www.omferas.com
شبكة فرسان الثقافة

إلى أين يذهب النظام والإخوان المسلمون بالوطن والشعب؟!/أسامة عكنان

0

إلى أين يذهب النظام والإخوان المسلمون بالوطن والشعب؟!

طُرِحَ السؤال التالي. “لو كان همام سعيد رئيس وزراء الأردن،

وزكي بني ارشيد وزير خارجيته،

وحمزه منصور وزير داخليته، وعلي أبو السكر الناطق الإعلامي باسم الحكومة،

فماذا يكون الموقف من هكذا حكومة؟!

ونحن نقول في معرض الإجابة.. لو حصل ذلك، ونظرا لأن رئيس الوزراء هو وزير الدفاع، فهذا يعني أن كل الوزارات السيادية فضلا عن مُشَكِّلِ الحكومة ذاتها هم من الإخوان، وهذا يعني أننا أمام واحد من أمرين.. الأول: أنها حكومة جاءت ضمن سياق ديمقراطي كشف عن أن الشعب اختار غالبية البرلمان الذي اختارها ومنحها الثقة من الإخوان المسلمين، بعد أن يكون هذا البرلمان قد جاء بقانون انتخاب نرتضيه ونقبل به ونؤيده كشعب أردني، وبعد أن نكون جميعا قد توافقنا على شكل الدولة المدنية التي نريدها والتي جاءت بهم إلى السلطة. وعندئذٍ فنحن أمام خيار شعبي لا غبار عليه، ونقبل به منصاعين لإرادة الشعب ومراقبين لأداء هذه الحكومة. فإن أحسنت فللشعب والوطن ولمستقبلها، وإن أساءت فعلى نفسها. والشعب الذي أوصلها سيكون لها ولمرجعيتها بالمرصاد كي لا تخطئ أو تسيء.. الثاني: أنها حكومة قد جاءت ضمن سياقات غير ديمقراطية، وبعيدا عن اختيارات الشعب، وضمن صفقات مشبوهة بشكل أو بآخر – مع أننا نستبعد أن تأتي حكومة إخوانية تسيطر على البلاد والعباد على هذا النحو من خلال صفقات ومؤامرات، فالصفقات تعطيهم فتاتا يرضون به، ولا تسلمهم دولة ونظاما بأكملهما – وعندئذ فإن شيئا لن يتغير، لأن التنظيم الذي يرتضي أن تكون الصفقات والمؤامرات طريقه إلى السلطة، فهو مثل النظام عدو للشعب، والشعب سيناجزه كما يناجز النظام ولا فرق، لأنهم عندئذ هم النظام الوظيفي نفسه أو ورثته. فالوظيفية التي نناجزها في هذه المرحلة، ليست هي معاداة مصالح الشعب ورهن مستقبله ومصيرة ووطنه إلى الأعداء والاعتداء على حقوقه الطبيعية فقط، بل هي أيضا المرور إلى السلطة عبر أيِّ طريق غير طريق إرادته هو.. ما نود التأكيد عليه هنا، هو أن الافتراضات التي لا ترتبط بسياقِ تحقُّقِها هي مجرد لعبة لوغو خيالية لا قيمة لها.. فليست المشكلة في أن يكون رئيس الوزراء أو وزير الدفاع أو أيُّ وزير أو سلطوي من هذا التنظيم أو من ذاك، بل هي في الكيفية التي وصل بها هذا أو ذاك إلى سِدَّة الإدارة واتخاذ القرار. هل هي كيفية مشروعة وديمقراطية، وهل هو سياق برامجي قَبِلَه الشعب وحصل الاختيار الحر بناء عليه، وهل هو سياق منبثق عن فكرة التغيير والتحرير وإعادة بناء الدولة على أسس غير وظيفية، أم أنها غير ذلك. فبدل أن نسأل هذا السؤال، لنطرح السؤال التالي.. هل نقبل بحكومة إخوانية يختارها الشعب بشكل ديمقراطي في دولة ديمقراطية مدنية تشاركية ذات نموذج اقتصادي تكافلي عادل قائم في دولة مواطنة تؤسِّس لمشروع مقاومة أم لا؟! وجواب كل الأردنيين على هذا السؤال هو: نعم.. ولنسأل السؤال الآخر التالي.. هل نقبل بحكومة يسارية أو قومية أو غيرهما، تأتي على رغم أنف الشعب؟! وجواب كل الشعب الأردني على هذا السؤال هو: لا؟! نحن نريد تكريسَ آلية اختيارٍ، وليش شكل حكومة، نمط تشاركية مدني ديمقراطي، وليس مُكّوِّنات حكومة من الناحية التنظيمية، شكل دولة وبنية نظام، وليس أسماء وزراء وحكام حتى لو كانوا ملائكة. فإن حققنا الأول فلا توجد أيُّ مشكلة في الثاني. أما إذا فوجئنا بالثاني بدون الأول، فنحن سنرفضه قطعا، لأننا سنكون “محلك سر”. من هنا، فمن المفترض أن نحلِّلَ أيَّ مشهدٍ سياسي أردني، في ضوء حيثيات هذه المعادلة، بوصفها “المعادلة الإطار” التي نتحاكم إليها في تقييم مسيرة الحراك الشعبي، وسياسات النظام، ومواقع المعارضة، بعيدا عن المناكفات وعن العواطف. فمادامت مطالب الحراك الشعبي الأردني والمعارضة الأردنية وبالتالي مطالب الشعب الأردني، قد اتضحت وتحدَّدَت معالمُها، فلا شك في أن أيِّ تحليلٍ للمشهد أو تقييمٍ لسيرورة مُكَوِّناته، يجب أن يتمَّ بالنظر لمدى قرب ذلك المشهد أو بعده واقعا وسيرورةً عن تلك المطالب، وبالنظر لمدى تمريره أو تعطيله لها، وليس في ضوء أيِّ شيء آخر، نستحضره إما من أوهامنا أو من أمراضنا أو من آمالنا، أو من قصاصات وعينا المتهالك. ولأن الأردن جغرافيا وديموغرافيا ومن ثمَّ سياسيا ليس جزيرةً معزولةً في المحيط الهادي، بل هو نقطة ارتكاز أساسية في الإقليم، تمثل “كعب أخيل” المنطقة كلِّها “وظيفيا” و”صهيونيا” و”إمبرياليا”، أكثر مما تمثله مصر وسوريا مجتمعتين، بعيدا عن الخطاب السياسي الذي يريد تسويق غير ذلك، فمن غير الصحيح أن نتعاطى مع الوضع الأردني الداخلي دون أخذ مكونات وتطورات الإقليم بعين الاعتبار من حيث تأثيرها في الداخل الأردني وتأثرها به. وهذا ذاته يدفعنا إلى ضرورة عدم القفز على حقيقة الحفائق كلها وهي أن الأردن عندما تشكل في مطلع القرن الماضي، أنيطت إدارته إلى نظام ما يزال قائما ومهيمنا عليه، بهدف تمرير وظيفة ما يزال تمريرها مستمرا ومتواصلا حتى يومنا هذا. ومما سبق فلا مفرَّ من ارتكازنا في قراءة المشهد السياسي الأردني كي تكون تلك القراءة صحيحة، إلى العناصر التالية.. 1 – إن “النظام الهاشمي” في الأردن نظام وظيفي منذ نشأ عام 1921، وهو لم يغير في جوهر وظيفيته حتى يومنا هذا، وإن كانت إفرازات تلك الوظيفية قد تغيرت أو لنقل تطورت من مرحلة لأخرى بحسب متطلبات السيرورة السياسية للإقليم وللوظيفة المطلوبة من النظام الأردني بموجب تلك السيرورة. 2 – إن أهم وظيفة أنيطت بـ “النظام الهاشمي” في الأردن، بل وتشكلت الدولة الأردنية لأجلها، هي استيعاب تداعيات المشروع الوظيفي الآخر وهو “المشروع الصهيوني”، ديمغرافيا وسياسيا، والعمل على حراسته أمنيا وعسكريا، مع البقاء على أهبة الجاهزية الكاملة للانتقال إلى أيِّ دور وظيفي مكمِّل عند الحاجة. 3 – إن وظيفية “النظام الهاشمي” في الأردن أفرزت حزمة من العلاقات الطبقية التي ارتبطت مصالحها بوظيفية النظام، فأصبح من الطبيعي أن تدافع هذه الحزمة الطبقية عن ذاتها وعن مصالحها وامتيازاتها المكتسبة مع مرور الوقت، بدفاعها عن وظيفية هذا النظام، والتي ارتبط وجودُها ومن ثمَّ استمرارُها، بوجود واستمرار وتجذُّر تلك المصالح والامتيازات الطبقية. 4 – كان من الطبيعي بالنسبة للتحالف الطبقي الذي أفرزته الوظيفية منذ بواكيرها، بعد أن راح يطورها وفقا لمصالحه خلال سيرورة الدولة في حضن التحولات الإقليمية – وهو التحالف الذي تشكل من فئة “الكومبرادور” وفئة “البيروقراط” – من أن يخلقَ لنفسه مجموعة من الأساطير والخرافات السياسية التي تحميه وتذود عن مصالحه في دولةٍ هشَّة هشاشة الوظيفية التي استخدمتها. فظهرت أسطورة “الوطن البديل” التي كان لزاما أن تسندها أسطورة أخرى وهي “الملكية المطلقة” بصفتها الحامية للأردن من “الوطن البديل”. 5 – ولأن هاتين الأسطورتين خُلِّقَتا في الأساس لتكونا الحاضنة الدائمة لكلِّ عناصر حماية ذلك التحالف الطبقي المتحكم في هذه الدولة من مقاوميه ومحاربيه، فإنهما فيما بدا من تاريخ التعاطي معهما، كانتا تظهران وتطفوان على سطح المشهد السياسي الأردني، في كلِّ مرة كانت تتجسَّد فيها مفاعيل إصلاحية تدعو إلى إعادة إنتاج الدولة الأردنية على أسس ديمقراطية وتعددية وأكثر حرية وعدالة.. إلخ. أي أنه في سياق محاربة أيِّ مطالب بدَمَقْرَطَة الدولة وإصلاحها وتنقيتها من الفساد المستشري، كان يتم الترهيب والتخويف من “الوطن البديل” الذي لا تحمي منه سوى “الملكية المطلقة” القائمة. 6 – ولأن البيئة الأكثر خصوبة لاستشراء الفساد وللدفاع عنه من كل من يستغيث بالمؤسَّسِيَّة وبدولة القانون، هي تلك المشبعة بـ “ثقافة العصبية” التي لا تعترف في بنائها لمنظومات الحقوق والواجبات بالكفاءات والقدرات وبالأطر القانونية المؤسَّسِيَّة، وإنما تعترف فقط بالمحسوبيات وبالمكانات الوجاهية القائمة على رابطة الدم بأكثر أشكالها عنصرية وشوفينية واستعلاءً، فقد كان من مصلحة التحالف الطبقي الحاكم بشقيه “الكومبرادور” و”البيروقراط”، أن يؤسِّسَ لهذه الثقافة المجتمعية بكل ما أوتي من قوة، ليصبحَ معتنقوها والمنتفعون منها هم أداة النظام في الدفاع عن أسطورتيه المذكورتين. وبالفعل فليس من الصعب الانتباه إلى واقعة ملفتة، وهي أن أكثر الفئات الشعبية المدافعة عن النظام عبر استخدام أسطورتي “الوطن البديل” و”الملكية المطلقة”، من خارج طبقة التحالف الطبقي نفسها، هي الفئات المتماهية مع ثقافة “العصبية” والغارقة فيها إلى الأذقان. 7 – إن وظيفية “النظام الهاشمي” في الأردن، تطورت على مدى تاريخه متكيفة مع متطلبات المشروع “الإمبريالي – الصهيوني”، في كل مرحلة من مراحل سيرورته.. أ – كانت وظيفية ذلك النظام في الفترة “1921 – 1948″، قد تركزت في إعداد الأردن ليكون متقمصا لأبشع صور “ثقافة العصبية”، ليستعدَ لاستيعاب تداعيات أول هجرة مرتقبة من فلسطين بعد الإعلان عن نشأة المولود الصهيوني “إسرائيل”، بحالة ديموغرافية ممعنة في عصبيتها لا تقبل التعايش مع الآخر، تمهيدا لإشغال “الكيان الأردني الجديد” بنزاعات داخلية تسهم في إتاحة الفرصة لإسرائيل كي تستقر وتنمو وتتمدد بدون عوائق ومتاعب. ب – أما وظيفية النظام الهاشمي خلال الفترة “1948 – 1970″، فقد فرضَ عليها أن تطوِّرَ من أدائها بفعل المستجدات التي كان معظمها خارج نطاق الحسابات الوظيفية والصهيونية والإمبريالية، وذلك حسب التسلسل التالي.. * فقد ظهر بعد الحرب كيان فلسطيني جسَّدته “الهيئة العربية العليا لفلسطين”، أعلن حكومة فلسطينية على جزء من أرض فلسطين التي بقيت خارج نطاق الاحتلال، فيما اعتُبِرَ أولَّ تجسيد حقيقي للهوية الفلسطينية النقيض المباشر للهوية الصهيونية. وهو ما لم يكن مقبولا أن يحدث، ما جعل النظام الهاشمي – إلى جانب نظام الملك فاروق – يكمل المهمة بمشروع وحدة الضفتين الذي غيَّب تلك الهوية. * فشل مشروع تغييب الهوية الفلسطينية في تحقيق المراد، فما كان من مشروع التغييب الذي كان يُراد له أن يحمي إسرائيل، إلا أن أنجز حالة التحام وطني غير مسبوقة جعلت النظام الوظيفي الهاشمي يخوض معارك وجود ومصير خطيرة في مواجهة شعبه على الساحة الأردنية، مرة ضد القوى الوطنية التي شكلت أول حكومة حزبية في عام 1956، ومرة ضد المقاومة التي انطلقت ضد الاحتلال على مدى الفترة “1965 – 1970”. * ظهرت جماعة “الإخوان المسلمين” في تلك الحقبة من الزمن باعتبارها قوة متدينة تدافع عن النظام وتحميه من قوى اليسار الملحدة، وقوى المد القومي العلمانية اللادينية، التي كانت جميعها تقود الحراك السياسي التقدمي آنذاك. وهو الأمر الذي جعلها – أي جماعة الإخوان المسلمين – تحظى بمزايا غير مسبوقة من قبل النظام الذي فتح لها أبواب العمل على مصاريعها لتتحرك وتعمل منفردة في الوقت الذي منع الجميع من التحرك سياسيا في طول البلاد وعرضها، على مدى أكثر من ثلاثين سنة. وهو ما خلق نوعا من المزاوجة التاريخية التي لا يمكن إنكارها بين الجماعة والنظام، بحيث غدا من الصعب إن لم يكن من المستحيل فك عرى تلك المزاوجة، لأن عشرات السنين من التداخل في الوظائف والمهمات والمصالح.. إلخ، لم يكن من السهل شطبها بجرة قلم بدون إحداث زلازل في بُنية التنظيم الإخواني نفسه، وهو ما لم يكن وليس مستعدا له حتى الآن تحت أيِّ ظرف من الظروف لأنه سيضعه في دائرة دفع تكاليف لا تكافئ في نظره المردود المتوقع من ورائها، إذا ما قيس هذا المردود بجوهر الفكر الإخواني وبجوهر المشروع الديني للجماعة ذاته. ج – أما وظيفية النظام الهاشمي خلال الفترة “1970 – 1988″، فقد حاولت العودة إلى مواصفات مرحلة “1921 – 1948” ولكن بتعديلات اضطرارية فرضتها طبيعة المرحلة وتطور مستويات التعليم التي تتعارض بطبيعتها مع المحتوى العصبي الممعن في عصبيته في البنية المجتمعية المستهدفة، ما جعل النظام يعوِّض النقص في الفعالية العصبية المتوقعة في العودة إلى مكونات مرحلة التأسيس، بعصبية من نوع جديد قائمة على الأيديولوجية الدينية ممثلة في “مشروع الإخوان المسلمين الديني”، الذي فتح له المجال واسعا ليتحرك بمطلق الحرية في الأوساط الأردنية من أصول فلسطينية، لإخلاء الساحة من بقايا وفلول المنظمات الفدائية المقاتلة القومية واليسارية والعلمانية.. إلخ، لصالح مشروع ديني غامض ومبهم وغير متماهي مع طبيعة المجتمع ومتطلبات مشروع مناهضة الصهيونية والإمبريالية والوظيفية. ليجد النظام نفسَه وقد حقق منجزاتٍ تفوق الوصف عندما تمكن من جعل “حليفه العصبي” القائم على العشيرة والقبيلة والحمولة ورابطة الدم، و”حليفه الأيديولوجي” القائم على رابطة الدين الإسلامي بقيادة الإخوان المسلمين، يتحالفان معا بشكل ضمني لكنس الساحة الأردنية من كل مفاعيل القوى الوطنية القادرة على مواجهة النظام وتهديد مشروعه الوظيفي تهديدا حقيقيا. وهو ما يجعلنا نعلن وبلا أدنى تحفظ، أنه وبقدر ما كانت “ثقافة العصبية” وما تزال تمثل “الحليف المجتمعي” لوظيفية النظام، فإن “ثقافة الإخوان المسلمين” كانت وما تزال تمثل “الحليف الأيديولوجي” الديني لوظيفية النظام. ومن هنا فإننا إذ نقف مطولا عند كل دعاة “العصبية” مشككين في انشقاقهم عن “وظيفية النظام”، لأن العصبية لم تنفصم عن تلك الوظيفية بل هي خدمتها ورسختها وجذرتها على مدى عقود وما تزال، فإننا نقف مطولا أيضا عن كل دعاة “مشروع الإسلام الإخواني” مشككين في كل دعاوىَ انشقاقهم عن “وظيفية النظام”، لأنهم لم ينفصموا عن تلك الوظيفية بل خدموها ورسخوها وجذروها على مدى عشرات السنين، كانت العشرون سنة الممتدة من عام 1970 وحتى عام 1988، هي أخطرها وأبشعها على الإطلاق على المستوى الثقافي. د –  أما وظيفية النظام الهاشمي خلال الفترة الممتدة من عام 1988 وحتى الآن، فقد شكلت نموذجا وظيفيا خطيرا للغاية، راح يجسِّد حالة من حالات استثمار تاريخ سبعين عاما سبقتها من الوظيفية لتصُبَّ في ما يمكننا اعتباره “خلاصة الوظيفية وزبدتها”. فقد تم تدشين هذه المرحلة من الوظيفية بقرار “فك الارتباط القانوني والإداري بالضفة الغربية” عندما سلَّمَ النظام ما ارتبط به من القضية الفلسطينية إلى نظام عربي وظيفي آخر هو النظام الفلسطيني الذي ألقى بالقضية في سلة التصفية الصهيونية الإمبريالية الكاملة، منذ أن بدأت مسيرة التراجع والتساقط في مدريد، لتتواصل في أوسلو ولتستكمل في وادي عربة. وهو الأمر الذي أدخل الأردن في أبشع مرحلة من مراحل استشراء الفساد وتغول التحالف الطبقي الحاكم بكومبرادوره وبيروقراطه مسنودا بالمخابرات العامة على الشعب والوطن، غير مبال بتفكيك الدولة وبيع مقدراتها ورهن مستقبل الأجيال ونهب المال العام بلا حسيب أو رقيب، دافعا الجميع – إمعانا منه في شغل الشعب عن جوهر معاناته ولب قضاياه – إلى الغرق في أتون ثقافة عصبية جديدة خلقت مختلف أنواع الهويات الفرعية البغيضة الأكثر مدعاة للفرقة والتجزئة، مفعِّلا لأجل تفعيلها أسطورتيه العتيدتين “الوطن البديل” و”الملكية المطلقة”، لحماية وتحصين التحالف الحاكم من أيِّ دعوات إصلاحية قد تهز بنيانَ مكاسبه وامتيازاته ومصالحة المتراكمة عبر عشرات السنين من الوظيفية التاريخية.    8 – تكونت للنظام الهاشمي في ضوء التراكم الوظيفي التاريخي الذي صبَّ في نموذج متفرِّد من الوظيفية والتبعية تم تدشينه بقرار فك الارتباط عام 1988، وظيفية جديدة أسست لها ستُّ محطات، لتدمجها السابعة في لعبة الضياع الوظيفي إدماجا كاملا. المحطات الست هي على التوالي: “قرار فك الارتباط”، “مؤتمر مدريد”، “اتفاقية أوسلو”، “اتفاقية وادي عربة”، برنانج التصحيح الاقتصادي لصندوق النقد الدولي”، “النكوص والتراجع عن عملية الإصلاح التي دفعت إليها ثورة نيسان عام 1989”. أما المحطة السابعة التي قصمت ظهر البعير فكانت هي “تفاهمات واشنطون” عام 1996، والتي حددت للأردن في ضوء نتائج المحطات الكوارث الست السابقة، دورا وظيفيا أصبح جاهزا له كلَّ الجاهزية، ألا وهو أن يصبحَ جسرا تمرُّ عبرَه “الصهيونية” إلى الفضاء العربي الإقليمي كلِّه عبر الاقتصاد والثقافة والتطبيع، وبتعاون النظام الوظيفي الآخر معه ألا وهو النظام الفلسطيني ممثلا بالسلطة الفلسطينية. فبعد أن أدى النظام الهاشمي على مدى سبعين سنة أو يزيد دورَه الوظيفي المطلوب لاستيعاب واحتضان تداعيات “المشروع الصهيوني” في فلسطين، إلى أن أصبحت القضية الفلسطينية رهن التصفية النهائية، أصبح معنيا منذ قرابة العشرين عاما أن يبادر إلى أداء الدور الأخطر، وهو تجهيز نفسه ليكون المعبر الاقتصادي والثقافي إلى الفضاء العربي كلِّه، عبر البدء بتفكيك الدولة المانعة، لتصبح دولة حاضنة، أي بتفكيك الدولة المانعة للعبور لتصبحَ دولة حاضنة لكل أنواع العبور. 9 – جاء ما يطلق عليه “الربيع العربي” ليخلطَ كلَّ الأوراق، وليدفعَ الجميع إلى إعادة ترتيب كل أولوياتهم ومشاريعهم المحلية والإقليمية. وبعيدا عن التجاذبات الانطباعية التي راحت تُغْرِقُ نفسَها في متاهاتٍ من الرعونة الفكرية التي لم تستطع أن تقرأَ ما يحدث إلا في سياقين متناقضي

اترك رد

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني.