التغيرالاجتماعي والأمن الإنساني
يعتبر مفهوم الأمن الإنساني مفهوم حديث نسبياً حيث يركزفي جوهره علي أمن الإنسان الفرد وليس الدولة كوحدة منفصلة,
ويؤكد علي أن أي سياسةأمنية للدولة يجب أن يكون الهدف الأساسي منها هو تحقيق أمن الفرد بجانب أمن الدولة،
وقد ظهر مفهوم الأمن الإنساني لأول مرة في تقرير التنمية لعام 1994م الصادر عنبرنامج الأمم المتحدة الإنمائي إذ تناول التقرير الفصل الثاني " الأبعادالجديدة للأمن الإنساني "
وتنبأ التقرير بأن فكرة الأمن الإنساني رغم بساطتهاتعتبر ثورة في إدارة المجتمعات في القرن الحادي والعشرين.
واليوم ونحن نرى رياحالتغيير والمطالبة بالإصلاح الهادف والجاد تجتاح وطننا العربى الكبير فى كل أقطارهوأمصاره ، وتنوع أساليب التعامل مع مطالب جماهير الشعب ، إما انطلاقا من القدرةعلى تحقيق هذه المطالب ،
وهذا ما لمسناه فى سياسات رفع الأجور وتخفيض الأسعاروإعادة الدعم للكثير من السلع الأساسية . مع التباين فى آثار هذه السياسات علىالمدى القصير والطويل خاصة فى الدول التى تعانى موازناتها أصلا من عجز ، مما يعنىزيادة هذا العجز وزيادة الاقتراض الخارجى وآثاره فى مختلف المجالات السياسيةوالاقتصادية والاجتماعية ، إضافة إلى أثر الاضطرابات الاجتماعية على الأمن الوطنىوالقومى وعلى توجهات الاستثمارات الوطنية والعربية والأجنبية ، وأثر ذلك على فرصالتشغيل وزيادة البطالة، وأمام هذا الواقع فإن البحث عن دوافع رياح التغيير ،تعتبر على جانب كبير من الأهمية حتى تحدد الأهداف وأساليب المعالجة الصحيحة ، حيثنجد أن من أهم الدوافع التى أوصلت الأمور إلى هذه الحالة التى يعانى منها وطنناالعربى الكبير إن غالبية الأسباب والدوافع التى سبق الإشارة إليها تأتى فى صلباختصاصات منظمة العمل العربية ، ومعالجة هذه الأسباب ترتبط ارتباطا وثيقا بالأهدافالتى تسعى منظمة العمل العربية لتحقيقها عملا بالميثاق العربى للعمل ودستورالمنظمة ، والتى تهدف إلى النهوض بمستوى معيشة الطبقة العاملة العربية وتوفيرالحماية الاجتماعية وتحقيق العدالة الاجتماعية ، وإرساء أسس الديمقراطية والحرياتالنقابية والعامة واحترام حرية الرأى والفكر والتعبير وتعزيز الحوار الاجتماعىوخلق المناخ المناسب لعلاقات العمل الجيدة التى تشجع على الاستثمار الذى يوفر فرصالعمل الدائــــم . واليوم وفى ضوء رياح التغيير والمطالبة بالإصلاح ، والمعالجاتالتى تعتمد أسلوب التهدئة وإرضاء المحتجين بعيدا عن قدرات الدولة أو الآثارالمتوسطة والبعيدة المدى والتى ستؤدى حتما إلى زيادة التضخم وارتفاع المديونيةالداخلية والخارجية وعدم القدرة على التوظيف أو خلق فرص عمل جديدة ، إضافة إلىتوتر علاقات العمل والبيئة الطاردة للاستثمار ، مما ينعكس بآثار سلبية علىالاقتصاد وارتفاع معدلات البطالة وانحسار مظلة الحماية الاجتماعية والخدماتالأساسية والتى سيكون العمال والطبقات الفقيرة الأكثر اكتواءا بنار آثارها .إنالحديث عن العمل الاجتماعي يرتبط أساسًا بالواقع الاجتماعي أولًا؛ ثم بالعنصر البشريالمستهدف في العمل الاجتماعي ثانيًا؛ وهذا الارتباط ليس هو وليد اللحظة، أو نتيجةتنظيرات فكرية معاصرة، بقدر ما هو منهج أصيل في الثقافة الإسلامية. ومنشأ هذاالارتباط يرجع بالأساس إلى مجموعة من العوامل، منها طبيعة الإنسان الاستخلافية،وكثرة احتياجاته وافتقاره إلى غيره لسد الخصاص والعوز الذي يشكو منه؛ ومنها تفاوتالناس في درجات الفقر والغنى؛ ومنها استحالة استقالة البشر عن بعضهم البعض وعنالمساندة والمعاونة والتضامن فيما بينهم. والعنصر البشري في العمل الاجتماعيالهادف إلى التنمية صنفان: صنف فاعل في العمل الاجتماعي، ومسهم فيه؛ وصنف منفعل بهومستفيد منه. ولا يمكن أن يتحقق وجود الصنفين وتفاعلهما؛ أخذًا وعطاءً، وتأثيرًاوتأثرًا، إلا بالفهم الجيد للتصور الإسلامي الذي ترشدنا إليه الآية الكريمة {وإذقال ربك للملائكة إني جاعل في الارض خليفة} (البقرة: 30). والخلافة أو الاستخلافمن معانيها التوكيل والإنابة على أمر ما لرعايته وحفظه، ومعلوم أن الرعاية بجميعأشكالها وألوانها، سواء أكانت مادية صرفة، أو معنوية ومجردة، فإنها تندرج في جنسالعمل الرسالي، والسعي السامي، والجهد الباني، بغض النظر عن شكل هذا السعي والعمل،ولا ضير أن يكون فرديًّا، أو جماعيًّا؛ كما أنه لا يضر أن يتم بشكل عفوي تلقائي،أو بشكل منتظم ومؤسساتي. وفي كل الأحوال، فإن `فاعلية الإنسان وتفاعله مع الآخرأمر محقق لا محالة، مع المحيط، ومع البيئة، بل مع الكون كله، وبفضل هذه الفاعليةوالتفاعل تتحقق التنمية والتعدية لأوجه البر والإحسان، وتتراجع الأنانية، وتُجتثمظاهر الفقر والتخلف من المجتمع، وتُنزَّه الأمةُ عن العبثية والرذيلة. التقدمالاجتماعي هو تغيّر المجتمع من حالة إلى حالة أفضل سواء في الجوانب المادية أوالمعنوية، ويشير إلى عملية مستمرة بمقتضاها ينتقل المجتمع الإنساني من حالة إلىحالة أفضل، أو يسير في اتجاه مرغوب «ويُعرّف بأنّه العملية التي تأخذ شكلاً محدداًواتجاهاً واحداً مستقيماً يتضمن توجيهاً واعيًّا مخططاً ومقصوداً لتوجيه عمليةالتغيّر نحو الأمام؛ بهدف تحقيق بعض الأهداف المرسومة والمنشودة المقبولة، أوالأهداف الموضوعية التي تنشد خيراً أو تنتهي إلى نفع»، كما يشير إلى التحسّنالإيجابي المستمر الصاعد نحو الأمام، وينطوي على مراحل ارتقائية، أي أنّ كلّ مرحلةتالية أفضل من سابقتها من حيث الثقافة والقدرة الإنتاجية والسيطرة على الطبيعة،بينما (التغيّر الاجتماعي) قد يكون إيجابيًّا أو سلبيًّا، أي تقدماً وازدهاراً أوتخلفاً وتأخراً ونكوصاً التطور يعني النمو والتقدم المتدرّج البطيء من الناحيةالكمية أو الكيفية وفقاً لمراحل محددة ومتوقعة (دون طفرات)، ويؤدي إلى تحولاتمنتظمة ومتلاحقة ومترابطة، فهو «العملية التي بموجبها تحقق المجتمعات الإنسانيةنمواً مستمراً مروراً بمراحل متلاحقة مترابطة» بينما التغيّر الاجتماعي قد يكونتدريجيًّا مرحليًّا بطيئاً هادئاً، وقد يكون ثوريًّا انقلابيًّا فجائيًّا طفريًّاسريعاً شاملاً عنيفاً، وقد يكون تغييراً مخططاً (بطيئاً أو سريعاً) وبدأ مفهوم الأمن الإنساني يأخذ مكانته في التقارير والبرامجالدولية، ويعني صون الإنسان وكرامته بتلبية احتياجاته المادية والمعنوية، وأن يكونفي مأمن من الحرمان الاقتصادي وشظف العيش، وأن تضمن ممارسته لحقوقه الأساسية، وتوفيرالبيئة اللازمة مثل العدالة الاجتماعية والتنمية الاقتصادية المستدامة وسيادة القانونوالحكم الرشيد. أما التهديدات ضد الأمن الإنساني فيوجزها التقرير في الفئات التالية:الأمن الاقتصادي، والغذائي، والصحي والبيئي والشخصي (الحماية من الجريمة) والاجتماعي.والعولمة لم توجد فقط اقتصادا معولما، بل أنشأت ديناميات تؤثر على قضايا الأمن، وبدورهابدأت ديناميات الأمن المعولم تؤثر على الاقتصاد المعولم، فبفعل العولمة فإن الأحداثتنتقل في أثرها لتشمل العالم، البورصات العالمية والمحلية على سبيل المثال. لكن العالماليوم يعيش تطورا في الحاكمية الاقتصادية، بينما يعيش فراغا وضعفا في الحاكمية الأمنية،وقد ظهر فقدان التوازي هذا في مواجهة الإرهاب في بعده العالمي. ففي حين نجحت الدولفي مواجهة الإرهاب في إطار ترابها الوطني فإن الإرهاب العالمي أو العابر للحدود مازاليعمل بقوة وفاعلية أكثر، ذلك أن عولمة الإرهاب ظاهرة أكثر حداثة من الظواهر المعولمةالأخرى كالاقتصاد والتهريب والجريمة والأوبئة.
: إن التغييرالثوري للأنظمة السياسية والاجتماعية يزداد كلما ازداد البطش والإرهاب والاستبداد السياسيوالاجتماعي من الدولة ، وكلما تصاعدت الأزمات الاقتصادية والاجتماعية . والذين يظنونأن البطش والإرهاب وقسوة الانتقام وجحيم التنكيل والتعذيب في أقبية السجون يؤدي إلىكتم الأفواه وإنهاء المعارضة وشل حركتها التغييرية ، إنما هم واهمون كل الوهم ، لأنالإسلام في صميمه حركة تغييرية جهادية تنبثق من ضمير الفرد المسلم وتنتهي في محيط المجتمعبأسره
—
كاتب المقال
دكتور في الحقوق و خبيرفي القانون العام
ورئيس مركز المصريين للدراسات السياسيةوالقانونية والاقتصادية
عضو والخبير بالمعهدالعربي الاوروبي للدراسات الاستراتيجية والسياسية بجامعة الدول العربية