www.omferas.com
شبكة فرسان الثقافة

مرتكزات فساد النظام: ”الموازنة العامة للدولة”، و”خصخصة القطاع العام” (!!)/اسامة عكنان

0

مرتكزات فساد النظام: ”الموازنة العامة للدولة”، و”خصخصة القطاع العام” (!!)

أ – نموذج من نماذج نهب المال العام عبر التلاعب بالموازنة العامة

ما يقدمه المحللون الاقتصاديون الأردنيون الذين يوصفون بـ “الخبراء”

لا يخرج عن دائرة الاجتهاد عادة، ولا يرقى إلى المرتبة العلمية غالبا،

 

خاصة عندما يتعلق الأمر بتوجيه النقد للحالة الاقتصادية الأردنية. وليس هناك من تعريفٍ أقرب إلى وصف حقيقة معظم المحللين أو الخبراء الاقتصاديين الأردنيين، من ذلك الذي يعرِّف رجل الاقتصاد أو الخبير الاقتصادي أو المحلل الأردني، بأنه الشخص الذي سوف يخبرك غدا لماذا ما تَنَبَّأَ به بالأمس لم يحصل اليوم. من جهة أخرى فليس هناك مَنْ يُتقن فَنَّ التلاعب بالأرقام ليرسم بها لوحةً اقتصادية مُمعِنَةً في تضليل الرأي العام في بلد ما، من تلك الفئة المتربعة على عرش القرار الاقتصادي في الأردن، والتي تستخدم فِئَةَ محللين مأجورين يعبثون بالكثير من النسب والأرقام الخام لاستقراء النتائج والاتجاهات العامة للاقتصاد الأردني.
ليس الشعب مُجرد واحدٍ من الأركان الأساسية التي تقوم عليها الدولة، بل هو الركن الأهم من بينها، لأنه في الواقع مالك الإقليم، ومانح النظام مشروعيته من حيث المبدأ. وإذن أفليس هذا كافياً لأن يَمتلك هذا الشعب الحقَّ الكاملَ في المعرفة التفصيلية والدقيقة بكل ما يفعله النظام الذي يُفترض أنه صانعه ومبرر شرعيته على الأرض التي يفترض أنه مالكها وصاحب الحق المطلق في التصرف فيها؟!
سنتخذ من هذه الفذلكة البديهية، حُجَّة نعتبرها كافية لعرض ما يُمكن عرضه من تفاصيل تَهُمُّ الشعبَ الأردني، ليحكم بنفسه على فظاعة ما يحدث في أروقة النظام الذي منحه ثقته كي يقودَه ويُخطط له، بدءاً من النواب الذين ينتخبُهم ويُوهَمُ بأنه يختارهم، ومرورا بالحكومات التي تَعَوَّدَت دائما على أن تُفرض عليه من غير رغبةٍ منه أو حقٍّ له في الاختيار، وانتهاءً بمؤسسة العرش التي لا تُسْأل عما تفعل وتمارس دور حامي الفساد وراعيه، مع أن غيرَها من أركان السلطة التنفيذية لا يفعل ما لم تأمره به ولا يستطيع أن يفسِد إلا وهو مختبئٌ وراءها. ونتجاوز هنا الحديث عن دور “السلطة القضائية”، لأنها ليست أكثر من سلطة عمياء صماء بكماء، تتحرك على هامش مُخرجات النظام الفاسد نفسِه.
بعد مرور أكثر من عقدين على بدء العمل ببرنامج التصحيح الاقتصادي الذي تقدم به كوصفةٍ علاجية لاقتصادٍ مُنْهكٍ عام 1993، صندوقُ النقد الدولي، لا بهدفِ تَحقيق النمو الاقتصادي، بل بهدفِ إحداث تغييرات هيكلية في بُنية الاقتصاد الأردني.. نقول.. نقول.. بعد مرور هذه المدة الطويلة بل ربما قبلها، بدأ المنظرون الاقتصاديون الأردنيون من رجالات السلطة، يُروجون إلى أنه كان برنامَجا انكماشيا وأنه لم يكن يملك وصفة سحرية خاصة للنمو، وأنه لم تكن لديه توصيات مُحددة من شأنها تنشيط الاقتصاد والإسراع في نُموه، أو على الأقل في إيقاف تدهوره وانحداره الذي شهده في مطلع التسعينيات من القرن الماضي.
لا بل إن هؤلاء المنَظِّرين تذكروا الآن وعلى نحوٍ مفاجئٍ، خلافا لكل تنظيراتهم السابقة عندما كانوا يدافعون عن هذا البرنامج في تلك الحقبة المريرة من تاريخ الأردن بكل طاقاتهم وقدراتهم على التدجيل والتزييف والتضليل، “أن خبراءَ صندوق النقد الدولي كانوا ومنذ أن طالبوا الأردنيين بالتصحيح، قد اعترفوا بهذا العجز المزمن الذي ينطوي عليه برنامج التصحيح، مطالبين الحكومة الأردنية بأن تتلمَّسَ طريقها نحو النمو بأفكار خَلاَّقة!!”
وإذن فَلِمَ كان التصحيح أصلا إذا كنا بعد مرور أكثر من عقدين على البدء بانتهاجه، قد اكتشفنا فجأة أنه برنامج انكماشي وغير تنموي من حيث المبدأ؟! ومع ذلك فسنقبل بهذا الشِّر، ولن نناقشَ المسألة من هذه الزاوية، بل من زاوية أخرى ستتضح في السياق.
لقد دعا برنامج التصحيح إلى تشجيع الاستثمار، وإلى إعطاءِ فرصةٍ للقطاع الخاص كي يدليَ بدلوه في الاقتصاد الأردني، وإلى تَحرير التجارة، وهي بالمناسبة المطالب الطبيعية والدائمة لكلِّ مؤسسات الاقتصاد الرأسمالي التي تريد ربط اقتصادِ كل الدول في العالم الثالث بعجلة الاقتصاد الرأسمالي الإمبريالي في مراكز رأس المال العالمي، بشكلٍ يرسِّخ تبعيتَها ويعمِّقُ انضمامَها إلى خندق الموالاة للعلاقات الإمبريالية في العالم. وهذا ما حصل في منطقتنا العربية التي منها الأردن بعد “تفاهمات واشنطن” التي أعقبت انهيار “الاتحاد السوفياتي”، و”اتفاقية وادي عربة” المشؤومة.
ومع ذلك فإن كل ما دعا إليه صندوق النقد الدولي في برنامَجه التصحيحي – المسيء والمدمر للاقتصاد الوطني أساساً وابتداءً – لم يعطِ ثِماراً حقيقية كما دلت على ذلك كل المؤشرات الرقمية للاقتصاد الأردني بالشكل الذي كانت تعلنه الحكومات المتعاقبة طيلة هذه الحقبة من الزمن.
فتشجيع الاستثمار لا يتأتى من مُجرد وجود قانون لتشجيع الاستثمار، بل بتوفير مناخٍ استثماري متكامل يتيح الفرصةَ لرأس المال كي يستثمر، سواءً كان رأس مالٍ داخليا أو خارجيا، مع تحفظنا أصلا على فكرة الاستثمار الخارجي لجهة عدم اقتناعنا بكونه مدخلا تنمويا أصيلا قادرا على خلق مقومات وعناصر نهضة اقتصادية حقيقية. ولعله لهذا السبب كان حجم الاستثمار في القطاع الخاص قبل عام 1995 وهو عام بدء العمل بالقانون الاستثماري الجديد، أكثر منه في الأعوام 1997، 1998، 1999 التي تلت صدور ذلك القانون.
أين تكمن المعضلة إذن؟!
اللصوص الكبار يؤكدون على أن الظروف المحيطة بالأردن هي التي تعرقل مسيرة الاستثمار دائما. بينما نحن نقول.. إن اللص لا يرغب في تشجيع الاستثمار في القطاع الخاص على الوجه الصحيح، لأن ذلك سوف يعرقل خُطَطَه للنهب المتدثر بالإنفاق الحكومي البذخي. ولأن هذا النوع من الاستثمار يفرض عليه قدرا من الشفافية في التعامل مع الأرقام لا يريد الانصياعَ لها ولا الالتزامَ بها، خشية أن تفضحه وتكشف ألاعيبه ومُمارساتِه التضليلية في ما يتعلق بِموازنات الحكومة وبأموال الخزينة وبثروة الشعب بوجه عام.
إن هذا ما سوف يتضح لنا في ضوء حقيقة لا جدال فيها، هي أن برنامج التصحيح قد غطى مرحلةً زمنية فشلت فيها كل الحكومات المتعاقبة في تشجيع الصادرات الجالبة للنقد الأجنبي، كما يريد صندوق النقد وكما تريد الحكومات، لسداد ديونها ولتمويل احتياجات البلاد من الوارادات، مع تحفظنا مجددا على هذه السياسات التي نناقشها لا إقرارا بمشروعيتها وجدواها ونجاعتها، وإنما اضطرارا للكشف عن زيف ادعاءات الفاسدين واللصوص الذين يمارسون لصوصيتهم وفسادهم من داخل مساحة برنامجٍ هو أصلا برنامج إقصائي انكماشي يمرِّر التبعية ويجذِّر الوظيفية الاقتصادية، ما كرس دائما وباستمرار واقعا ترتفع فيه معدلات البطالة والفقر ومستويات الفوارق الطبقية الاقتصادية بين شرائح الشعب الأردني، وهو الأمر الذي عجزت معه كل المحاولات في السيطرة على منحنى الأسعار المتصاعد دوما!!
إننا سنترك جانبا كلَّ المؤشرات الرقمية ذات العلاقة بالبُنية الرأسمالية للاقتصاد الأردني، وهي البُنية التي تسعى دائما إلى تكريس قواعد “اقتصاد السوق” على حساب حاجات الوطن والمواطن، تَحقيقا لمصالح فئات وطبقات ارتبطت بالعلاقات الرأسمالية والإمبريالية في المنطقة، بسبب الطبيعة الأيديولوجية للموضوع. لنركز فقط على مؤشرٍ واحد نراه غاية في الأهمية لوضوح دلالته على تفشي الفساد، وعلى استشراء منهج السلب والنهب المبرمج والمتواصل والمتوارث من حكومة أردنية إلى أخرى لثروات هذا الشعب.
إنه مؤشر العجز في الموازنة العامة للدولة، والتي جعل النظام الوظيفي الأردني حمايتَها من الاختلالات تحت كل الظروف، هي والاقتصاد الأردني شيئا واحدا لا ينفصم، على خلاف كل قواعد الاقتصاد في العالم، وعلى رأسها قواعد الاقتصاد السياسي الرأسمالي الذي ينتهجه الأردن نفسه.
ليصبحَ كلُّ الاقتصاد الأردني، وعلى رأس كل ذلك الناتج المحلي الإجمالي بل وحتى الناتج القومي الإجمالي خادمين لتلك الموازنة وموظفين لحسابها، بدل أن يحدث العكس، في تعبير واضح عن تفشي أبشع أنواع الفساد المالي والإداري في الدولة. لأن كل الاقتصاديين في العالم يعرفون أن الموازنات العامة للدول الفاسدة منعدمة الشفافية هي موطن الفساد والنهب، وبالتالي فعندما تجد حكومات تحرص على تجيير الاقتصاد الوطني كله لحساب الحفاظ على اختلالات موازناتها العامة وتسديد عجوزاتها الفادحة وغير المنطقية والمتجاوزة للحدود الآمنة المعترف بها وهي المتراوحة من “1%” إلى “3%” فقط من الناتج القومي الإجمالي، أو ما لا يتجاوز الـ “9%” من بنودها الانفاقية ذاتها، فاعلم أن ذلك راجع إلى استشراء الفساد (!!)
فماذا بخصوص هذا المؤشر؟!
لقد كان العجز في موازنة عام 1989 عام الكارثة الاقتصادية الكبرى التي جلبت لنا برنامج التصحيح الاقتصادي وبلاوي صندوق النقد الدولي، حوالي 35% على ذمة الحكومة، أما في نهاية العقد الأخير من القرن العشرين وبعد تطبيق البرنامج إياه، فقد وصل العجز إلى 7% كما تزعم الحكومة، ما يوجِب أن تكون المشكلات الناجمة عن اختلال الموازنة العامة قد حُلَّت وحُسِمَت، لأن العجز انكمش لينحصر داخل الدائرة الآمنة المعترف بها علميا بموجب قواعد الاقتصاد السياسي للرأسمالية ذاتها، وهي الدائرة التي يفترض ألا تتولد فيها أي مشكلات بنيوية في صميم الاقتصاد الوطني. ومع ذلك فإن كل ما يُمكن أن يعاني منه اقتصاد الأردن من سلبيات، ازداد وتفاقم خلال تلك الفترة بدل أن يتقلص ويتراجع، ليعودَ العجز ويتصاعد منذ مطلع الألفية الثالثة، وليصل إلى 25% في موازنة عام 2011، وإلى نسبة قريبة من ذلك في موازنة عام 2012، وهو في ازدياد عاما بعد عام.
لماذا كل هذا يا ترى؟! ما الذي يَحدث في الخفاء، كي لا تنطبق في هذا البلد أيٌّ من قواعد وبديهيات الاقتصاد؟!
إن المؤشرات المالية خلال سنوات برنامج التصحيح تكشف عن عدم قدرة الموازنة العامة على تحقيق الأرقام والنسب المُسْتَهْدَفَة بالبرنامج ذاته، والخاصة بمعالجة العجز في الموازنة بِما يُقَلِّص اللجوءَ إلى الاعتماد على المساعدات الخارجية، في الوقت الذي طالب فيه البرنامج بناءً على دراسته العلمية الدقيقة للحالة الأردنية ومتطلباتها، بتخفيض العجز مع حلول عام 1998 إلى حدود 5%، على أن يواصل العجز انخفاضه إلى أن يصل إلى حدود 4% مع حلول عام 2001.
ومع ذلك فإننا إذا نظرنا إلى السنوات الست الممتدة من عام 1996 إلى غاية عام 2001 كنموذج فارق لأبشع مراحل استشراء الفساد المالي في هذا البلد، سوف نلاحظ أن العجزَ لم ينخفض في أيٍّ منها إلى الحد الذي طالب به برنامج التصحيح، بل إنه عاد ليرتفع بنسب خيالية بعد ذلك.
سنحاول القيام بقراءة وتحليل مقطعيين للمرحلة الممتدة من عام 1996، ولغاية العام 2001، لنتعرف على معالم الخلل في الاقتصاد الأردني، والتي ستكون بكل تأكيد هي المعالم ذاتها التي ستتسبب في كل الاختلالات اللاحقة، والتي وصلت مع نهاية العام الحالي إلى مستويات لا يمكن حلها بالترقيع، بل بإعادة إنتاج الاقتصاد الأردني بالكامل، على أسس أيديولوجية هذه المرة وليس على أسس تقنية.
بناء على الأرقام الخاطئة جدا والتي تزودنا بِها الحكومة كما سيتضح، فقد كان العجز في الموازنة العامة للحكومة، في الأعوام 96، 97، 98، 99، 2000، 2001، هو على التوالي 5.8%، 10.3%، 9.9%، 7.4%، 7.4%، 6.7%.
الغريب في الأمر أن الجدول نفسَه الذي يَحتوي على هذه النسب، يشير وبوضوح إلى أن الإيرادات المحلية للحكومة في نفس تلك السنوات هي على التوالي أيضا، وبِملايين الدنانير 1430 و1370 و1496 و1585 و1556 و1830، كما أنه يشير إلى أن إجمالي الإنفاق الحكومي لنفس تلك الأعوام هو بملايين الدنانير 1718 و1906 و2055 و2007 و2005 و2270.
فإذا كان العجز على ما نعلم ويعلم كل الاقتصاديين، هو الفرق بين الإنفاق والإيرادات، وهو ما أشار إليه الجدول ذاته بالأرقام مُقَدَّرَة لنفس السنوات بملايين الدنانير على النحو التالي تتابعاً 288 و536 و559 و422 و439 و440، فإننا نبدي دهشتنا الشديدة من النسب المذكورة سابقا للدلالة على العجز في الموازنة العامة، لأن أيَّ طالب بليد في المرحلة الابتدائية وبعمليات حسابية غاية في البساطة يستطيع أن يتوصل إلى أن نسب العجز بناء على الأرقام السابقة ولنفس سنوات الدراسة هي على التوالي: 16.8% بدل 5.8% لعام 96، و28.1% بدل 10.3% لعام 97، و27.2% بدل 9.9 لعام 98، و21% بدل 7.4% لعامي 99و2000، وأخيرا 19.3% بدل 6.7% لعام 2001(!!).
ونحن من جهتنا نتجنب التعليق على هذه النتيجة فهي في ذاتها أبلغ من كلِّ تعليق(!!).
إذا كان ما تَكَشَّف لنا سابقا يشير إلى الجانب التزويري الفَجِّ والواضح الذي ليس له من معنىً ولا فائدة، والقائم على الغباء الصِّرف فقط، فإننا سنغضُّ الطَّرْفَ عن ذلك معتبرين أن المسألة يُمكن عَزْوُها إلى انعدام التدقيق، أو إلى إجراء الحسابات في حالة الغياب عن الوعي، أو إلى احتساب العجز قبل أو بعد إدخال عنصر نقدي معين، أضاف أو أنقص من الموازنة ما تسبب في تلك الفروق بين النسب المدونة والمفترضة، منتقلين إلى دلالات هذه النسب على الصعيد الفعلي بالنظر إليها في ضوء سياسة الإنفاق الحكومية المليئة بالغموض، والتي تَحوم حولها كل الشبهات الدالة على روح السرقة والنهب واللصوصية.
في ضوء النسبة المُسْتَهْدَفَة من قبل صندوق النقد الدولي والبالغة 5% فقط، كان يُفْتَرَض أن يكون إجمالي الإنفاق الحكومي في ضوء الإيرادات الفعلية خلال السنوات من 96 ولغاية 2001 بملايين الدنانير على النحو التالي.. 1505 و1442 و1575 و1668 و1647 و1926على التوالي، بدلا من 1718 و1906 و2055 و2007 و2005 و2270.
وهذا يعني أن قيمة العجز كان يفترض أن تكون..
* “1505-1430” لعام 96 وهي 75 مليونا بدلا من 288 مليونا.
* و”1442-1370″ لعام 97 وهي 72 مليونا بدلا من 536 مليونا.
* و”1575-1496″ لعام 98 وهي 79 مليونا بدلا من 585 مليونا.
* و”1668-1585″ لعام 99 وهي 83 مليونا بدلا من 422 مليونا.
* و”1647-1556″ لعام 2000 وهي 91 مليونا بدلا من 439 مليونا.
* وأخيرا “1926-1830” لعام 2001 وهي 96 مليونا بدلا من 400 مليون.
إن النتيجة التراجيدية التي نستخلصها من الأرقام السابقة، هي أن عصابة اللصوص كانت من الجشع بحيث أنها لم ترحم هذا الشعب، ولم تتورع عن إجاعته جهارا نهارا.
* ففي عام 96، تزيد الحكومة من إنفاقها ما قيمته 213 مليونا من الدنانير عما كان مفترضا بناءً على خطة صندوق النقد الموضوعة في برنامج التصحيح.
* وفي عام 97 تزيد ما قيمته 464 مليونا.
* وفي عام 98 تزيد 479 مليونا.
* وفي عام 99 تزيد ما قيمته 339 مليونا.
* وفي عام 2000 تزيد ما قيمته 359 مليونا.
* وفي عام 2001 تزيد ما قيمته 304 ملايين.
أي أن الإنفاق الحكومي الذي قَدَّرَ له صندوق النقد – على كل سلبياته ونقائصه وما يفرضه من ارتهان وتبعية – زيادة قدرها 488 مليونا خلال ست سنوات كاملة، آخذا في الاعتبار التوسع في التشغيل والاستثمار العام.. إلخ، نراه ارتفع خلال الفترة نفسها بما قيمته الإجمالية 2643 مليونا، وذلك بزيادة قدرها 2155 مليونا عما افترضه صندوق النقد الدولي لإعادة التوازن إلى الاقتصاد الأردني، دون قدرٍ مكافئ لهذه الزيادة في التشغيل والاستثمار العام يعطيها مبرراتها الاقتصادية.
فإذا كانت النِّسَب والأرقام المستهدفة من قبل الصندوق مدروسة بشكل يكفل تَحقيق الحد المعقول من الحلول لمشكلات هذا الاقتصاد، وإن يَكُنْ على الطريقة غير الخادمة بشكل فعلي للبعد الوطني للتنمية، فبماذا يمكن تفسير أن 2155 مليون دينار يتم تَحميلها للشعب الأردني للإنفاق على حكومات ارتقت في عهودها نسب البطالة والفقر والأسعار وكل الأعباء الاقتصادية التي راحت ترهق كاهل المواطن؟!
لا نعتقد أن عاقلا يستطيع أن يفهم هذا الذي حدث والذي ما يزال يَحدث خارج نطاق النهب من وراء غطاء الإنفاق الحكومي والتوسع فيه (!!)
فبدل أن تُقَلِّصَ الحكومة نفقاتِها بما يتناسب مع حالة اقتصادٍ مهترئٍ كاقتصاد الأردن، فإنها حددت لنفسها مبالغ للإنفاق أو بتعبير أدق “للنهب”، وأدرجتها في بنود الإنفاق الحكومي، وراحت تبحث لها عن موارد تركزت بنسبة 50% على شكل مساعدات، أي على شكل قروضٍ وديون، وبنسبة 50% على شكل إيراداتٍ مَحلية تَمثلت في ضريبةِ مبيعاتٍ وقيمٍ مُضافةٍ مختلفة وضرائب جباية لا تُعَدُّ ولا تُحصى.. إلخ.
وليس بوسعنا في هذا المقام إلاَّ أن نورِدَ اعترافا من أحد أركان النظام بأن ما كان يَحدث غير مُبَرَّرٍ وغير منطقي. فقد صَرَّح “د.محمد سعيد النابلسي”، محافظ البنك المركزي الأردني الأسبق قائلا: “لم يتم ضبط عجز الموازنة بالتوجه إلى تقليص النفقات بشكلٍ موازٍ للجُهد الموَجَّه إلى زيادة الموارد عن طريق فرض الضرائب والرسوم الجديدة. وفي الواقع فقد نجحنا في تضييق نسبة العجز(!!) وكان هذا بفضل موارد جديدة ضريبية في معظمها، وليس بفضل تضييق النفقات. وبإمكان الموازنة أن تَبذل جهدا كبيرا في هذا المجال خلافا للأقوال السائدة لدى الكثير من الاقتصاديين بأن النفقات غير قابلة للتضييق، بل إن الموازنة تَحتوي على أبوابٍ من النفقات وحتى الجارية منها يُمكن تضييقها”.
ورغم حرص النابلسي على الأدب واللَّباقة في كلامه، إلاّ أنه من الواضح أن الحكومات لم تكن على استعداد لتقليص النفقات ما دامت هي الغطاء الأنسب للنهب والسلب. لا بل أن البرلمان نفسه كان يظهر شريكا غير مباشر فيما يَحدث، من حيث عدم مواجهته بالقدر اللازم والكافي من الانتقادات على الأقل. إذ نلاحظ أنه وفي كل سنة، عندما تتم مناقشة الميزانية تَحت قبة البرلمان، فإنه يتم بَحث كلِّ شيءٍ ويتم طرح الإنفاق على أمورٍ معينة، ولم نسمع من معظم النواب أنهم يطالبون بضبط النفقات أو يشيرون إلى عدم وجود موارد كافية لمثل هذه النفقات، أو إلى عدم ضرورة جزء منها، نظرا لانطوائها على بعدٍ إنفاقي تَرفي وغير بريء، ليس الأردن في حاجة فعلية إليه، مادام سينعكس بالسلب على حياة المواطن الأردني نفسه.
بل إن “أسمى خضر” – وهي بالمناسبة معارضة يسارية سابقة قبل أن تصبح وزيرة – فاجأتنا عندما كانت ناطقة إعلامية رسمية باسم الحكومة ووزيرةً للثقافة، بتصريح هام تعقيبا على زيادة رواتب المديرين العامين في مؤسسات الدولة بما قيمته “500” دينار شهريا لكل منهم، أشارت فيه إلى أن مُبَرِّرَ هذه الزيادة هو أن هؤلاء المديرين والبالغ عددهم حوالي 105 مديراً، يستحقون هذه الزيادة لأنهم يقومون بمهام حساسة حينما يستمرون بالتواجد في مكاتبهم إلى أوقات متأخرة من الليل (؟!)
ترى، هل يستمر المدير العام إلى وقت متأخر من الليل في مكتبه منفردا أم برفقة آخرين (؟!)
فإذا كان برفقة آخرين، لا شك في أن وجودَهم ضروريٌّ للسهر على راحة هؤلاء المديرين، أفلا يستحقون بدورهم حتى لو كانوا سعاةً بسطاء، زيادة في مرتباتهم على أعمالهم الإضافية التي تسهر على راحة وخدمة أعمال المديرين الحساسة هذه (؟!)
وإذا كان المديرون يستمرون بالتواجد في مكاتبهم إلى وقت متأخر من الليل منفردين، أليس لأنهم شركاء في التغطية على عمليات النهب وعلى نسبة التضليل في أرقام الموازنات التي أشرنا إليها سابقا، فضلا عن قيامهم بِمهماتٍ أخرى يفهمها اللبيب بمجرد هذه الإشارة العابرة (؟!)
وفي تَتَبُّعِنا لأبعاد منهجية السلب والنهب التي تُمارسها الحكومات الأردنية المتتابعة – وما أكثر هذه الحكومات التي يتبدى للناظر أنها تتوالى بأسرع من إنسياب الماء من بين الأصابع، لكي يتمكن الواقفون على الدور في انتظار القفز إلى الغنائم عبرها، من أخذ فرصتهم في سرقة المال العام السائب الموضوع في رفوف الخزينة – وجدنا أن أسلوبَ التَّضليل المُنْتَهَجَ، والذي يرقى إلى درجة التزوير في حيثيات ودلالات الأرقام في الاقتصاد الأردني، لا يقف عن حدود ادعاء المحاسبين أو المدراء الماليين الذين أصبحوا فجأة محللين اقتصاديين، خبرةً في لعبة الأرقام، بل هو يتجاوز ذلك بكثير، ليطال منظومةَ الأرقام الرسمية، لا في دلالاتها فقط، بل وفي حقيقتها أيضا، ما تُمْكِن تسميته تزويرا فعلياً مدروسا ومقصودا لغاياتٍ مشبوهةٍ.
في هذا السياق دعونا نركز كثيرا على المعلومات والوقائع التالية، وعلى تحليلها موضوعيا..
الركود الاقتصادي في الأردن كان موجودا ودَلَّت عليه عدة مؤشرات رافقته منذ عام 1993، رغم أن الاعتراف الرسمي بوجوده لم يَحصل إلاَّ في أواخر عام 1998، عندما أقفلت دائرة الإحصاءات العامة حسابات الدَّخل القومي لعام 1996 كاشفة عن أن النمو في الناتج المحلي الإجمالي هو 0.8% وليس 5.2% كما كان مُعْلَناً من قِبَلِ الحكومة. وهو الأمر الذي أحدث صدمة عنيفةً، حاولت الحكومة في حينها التَّسَتُّرَ عليها وتأجيل إعلانها.
لكن هذه المعلومة الخطيرة أُذيِعَت على شكل فضيحة سياسية تتابعت تداعياتها الزلزالية، ليبدأ العمل الجاد من قبل الكثيرين على كشف المستور، والحديث الجريء حول المسكوت عنه في السياسات الاقتصادية لحكومات هذا البلد، وهي الحكومات التي اعتادت أن تُمَرِّرَ كل برامجها الفاسدة بدون جلبة أو ضوضاء قد يثيرها هذا الجمع المستغرق في غيبوبته. وهكذا فقد تلت ذلك الإعلان الخطير لتلك المعلومة الأخطر إعادة التَحَقُّق من نسبة النمو لعام 1997 لتتفاقم الفضيحة بعد أن تبين أن النسبة الصحيحة هي فقط 1.4% بدلا من التقديرات السابقة التي كانت تشير إلى أنها تزيد عن 5%.
ومُحاولةً من الحكومة لِلَمْلَمَة الموضوع مُسْتَخدمة عُقْدَة الخبير الأجنبي، استعانت بِخبراءِ صندوق النقد الدولي لتدقيق حسابات الدخل القومي، لعلهم يكتشفون أن دائرةَ الإحصاءاتِ قد وقعت في خطأٍ أدَّى إلى هذه النتيجة. ولكن أُسْقِطَ في يد الحكومة عندما أقَرَّ خبراء الصندوق صحة الحسابات الإحصائية، لتظهر الحقيقة الدامغة المتمثلة في أن الحكومات الأردنية المتعاقبة لم تكن تُعْلِن الحقيقة فيما يتعلق بالأرقام الرسمية لمؤشرات الاقتصاد الوطني.
وبالقراءة الفاحصة لحصيلة الأرقام المتعلقة بنسبِ النمو الاقتصادي في الأردن، تَتَكَشِّف لنا حيثيات منهجٍ تضليليٍّ مقصودٍ ومدروس، كان الهدف من ورائه إبقاءُ الأرقام المُعْلَنَة قريبةً أو مُتخطيةً لنسبةِ الـ 6% التي هي نسبة الحد الأدنى المفترضة في نُمو الاقتصاد الأردني، لإحداثِ التوازن المطلوب فيه مع كلٍّ من النمو السكاني وواقع العمالة ومتطلبات التشغيل في تلك الفترة من الزمن. أي وبكلمةٍ أكثر وضوحاً، كانت الحكومات الأردنية تستغل الأجهزة الفنية المتخصصة لتعلن باسمها معلومات اقتصادية كاذبة، كي تَحقن الشعب بِمسكِّنِ الأرقام الزائف، تغطيةً على ألاعيب اللصوص الكبار وهم ينهبون هذا الشعب ويسرقون قوتَه وقوتَ أبنائه، بينما الكارثة كانت تنخر في أساسات الواقع فقرا وبطالة وعجزا ودمارا.
وفيما يلي الدليل على ما نقوله بالتفصيل..
إن نِسَب النمو الاقتصادي المُقَدَّرَة من قِبَلِ الحكومة في السنوات الثلاث 1993، 1994، 1995، هي على التوالي 5.7%، و8.7%، و5.7%، ليحدث وبصورةٍ مفاجئة غير مفهومة انخفاضٌ مُرَوِّعٌ في هذه النِّسَب في الأعوام الثلاثة التالية، 1996، 1997، 1998، كي تُصْبِحَ على التوالي، 0.8%، و1.4%، و2%.
فإذا كانت مؤشرات الأعوام الثلاثة الأولى صحيحة، فلن نجد أيَّ تفسيرٍ منطقي لحصول هذا الانهيار في الأعوام الثلاثة اللاحقة، لأن مثل هذا الانهيار لا يحصل عادةً إلاَّ في حالات الكوارث الطبيعية الشاملة والمدَمِّرَة، أو في حالات الحروب واسعة النطاق، وهو ما لم يَحدث في الأردن في تلك الفترة.
الأمر الذي يَتَّضِح معه – خاصةً بعد فضيحة عام 1998 حول عام 1996 وما تلاه – أن مؤشرات الأعوام 1996، 1997، 1998، هي الصحيحة، وبالتالي فنحن في حقيقة الأمر أمام منهجِ تزويرٍ وتضليلٍ خطيرٍ للغاية يهدف إلى التَّغْطِيَة على أمرٍ ماَّ. فما هو هذا الأمر يا تُرَى؟!
إنه بكل بساطة نَهب وسرقة المال العام الذي هو مُلك الشَّعْب، كما سيتَّضح لنا فيما يلي..
أشارت الإحصائيات الأردنية الرسمية إلى أن نِسَب الاستثمار إلى الناتج الإجمالي المحلي في السنوات 1993، 1994، 1995، 1996، 1997، 1998، هي على التوالي 37.4%، 34.4%، 33.6%، 35.8%، 28.4%، 32.2%.
فإذا علمنا أن أبسط قواعد النمو الاقتصادي في العالم، تنص على أن الدولة تحتاج إلى “12” وحدة من رأس المال كحدٍّ أقصى لتُنْتِجَ وِحدةً إضافية واحدة من الناتج المحلي الإجمالي كحدٍّ أدنى. أو بلغة النِّسَب، أن كل 1% نُموٍّ في الناتج الإجمالي كحدٍّ أدنى، يَحتاج إلى استثمارات تُقَدَّر بـ “12%” من قيمة هذا الناتج كحدٍّ أقصى.
نقول.. إذا كان هذا هو ما تنص عليه أبسط قواعد النمو في العالم وأكثرها بَديهِيةً، فكيف يُمكننا تفسير الغُلُوِّ الظاهر في الأرقام التي تزودنا بها مؤسسات الحكم الرسمية في الأردن، حول موضوع قِيَم الاستثمار من إجمالي الناتج المحلي؟!
فإذا افترضنا صحة الأرقام التي تُؤَشِّر لنسب الاستثمار الواردة سابقاً، فإن هذا يكشف لنا عن حقيقتين هامتين، تتعلق الأولى بنسب النمو المُقَدَّرَة للأعوام 1993، 1994، 1995، فيما تتعلق الثانية بنسب النمو المُقَدَّرَة للأعوام 1996، 1997، 1998..
إذ أنه بناءً على القاعدة السابقة – وهي قاعدة العلاقة بين النمو والاستثمار – يُفْتَرَض أن تُقابِلَ نِسَب استثمارٍ مُقَدَّرَةٍ بـ 37,4%، و34,4%، و33,6 للأعوام 1993، 1994، 1995، كما تعلن أرقام الحكومة، نِسَبُ نُموٍّ مقدرة على النحو التالي على التوالي.. 3,1%، 2,9%، 2,8%. وهو الأمر الذي يعني قطعا أن نِسَبَ النمو المذكورة من قِبَلِ الحكومة لتغطية تلك السنوات وهي 5.7%، و6.8%، و5.7%، غير صحيحة على الإطلاق، وقائمة على التضليل والخداع من أجل التغطية على منهج النَّهب المُنَظَّم الذي تُمارسه الحكومات المتعاقبة بالتوارث.
فنسبة نُمو في الناتج المحلي الإجمالي مقدارها 5,7% كما دلت على ذلك أرقام الحكومة لعام 1993، لا يمكنها أن تحدث وفق قواعد التنمية العلمية الصحيحة، إلاَّ باقتطاع نسبة استثمار من هذا الناتج المحلي مقدارها 68,4%.
أما نسبة نُمو في ذلك الناتج مقدارها 6,8% كما دلت عليها أرقام 1994، فلن تحدث إلا باقتطاع نسبة استثمار تقدر بـ 81,6% من الناتج المحلي الإجمالي.
فيما يتطلب النمو المعلن لعام 1995، نسبة استثمار من إجمالي الناتج المحلي تشبه نسبة عام 1993 وهي 68,4%.
وأمام هذه الأرقام غير المنطقية وغير المفهومة في ضوء القواعد المعيارية العلمية للنمو الاقتصادي، لا نملك إلا أن نؤكد على أن الحكومات الأردنية المتعاقبة كانت تزوِّر في الأرقام الدالة على مؤشرات التنمية لأغراض مشبوهة، أحيانا بوعي بِمتطلبات هذه الأغراض على المستوى الإحصائي، وأحيانا بغير وعيٍ بها. وهو ما جعلها تنكشف في عام 1998 عندما بلغ سيل التزوير والتضليل والاستهتار بالعقل حداًّ لا يُمكن احتماله.
كما أنه وبناءً على نسب النمو الحقيقية والمُقَدَّرَة – بعد فضيحة عام 1998 – بـ 0,8%، و1,4%، و2%، للأعوام 1996، 1997، 1998، على التوالي، يجب أن تكون نِسَب الاستثمار الحقيقية المقابلة لها مُقَدَّرَة من الناتج الإجمالي على النحو التالي: 10%، و17%، و24% على التوالي.
والسؤال المُحَيِّر الذي لا يُمكننا أن نجد له إجابةً إلاَّ في قواميس النَّهب، هو..
* أين ذهبت وكيف تبخَّرَت الأموال التي تشكِّل الفرق بين نسبتي 35,8% و10% اللتين تُمثلان نسبتي الاستثمار إلى الناتج المحلي الإجمالي، المُدَّعاة “المعلنة من قبل الحكومة”، والمُفْتَرَضَة “وفق قواعد التنمية السليمة والمتعارف عليها”، لعام 1996.
* وتلك التي تُشَكِّل الفرق بين نسبتي 28,4% و17% اللتين تمثلان نسبتي الاستثمار إلى الناتج المحلي الإجمالي، المُدَّعاة والمفترضة لعام 1997.
* وتلك التي تُشَكِّل الفرق بين نسبتي 32,2% و24% اللتين تمثلان نسبتي الاستثمار إلى الناتج المحلي الإجمالي لعام 1998؟!
أو بلغة الأرقام المباشرة، أين ذهبت مبالغ فلكية بالنسبة لإمكانات اقتصاد صغير كالاقتصاد الأردني، تُقَدَّر على النحو المُوَضَّح في المعادلات الرياضية التالية..
* 1600 مليون دينار “استثمار عام 1996 المعلن” مطروحا منه 476 مليون دينار “الاستثمار المفترض للعام نفسه”، وهو ما يساوي 1200 مليون دينار.
* 1500 مليون دينار “استثمار عام 1997 المعلن” مطروحا منه 750 مليون دينار “الاستثمار المفترض للعام نفسه”، وهو ما يساوي 750 مليون دينار.
* 1600 مليون دينار “استثمار عام 1998 المعلن” مطروحا منه 1250 مليون دينار “الاستثمار المفترض للعام نفسه”، وهو ما يساوي 350 مليون دينار.
وبسؤال تراجيدي الطابع، أين ذهبت خلال ثلاث سنوات فقط هي 1996، 1997، 1998، مبالغ إجمالية تُقَدَّر بـ 1200 + 750 + 350 = 2300 مليون دينار، تُمثل ما نسبته حوالي 16% من إجمالي الناتج المحلي لتلك السنوات الثلاث والبالغ قرابة 15 مليار دينار؟!
وبالعودة إلى معدلات النمو للسنوات 1993، 1994، 1995، استناداً إلى نسب الاستثمار المعلنة من قبل الحكومة، والتي افترضناها بناءً عليها على التوالي.. 3,1%، و2,9%، و2,8%، والتي كشفت عن أن كل أرقام الحكومة المعلنة لا يُمكنها أن تكون صحيحة، وأنها تنطوي على تناقضاتٍ مهولة تتعارض مع قواعد علم التنمية والنمو الاقتصاديين، وتكشف عن ضخامة التخبط الذي وقعت فيه الحكومات المتعاقبة، حتى أثناء قيامها بالتزوير وانتهاجها سياسات التضليل. فإننا سنجد أنفسنا مدفوعين إلى الاعتقاد بأن هذه الأرقام نفسها والقائمة على افتراضِ صِحَّة نِسَب الاستثمار الحكومية، هي أساسا أرقام غير مُعَبِّرَة عن الواقع، من خلال مقارنتها بالحقيقة التي تم اكتشافها في عام 1998 من قبل جهات محايدة، حَدَّدَت للأعوام 1996، 1997، 1998، نِسَب نُموٍّ هي 0,8%، و1,4%، و2%.
نقول.. إنه بالعودة إلى تلك الأرقام وفي ضوء المقارنة المشار إليها، لا يُمكننا أن نتقبل صدق الادعاءات الحكومية بأنها استثمرت في السنوات 1993، 1994، 1995، ما حقق نُموا في الناتج المحلي الإجمالي قدره 3,1%، و2,9%، و2,8%، على التوالي، في حين أن معدل النمو في هذا الناتج بناء على سياسة الاستثمار المتبعة عاد لينخفض بشكل مُرَوِّع وصل في عام 1996 إلى نسبة انخفاض مقدارها 70% عماَّ كان عليه في عام 1995، عندما انخفض النمو في الناتج الإجمالي من 2.8% إلى 0.8%. ليبقى مع ذلك – ورغم ارتفاعه الطفيف في سنة 1998 – أقل من نظيره في عام 1995 بحوالي 30%.
نعم، إننا لا نستطيع في التعامل مع حكومات من هذا القبيل، تَقَبُّل هذه الانقلابات المهولة في المعدلات وفي النسب بدون التشكيك فيما يقف وراءها من خططٍ وسياساتٍ ومن عملياتِ نَهبٍ وسلبٍ منظمة للثروة القومية للشعب الأردني. لذلك فإننا سنفترض – وهو افتراض تجاوزي لصالح الحكومات على أيِّ حال – أن معدلات النمو المتحققة في السنوات 1993، 1994، 1995، هي نفسها تلك التي تَحققت لاحقا في ثالث الأعوام الثلاثة التالية وهو عام 1998، لأنها تمثل أعلى معدل نُمو تم إنجازه، ومقدارها 2%، وذلك لكي لا نكون ظالمين للحكومات الأردنية المتعاقبة بإدانتها بسرقة مبالغ غير مؤكدة. مع أن المنطق يقتضي أن تكون معدلات النمو في تلك السنوات أقل من نظيرتها في الأعوام اللاحقة. كل ذلك كي نكتشف مجددا حجم التدمير الذي تُلحقه هذه الحكومات بالاقتصاد وبالشعب الأردنيين، عندما تسرقهما جهارا نهارا دون خجلٍ أو وجل.
بِهذا التبسيط الذي انتهجناه لكشف السرقات المؤكدة من ثروات الشعب الأردني يتضح لنا أن أعلى نِسْبَة مُفْتَرَضَة للاستثمار من النواتج المحلية الإجمالية للأعوام 1993، 1994، 1995، هي 24% بناء على القاعدة التي تنص على أن كل 1% نُمو في الناتج لا يحققه ابتداءً إلاَّ 12% استثمار من إجمالي هذا الناتج. وبالتالي فإن أرقام نِسب الاستثمار التي أعلنتها الحكومات لتلك السنوات والتي هي 37,4%، و34,4%، و33,6% على التوالي، هي مجرد أرقام مُعلنَة تنطوي على فروقات عن الأرقام الحقيقية المفترضة، عاكسةً حجم المبالغ التي سرقتها تلك الحكومات من خزينة الدولة لتوزِّعَها على رموز السلطة والحكم النافذين وعلى وسطاء سمسرة الصفقات الداخلية والخارجية تَحت لافتات الاستثمار المُدَّعَى.
إننا وبالطريقة المنهجية نفسها التي كشفنا فيها عن حجم الهدر الذي لا يُفَسَّر إلاَّ بالسرقة من مال الشعب الأردني في الأعوام 1996، 1997، 1998، سنكشف عن حجم السرقات التي تَمت في الأعوام 1993، 1994، 1995.
إن نسبة 13,4% التي تمثل الفرق بين 37,4% “نسبة الاستثمار المعلنة من قبل الحكومة لعام 1994” و24% “النسبة الافتراضية الموحدة بناء على معايير صحيحة للأعوام الثلاثة محل الدراسة”، مضافا إليها كلاًّ من نسبة 10,4% التي تُمثل الفرق بين 34,4% “نسبة الاستثمار المعلنة من قبل الحكومة للعام 1994” و24% “النسبة الافتراضية الموحدة للأعوام الثلاثة مَحل الدراسة”، ونسبة 9,6% التي تمثل الفرق بين 33,6% “نسبة الاستثمار المعلنة من قبل الحكومة لعام 1995” و24% “النسبة الافتراضية السابقة للأعوام الثلاثة”، تُمثل المبالغ المهدورة التي لا تفسير لفقدانها إلا بالسرقة والنهب.
وهي تمثل من إجمالي النواتج المحلية لتلك الأعوام الثلاثة ما قيمتنه 1700 مليون دينار تقريبا.
أي أن ما تَمت سرقته من أموال وثروات الشعب الأردني خلال ست سنوات فقط هي السنوات الممتدة من عام 1993 ولغاية عام 1998، يصل إلى 4 آلاف مليون دينار، تُمثل حوالي 15% من إجمالي ناتجه المحلي لتلك الأعوام.
فليتأمل الشعب الأردني ما الذي يحدث له ولثرواته ولحقوقه من قبل تلك الحكومات التي لا هم لها إلا تمرير أجندتين، أولاهما أجندة إمبريالية رأسمالية عالمية تقتضيها “تفاهمات واشنطن” من جهة، وتفاقمات “مؤتمر مدريد” على الصعيد الأردني ممثلة في اتفاقية الذل والهوان والارتهان مع الدولة الصهيونية، وهي “اتفاقية وادي عربة” من جهة أخرى، والثانية محلية إفسادية قذرة، يقتضيها “التحالف الكومبرادوري البيروقراطي الطبقي” المقيت الجاثم على مصير الشعب الأردني، يرهنه ويبيعه بلا رحمة.
ترى من هو المسؤول عن هذه الكارثة؟!
من هو المسؤول عن هذا الهدر؟!
من هو المسؤول عن هذا النهب الممنهج المختبئ وراء سياسة تزوير وتضليل غير مسبوقة على مستوى العالم؟!
هل هو “الملك” الذي ينص دستورنا العتيد على أنه “لا يُسأل عما يفعل”؟!
أم هي الحكومات التي نعلم جميعا بموجب دستورنا العتيد ذاك، “أنها لا تفعل ما لم تؤمَر بفعله”؟!

ب – الأردن أسوأ نموذج في العالم لخصخصة القطاع العام
المخلصون والوطنيون أصحاب الانتماء الحقيقي والولاء المتحرر من الذاتية والشَّخصانية، يُحَدِّدون الأهدافَ الوطنية أولا، بناء على الدور المفترض للدولة، ومصالح الغالبية العظمى من شرائح الشعب، ومستقبل ومصير الوطن، في ضوء قراءة حقيقية للواقع، ثم يبحثون عن وسائل تحقيقها بعد ذلك.
أما اللامنتمون وأذناب مراكز رأس المال العالمي من طفيليي التخوم، ومندوبو التحالف الطبقي الكومبرادوري البيروقراطي الحاكم والمهيمن والمتغوِّل، فيحدِّدون أهدافا غير وطنية تتمثل بادئَ ذي بدءٍ في الأجندة المرحلية التي يُفترض تنفيذها في سياق الدور المفترض، أو في برنامج سلب ونهب المال العام الذي سيعملون على ممارسته عبر حقبة من الزمن، من على قواعد الحفاظ على بُنية المصالح الطبقية كما هي دون أن تُمس، ثم يبدأون بعد ذلك بصياغة الخطط والبرامج الأقدر على تَحقيق أهدافهم تلك.
ليست هذه خرافة وجدناها في أساطير ألف ليلة وليلة، بل هي عين ما يَحدث في الأردن المكلوم بطعنات حكوماته التي تعاقبت على تزييف وعيه وتدمير اقتصاده وانتمائه وهويته على مدى عشرات السنين مضت.
فنحن إذا قمنا بتحديد الأسباب والأهداف التي تقف بوضوحٍ وراء تبنيِّ سياسة “الخصخصة” في الأردن، سنعرف على وجه الحقيقة إن كانت خصخصة القطاع العام الأردني مطلبا اقتصاديا لا فكاك عنه، أم أنها مجرد مشروع مشبوه أملته متطلبات تنفيذ الأجندات الأجنبية التي تقف على رأسها كلها “تفاهمات واشنطن” التاريخية التي أعقبت انهيار الاتحاد السوفياتي، ومجرد طريق التفافية على الثروة الوطنية تتيح فرصة من نوع مختلف لأنياب الفساد الذي لا يرحم كي تنغرز فيها، لتصبح مهمة تحديد الاستخدامات المناسبة والمثالية للأموال التي يتم توليدها نتيجةً للتنفيذ العملي لبيع القطاع العام إذا ثبتت ضرورته بطبيعة الحال، مهمة سهلة.
ولهذا السبب فنحن بحاجة إلى معرفة دقيقة وواضحةٍ بالهدف الذي تسعى سياسة “الخصخصة” إلى تَحقيقه. فمثلا إذا كانت تلك السياسة تَهدف إلى تَخفيف العبء المالي عن بعض المشاريع التي تَمتلكها الحكومة، فإن البدء ببيعِ المشاريع الخاسرة وتعزيز المشاريع الرابِحة، يغدو هو الوسيلة الأنسب للتعاطي مع فكرة “الخصخصة”، لا أن يتم بيع كل شيء، وبدءا بالمشاريع الرابحة والرابحة جدا، وبأثمان بخسة لا تعكس القيم الحقيقية لتلك المشاريع.
ولكننا بالعودة قليلا إلى الوراء، وبالتحديد إلى تاريخ انطلاقة برنامج التصحيح الاقتصادي، يتَّضِح لنا أن الرؤية الاقتصادية الأردنية الرسمية وفي كافة أبعادها كانت ضيِّقَةً للغاية، إلى درجة أنها كانت مَحصورةً بشكل أساسي في حدود الموازنة العامة للدولة، وضرورة إعادة التوازن إليها وتجنيبها تداعيات اختلالاتها التي لا تنقطع، بسبب سياسات الحكومات غير الرشيدة، لتَنْبُع منها المشاريع التنموية لاحقا. وهذا هدفٌ مشبوهٌ للغاية، مادامت الموازنة هي المجال الأضمن والأنسب للنهب والسلب بدون حسيب ولا رقيب في دولة لا سلطة فيها لأحد على المال العام سوى حكومات لم يَخترها الشعب ولا بأيِّ شكل من أشكال الاختيار، ولا همَّ لها إلا اقتسام الغنائم المستباحة، ومص دماء الشعب، بعد اعتصاره إلى آخر قطرة من دمه.
أي أن الطبيب أراد أن يُجَمِّلَ وجه مريضه – هذا إذا افترضنا بالفعل أنه كان يريد تجميله، وأنه لم يتخذ من هذا الادعاء الكاذب حجة لتخريب وإفساد أعضاء جسده الأخرى – وذلك دون النظر في احتياجات بقية جسده، الذي تنعكس عليه كافة آثار الاختلالات التي أصابت هذا الوجه ابتداءً. فراح يُجَمِّلُه على حساب ذلك الجسد الذي تفاقمت حالته وازدادت سوءاً، بأخذ جزء من هنا وقطعة من هناك. وهو الأمر الذي جعل الوجه نفسه كي يَتَجَمَّل ذلك التَّجَمُّلَ المُخادعَ، في حاجة ماسة إلى اقتطاع أجزاءَ كبيرة من الجسد المنكوب أساساً وزرعِها فيه. وهكذا فقد راح الوجه المُزَيَّف التَّجميل يستنزف كلَّ طاقات الجسد بلا رحمة دون أن يتجَمَّلَ هو أساسا.
إن الرؤية الاقتصادية الصحيحة كان يجب أن تنصب باتجاه تنمية البلد أوَّلاً، كي تتحسَّن حالة الموازنة لاحقاً، لا أن تتحسن هذه الموازنة – شكلا وليس مضمونا – على حساب التنمية الحقيقية. لأن المعادلة الصحيحة، هي أن الموازنة العامة ليست إلا انعكاسا كاملا لحالة الاقتصاد، ولوضع التنمية، ولمستوى رفاهية المواطنين في بلد ما، وهي المؤشرات التي تُمكن قراءةُ حالتها ومشكلاتها واختلالاتها من خلال قراءة الموازنة العامة للدولة في ذلك البلد وليس العكس.
فالشعب الغني يَخلق حكومةً غنية وليس العكس. والحكومة عندما تفكر في إغناء نفسها دون أن يكون ذلك عبر إغناء الشعب أولاً، فإنها في الواقع تغني نفسها عبر إفقاره وتدميره. لقد كان الحديث في كواليس الحكومات الأردنية المتعاقبة يدور على مدى العقدين الأخيرين وبشكل دائم، حول كيفية المحافظة على دخل الحكومات ومستويات إنفاقها المرسومة على مقاسات دولة غنية ومرفهة، ليست مستعدة لأن تأخذ في الاعتبار واقع شعبها وحالة الفقر التي يعاني منها، في حين كان يَجب للحديث في تلك الكواليس أن يدور حول كيفية إغناء المواطن الذي سيؤدي إغناؤه إلى ظهور دولةٍ غنية وحكومات غنية.
إن برنامج الخصخصة الأردني كما يظهر للعيان عمل وما يزال يعمل في الاتجاه الذي يدفع نحو إغناء حكوماتٍ على حساب إفقار شعب. ولأن المنطق يقتضي أن تتحرك الحكومات وفق ما تُمليه مصالح شعوبها. ولأن إغناء الحكومة على حساب إفقار الشعب ليس في مصلحة الشعب بأيِّ حال، فهذا يعني أن الإغناء الحكومي ليس هدفاً بريئا، بل هو هدف لغاية أخرى لا يُمكنها أن تكون بعيدة عن خَلْقِ الظروف المواتية للحكومات وللفئات التي تُمثلها مصلحيا داخلها وخارجها، لنهب ما يُمكن نَهبه من أموالٍ وثرواتٍ تتيحها الخصخصة كبَنْدٍ جديد من بنود التوريد النقدي لخزينة الدولة المخرومة مع الأسف.
وللتعرف على آفاق هذا الاستنتاج الذي نوجه بموجبه أصابع الاتهام، وكل مبررات الإدانة إلى الحكومات الأردنية التي تعاقبت على حكم هذا البلد خلال ربع القرن الأخير، فإننا سنلقي نظرة رقمية حقيقية على واقع خصخصة أهم مؤسسات القطاع العام في الأردن، لنكتشف بما لا يدع مجالا للشك أن من فعلوا ذلك، لم يكونوا يفكرون لا في وطن ولا في مواطن، ولا في بطالة أو في فقر أو فقراء، ولا في جيل حاضر ولا في أجيال مقبلة، ولا في إنقاذ مؤسسات متعثرة. وأن كل ما كان يشغلُهم، هو ملء جيوبهم، ونهب أقصى ما يمكن للِصٍّ أن ينهبه من مال متاح ومباح، وجدَ نفسَه صاحبَ القرار الأوحد في إدارته والتصرف فيه دون حسيب أو رقيب، بناء على متطلبات تنفيذ أجندة أجنبية مشبوهة وضعته أمام هذا الجسد المستباح كي ينتهكه بلا رحمة، فغرز أنيابه فيه وولغ في حرمته.

1 – شركة مناجم الفوسفات
مُنِحَت الشركة بعد خصخصتها وبيعها لمن سُمِّيَ شريكا إستراتيجيا، حقوقَ التعدين في مناجم “الرصيفة” و”الحسا” و”الرشاديه” و”الوادي الأبيض”. إن الاحتياطي المؤكد من الفوسفات في تلك المناجم قُدِّرَ حتى عام 2008 بحوالي “1,450” مليون طن من المادة الخام بشكلها المناسب للتصدير، وهو شكلها في مرحلة ما قبل “السحق”. فإذا علمنا أن السعر العالمي للطن الواحد من مادة الفوسفات الخام “قبل السحق”، بلغ في عام 2009، ما قيمته “400” دولار أميركي. لأدركنا عِظَمَ الجريمة التي ارتكبها من باع هذه الشركة في حق هذا البلد، عندما يتبين لنا بحسبة بسيطة أن القيمة الفعلية للاحتياطي المؤكد من ثروة الأردن من الفوسفات، تقدر بـ “580” مليار دولار، وذلك بالأسعار الجارية لعام 2009، في حين تم بيع حصة الحكومة في هذه الشركة في إطار برنامج الخصخصة، بمبلغ “88” مليون دينار فقط، أي بما لا يتجاوز الـ “125” مليون دولار. وقد حققت هذه الحصة الحكومية وحدها ربحا مقداره “238” مليون دينار، خلال عام 2008، أي أن أرباح الحكومة من هذه الشركة لسنه واحدة، يعادل ما يقارب ثلاثة أضعاف المبلغ الذي بيعت به حصتها.

2 – شركة البوتاس العربية
أُعْطِيَ الشريك الإستراتيجي “الكندي” بموجب عقود المبايعة في إطار خصخصة هذه الشركة، الامتياز الحصري بحق استخراج الأملاح والمواد الكيماوية في كامل منطقة البحر الميت وعلى مدى شاطئ بعمق “1” كيلومتر. ولقد بيعت حصة الحكومة في شركة البوتاس العربية بمبلغ “126” مليون دينار، أي بأقل من مائتي مليون دولار أميركي. وقد وصلت أرباحها عام 2008 إلى “311,4” مليون دينار، أي ما يتجاوز قليلا الـ “435” مليون دولار بالأسعار الجارية. وهكذا يتضح آن أرباح الشركة لعام واحد فقط قد قاربت ثلاث أضعاف المبلغ الذي بيعت به، علما بأن سعر الطن الواحد من البوتاس الذي تنتجه الشركة، بلغ ما يقارب الـ “320” دينار، أي حوالي “450” دولارا بحسب الأسعار الجارية لعام 2008.

3 – شركة الإسمنت
لقد باعت الحكومة حصتها في شركة الإسمنت عام 1998 الى مجموعة “لافارج الفرنسية” بمبلغ يثير الريبة هو “70” مليون دينار، أي “100” مليون دولار أميركي فقط. علما بأن لهذه الشركة مصنعين، أحدهما في منطقة “الفحيص” والأخر في منطقة “الرشادية”. وقد حققت الحصة الحكومية في الشركة عام 2008 ربحا مقداره “118” مليون دينار، أو أقل قليلا من “170” مليون دولار أميركي، وهو ربح يكافئ قرابة الضعفين إلا قليلا من المبلغ الذي بيعت به تلك الحصة.
إننا حين نحاول التعرف على فلسفة الخصخصة التي قامت عليها فكرة بيع تلك الشركات الثلاث الوطنية الكبرى الأهم في الأردن، سنكتشف أن الثروة الوطنية الإستراتيجية التي تعكسها الشركات الثلاث، سواء على صعيد المادة الخام التي تتعاطى مع معالجتها، والدلالات الفعلية لها في حجم ثروات الأردن الطبيعية التي تم رهنها بهذه الصفقات المهينة والمشبوهة، أو على صعيد مردوديتها المباشرة كشركات تصنيعية منتجة، تم التَّصَدُّق بها على الشركاء الإستراتيجيين بسخاء غير مسبوق، سنكتشف الفاجعة التي أصابت الأردنيين وهم يرون أهم شركاتهم قد بيعت، وأميز مخزوناتهم الطبيعية قد رُهِنَت، بمبلغ “284” مليون دينار، أو ما يعادل الـ “400” مليون دولار أميركي.
ولقد تمكنت تلك الشركات من تحقيق أرباحٍ تجاوزت الـ “667” مليون دينار، أي ما يقارب المليار دولار أميركي، خلال سنة واحدة فقط. فحكومات الأردن الرشيدة جدا في التعامل مع الثروة الوطنية، ونظيفة الأيدي بامتياز من أيِّ تهمة بالفساد والولوغ في المال العام، تبيع مصدر ثروة متجددة يَدُرُّ على خزينة الدولة العاجزة دوما وبتصاعد لا يتوقف عاما بعد عام، ما مقداره “مليار” دولار سنويا، ليتوقف هذا المورد المتجدد نهائيا بعد بيع مصادره تلك، وذلك بمبلغ مقطوع وغير متجدد وغث ومهين، يبعث على التقيؤ والاشمئزاز والشعور بالأسى، يقل حتى عن نصف ذلك الإيراد المتجدد الذي كان يقف على اعتاب آفاق تطوير وتفعيل ممكنة ومتاحة تمت إضاعتها وتمَّ تبديدها إلى الأبد.

4 – شركات ومؤسسات أخرى كثيرة في القطاع العام تمت خصخصتها
* فـ “شركة الكهرباء الأردنية” التي أُسِّسَت وبُنِيَت وتُطَوَّرت بفعل الضرائب التي كان يدفعها الأردنيون، والتي أوصلت التيار الكهربائي إلى ما نسبته “100%” من مناطق المملكة، وهي أعلى نسبة في العالم العربي، بيعت بمبلغ “52” مليون دينار أو ما يعادل الـ “70” مليون دولار، لشركة “دبي كابيتال”، مع أن ممتلكات هذه الشركة من مباني ومعدات ومحطات وتجهيزات، تقدر بأكثر من مليار دينار، أو ما يعادل “1,4” مليار دولار أميركي.
* أما منطقة “العقبة” وهي بالمناسبة الإطلالة الأردنية الوحيدة والضيقة على البحر، فهي أرض من الأردن عاثت فيها الحكومات فسادا وإفسادا وبيعا ورهنا، مُغَطِّيَة على العمولات والرشاوي التي فاحت روائحها، بكذبة الخصخصة والاستثمار الفعال والشركاء الإستراتيجيين، وسمِّيَت “منطقة العقبة الاقتصادية الخاصة”، دون أن ندري كيف ولماذا ولا من الذي أعطى الحق لهؤلاء في أن يفعلوا بها ذلك. لقد تخلت الحكومة بموجب “القانون الخاص” الذي ابتُدِعَ لتدارَ به المنطقة عن كافة صلاحياتها فيها، محيلة هذه الصلاحيات إلى ما تمت تسميته “مجلس مُفوضي العقبة”. ونتساءل عن القيمة المضافة التي حققها هذا القانون للاقتصاد الوطني، في ظل إدارة ذلك المجلس الذي يصعب اعتباره شيئا آخر غير كونه “مجلسا للصوص” سُلِّمَ مصير ما يعرفه الأردنيون جميعا باسم “ثغر الأردن الباسم” الذي تحول إلى “ثغره الحزين” بامتياز؟!
يقول المسؤولون في المفوضية إياها، أن حجم الاستثمار في العقبة قد تجاوز الـ “16” مليار دينار، أي ما يعادل الـ “23” مليار دولار، علما بأنه لم يتجاوز على أرض الواقع كما تشير إلى ذلك المستندات الرسمية، ما قيمته “2” مليار دولار. فقد بيعت شواطئ العقبة كاملة بهذا المبلغ. منها منطقة الميناء بمبلغ “700” مليون دولار لشركة “المعبر الدولية للاستثمار”، علما بأن ثمن أرض الميناء الحقيقية وحدها بدون التجهيزات، تزيد عن الـ “6” مليارات من الدولارات. كما بيعت أرض الشاطئ الجنوبي لمشروع “تالابيه” بسعر لا يتجاوز الـ “5,000” دينار أي “7,000” دولار للدونم الواحد، علما بأن قيمة الدونم الحقيقية في تلك المنطقة قد بلغت “مليون دينار” أو ما يعادل الـ “1,4” مليون دولار. فإذا تمت إضافة المليار والثلاث مائة مليون دولار التي تمثل إجمالي ثمن أرض الشاطئ الجنوبي، إلى الثمن الذي بيع به ميناء العقبة، لما تجاوز المبلغ الملياري دولار كما أشرنا. فلم يكتفِ ذلك المجلس بالسلب والنهب وتلقي الرشاوي والعمولات لبيع العقبة ورهنها، بل راح يغطي على سياسته تلك بالكذب الصريح!!
* والمسلسل نفسه يتكرر عند الحديث عن “شركة الاتصالات الأردنية”، التي بيع ما نسبته 88% منها الى شركة “فرانس تيليكوم”، بمبلغ “508” مليون دولار، علما بأن أرباح الشركة السنوية بناء على تاريخ سجلاتها قبل البيع تتعدى قيمة ما بيعت به بكثير.
* شركة الطيران الوطنية “الملكية الأردنية” لم تنجُ من هذه السياسة المدمرة. فلقد تم إلغاء كونها “مؤسسة أردنية” وتم تحويلها إلى “شركه استثماريه قابضة”. وتم فصل نشاط الطيران فيها عن النشاطات المساندة، بعد أن تمت خصخصتها. حيث بيعت “مجمعات صيانة محركات الطائرات” و”تموين الطائرات” و”مركز التدريب” و”الأسواق الحرة” و”أكاديمية الطيران”، لشركات أجنبيه بمبلغ “122” مليون دولار. كما أن “مطار الملكة علياء الدولي” وكافة مرافقه تديره شركه فرنسية، علما بأن السعر الحقيقي لهذه البيوعات يزيد عن “600” مليون دينار، أي ما يعادل قرابة الـ “870” مليون دولار. كما تم بيع كامل حصة الملكية من “شركة عالية للضيافة” و”فندق عالية” و”رويال تورز” الى مستثمرين أجانب بأثمان بخسة للغاية.
وفضلا عن كل ما سبق من ذبح مهين للمؤسسات الكبرى في القطاع العام، فقد بيعت وبأسعار زهيدة ولا تعبر عن قِيَمِها الحقيقية كل من..
“سلطة المياه”، و”فندق الأردن”، و”حمامات ماعين”، وحصص الحكومة من الأسهم في كل من “بنك الإسكان”، و”بنك القاهرة عمان”, و”بنك الصادرات والتمويل”, و”بنك الإنماء الصناعي”, و”مصنع رب البندورة” في الأغوار، و”الألبان الأردنية”, و”البتراء للنقل”, و”الأجواخ الأردنية”, و”الدباغة الأردنية”, و”الخزف الأردنية”, و”العربية الدولية للفنادق”, و”الأردنية لتجهيز الدواجن”, و”مصانع الورق والكرتون”, و”المؤسسة الصحفية الأردنية”.
إذن فنحن أمام مجزرة حقيقية استهدفت القطاع العام الذي مثل على مدى سنوات طويلة صمام الأمان للموازنات الحكومية المترنحة باستمرار بفعل الفساد والمفسدين، والحاضنة الآمنة للاهتزازات المتتابعة في الاقتصاد الوطني على أيدي هؤلاء اللامنتمين، مجزرة باعَتْه بثمن بخس لم يتجاوز الملياري دولار. فماذا بعد ذلك؟!
نحن في الأردن لم نُخَصْخِص، أو يُفْتَرَض أننا لم نُخَصْخِص لكي ندعمَ الدينار الذي يَنعم بوضعٍ مستقر منذ زمن طويل. وما كان هذا الدعم ليكون أحد أهداف الخصخصة. كما أننا لم نُخصخص لكي نضع أموالنا المتأتية من وارادت الخصخصة في البنك المركزي. فالحكومة التي لا تعرف كيف تستثمر هي التي تضع أموال الشعب في البنك تحت تصرفها الدائم. كما أنه يوجد تحت تصرف الحكومة في البنك المركزي من العملات الأجنبية ما يغطي حاجات الأردن من الواردات لمدة كافٍية تزيد عن الثلاثة الأشهر بشكل دائم، في حين كنا نفاخر في الماضي بمخزون نقدي ملائم وآمن، حتى عندما كان يكفي لمدة تقل عن الثلاثة أشهر.
وإذن فالتَّحَدُّث في هذا الموضوع كسببٍ لوضع أموال الخصخصة تَحت تصرف الحكومة هو حديث مشبوه وغير بريء، ويهدف إلى إتاحة الفرصة لوضع أموال الخصخصة تحت سيطرة الحكومات كي تعبث بها كيفما تشاء، “وكأنك يا بوزيد ما غزيت”.
فإذا كانت الخصخصة هي ملجأُنا للهروب من الفساد ومن سوء إدارة موظفي القطاع العام للمؤسسات التي خُصْخِصَت كما يروج لذلك من خصخصوا وباعوا ورهنوا القطاع العام، فهل يُعقل أن تودعَ أموالُ الخصخصة مرةً أخرى في أيدي من سحبنا منهم المؤسسات العامة المباعة بِحجة الفساد وسوء الإدارة؟! فإذا كان هؤلاء غير مؤتمنين على مؤسسات منتجة بسبب فسادهم، فهل يؤتمنون على سيولة نقدية يسيل معها لعاب اللصوص؟!
* إن عوائد التَّخاصِّيَّة استخدِمَت في المكسيك في التعليم وفي تنمية البنية التحتية.
* وفي الفلبين في شراء أراضٍ زراعية للفقراء.
* واستُخْدِمَت في السينغال من أجل دعم وتطوير المشاريع والصناعات الصغيرة والمتوسطة التي تعود بالفائدة على الفئات الفقيرة والمُعْدَمَة.
* أماَّ نصف عائدات الخصخصة في فنزويلا فقد استخدم في الابتكار التقني وفي تطوير الصناعة.
* وجزءٌ كبير من عوائد خصخصة المؤسسات التركية وُضِع في صندوق للتأمين ضد البطالة.
والأمثلة الناجحة والمُشَرِّفة على استخدام أموال الخصخصة في صالح الفئات التي تحتاج إليها من الشعب كثيرة. ولا يتسع المجال لذكرها جميعها تفصيلا.
فماذا عن الأردن؟! وماذا فعلت حكوماتنا العتيدة بإزاء هذه الخبرات الإنسانية الماثلة أمامَها؟!
من أصل 660 مليون دينار عائدات الخصخصة لغاية عام 2001 تم استخدام 130 مليونا فقط في مشاريع عشوائية وهزيلة، فيما اسْتُخْدِمَ الجزء الآخر في تغطية التزامات حكومية لها علاقة بالموازنة المختلة على الدوام. أما الـ 130 مليونا فقد تَمت بعثرتها على النحو التالي.. “3” مشاريع في قطاع الصحة، و”3″ مشاريع في قطاع المياه والزراعة، و”3″ مشاريع في قطاع الإسكان، و”4″ مشاريع في تسديد الدَّين المحلي، ومشروعان حكوميان خدميان، أحدهما في شراء مبانٍ للحكومة، فيما تمثل الآخر في تعزيز دائرة الجمارك، بالإضافة إلى مشروعٍ واحد في قطاع التعليم.
فعلاوة على هَزالَة القيمة الإجمالية من الأموال المستخدمة في هذه المشاريع من إجمالي عائدات الخصخصة المُحَصَّلة لغاية عام 2001 – ونحن هنا لا نتحدث عما حصل لعائدات الخصصة بعد ذلك العام والتي بلغت لوحدها قرابة الـ “800” مليون دينار أضيفت إلى مبلغ الـ 660 مليون دينار السابقة، فهذه قصة مؤلمة لمنظومةٍ متكاملةٍ من سياسات الفساد والإفساد لوحدها – وعلاوة على هَزالَة نوعية هذه المشاريع، فإن الخطورة تكمن في طبيعة هذا المزيج الغريب من المشاريع التي تم تَمويلها من عائدات الخصخصة، والمفتقر إلى أيِّ تجانس قد يوحي بالجدية أو بالمسؤولية الوطنية للقائمين على الموضوع برمته.
إن ما أوردناه من استخدامات مَعيبة لجزءٍ يسير من هذا المورد الهام، يكشف عن نَمطٍ خطير في استخدامِ مصدرٍ للأموالِ غير متجدد ولا متكرر الحدوث كما هو شأن الكثير من بنود الموازنة السنوية. وسوف يتم استنفاد هذا المورد ببساطة وسرعة – وقد حصل ذلك بالفعل – إذا استمرت الحكومات في استخدامه مثلما تستخدم حاليا موارد التمويل المتأتية إلى خزينتها. إذ أن تجزئةَ أموال الخصخصة على هذا النحو الغريب والمفَتِّتِ لفاعليتها، ستقف عقبةً دون تَحقيقها لكامل طاقتها وإمكانياتها المُتَوَخاَّة في تفعيل التنمية والنمو الاقتصاديين في البلد.

5 – هل كانت الخصخصة بالأساس سياسة تهدف إلى تحقيق التنمية؟!
بالتأكيد لم تكن الخصخصة سياسة تهدف إلى ذلك. إن الذي حصل يشير إلى خطةٍ منهجيةٍ تَهدف إلى توزيع غنائم الخصخصة التي تتعامل معها الحكومات على أنها أموالٌ سائبة، أو ملكا خاصا لها، على مجموعة مافيا الفساد والنهب والسَّلْب؟!
إن بعثرة الإنفاق من شأنها – وهذا مبدأ أصيل في أبْجديات التخطيط الاقتصادي في أيِّ بلد – أن تُقَلِّل من أهمية القوة والفاعلية التمويلية التي تنطوي عليها كتلة مالية ماَّ. وبالتالي فبدل أن نكون بصدد الحديث عن مليار دولار ككتلة واحدة وقوية التأثير في سياق حل أيِّ خلل من تلك التي يعاني منها الاقتصاد الوطني، فإننا بِحسب سياسة الحكومة سنرى تلك الكتلة وقد تبعثرت إلى قطعٍ صغيرة لا تترك أيَّ أثر إيجابي اقتصاديا أو اجتماعيا. وهو الأمر الذي نَخسر معه وإلى غير رجعة الفرصة الكبيرة التي أتاحتها لاقتصادنا المُنْهَك هذه الكتلة المالية، التي لن تتاح – مع الأسف – إلاَّ مرَّةً واحدة رغم ضآلتها بالقياس لحقيقة أسعار ما بيعت به. إن هناك مجموعة من الأشخاص تفعل المستحيل لتخلق لنفسها الآليات التي تساعدها على امتصاص أقصى ما تستطيعه من هذه الكتلة المُسْتَباحَة، قبل أن تنفدَ، فتفوتها هذه الفرصة النادرة للسرقة الميسٍّرة.
وأمام واقعة أن الحكومات تقوم ببعثرة هذا المصدر التمويلي النادر والمهم وغير المتجدد علانية وعن سابق إصرار، غير مباليةٍ بوصفها بالحماقة والرعونة، أو حتى بالجهل وبانعدام الخبرة، فلا شك إذن في أنها تفعل ذلك قابلةً لأن توصف بهذه الأوصاف المهينة، لسبب وجيهٍ هو عندها أهم وأجدى وأنفع، في ضوء مُخططاتها المرسومة للتعامل مع هذه الكتلة المالية. ولا يُمكن لهذا السبب أن يكون شيئا آخر غير خلق الفُرَصِ الدافعة نَحو كفاءة توزيع مغانم الخصحصة المتاحة على محترفي تفتيت أموال الشعب خدمة لأجندات مشبوهة.
ولعل شيئا من التمحيص يساعدنا على تَلَمُّس هذا المنهج التطويقي المدروس والمقصود، والمتمثل في إحاطة أموال الخصخصة بكل ما يساعد على تَحقيق الهيمنة الحكومية الكاملة عليها، مادامت هذه الهيمنة هي البوابة الميسرة لتمرير كل ما يراد تمريره من أجندات الارتهان وبرامج النهب.
فقد نصَّت المادة “12/ أ” من قانون التَّخاصِّيَّة رقم “25” لسنة “2000”، على إنشاء صندوقٍ خاص يسمى “صندوق عوائد التَّخاصِّيَّة” في البنك المركزي، تودع فيه جميع عوائد التَّخاصِّيَّة، ويتولى مجلس التَّخاصِّيَّة وهو مَجلسٌ وزاري يترأسه رئيس الوزراء، الإشرافَ على هذا الصندوق. كما حددت الفقرة “د” من المادة نفسها الأغراض التي ستُسْتَخْدَم فيها عوائد التَّخاصِّيَّة، وبقرارٍ من مجلس الوزراء. وعند تفحُّص هذه الأغراض، تَتَكَشَّف خطورة منهج الحكومة في التعامل مع هذه الكتلة التمويلية النادرة من العائدات رغم ضآلتها..
فمن بين الأغراض التي أشارت إليها الفقرة “د” من المادة “13/ أ” من القانون المشار إليه، ما يلي..
* شراء الديون المترتبة على الحكومة للاستفادة مِماَّ يتأتى لها من خصمٍ على هذه الديون، أو لتسديدها عن طريق المبادلة أو أي طريقة أخرى يقرها مَجلس التَّخاصِّيَّة ويوافق عليها مَجلس الوزراء.
* الاستثمار في أصولٍ مالية.
* تَمويل النشاطات الاقتصادية والاستثمارات الجديدة في قطاعات البُنْيَة التحتية ذات المردود الاقتصادي والاجتماعي المجدي، والتي تساعد في تَحقيق التنمية المستدامة على أن تُدْرَج في قانون الموازنة العامة.
ولنا مع هذه الغايات الثلاث وقفة فاحصة نَحاول من خلالها استجلاء مؤشرات الخطورة في اتجاهات الحكومة وهي تتعامل مع أموالِ الخصخصة.
فقيام الحكومة بسداد الدَّين – بناءً على ما ورد في الغاية الأولى – لا يعني إصلاحاً اقتصاديا، بل هو يعني هدرا اقتصاديا وإمعانا في الربط الاقتصادي بِمؤسسات الإقراض المختلفة.
إن سداد الدَّين يُعطي الحكومة فرصةً للاقتراض من جديد، خاصة في ظل تغير الحكومات السريع في الأردن، وإلقاء العبء من حكومة على أخرى، خاصة وأن سياقات الاقتراض مُلَغَمَة بمنطق العمولات والخصومات التي تُدرج بالاتفاقات السِّرِّيَّة ضمن أصل الدين الذي سيتكبده الشعب في نهاية المطاف، فلا بأس في أن يُحَمَّلَ الشعب التزاماتٍ مرهقةً مستقبلا، مادام هذا هو السبيل الوحيد لايجاد الآليات التي تستطيع تلك الحكومات أن تلتف من خلالها للإمعان في الفساد.
أما مقايضة الدين فيعني أن الأردن حَرم نفسه من فرصة الإعفاء من الدَّين والتي قد تتم بعد فترة زمنية قصيرة ونتيجة للتطورات في المنطقة. كما أن مثل هذا الاستخدام سهلٌ ويتم في كواليس القطاع العام ودون أي مشاركة من القطاع الخاص، حتى وإن يكن على مستوى الرقابة. وبهذا تكون الحكومات الأردنية قد باعت الأصول مقابل الدين دون أيِّ إعادة لتوظيف هذه الأموال التوظيف المجدي لصالح البلاد.
فما هو السِّرُّ الخفي وراء إصرار الحكومات على إدراج هذا الغرض في قانونٍ يَجعل تصرفاتها بهذا الخصوص مشروعة وقانونية؟! إننا نتساءل فقط!!
أما البند الثاني المشار إليه في قائمة استخدامات أموال الخصخصة، فهو بند شديد الخطورة، حيث أن الحكومة قد أعطت لنفسها الحق بموجبه في إعادة استثمار هذه الأموال.
وهنا نجد أن واضع هذا القانون قد تناسى عن عمدٍ شيئا مهما، ألا وهو أن التخاصِّيَّة يُفْتَرَض من حيث المبدأ أنها ثورةٌ مُهذَّبَة ضد القطاع العام وفساده وعجزه وسوء إدارته للمال العام، ثورة قائمة على اعترافٍ ضمني بأن الحكومة ليست قادرة على استثمار الأموال على الوجه الأمثل، ولا هي مؤهلة لإدارتها بشكلٍ يبقي يدَ القائمين على تلك الأموال نظيفةً، وأموالَ الشعب معافاة من الهبش والنَّبْش. فكيف يُسْمَح لها بالاستثمار إذن؟!
أليست صياغة القانون على هذا النحو هي محاولة التفافية لإعطاء الحكومة فرصةَ الدخول من الشباك بعد أن خرجت من الباب، لتعود إلى نفس الأموال السائبة، بعد أن حولتها من مؤسسات إنتاجية تحافظ على التوازن الاقتصادي في المجتمع إلى نقد سائل يسيل لرؤيته متاحا في البنك المركزي لعاب اللصوص المتحكمين في إدارته؟!
لقد بات واضحا أن التَّخاصِّيَّة في الأردن إنما هي “تسييل نقدي” لمؤسسات القطاع العام، بعد أن لم يعد مُمكنا اعتصارها أكثر مما تم فعله بها عبر عقودٍ من الزمن مضت، وكل ذلك تمريرا لوصفات المراكز الرأسمالية العالمية عقب “تفاهمات واشنطن”. إنها تَحويلٌ لهذه الأجساد المؤسَّسِيَّة التي لم تكن خاسرة بالمناسبة، لأنها كانت ترفد خزينة الدولة بمئات الملايين من الدنانير سنويا، إلى سيولةٍ نقدية تفقدها صفة أنها موردٌ رئيس من موارد الثروة القومية المستدامة، وصفة أنها منجزات شعبية تحافظ على استقرار البلاد من تقلبات اقتصاد السوق المدمرة.
أماَّ في البند الثالث من بنود القانون الناظم للتَّخاصِّيَّة ولعائداتها، فقد وضع المُشَرِّع فكرةً غاية في الخطورة، تَحُدُّ من فاعلية المسألة برمتِها وتُحولها إلى حبر على ورق، وذلك بأن تم جعل ما يُنْفَق من أموال التخاصية جزءا من نفقات الحكومة العادية والمُدْرَجة من خلال موازنتها العامة السنوية، ولهذا التَّوَجُّه عدة مخاطر نوجزها فيما يلي..
*استخدام أموال التَّخاصِّيَّة كإيراد للخزينة كلما دعت الحاجة. وهذا يفتح شهية المفسدين والفاسدين كلما وجدوا فرصة لممارسة هوايتهم في الإثراء على حساب المال العام. فمادام هناك مال غير مستخدم وغير مُحَدَّد أوجه الإنفاق، فإنه يُمكن اختلاق بنود إنفاقية مستحدثة خلال السنة المالية. ولأنها مستحدثة تحديدا فإنها لن تكون مُدْرَجة في بنود الإنفاق العام الوارد في الموازنة، لهذا يُمكن استخدام هذه الأموال السائبة لتغطيتها.
* جعل أموال التَّخاصِّيَّة مصدرا بديلا للتمويل وليس مصدرا إضافيا.
* إفقاد أموال التَّخاصِّيَّة صفتها الاستثنائية وخصوصيتها كأداةٍ تنموية.
وبناءً على كل ذلك الوضوح الصارخ في تقنين الضَّرر والإضرار والرهن والارتهان، هل تُمكن الثقة في حكومات تفعل ذلك؟! وهل يُمكن التعامل مع منهجها الإضراري هذا بِحسن نية، بأن نفترض أنها تهدف إلى شيءٍ آخر غير استغلال فرصةِ وجودها على رأس الاقتصاد الوطني لتمارس دورها في خطة الارتهان العامة من خلال فكرة “الدولة الوظيفية”؟!
لقد بيعت الشركات الوطنية الكبرى “الإسمنت” و”البوتاس” و”الفوسفات” إلى شركات أجنبية، تمكنت من استعادة الثمن الذي دفعته في مقابل ملكيتها المطلقة لتلك الأصول الغنية، في فترات تراوحت من سنة إلى ثلاث سنوات، أي أن فترة استرداد تلك الشركات لرأسمالها الذي يفترض أنه هو ما دفعته للبائع الأردني الذي هو “الحكومات”، كانت قياسية بالمعايير الدولية وبكل المقاييس الاقتصادية. إذن لم تكن تلك الشركات خاسرة، ومع ذلك فإن أيَّ مردود متصور لعمليات هذا البيع على الاقتصاد الأردني كانت معدومة تماما، بل لقد شكلت عمليات البيع في المحصلة – فضلا عن تسببها في خسارتنا للأصول، وفي تبديد الموارد المتأتية عن بيعها – عمليات نزيف حاد متجدد للاقتصاد الوطني.
فلو أخذنا شركة “الإسمنت” كمثال على ما نقوله، لوجدنا ما يلي..
إن تصدير هذه الشركة للسوق الخارجي نقلص من “867,491” طن عام 2002، إلى “20،661” طن عام 2006. بينما ارتفع تسويقها الداخلي عام 2006 إلى “656،344” طن بعد أن كان “070،201” طن في عام 2002. أي أن الشركة المالكة الجديدة “الأجنبية” راحت تحقق أرباحها الطائلة على حساب المواطن الأردني والاقتصاد الوطني، محدثةً نزيفَ ثروةٍ انعكس على أداء كل المرافق الاقتصادية في وطنٍ لم تعد حكوماته التي ورطته، قادرة على ملاحقة الأزمات الناتجة عن سياساتها الرعناء، إلا بالإمعان في الضغط على المواطن وكسر ظهره بالضرائب وبرفع الأسعار، وبزج الطبقة المتوسطة – صمام أمان كل المجتمعات – شيئا فشيئا في زوايا الفقر الذي راح يلتهم كل شيء في هذا البلد.
لم يحدث التطور الموعود من خلال هؤلاء “الشركاء الإستراتيجيين” في أيٍّ من الشركات الكبرى التي بيعت ولا في أيِّ اتجاه. لا بل حدث وأن تظاهر أبناء بلدتي “الفحيص” و”ماحص” للمطالبة بمنع شركة الإسمنت المتواجدة على أراضيهم من استعمال “الفحم الحجري” المُلَوِّث للبيئة التي لم يكترث بها ذلك الشريك، فلجأ إلى الطاقة الرخيصة عندما ارتفع سعر النفط، ليبيعنا منتجاته آخذا في الاعتبار أنه استخدم النفط بأسعاره المرتفعة تلك وليس الفحم الحجري الرخيص والملوِّث.
وهكذا يتضح أن ما بات يُعرف بسياسة الخصخصة التي اتبعها التحالف “الكومبرادوري البيروقراطي” الحاكم، لم تحقق أيا من الأهداف المعلنة لها، بل إن الأزمات التي ما كان لها إلا أن تترتب على بيع ثروات الشعب ومؤسساته المستقرة الآمنة، تفاقمت واستفحلت وتعمقت، وازدادت تداعياتها الكارثية على مختلف شرائح الشعب الأردني. والحكومات لا تبالي ولا تبحث إلا عن آفاق جديدة لتنفيذ الأجندات الرأسمالية العالمية ولملء الجيوب التي لا تمتلئ والبطون التي لا تشبع.
خلاصة القول إذن، هي أن النظام الأردني مدينٌ للشعب الأردني بتقديم فواتير حساب طويلة ومعقدة، يجيب فيها على الأسئلة المطروحة سابقا، والتي تنطق بها الأرقام الرسمية التي لم تستطع معها الحكومات المتعاقبة أن تستمر في إخفاء مظاهر فسادها وتآمرها على هذا البلد. ولأن نهبا وارتهانا مُمَنْهَجين من هذا النوع لا يُمكنهما أن يتما أو أن تتم التغطية عليهما إلا عبر وجود مافيا متغلغلة كالأخطبوط في مختلف مؤسسات الدولة. فإن الشعب الأردني المغلوب على أمره يَجب أن يعي أنه مطعون في الصميم، وأن حقوقه منهوبة على كل المستويات جهاراً نهاراً، من قبل تلك المافيا التي تطلب منه عند كل نائبةٍ أن يَشُدَّ الأحزمة حُباَّ في رفعة وطن سرقوه منه وباعوه لأعدائه!! والبقية في مسيرة التدمير آتية على الطريق، إن استمر هذا الوطن مملوكا لهذا النظام، يمعن في تدميره بلا أيِّ انتماء أو ذرة من خلق.

اترك رد

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني.