www.omferas.com
شبكة فرسان الثقافة

الولايات المتحدة الامريكية وتشويه ثقافات الشعوب/مروان حبش

0

كل مجتمع يبني مجتمعه وينتج ثقافته على النحو الخاص به زمانا ومكانا، ويكتسب خصوصيته من إطار بيئته ومحيطه العقلي ونهجه في الحوار وفي التعامل، وبذلك تتعدد المجتمعات وتتنوع الثقافات على مدى الزمان في إطار الشروط الوجودية، وان التماس الوحدة والتجانس والتماثل هو التماس لموات الوجود والتماس لخاصية التحجر والجمود. كما أن قابلية الإنسان الهائلة للتنوع والتغير في حركة حية دينامية، يفضي إلى تباين أشكال الحياة، وأشكال فهم الحياة، وصور التعبير عن الحياة، وسبيل الأخذ بالحياة والتعامل معها.

13 سبتمبر 2011

الولايات المتحدة الأمريكية وتشويه ثقافات الشعوب
الدور والهدف
مروان حبش

كل مجتمع يبني مجتمعه وينتج ثقافته على النحو الخاص به زمانا ومكانا، ويكتسب خصوصيته من إطار بيئته ومحيطه العقلي ونهجه في الحوار وفي التعامل، وبذلك تتعدد المجتمعات وتتنوع الثقافات على مدى الزمان في إطار الشروط الوجودية، وان التماس الوحدة والتجانس والتماثل هو التماس لموات الوجود والتماس لخاصية التحجر والجمود. كما أن قابلية الإنسان الهائلة للتنوع والتغير في حركة حية دينامية، يفضي إلى تباين أشكال الحياة، وأشكال فهم الحياة، وصور التعبير عن الحياة، وسبيل الأخذ بالحياة والتعامل معها.
إذن، وحسبما يقول الأنثروبولوجي (غودليير): ليست حياة البشر مجرد حياة في مجتمع، وإنما هم ينتجون المجتمع ليعيشوا فيه، ولهذا المجتمع، أشكال عديدة ولكل شكل ثقافته المختلفة، وترتيباته الاجتماعية المتباينة. وأن هذا التباين الاجتماعي والثقافي حقيقة موجودة وهي حقيقة تشتمل على قابلية للتغير ومرونة للتحول.
نتبين من ذ لك، أن عالم البشر يؤلف وحدة كلية متنوعة، شاملة لعمليات مترابطة بحيث أن أي حركة في إحداها تؤثر فيما عداها، كما أن الحياة البشرية تشمل نسيج روابط شبكية وعلاقات لها قوة خاصة بها ومميزة لها وتخضع بناء البشر لأوامرهما الملزمة، وتدفع الناس إلى منظومة اجتماعية، وتضفي غائية على المنظومات الناشئة،والعلاقات الرئيسية، وأيضا، تضفي قوة على النشاط الإنساني وتنفث فيه حياة وتدفع به قدما إلى الأمام.
يقول (كاريدرس): “وامتد بين الطبيعة والإنسان حاجب الثقافة” إن هذه التجربة الإنسانية القائمة على الفعل والفكر، وعلى التفاعل الذي هو جوهر روح المعاشرة الاجتماعية وجذر نشأة الثقافة، لأن الثقافة منتج اجتماعي لتكييف فرص ومناخ الفعل والتفاعل الاجتماعيين، وعلى هذا تكون الثقافة إطارهما – وليست علتهما -. أي إطار الفعل والفكر للمجتمع، ونهج تعامل تبادلي مشترك، أو من حيث هي ثقافة معيشة اجتماعيا يجسدها سلوك ورؤية الإنسان/المجتمع إلى العالم ونتيجة ذلك يتكون التميز الثقافي والاجتماعي والاستقلال المتبادل وهو سمة عامة للنوع البشري، أي أن قابلية الثقافات للتمايز والاستقلال ترتبط ارتباطا وثيقا بتنوع سبل الحياة تنوعا هائلا على نحو غير قابل للتنبؤ، وان التنوع الثقافي لا يعني التنافر الإنساني المطلق كما لا يعني النفي الوجودي المتبادل.
الثقافة منتج اجتماعي، حسب ما وضحنا، وإن اختلف المفكرون في التعريف، فهناك تعريفان يتنافسان على التفوق:
الأول ينظر إلى الثقافة على أنها تتكون من القيم والمعتقدات والمعايير والتفسيرات العقلية والرموز والأيديولوجيات وما شاكلها من المنتجات العقلية.
والثاني، يرى الثقافة على أنها تشير إلى النمط الكلي لحياة شعب ما والعلاقات الشخصية بين أفراده وكذلك توجهاتهم.
بناء على ذلك، نسأل، ما هي الذاتية الثقافية لشعب الولايات المتحدة، وبالدقة، الأنغلو – أمريكان، الذين يفرضون ذاتيتهم على الآخرين من السكان؟ وما هي أسس نشأتها؟ ومن هم في علاقاتهم مع الآخر في الحاضر وفي التاريخ؟
اعتبر الآباء الأوائل أنفسهم، الصفوة المختارة النبيلة بين الأمم أو (الشعب الفريد في نوعه) والعالم الخارجي يجب تطهيره من دنسه أو قذارته، وأن تتم تربيته وتجميله وإضفاء النبل عليه بمثلهم، وأنهم القادة المنقذون، والملائكة الحقيقيون للعدالة. واعتبر مؤسسو الجمهورية جمهوريتهم “مشعل الأمل الساطع” وشعبهم “الشعب المختار” شعب “إسرائيل” عصرنا “وفق الوهم اليهودي” أو “أورشليم الجديدة” التي تنطوي على قدرها “الواضح الجلي” ورسالتها الربانية، من حيث كونها الوصي على البشرية والقائد إلى الكمال، ومن حيث كونها نبيلة كامل النبل، وخصوصية كل الخصوصية، تعلو على كل البلدان، وتتعالى عليها، ومهمتها، العمل على خلاص العالم كله وفائدته ومتعته، وتعزز عند رؤساء الولايات المتحدة الادعاء لنفسهم، الحق في قيادة العالم، وحتى منتصف القرن التاسع عشر كان وزير المالية الأمريكي (روبرت ووكر) يرى توسع الولايات المتحدة يستهدي بقوة عليا، وكان يرى “هذا البلد” الكبير السعيد قد اصطفته تلك القوة أنموذجا لكل الأمم.وفي بداية القرن العشرين، كان الرئيس (وودر ويلسون) يرى أن الولايات المتحدة قد اصطفتها العناية الإلهية لتكون أمة مثالية وحيدة على سطح الأرض، وأنعمت عليها بامتياز إنقاذ العالم، ويشجع هذا الرئيس رجال الأعمال في بلده “ولذلك فلتمضوا، وتعلموا كل الشعوب، ثم اخرجوا إلى العالم، وبيعوا السلع التي يمكن للعالم أن يزداد سعادة بها، ولتدعوا العالم إلى المبادئ الأمريكية”، وبكل نرجسية، يقول ولسن، أيضا، “أنا أعرف أن العالم كله يخسر قلبه عندما ترفض أمريكا أن تدله على الطريق، نحن نتبع الرؤيا، لقد خلقت أمريكا لتقود العالم”. وهذا، الرئيس (جونسون)، قاتل الشعب الفيتنامي، يدعي أنه سيوقف كل طاقته لإنشاء مجتمع عظيم واسع يشمل العالم، وافترض أن تؤدي “طريقة الحياة الأمريكية” إلى أن يبرأ العالم من المرض بمنتجات (اللوكي سترايك) و(الكتشب)، و(الكوكا كولا)، و(البوب)، و(الروك)….
تنطلق ثقافة الصفوة الأنغلو- أمريكية من مبدأ القوة، أي أنها ثقافة تطلب القرابين في نهم لا يرتوي، تطلب قرابين جديدة دائما، وتلتهم كل شئ. وعبرت (مادلين أولبرايت)، وزيرة الخارجية في إدارة الرئيس (كلينتون)، عن فلسفة تلك الثقافة، وتبريرا لعدوانية بلادها، بقولها “إذن لماذا نملك جيشا؟ ولماذا ننفق من المال على التسلح أكثر مما يستثمر عالم الغرب كله معا”.
الأنغلو- أمريكان من ذلك الجذر الثقافي السوبر (القوة) وتمجيد العنف واللجوء إلى القوة على أنها فعل مؤسس ورد إيجابي، وعلى هذا المحتوى النفسي والتاريخي الخصوصي تكونت خلفية ذات سمات في صالح ازدهار مناخ العنف، وسياسة العنف، وممارسة العنف، أدت إلى اتباع سياسة من دون أخلاق، وهكذا سياسة تكون إجرامية، ابتداء من تعاونهم على اغتصاب البلاد التي صاروا ينتمون إليها، كلها، بالخداع وبجرائم القتل وبأعمال شائنة فظيعة، وارتكاب بما هو في حكم التطهير نحو السكان الأصليين، بقتلهم وإبادتهم جماعيا بواسطة الأسلحة و الأوبئة، إلى أن استأصلوهم، وأدنى تقدير للضحايا سبعة ملايين ويصل عند البعض إلى ثلاثين مليونا، ومرورا بما اقترفوه ضد الشعوب والمستعمرين أمثالهم في أمريكا اللاتينية وجزر المحيط الهادي، وقنابل هيروشيما وناغازاكي ويوغسلافيا والعراق…… وصح فيهم قول (سيغموند فرويد) “أمريكا مخلوق شائه وأنا لا أكرهها وإنما آسف لأن كولومبوس اكتشفها”.
ومن ذلك الجذر الثقافي، أيضا، (السوبر) (القوة) دعا معهد بحوث السياسة الخارجية الأمريكي FPRI إلى إقامة إمبراطورية أميركية والتخلي عن سيادة الدول القومي، وبخاصة في عالم ما بعد الاتحاد السوفييتي، وفي مقالة نشرت عام 1957 في مجلة المعهد المذكور، تحت عنوان (موازين القدر)، جاء فيها : “أن مهمة الولايات المتحدة هي توحيد العالم بأكمله تحت قيادتها خلال هذا الجيل، أما سرعة وكفاءة تحقيق هذا الهدف فسوف يقرر مصير الحضارة الغربية وبالتالي المصير البشري”.
إن الآخر هو الشرير، الهنود الحمر، الأسبان، الأفارقة، الاتحاد السوفييتي، الإسلام، والحضارات التسع الكبرى في العالم – وفق بعض التصنيفات – “الغربية،الأمريكية اللاتينية، الأفريقية، الاسلامية، الصينية، الهندية، الأرثوذكسية، البوذية، اليابانية”، لا يجوز لأي منها أو لمجموعة من تلك الحضارات والدول التي تمثلها أن تصل إلى حالة الدولة العظمى، وهذا ما أجمع عليه مهندسو النظام العالمي الجديد ووضعوا له القواعد الصارمة الخاصة به، ومن هذا المبدأ، كان احتلال آسيا الوسطى وأفغانستان والعراق، ودق إسفين فرقة بين الصين وروسيا والهند واليابان حتى لا تتواصل فيما بينها أبدا، والقبض على مفتاح صنبور النفط، ولهذا فان البعض يؤمن بأن أحداث 11 أيلول/سبتمبر كانت أكثر من مجرد صدفة أو حدث عابر، ويورد (بريجنسكي)، في (رقعة الشطرنج الكبرى) أن السيادة الأمريكية وقواعدها الجيو – استراتيجية في أو راسيا هي الجائزة الكبرى التي حازت عليها الولايات المتحدة بعد انتهاء الحرب الباردة وبإمكانها السيطرة علي مقدراتها ولن يسمح لغيرها “روسيا، الصين، الهند” بالسيطرة عليها، وهذا هو الهدف المنشود من احتلال أفغانستان.
إن النظام العالمي الجديد، وفق المنظور الأمريكي، هو إمبراطورية عالمية أمريكية تحمل دمغة الروح والمثل الأنغلو – أمريكية، وهذا ما دعا إليه هنتنغتون، صاحب كتاب (صراع الحضارات) و(الستون) كاتبا أمريكيا، في بيان لهم بعد أحداث 11 أيلول/سبتمبر، إلى تبني القيم والمعايير الأمريكية، لتكون قيم العالم بأجمعه، وهذا ما تضمنته أجندة (كلينتون) المنصبة على تشكيل صيغة واحدة للرأسمالية وهي النسخة الأنغلو – أمريكية، وطلب من روسيا تبنيها ومن أوربا التخلي عن برامجها الاجتماعية وعن النموذج الخاص الذي تعتمده للرأسمالية، وكذلك على اليابان أن تغير نسختها التي لم تعد محط قبول بعد انتهاء الحرب الباردة، وخاصة أن النموذج الياباني كان البعض، وخاصة الصين يعتبره نموذجا يحتذى به ويحمل تهديدا للنموذج الأمريكي، وتعتبره واشنطن كارثة ساحقة ستنزل على نظامها الاقتصادي إذا ما تحقق ذلك.
من أبرز القيم التي تحملها الولايات المتحدة، النفاق، المعايير المزدوجة، والاستثناءات، وقيم (الوول ستريت) وأوهامه، والإعلاء من شأن المادية والنمو الاقتصادي المرتكز على الطمع والقلق والترقب، والانحدار من العدل إلى الظلم، ومن الأخلاق إلى الفساد، وتعميم نمط تركيز الثروات في أيدي ال 1% في كل مجتمع أو أقل، لتصبح الثروة بملكية بارونات – لصوص، لأن هذا النمط من عدم المساواة في توزيع الثروات تحت الشعار الجذاب “العولمة” هو في خدمتها ولصالحها، و الديمقراطية الذي تبشر بتعميمها هي ديمقراطية مفرغة من الداخل من خلال قوة المال وقوة الإعلام، ولمصالحها تتلاعب بكل القضايا العرقية والحضارية وفقا لموازين القوى الجيو سياسية وتوظفها لخدمة غاياتها، وتقوم بأبشع الحروب وبأبشع صنوف الإبادة الجماعية تحت أنبل وأقدس المسميات “الحرب ضد الإرهاب”، و في بيان هنتنغتون ورفاقه، المنوه عنه نجد استخدام الكثير من الأهداف السامية والمغرية لتبرير حرب الأنغلو – أمريكان، وجاء فيها أن الضمير يتطلب من أولئك الذين يشنون الحرب أن يذكروا وبكل وضوح التبرير الأخلاقي لما يقومون به. ولقد زادت تلك القيم انحدارا بعد أن أصبحت القلة التي تملك الثروة تتحكم بقوة المال وقوة الإعلام وقوة تسويق قادة السياسة والمشرعين وتعتلي قمة هرم النظام العالمي المعلوماتي الجديد انهم بارونات المال اللصوص الذين برمجوا نظاما عالميا جديدا وفق ثقافتهم التي أنتجوها ويمكن أن نطلق عليها “الرأسمالية الداروينية” الأكثر وحشية وأنانية وخسة، لأن الكفاح الدارويني للبقاء عندما تطبق عقيدته على العلاقات الاجتماعية للإنسان يكون كارثيا. ولقد تألم الرئيس الأمريكي (لينكولن) وهو يبدي قلقه من البعض الذين سيخطفون الجمهورية ويعم عصر من الفساد تقوم به قوى المال ويصبح المواطن عبدا في أرض الحرية، ولقد أسر إلى أحد أصدقائه قائلا: “لو كان هناك مكان أسوأ من الجحيم فتأكد أنني أعيش فيه الآن”.
إن هؤلاء البارونات أنتجوا ثقافة، باسم الحلم الأمريكي، والسوبر ثقافة، و(السوبرمان)، ثقافة الخراب الأخلاقي والسياسي والمادي، ثقافة “تصنيع الموافقة” ونسج خيوط الأوهام واعتبار الجريمة المنظمة مجرد نشاط تجاري والحرب غير الأخلاقية ضرورية للغاية بسبب حقائقهم الأخلاقية الراسخة عندهم،ولذلك فإن الأشخاص الذين يتم إيصالهم إلى السلطة في واشنطن يجري اختيارهم عن عمد بحيث تكون لهم أسبقيات وخلفيات مشبوهة وفاسدة، ويمكن بكل سهولة ويسر ابتزازهم وإخراجهم من مراكزهم ومناصبهم في أي وقت. و(ويليام ليش) في كتابه (أرض الرغبة) يقول: “خلال العقود التي تبعت الحرب الأهلية، بدأت الرأسمالية الأمريكية بإفراز ثقافة مميزة غير ذات صلة بالقيم التقليدية الأسرية أو الاجتماعية، وليست لتلك الثقافة أية علاقة بالدين أو بأي مفهوم تقليدي، أو حتى بالديمقراطية السياسية، إنها ثقافة تحويل المجتمع الأمريكي إلى مجتمع يستحوذ عليه حب الاستهلاك والمزيد من السلع، وهذه الثقافة الاستهلاكية كانت شديدة العداء لكل ما هو من الماضي، ولكل ما هو تقليدي، ووجهت تلك الثقافة لخدمة الأهواء المستقبلية المنبعثة من (الأهواء والشهوات)”.
إن هذه الثقافة تسبب التشويش والإرباك لتوهم المجتمع أن الحياة الجيدة ما هي إلا السلع الجيدة، وتتمثل أهم الملامح الرئيسية لهذه الثقافة في حب التملك وتكريس حب الاستهلاك كوسيلة لتحقيق السعادة، ونشر مذهب “اعتناق الجديد” وإطلاق العنان لعنفوان الرغبة وتكريس مبدأ اعتبار قيمة الأموال هي المعيار المهيمن على كافة القيم السائدة في المجتمع (البراغماتية)، وتصبح المشكلة بعد إنتاج السلع في إنتاج المستهلك- إن جاز التعبير – وارتقاء الاستهلاك إلى مرتبة ديانة ليحتل مكانها، كما تحولت ثقافة الاستهلاك إلى علم، بعد التحالف بين أصحاب الثروات والجامعات، وهكذا أضحت الاستهلاكية مبدأ وعقيدة الإدارات الأمريكية وتعتمد ثقافتها برمتها على خلق الطلب على السلع من خلال تحفيز رغبة الناس واستثارتها، ومعلوم أن تحفيز الرغبة لا تحده حدود، وانه إذا ما تم إشباع رغبة ما، فإنها ستأتي برغبة أخرى معها. وفي كتاب (الازدهار الأمريكي) لـ (مازور) الذي نشر عام 1928، يمكن التعبير بكل وضوح عن ثقافة الاستهلاك الأمريكي “يمكن تطوير الرغبات البشرية بحيث تطغى على احتياجات الإنسان الحقيقية وبالتالي تطمسها.. ويجب تقديم ثقافة الرغبة في ذلك الإشباع لجميع أبناء الشعب”، ولقد بارك الإنكليزي (جون كينز) هذه الثقافة الاستهلاكية، وكان يفاخر بوصف نفسه بالإنسان “غير الأخلاقي” وعمل على ترويج استغلال الفرص والملذات في الوقت الحاضر بدلا من المتقبل. كل ذلك باسم الديمقراطية، ديمقراطية (كل صوت بدولار)، إنها ثقافة تنشر مبدأ كل شيء معروض للبيع، وكل شيء يسهل شراؤه، والسياسيون والمفكرون ومراكز البحث يتلقون الرشاوى ويمارس عليهم الابتزاز لصناعة الرأي العام وصور الشخصيات كما يشاءون (البارونات الجدد) وفي الاتجاه الذي يريدون، وإيهام الشعب بأنه يمارس الديمقراطية.
هذه القيم قد بلغت عندهم حدا جعلها دينا، من غير اله، ينبغي على العالم جميعا اعتناقه، ويجب على الناس والشعوب أن تحب هذا الدين وتعيش ضمن نسيجه، أي أن ما هو خلاص للولايات المتحدة هو خلاص للعالم.
إن الثقافات المرتكزة إلى القيم النبيلة لا يمكن أن تكون ثقافات عدائية، بل تبحث دوما عن كيفية إقامة حوار حقيقي للثقافات والأديان، أي حوار واضح جدا هدفه التعايش السلمي والتبادل الأكثر كثافة بينها، القائم على الاحترام المتبادل وفهم الآخر و القبول المتبادل الذي يتطلب من الأطراف انفتاح العقل وإرادة التغيير والسير نحو الحداثة وفق الطريق الخاصة التي تراها كل ثقافة.
أن الحوار بين الثقافات ضرورة استراتيجية وأمر ملح، ومن الأولويات في عصر العولمة، وأن يكون الحوار على جميع المستويات، حوار منفتح على عالم جديد متعدد الثقافات لأن الحوار والتبادل المثمر كان دائما المحرك للتقدم وفي خير الإنسانية.
إن السوبرمان الأنغلو – أمريكي – الساكسوني ينفي الآخر، وهذا النفي جزء من ثقافته ومعشش فيها، والعولمة بالنسبة إليه إنهاء كل شيء وإقامة إمبراطوريته وسيادة قيمه الجديدة، وهذا (روبرت كوبر)، مستشار رئيس وزراء بريطانيا يكتب في مجلة (بروسكت) في تشرين الأول/أكتوبر 2001 “إن المشكلة العملية في عالم متعدد الدول القومية هي أن الكثير من دول ما بعد عهد الاستعمار ذات هوية وطنية، وان هذه الدول الهزيلة هي مصيبة وسيئة لنا جميعا… وكل الشروط قد توفرت الآن لبداية إمبريالية جديدة”.
إن السيطرة على العالم هو ما يهدف إليه السوبرمان الأنغلو- أمريكي الذي ينطلق من أفكار مسبقه تكونت من وهم نسجه، و يرى من خلالها أن الآخر شرير يجب إبادته، ويحل الصراع بين الحضارات بدلا من الحوار، ويخلص هنتنغتون إلى “أن الصراعات بين الحضارات ستكون السبب الرئيس دون غيرها من الأسباب لكافة الصراعات بما في ذلك الاعتبارات الاقتصادية”.
أن النظام العالمي الجديد، الذي تريد (القلة الأنغلو- أمريكية) فرضه، يتأسس على ثقافة بدأت باستغلال السكان الأصليين، ثم استئصالهم بالقتل مرورا باستعباد الأفارقة في مزارعهم إلى افتعال الحروب ونهب ثروات الشعوب، ثقافة نشأت على أرضية العنف وأساس حريتها وديمقراطيتها هو السياسة الواقعية الدموية المتسمة بالتزمت والتطرف، ُثقافة أسست على ذاتية السوبرمان الذي يرى أن “كل هندي أحمر لا بد من أن يقتل ولابد لعظام هؤلاء أن تسمد الأرض قبل أن يستطيع محراث البيض أن يشقها”، وفق قول (ريمون كارتييه)، ثقافة أسست على أن “الرق هدية ربانية، والرقيق مسموح باستيراده في أرض الرب الخاصة”، حسب قول معلم الكنيسة القديس (أمبروزيوس)، ثقافة لا تعرف إلا ثلاثا: القوة، المال، والنفاق، انه نظام عالمي يتأسس على مبادئ الإبادة والرق والنفاق والتشويه والكذب، نظام تسيطر عليه المافيات، هذه هي المثل والأخلاق العالمية للعولمة الأمريكية، وهذا هو الحلم الأمريكي والنمط الثقافي الذي يصر بوش الابن على أن يتبناها العالم بأسره، إنها قيم ومثل تأتي من أمريكا التي قال فيها (جورج كليمنصو): “أمريكا؟ هي التطور من البربرية إلى الانحدار، من دون ملامسة الحضارة .

اترك رد

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني.