www.omferas.com
شبكة فرسان الثقافة

صراع العولمة الثقافية :وسبل الحفاظ على الهوية العربية/د.سعد العتابي

0

 صراع العولمة الثقافية :وسبل الحفاظ على الهوية العربية

 

– 1-

 

يمكن تحديد مفهوم العولمة لغوياً بأنها تعميم الشيء وجعله عالميا ولعل ذلك يعود لتعميم الفكر والمنجز الحضاري

بإشكاله كلها وهذا المفهوم أللغوي يحيل إلى العالمية التي تحترم الخصوصية والهوية مع الرغبة بالانتشار العالمي طوعا .

 

أما مفهوم العولمة مصطلحا فقد انحرف إلى فرض أنموج سياسي واقتصادي وقيمي وثقافي على الآخرين وإلغاء الخصوصية والهوية بل أصبح يساوي أمركة العالم من خلال الترغيب مرة والترهيب أخرى.

ولعلها استمراراً لمقولة مركزية العقل الغربي التي شاعت في الغرب بعد الثورة الصناعية وبداية مرحلة الاستعمار والتي ترى أن الغرب هو مركز الكون والحضارات والأفكار والعلوم و ما الثقافات والحضارات الأخرى الا افلاكا صغيرة في مجرته ولا أهمية لها إلا بقدر القرب أو البعد عن المركز وفي العصر الحديث انتقل مركز هذه الرؤية من أوربا إلى أمريكا لتنتج منظومة اصطلاحية جديدة بدأت من مقولة العالم قرية صغيرة إلى أن وصلت للعولمة بأنساقها كلها.

وقد ساعد على ذلك انهيار المعسكر الاشتراكي و ثورة الاتصالات وانتشار الإعلام الفضائي و الانترنت واقتصاد السوق سيما بعد أن تم التوقيع على اتفاقية التجارة الحرة في النصف الثاني من تسعينيات القرن الماضي.

ويمكن تحديد الإرهاصات الأولى لها في منتصف الثمانينات من القرن الماضي عندما بدأ المعسكر الاشتراكي يترنح وبداية ظهور عالم القطب الواحد في بداية التسعينات منه عندما انهار المعسكر الاشتراكي برمته وظهور أمريكا كقوة وحيدة في العالم والتي حاولت استثمار الفوز للسيطرة المطلقة على العالم سياسيا واقتصاديا وعلميا وثقافية لحد مسخ هوية الشعوب الأخرى .ساعد في ذلك تسارع المنجزات العلمية وثورة الاتصال والسيطرة على بيوت المال والإعلام العالمي ……….

ولعل أهم مظاهر العولمة هي :

1- سيطرة القطب الواحد سياسيا ومحاربة كل صوت يقاوم هذه السيطرة.

2- السيطرة المطلقة الشركات عابرة القارات وبيوت المال الغربية والأمريكية.

3- السيطرة على وسائل الإعلام المرئي والشبكات ألعنكبوتيه –الانترنت_.

4- ثورة الاختراعات العلمية المذهلة.

5- انهيار المعسكر الاشتراكي .

6- محاربة وإنهاء أي توجه علمي من أية دولة نامية.

7- الاستلاب الحضاري والثقافي وللشعوب وطمس هويتها وتمزيقها وإشاعة الفتن الطائفية والعرقية والدينية.

8- نتشار ثقافة الإباحية الجنسية ونشر الجنس المحرم من خلال قنوات تلفازيه أو مواقع انترنت وما أكثرها.

9- العمل على تشويه صورة الإسلام والمسلمين وتصويره كأنه خطر على الحضارة العالمية.

10- ظهور منظمة التجارة الحرة واجهة اقتصادية للعولمة.

11- ازدياد السيطرة الأميركة والغربية على ثروات العالم الثالث باسم الاستثمار مرة وبالاحتلال المباشرة اخرى

الخخخخ الخخخخخخخخخخخخخخخخخخخخخخخخخ

 

والمهم هنا إن اخطر معالم للعولمة هو تفشي ثقافة السيطرة والاستلاب

 

– 2-

 

وتعرف الثقافة بأنها منظومة من القيم والأفكار والعقائد والتاريخ واللغة وأساليب العيش وجملة الموروثات الخاصة بأمة بعينها بحث تشكل تواصلا بين الماضي والحاضر .. فهي بذلك منظومة متجانسة من القيم والتقاليد والعادات وللأحلام والآمال والإبداعات التي تعبر على نحو حقيقي عن خصوصية مجموعة معينة من البشر تشكل امة …….

 

أما العولمة الثقافية فإنها تسعى إلى اختراق هذه الخصوصية ومسخها ومن خلال خلق ثقافة واحدة للعالم وخلق عالم أنموذجي لا يقبل بالخصوصيات ولا بالتمايز الحضاري … أي إنها تسعى إلى السيطرة الثقافية للمنتصر الأمريكي والترويج لها على أنها الثقافة الأنموذج الصالح لكل البشر وإنها الوسيلة الوحيدة للتطور

أما الثقافات الأخرى فهي نظير التخلف ويجب التخلص منها .

 

ولعل أهم أهداف العولمة الثقافية هي:

1- انتشار الثقافة الأمريكية والغربية وتقديمها على أنها الطريق الأمثل للحياة أو كما يقولون طريقة الحياة الأمريكية المثلى.

2- طمس الهوية والوطنية والقومية و للشعوب الأخرى.

3- طمس الهوية الدينية للشعوب ولاسيما الدين الإسلامي الذي يشكل التحدي الأكبر لهم ولعل إحصاءً بسيطا يبين عمق هذا التحدي فمجموع المسلمين يشكل 25% من سكان العالم أي ما يعادل 1300 مليون نسمة موزعة على 54 دولة وهذا يبين مدى انتشار الرابطة الإسلامية ومدى عمق هذه الرابطة لذلك يرون انه يجب إختراق هذه الرابطة وتفتيتها لان توحدها واستمرارها يشكل خطرا بنيويا على مفهوم العولمة وأهدافها ….

4- السيطرة على عقول البشر والسيطرة عليهم وصولا للأرض والثروات

5- تشكل بؤرا مؤمنة بها على النحو الذي فعلته فرنسا في مايسمى بالفرنكوفونية الخخخخ.

6- لذلك فهي حرب على البشرية والخصوصية القومية والدينية سيما الإسلام

7- توحي بثقافات بلا حدود ولا خصوصية.

8- فرض ثقافة معينة على الشعوب

9- تحمل فكرة استبداد الثقافة الأقوى عسكريا على الثقافات الأخرى

10- تهدف إلى بلورة إيديولوجيا ثقافية عالمية هي الأيديولوجيا الأمريكية

 

مظاهرها:

وتتمظهر العولمة الثقافية بعدة مظاهر منها:

1- بث قيم الفرقة والاقتتال بين الشعوب

2- استثمار البث الفضائي الهائل لتقديم ثقافة معينة على أنها الثقافة .

وتسويقها فالبرامج الأجنبية أو المستنسخة منها على القنوات العربية مثلا تشكل أكثر من 50% من نسبة البرامج الأخرى.

3- استخدام الشبكة العنكبوتية لتسويق لهذه الثقافة.

4- الدعوة للإباحية الجنسية وعدها مثالا للسعادة والحياة المبهجة وأساسا من أسس تقدم الشعوب والأمم!!!!.

5- التبشير بالمثلية الجنسية والدعوة لها على وعدها حق من حقوق الإنسان ويجب احترامه

6- الاهتمام ببرامج الأطفال الموجه للعالم وتقديم برامج فضائية وقصص ومجلات وكتب للأطفال تخدم أغراضهم .. وتروج لأفكارهم ….. ونلاحظ أن برامج الأطفال الموجهة للطفل العربي مثلا والألعاب المسوقة لهم تهدف إلى تسطيح العقل العربي ونشر ثقافة الحروب والعنف والفتن والتجزئة وإبعاد الطفل عن قيم الأمة التربوية والأخلاقية والدينية وتصويرها على أنها جزء من التخلف ويجب التخلص منها

 

– 3 –

لقد بذل الغرب وأمريكا جهودا جبارة كي يحققوا أهدافهم وأغراضهم واستثمروا طا قاتهم كلها لهذا ا لغرض واستنفروا الأساليب كلها لتحقيق أهدافهم

والسؤال الموجع ماذا فعلنا نحن؟ لمواجهة هذا الإعصار الجبار الذي يهدد مصيرنا وهويتنا ومستقبل أجيالنا … ولعل الجواب أكثر وجعاً إننا لم نفعل شيء ذا بال وأهمية لمواجهة هذا الخطر الجسيم بخلاف الأمم الأخرى مثل فرنسا وتركيا وغيرها…….

إن الأمة العربية لما تزل تعاني من إخفاقات بنيوية كبرى في مجالات الحياة كلها السياسية والاقتصادية والاجتماعية والعلمية والثقافية والحضارية …………. الخ الخ الخ

لذلك فان الأبواب العربية مشرعة أمام الهجوم العولمي بل تحولت الأرض العربية خصبة لإنبات هذه الأفكار وسيطرتها على عقولنا ومستقبل أجيالنا

-الأمة في خطر أيها السادة-.

وإنطلاقا من الشعور بالمسؤولية الانتماء الحقيقي للدين الإسلامي الحنيف والأمة العربية ورسالتها الإنسانية والسعي للحفاظ على الكيان العربي وهويته العربية والإسلامية ولأن العولمة نظام متكامل ولا يمكن مجابهته خارجيا إلا بخلق نظام متكافئ معه أو متفوق عليه .. ولغرض مقاومة الهجوم على الكيان والهوية العربية والإسلامية …..

نرى ضرورة إصلاح النظام العربي الذي يعاني من خلل بنيوي خطير

ويمكن أن تتم هذه المعالجة والإصلاح من خلال السياقات الآتية :

1- الجانب السياسي:

يجب إصلاح النظام السياسي العربي بنيويا وجذريا داخليا وقوميا وعالميا

فعلي الصعيد الداخلي – القطري – يجب بناء نظامٍ سياسي ديمقراطي ينهض على التداول السلمي للسلطة وإشاعة ثقافة الديمقراطية وقبول الأخر والتخلص من الرؤى الطائفية أو الأثنية أو القبلية التي تمزق العرب وهذا لا يكون إلا بإشاعة روح المواطنة والمشاركة الجمعية في بناء البلد

وإشاعة حرية الفكر.

أما على الصعيد القومي فيجب بناء علاقات عربية تنهض على التكامل والوحدة والتخلص من روح العلاقة الشكلية بين العرب وعدم الثقة و الخلاص من القرارات التي لا تنفذ والقمم الاستعراضية والإعلامية والعمل على بناء نظام عربي موحد يوحد القدرات وبفجر مكامن القوة في الأمة ولعل الخطوة الأولى هي بناء الاتحاد العربي الذي يعد الخطوة الأولى لوحدة عربية مدروسة وثابتة _قولوا آمين _

إن ترتيب البيت العربي على هذا النحو يجعل الأمة أقوى في مواجهة الأخر وبالتالي يمكنها من التخلص من التبعية الخارجية والاستخذاء أمام القوى الكبرى وفرض احترام العرب على الجميع.

2- الجانب الاقتصادي:

 

أ‌- على الصعيد القطري يجب استثمار الطاقات الاقتصادية إلى أقصاها وتوفير فرص العمل والتأهيل العلمي والعمل على توفير العيش الكريم للإنسان والرفاهية الاقتصادية والحياة الكريمة وبناء اقتصاد متوازن تشترك في الدولة مع القطاع الخاص

ب‌- أما على الصعيد القومي فيجب بناء أفضل علاقات التكامل والوحدة الاقتصادية وتجميع طاقات الأمة كلها في سبيل بناء قوة اقتصادية عربية مؤثرة في العالم وصولا إلى الاندماج اقتصادي عربي على النحو الذي سعت إليه أوربا مثلا

3- الجانب التربوي:

 

ينبغي الاهتمام بالجانب التربوي من خلال بالاتي :

أ‌- الاهتمام بالبني التحتية من مدارس وجامعات ومعاهد ومختبرات وأجهزة علمية متطورة

ب‌- إعداد المدرسين والمعلمين وأستاذة الجامعة على نحو يجعلهم أكثر كفاءةً عطاءَ والإفادة من البعثات الخارجية لزيادة التجربة العملية في الميدان التربوي

ت‌- الاهتمام بالمناهج الدراسية وإعدادها على نحو علمي بحيث تقدم للطالب أخر ما توصل إليه العلم من جهة وتعزز فيه القيم التربوية والأخلاقية والإسلامية من جهة أخرى

ث‌- الاهتمام بالتلاميذ أنفسهم وإعداد البرامج لمساعدتهم وتشجيعهم وتأهيلهم من اجل بناء جيل عربي يحترم العلم ويسعى له ويبدع فيه

 

4- الجانب الفكري:

أ‌- إشاعة الحرية الفكرية وعدم وضع القيود على المفكرين والمبدعين بل رعايتهم وتشجيعهم

ب‌- إشاعة روح الحوار الفكري وقبول الآخر والاختلاف بالرأي

ت‌- الاهتمام باللغة العربية ومنجزها الحضاري بوصفها لسان العرب ودليل وحدتهم

ث‌- العمل على تعزيز الهوية القومية والإسلامية والاعتزاز بالماضي العربي المجيد وتراثه التليد

ج‌- إقامة مؤسسات قومية لرعاية الثقافة على نحو علمي و حقيقي بعيدا عن الشعارات والإعلام

ح‌- دعم المفكرين والمبدعين العرب ورعايتهم وتكريمهم بوصفهم صورة المجتمع وخلاياه النابضة بالحياة

خ‌- تعزيز القيم القومية والوطنية والإسلامية ونشرها بين المجتمع بوصفها هويته الأساسية

 

5- الجانب الإعلامي:

للإعلام أهمية كبرى في تشكيل والوجدان الإنساني والتأثير عليه وعلى توجهات الناس ورؤاهم لذلك ينبغي استثماره إلى أقصاه في تعزيز الهوية القومية والإنسانية وتخليص الإعلام من التطبيل للسياسيين

كما يجب استثمار البث الفضائي إلى أقصاه من اجل تعزيز الهوية العربية ولإسلامية ومقاومة محاولات مسخ هذه الهوية ومحاربتها بدا من برامج الطفولة وصولا والى الأعمار كلها كما يجب تقديم الصورة المشرقة للأمة و تأريخها المشرق.

 

6- رعاية الطفولة:

إذا أردت أن تعرف مدى تقدم الأمة وتطورها وتقدمها ومدى اهتمامها بمزيد من التطور والرقي … انظر إلى اهتمامها بالطفولة وذلك للتناسب ألطردي بينهما, فالأمم التي المتحضرة والمتطورة تهتم بالطفولة وتسن القوانين وتنفق الأموال الطائلة في سبيل رعاية الطفولة لان الطفل صورة للمجتمع ومستقبله …. لذلك يجب أن نهتم بالطفولة اهتماما كبيرا في سبيل بناء مجتمع متحضر ومتوازن يحافظ على هويته ويحترم تأريخه

لذلك من الضروري العمل على الآتي:

1- لعل أول ما نفعله للطفولة هو بناء أسرة مستقرة اقتصاديا واجتماعيا ونفسيا وتوفير العيش الكريم لها.

2- الاهتمام بالأمومة والسعي لمحو أمية الأمهات وبناء أمومة واعية و قادرة على تربية جيل واعي

3- سن القوانين و الأنظمة الخاصة بحقوق الطفل على العائلة والمجتمع والعمل على تحقيقها وتطويرها

4- إنتاج البرامج التربوية والتعليمية الخاصة بالطفولة على نحو يتناسب مع عمر الطفل وبخط فكري متصاعد

5- العمل على إستثمار أدب الطفل والوسائل الممكنة كلها لبناء الطفولة و تنميتها

6- يجب أن تنهض المؤسسات الرسمية القومية والقطرية بتشكيك هيأت خاصة برعاية الطفولة وإعداد البرامج الخاصة بتنمية الأطفال وتعزيز الهوية القومية والإسلامية ………………………..

 

إن مقاومة العولمة التصدي لها والحفاظ على الهوية يجب أن ينهض على تعزيز هويتنا القومية والدينية والدفاع عنها وبناء أجيال مؤمنة بها وتقاتل من اجلها يجب إعداد الأمة إعدادا جيدا و وترصين وجودها وأهميتها في العالم بحيث يحسب لها الحساب الأكبر وتكون رقما صعبا لن يتم تجاوزه أو التجاوز عليه ……

إن مقاومة محاولة طمس هوية الأمة أو تفتيتها لا يعني الانغلاق وعدم التحاور مع الآخر بل يجب الانفتاح المتوازن على الآخر والاستفادة من المنجز العلمي والفكري من دون تفريط.

إن الانغلاق ق لا يقل خطرا عن فتح الأبواب مشرعة لذلك يجب التعامل مع العالم بتوازن يحافظ على على الهوية من جهة والاستفادة من المنجز الحضاري العالمي من جهة اخرى…

 

 

 

 

د.سعد العتابي

حسنا سانشره حال عودتي لكن اتمنى نشره اولا في قسم الابحاث الفكرية فثمة من كتب في هذا المجال وحول ذلك

اترك رد

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني.