسول الله صلى الله عليه وسلم على عائشة بنت أبى بكر وعندها أختها أسماء بنت أبى بكر وعليها ثياب شامية واسعة الأكمام فلما نظر إليها رسول الله صلى الله عليه وسلم قام فخرج فقالت عائشة رضي الله عنها: تنحي فقد رأى رسول الله صلى الله عليه وسلم أمرا كرهه، فتنحت، فدخل رسول الله فسألته عائشة: لم قام ؟ قال: أو لم تري إلى هيئتها؟ إنه ليس للمرأة المسلمة أن يبدو منها إلا هذا وهذا وأخذ بكفيه فغطى بهما ظهر كفيه حتى لم يبد من كفيه إلا أصابعه ثم نصب كفيه على صدغيه حتى لم يبد إلا وجهه. قال البيهقي عن هذا الحديث أنه ضعيف وأن ابن لهيعة كان يحدث من كتب قد احترقت12.
إذا أخذنا الاجتهاد الخاص بالجيب والذي يعززه تفسير البعض بان الجيب هو طوق القميص13. بالفحص المنطقي نجد أن مناخ الجزيرة العربية لا يتقبل بسهولة تغطية الراس وبقاء الصدر مكشوفا بسبب حرارة الشمس الحارقة. فالرأس يغطيه الشعر ويحميه والأحرى بالحماية هو الصدر الذي لا حماية طبيعية له. وإذا جاز لنا أن نحتكم إلى الأثر فان ما ورد بعد نزول الآية أن نساء المسلمين شققن مروطهن ( لباس حول الخصر ) وغطين بهن صدورهن14، فإنه يمكن الاستنتاج بأن الراس كان مكشوفا. فإذا كانت النساء تغطي رؤوسها وتلقي بأطراف الغطاء على الظهر، فما هي الحاجة إذن إلى تمزيق المروط؟ الوصف هذا لا يتناسب مع التفسير. هناك من يقول إن غطاء الرأس لم يكن كافيا فكان من الضروري الاستعانة بقطعة من المروط. هذا لم يرد في الأثر ولا يوجد ما يؤيده، وهو يفترض عدم كفاية غطاء الرأس ووجود ما يفضل في المروط ، وهو افتراض ليس بالضرورة صحيحا.
حاولت أن أتبين من الشعر الجاهلي شيئا حول هذا الأمر فوجدت أن الرأس كان مكشوفا. حسب امرؤ القيس الذي يقول في معلقته:
وفرع يزين المتن أسود فاحـم
أثيث كقنو النخلة المتعثكـــل
غدائرها مستشزرات إلى العلا
تصل العقاص في مثنى ومرسل
وأن الصدر مستورا حسب عمرو بن كلثوم الذي يقول في معلقته:
تريك إذا دخلت على خـلاء
وقد أمنت عيون الكاشحينـا
ذراعي عطيل أدماء بكــر
هجان الله لم تقرأ جنينـــا
وثديا مثل حق العاج رخصا
حصانا من أكف اللامسينـا
من الناحية اللغوية يقول المنجد أن الخمر هو ما يواري من الشجر فنقول مثلا توارى الصيد عني في خمر الوادي أي في شجره. وخمر خمرا عنه يعني التواري والاستتار، أخمر الأمر أخمر وكتمه. أما لسان العرب فيقول التخمير هو التغطية، وأن الخمرة هو ما ستر وجه الأرض. ويقول لسان العرب أن خمار المرأة هو ما تغطي به رأسها، وهو الاصطلاح الإسلامي. ويقول تخمرت بالخمار واختمرت أي لبسته وخمرت به رأسها، أي غطته. وكذلك يقول المنجد. أما العامرية فعنت الجلباب بالخمار.
لا يوجد نص يشير بوضوح إلي أن الخمار هو بالضرورة غطاء الرأس، بل هناك ما يشير إلي أن تفسيره هكذا ذو بعد اجتماعي وليس تشريعيا. ولا يوجد نص حول الحجاب للمرأة المسلمة إلا إذا اجتهد أحد أن ما ينطبق على نساء النبي ينطبق على نساء المؤمنين. فابن تيمية مثلا يقول بأن الحجاب والمقصود به غطاء الرأس والعنق مختص بالحرائر دون الإماء وأن الحرائر كن يحتجبن في عهد الرسول عليه السلام وأن الإماء كن يبرزن، ويضيف بأن عمر بن الخطاب كان يضرب الأمة المختمرة لتشبهها بالحرائر15. وقال الإمام مالك أن للأمة أن تصلي بغير قناع16. ويؤيده في ذلك ابن قدامة الذي يقول أن صلاة الأمة مكشوفة الرأس جائزة17، ويؤكد ابن تيمية أن السنة لم تفرق بين الحرائر والإماء بلفظ عام ولكن عادة المؤمنين كانت أن تلبس الحرائر الحجاب،وألا تحتجب الإماء18.
هناك من يأتي بأحاديث غير منسجمة مع القرآن أو مع الأثر من أجل دعم وجهة نظره. يقول المرغيناني أن بدن المرأة الحرة كله عورة لأن الرسول عليه السلام قال: ” المرأة عورة مستورة19 “. لكن الحديث لا يتحدث عن المرأة الحرة وهو يتحدث عن المرأة بصورة عامة دون أن يستثنى الإماء. لا يقول القرآن أن المرأة كلها عورة، ولم نجد في التاريخ الإسلامي ما يؤيد هذا.
يعلل البعض أن الإماء أقل صونا وعفافا من الحرائر، ولهذا لسن ملزمات بالحجاب. ويقولون أن عذاب الأمة نصف عذاب الحرة عند الإتيان بفاحشة استنادا على الآية: ” فإن أتين بفاحشة فعليهن نصف ما على المحصنات من العذاب “. لكن النصفية ليست لأن الإماء لسن مسلمات أو لأنهن ناقصات عقل بالخلق ولكن لأنهن لا يتمتعن بحرياتهن. ثم لماذا لا يكون هناك تشريع إذا أراد الله للإماء أن يكشفن رؤوسهن؟ القاعدة الإسلامية تقول بأن التشريع ينطبق على الجميع ما لم يرد تخصيص، وفي هذا الشأن لم يرد تخصيص تشريعي للإماء.
بحثت عن كلمة جيب في القاموس ووجدت أن المنجد يعرفها على أنها طوق القميص، وعند العامة يعرف على أنه كيس يخاط في جانب الثوب من الداخل ويجعل فمه من الخارج، أما جيب الأرض فمدخلها. ويقال الجيب القلب والصدر وعليه يقال ناصح الجيب أي صادق أمين. أما لسان العرب فيقول أن الجيب هو جيب القميص والدرع، وجبت القميص أي قورت جيبه. إذا حاولنا تفسير القرآن بالقرآن نجد عدة آيات تتحدث عن جيب سيدنا موسى. تقول الآية الأولى: ” واضمم يدك إلى جناحك تخرج بيضاء من غير سوء آية أخرى ” (طه،22). وتقول الثانية: ” وأدخل يدل في جيبك تخرج بيضاء من غير سوء في تسع آيات إلى فرعون وقومه إنهم كانوا قوما فاسقين ” (النمل، 12). وتنص الثالثة: “اسلك يدك في جيبك تخرج بيضاء من غير سوء واضمم إليك جناحك من الرهب فذانك برهانان من ربك إلى فرعون وملأه إنهم كانوا قوما فاسقين” ( القصص، 32). واضح أن الآيات تتحدث عن ذات الأمر مما يعني أن كلمة أسلك تقوم مقام كلمة أدخل ضمن هذا الحدث، وكلمة جيبك تقوم مقام كلمة جناحك. قد تعني كلمة الجيب شيئا يتعلق بالملابـس، إلا أن دخول كلمة جناح في إحدى الآيات حصر كلمة جيب بالجسد الإنساني حيث أن الجناح هنا يعني ما ينحصر بين العضد والصدر، وبذلك يكون في الإنسان جناحان وهما عبارة عن جيبين. ويؤكد المعنى هذا ” واضمم إليك جناحك من الرهب “. والتي تعني شد الجناح نحو الصدر والذي هو بالذات عادة الإنسان عندما يشعر بالرهبة، إنه يقلص نصف جسده العلوي نحو الصدر، ويضمم رجليه مقلصا إياهما.
الجناح يشبه الجيب الذي يعرفه الناس على أنه قطعتان ملتصقتان لا فاصل بينهما ويشكلان وعاء أو ما يشبهه. وإذا تم تعميم هذا على الجسد البشري نجد أن هناك عدة جيوب. الثدي الأنثوي ملتصق بالصدر ويشكل معه جيبا، وقد يقترب الثديان من بعضهما البعض بحيث يشكلان جيبا، وبهذا يكون في منطقة الصدر ثلاث جيوب: جيبان يتشكلان بالثديين وبقية الصدر، وجيب يتشكل بتقارب الثديين، بالإضافة إلى جيبين وهما الجناحان أو الجزءان ما بين العضدين والصدر، وجيب ثالث يتشكل بالفخدين. ينتهي الجناحان عند المرفقين بسبب المفصل، وينتهي جيب الفخدين عند الركبة. هذه هي كلها الجيوب التي من المفروض تغطيتها.
إن ما يؤكد هذه النتيجة هو نفي إمكانية أن تكون الجيوب محصورة فقط في منطقة الصدر لأن الحصر يعني أن المطلوب هو تغطية منطقة الصدر فحسب دون أجزاء أخرى من الجسم ولا أظن أن هذا هو المقصود من الآية. فهل أمر الله المرأة بتغطية الصدر فقط دون باقي جسدها أو أجزاء أخرى منه؟ هذا غير معقول خاصة أن العورات المباشرة ليست في الصدر.
فيما يخص الجلباب، يبدو أن التفسيرات كثيرة، وأخص أدناه عددا من الوظائف التي ساقها كتاب مسلمون لإدناء الجلباب والتي يستشف معناه منها:
أ- الإدناء على الوجه لتظهر عين واحدة.
ب- الإدناء إلى الجبين.
ت- الإدناء إلى الوجه وإظهار العينين فقط.