في العرف العربي، عندما تكون هناك مشكلة أو حدوث طارئة، بين طرفين متجانسين، فهناك إجراءات من الواجب العام اتخاذها فوراً ومن غير إبطاء، وكما لو كانت غريزية، وهي على شكلين، الأول ما يُتخذ من قبل الطرف التي بدرت منه المشكلة (المعتدي)، والشكل الثاني تتخذ من قبل الطرفين معاً، المعتدي والمعتدى عليه (الإجراءات الرسمية) وهذه الإجراءات أيضاً لها خطوطها العريضة والمتعارف عليها من قبل الجميع، وهي في عمومها، تتخذ لأهداف التوقف عند هذا الحد وعدم تجاوزه، بغية تحجيم المشكلة، والعمل على تهدئة الوضع المتأزم،
السفارة الإسرائيلية.. شعوبٌ ذكية، تحكمها أنظمة غبية
د. عادل محمد عايش الأسطل
في العرف العربي، عندما تكون هناك مشكلة أو حدوث طارئة، بين طرفين متجانسين، فهناك إجراءات من الواجب العام اتخاذها فوراً ومن غير إبطاء، وكما لو كانت غريزية، وهي على شكلين، الأول ما يُتخذ من قبل الطرف التي بدرت منه المشكلة (المعتدي)، والشكل الثاني تتخذ من قبل الطرفين معاً، المعتدي والمعتدى عليه (الإجراءات الرسمية) وهذه الإجراءات أيضاً لها خطوطها العريضة والمتعارف عليها من قبل الجميع، وهي في عمومها، تتخذ لأهداف التوقف عند هذا الحد وعدم تجاوزه، بغية تحجيم المشكلة، والعمل على تهدئة الوضع المتأزم، لدى الطرف الآخر، وذلك بغية تجاوز ساعة الغضبة التي تحركها الأنفس، لإفساح المجال للبحث والدراسة بإعمال العقول والأفهام. فكيف الحال عندما تقع مشكلة بين طرفين هما في الأساس متباينين غير متجانسين، لا لغة ولا ديناً ولا ثقافةً، ولا قاسم بينهما إلاّ العداوة والبغضاء، والذي طفحت في حال السفارة الإسرائيلية الجاثمة على الأراضي المصرية، والمسئول عنها الكيان الإسرائيلي. منذ بدايات الثورة المصرية، لم تراع أبداً مشاعر المصريين، ولم يؤخذ في الحسبان المسائل المترتبة على ذلك، والجميع يعلم أن من أسباب قيام الثورة في مصر، لم تكن مختزلة في الأحوال المعيشية السيئة في مصر، ولا لكبر سن الرئيس والانتخابات الأخيرة، أو الحديث عن مسألة التوريث وأداء الشرطة المصرية فقط، بل أيضاً احتجاجاً على مجموع السياسات المصرية، بما فيها العلاقات الغير متكافئة، مع الدول الغربية والولايات المتحدة، وخصوصاً بكل ما يتصل بإسرائيل، وأن أحداث السفارة ناتجة عن قتل الجنود الإسرائيليون، خمسة من الجنود المصريين، بل إن هذه الحادثة (المتكررة)، كانت بمثابة اشتعال المشتعل أصلاً، نتيجة الاستفزازات الإسرائيلية المتتالية، وبدون مواجهة تذكر من قبل الجانب المصري، وتسوى الأمور، لا أحد يعلم كيف سُوّيت. كان يجب والأوضاع على أشدها، أن تقوم السلطات المصرية بإخلاء السفارة الإسرائيلية ومن غير إبطاء ولا تأجيل، وكان يفترض على الجانب الإسرائيلي أن يقوم باستدعاء السفير الإسرائيلي من القاهرة، حتى تهدأ الأمور، لكن استخفاف الجانبين المصري والإسرائيلي بالشعب المصري قائد الأمم العربية، أوصل الحال إلى ما هو عليه الآن من تعقيد للمشكلة ونقل الأضواء على فواشل، ليس من الضروري حتى الالتفات إليها. منذ التوقيع على اتفاقيتي (كامب ديفيد)، والتي تم على أساسهما إنهاء حالة الحرب والدخول في عملية سلام بين مصر وإسرائيل، كان التوقيع الحاصل، يعبر تماماً عن الرغبة المصرية المختزلة في (النظام المصري) فقط، ولا تعبر أبداً عن السواد الأعظم من الشعب المصري، المسلم العارف بما يتوجب عمله وفي كل زمان ومكان، ورغم الرقصات والطنطنات التي اتبعها النظام حينها، للترويج للمبادرة والحل السلمي، لم ينفع ذلك كله وإن أقتنع به بعض المتمصلحين من هكذا عملية. الرئيس السادات ضحي بالعرب كلهم، بذريعة وإن جنحوا للسلم، وضحي بكل علاقاته العربية والإسلامية، بحجج ومبررات سامة، لا تنطلي إلاّ على الغلابة والمساكين وضعاف النفوس. وهو يعلم أن كل شيء يكون غصباً، لا ينفع وقد أثبتت التجارب الكثير، فعندما لا ترضاها الشعوب تقذف بها وجه صاحبها ولو بعد حين، وكذلك بالنسبة للطرف الإسرائيلي الذي يعلم أن أي اتفاقية تقوم على خديعة وغبن، لا مستقبل لها، فعندما تقوى الشعوب المظلومة، فسوف تسارع إلى تمزيق الاتفاقية، لإعادة صياغتها من جديد، حرباً كان أو سلماً. ليست بأي حال أن تكون العلاقات غير المتكافئة على حال جيدة، مع عدم ضمان أن تستمر طويلاً. الطنطنات والبهرجات، وإن كانت نفعت في حينها، سيكون ضررها أكثر من نفعها، كالأسبرينة، لها بداية مسكنة، حتى إذا انتهى مفعولها، سرعان ما يعاود الألم من جديد، فإذا أفاقت الأمة من غفلتها وتحسست رأسها، انقلبت الموازين في الحال، لتعاد الأمور إلى مربعها الأول. اتفاقيات كامب ديفيد، حالها كالحالة التي تمثلت في الحرب ضد النسل في مصر، حين تكالبت الدولة والمنتفعين، وقاموا على قدم وساق، وجندوا الحملات المتتاليات، ولم يتركوا شيئاً إلاّ اتخذوه طيلة سنوات وسنوات، وفي آخر الزمر انتهي كل ذلك بالفشل التام والإحباط الذريع، وذهبت كل الأموال هدراً وخسراناً، لأن الأمر اتخذ جزافاً، لا عن دراسة ولاشيء من التحقيق، ولم ينظروا إلى الأعراف والدين، فقط تتخذ القرارات عن رغبة شخص أو عدة أشخاص ليس إلاّ. وكان مصير كامب ديفيد في النهاية، إلى صندوق القمامة، كما هو الحال الذي انتهيت إليه دعوات تحديد النسل، وكثيرة هي الأمثلة، لأن ذلك لم يأت عن قناعة وطيب خاطر. قيل: إذا أردت أن تطاع، فأمر بما يستطاع، أي أن يكون الشيء في محله وأوانه، وفي بيئة مهيأة، يكون فيها رضاً وقبولاً، فلا يمكن الزراعة في الصخر، لأنه ليس تربتها التي تصلح لأن تنمو فيه. في الأيام الأولى من الثورة أعلن المجلس العسكري في مصر، احترامه كافة الاتفاقيات الدولية وكان يقصد الولايات المتحدة وإسرائيل بالطبع، وليس اتفاقات مصر مع الجانب الصومالي مثلاً، وكأنه يستجدي الولايات المتحدة وإسرائيل، بمعني يخافهما ويخشاهما، ولم ينظر إلى الحالة المصرية، وما هي عليه من الغضب والثورة، بمعني ليس خشية من الشعب المصري، أو محافظة على شعوره ولا نظراً إلى طلباته ورغباته، وهذا من الأخطاء الفادحة من قبل الأنظمة عموماً، في عدم قدرتها على تقدير المواقف في ساعة العسرة، ولا حتى بعد حدوثها، كل الأشياء تؤخذ من غير تبصر ولا بصيرة، ولا تراعي المتطلبات الضرورية للبلاد والعباد. الدول الغربية كان همها الوحيد، العزف على مبادئ الديموقراطية وحقوق الإنسان، والخشية من أن ينشأ نظام معادي للغرب. والتشديد على الاحترام والالتزام بالاتفاقيات المبرمة، وأعلنت إسرائيل:” يجب الاعتماد على قوتنا العسكرية والاقتصادية”، بمعنى أن لا معنى للاتفاقيات، حيث في القاموس الإسرائيلي، لا اتفاقيات مقدسة، ولا مواعيد مقدسة. كان من بين الأقوال لمواطنين إسرائيليين، في بداية الثورة المصرية ضد نظام مبارك: مبارك كان شجاعاً ونافعاً للشعبين المصري والإسرائيلي، وكلنا أمل أن يسيطر مبارك على الحكم وليس المتطرفين. وقال آخر: مبارك رجل جيد، لم يكن مثل السادات، ولكنه حافظ على كل شيء، وخاصةً المعاهدة التي جلبت الأمن للإسرائيليين، بالإضافة إلى استفادة الإسرائيليين ببعض الأمور المرتبطة بالتفاهمات الناتجة عن المعاهدة، والتي أسفرت عن بعض المكاسب لصالح الإسرائيليين، ومنها تصدير الغاز المصري بأثمان رمزية، كان حسناً جداً فقد منحنا الأمان، وحافظ على مصالح إسرائيل. إن مجرد سماع كلمات الإسرائيليين، والطريقة التي تشيد بسياسة النظام المصري، كفيلة بأن تلهب مشاعر الجماهير المصرية، من كبيرها إلى صغيرها، فمن غير المنطقي أن يهب النظام المصري الطمأنينة والسلام للإسرائيليين، على حساب الشعب المصري، ليرزح تحت كاهل المعاناة بأشكالها، وضروب العذابات بألوانها، ومن غير المنطقي أيضاً، أن يظل الشعب المصري ينوء تحت التعالي الإسرائيلي يتنعم بسلامه وهو إلى السلام والأمن أحوج، ويتمرغ بخيراته، وهو بخيراته أولى. لقد قام المحتجون وفقاً لتقارير وسائل الإعلام في مصر، باقتحام سور السفارة، وإزالة علم إسرائيل، وفي ضوء ذلك فمن المتوقع أن يعلن المجلس العسكري الأعلى عن إقالة الحكومة المصرية في أعقاب أحداث السفارة، وعدم القدرة على السيطرة على النظام. وأفادت بعض التقارير، بأن وزارة الداخلية في البلاد أمرت الشرطة برفع مستوى التأهب وألغت جميع الإجازات. ليس مستغرباً البتّة ولا بأي حال، مسألة الاحتجاجات الشعبية ضد السفارة الإسرائيلية في قلب العاصمة المصرية، وإن كانت متأخرة في ضوء التراكمات الإسرائيلية المغلفة بالصلف الإسرائيلي، والصدوف اليهودي التوراتي. بعد كل هذا يظهر نتانياهو رئيس الوزراء الإسرائيلي، بعد ليلة ليلاء لم ينم فيها لحظة، ليبدي امتعاضه الشديد لأحداث السفارة، ولم يسأل نفسه أبدأ عن السبب الحقيقي الذي يقف وراء أحداث السفارة، بل قال: إن الاعتداء على السفارة الإسرائيلية في القاهرة خطير جداً، وأكد أنه لا يجوز أن تمر مصر مر الكرام، على هذا المساس الخطير بنسيج العلاقات السلمية مع إسرائيل، والانتهاك السافر للأعراف الدولية. وكأنه يريد أن تتخذ السلطات المصرية، مزيداً من الخطوات الضرورية، بهدف المحافظة على نسيج العلاقات مع إسرائيل، كأن تلجأ مثلاً إلى معاقبة الثوار والثائرين، بالقتل والحبس والنفي وتدمير البيوت على رؤوس ساكنيها، وما إلى ذلك، لأجل الحفاظ على ذلك النسيج، ولإفساح الطريق أمام الموساد ليعيث فساداً، في ربوع الأراضي المصرية، وخاصةً في القاهرة والسويس وسيناء ومنطقة البحر الأحمر. وكان نُقل، أن مسئولين إسرائيليين وصفوا ما حصل، بأنه “خطير جدا”، وأقامت وزارة الخارجية الإسرائيلية غرفة طوارئ خاصة، وصل إليها وزير الخارجية، أفيغدور ليبرمان، وباشرت باتصالات متواصلة مع السلطات المصرية والممثلين الإسرائيليين. وقامت الدنيا لدى الإسرائيليين ولم تقعد، فقام وزير الجيش الإسرائيلي أيهود باراك، وأجرى اتصالاً مع نظيره الأميركي ليون بانيتا، ومبعوث الرئيس الأميركي باراك أوباما إلى الشرق الأوسط، دينيس روس، ودعاهما إلى الضغط على السلطات المصرية لحماية السفارة الإسرائيلية. ومن ناحيةٍ أخرى أشاد نتانياهو بالسلطات المصرية التي حسب رأيه، تصرفت بحزم وجلبت التحرير لدبلوماسيينا الرائعين. وأيضاً سارع الرئيس الأميركي باراك أوباما بالإعراب عن قلقه الشديد حيال وضع السفارة الإسرائيلية في القاهرة، ودعا الحكومة المصرية إلى الالتزام بموجباتها الدولية وحماية أمن السفارة، و إلى “احترام التزاماتها الدولية وحماية أمن السفارة الإسرائيلية.” وأبلغ رئيس الوزراء الإسرائيلي بنيامين نتانياهو أن الولايات المتحدة، تتخذ خطوات للمساعدة في معالجة الوضع. ولم يعرج أوباما ولا نتانياهو على ذكر الشهداء أو المصابين. وفي الأيام القريبة المتتالية، سوف نسمع ونسمع ونرى المزيد والمزيد، عن تداعيات السفارة وأحداث السفارة، كما كان الأمر بالنسبة للأفندي شاليط، ونحن لا ولم ولن ننبس ببنت شفة. وفي الأخير، كنا نتمنى أن تتبع الحكومة المصرية، في مواجهتها للاحتجاجات، على الأقل، تماماً كما يواجه نتانياهو الاحتجاجات المنتشرة في إسرائيل، فمن الأمور الأشد خزياً، أن نواجه شعوبنا بالحديد والنار، وأن يواجه أعداؤنا شعوبهم بإنجاز رغباتهم وتحقيق مطالبهم، ولكن عزاؤنا، أن منّا الشهداء.