www.omferas.com
شبكة فرسان الثقافة

جنود على أرجوحة الجوع ..! ج 1و2/ليلى البلوشي

0

في خبر تداولته معظم الصحف العربية منها والأجنبية ، عن ضباط من الروس اضطرتهم ظروف الحرب على تناول طعام الكلاب وكان يقدم لهم على شكل حساء ، بعد أن تم استبدال الملصق الأصلي بملصق آخر على العلب كتب عليه لحم بقر عالِ الجودة ..!

في خبر تداولته معظم الصحف العربية منها والأجنبية ، عن ضباط من الروس اضطرتهم ظروف الحرب على تناول طعام الكلاب وكان يقدم لهم على شكل حساء ، بعد أن تم استبدال الملصق الأصلي بملصق آخر على العلب كتب عليه لحم بقر عالِ الجودة ..!

أحالني هذا الخبر إلى دور الكبير الذي تحملته قوات الشرطة الخاصة في اليابان أثناء أزمة البلاد من تسونامي الزلزالي ؛ ناهيك عن دورهم الخطير والشجاع والنبيل للبعض منهم في معمل المفاعلات النووية حين قاموا بجسارة لاستكشاف مدى تأثيره مع علمهم المسبق بأنهم سيكونون وليمة للموت ..

وفي تاريخ القديم في زمن غزوات – الرسول صلى الله عليه وسلم – قاتل المسلمون في غزوة بدر وهم صيام في شهر رمضان ، وغزوات أخرى كان الرسول عليه السلام والصحابة الكرام يضطرون إلى ربط حجر على بطونهم اتقاء لشر الجوع ..

معاناة جنود الحروب والأزمات الطبيعية في كافة الدول وفي كل زمن كانت شاقة ومؤلمة في معظمها ؛ فالجندي هو درع الذي يحمى به الوطن ، لهذا فهو أول من يضحي بجسده في سبيله ..

وفي قراءة لرواية الكاتبة الألمانية ” هيرتا موللر ” الحاصلة على جائزة نوبل للآداب عام 2009م ، في روايتها ” أرجوحة النفس ” عرضت وصفا عميقا ودقيقا لمعنى معاناة الجنود في حروب دامية ؛ تقتل الإنسانية وتهدر الكرامة البشرية في سبيل أهداف لا غاية منها سوى تحقيق استعلائية يقوم بها بعض الزعماء من أجل دخولهم معترك الخلود على حساب الآخرين ..!

في روايتها وهو عبارة عن سرد لسيرة ذاتية لأحد الجنود المشاركين في تلك الحروب ، فلقد حمل السوفيت ذنب الجرائم النازية للأقلية الألمانية وبأمر من السوفيت قيد خلال الحرب اعتبارا من الأول من كانون الثاني / يناير عام 1945م كل الرومانيين من أصل ألماني الذين كانت أعمارهم تتراوح بين 17 و45 سنة إلى معسكرات العمل الشاق لـ” إعادة بناء ما دمرته الحرب ” ليعملوا فيها كعبيد خلال فترة تصل إلى خمس سنوات ، كما كانت هناك قوائم يقتاد البشر على أساسها إلى التجمعات في محطات القطار ومنها إلى المجهول في عربات كانت مخصصة في العادة لنقل الدواب ثم تستمر الرحلة فيها أسابيعا وغالبية تلك المعسكرات تقع في أوكرانيا ..

في تلك المعسكرات التي افتقدت حتى أقل درجات البيئة الصحية التي من الممكن أن يحياها آدمي على أرض البقيعة ؛ والتي تشي للمرء أن تلك الثكنة البشرية المتكتلة من رجال ونساء الذين سخروا كأيدي عاملة لإعادة الإعمار يعيشون في زرائب أشبه بزرائب الخنازير ..! في جو معتم في درجة صقيع تصل إلى 30 تحت الصفر ، كان ثمة ملاك يدعى ” ملاك الجوع ” الذي لم يكن يهبط فجأة بل كان قابعا في ثكنات تلك المعسكرات في أغطية الأفرشة المقملة بالقذارة ، في الأواني الحديدية الصغيرة الفارغة دائما إلا من لقمة وسخة لا تؤكل ، في الطابور الصباحي وهي ترص أجساد هزيلة ترتجف من البرد والجوع ، ماذا يمكن أن يقول المرء عن الجوع ..؟!

الجوع في كل الأديان كافر ، وعلى كل بقعة يخلّف جرائما ؛ بدءا من حياة الغابة عند الحيوانات ، تلك السياسة التي لا يمكن لنا سوى أن نقرها شئنا أو أبينا ؛ فالأسد زعيم الغابة لن يتخلى عن حصته من فخذ غزالة من أجل مراعاة المشاعر الحيوانية التي لا وجود لها في قانون الكون عند هذه المخلوقات التي خلقت بلا عقل مفكر ، وهذا ما يجعلها ربما في مقام أعلى من الإنسان الذي يتخلى عن مشاعر وقلبه وضميره الإنساني ليتحول إلى جنس آخر أشبه بوحش ؛ من أجل أن يحصل على حصته مما يسكت جوعه الذي لا يعرف للصبر دربا حينما ينتفخ ؛ فيغطي على بقية الأعضاء ليحولها إلى لا شعور من أجل عين لقمة تشبع ..!

يضعنا هذا أمام شواهد التاريخ وما أكثرها ..!

تحدثت ” جيسيكا ويليامز ” مؤلفة في كتابها عن حقيقة ” الجوع ” العالمي ؛ فذكرت أن الإحصاءات الدقيقةتشير إلى أنه يتعرض للجوع 800 مليون شخص كل يوم ، بينما يعاني 2 مليار آخرون من سوءالتغذية المزمن ، في حين يموت 18 مليون شخص سنوياً من أمراض مرتبطة بالجوع ، ناهيكعن أنه يعاني 2 مليار شخص في العالم من نواقص المغذيات الدقيقة والتي تؤدي إلىمشكلات صحية مزمنة ، وترتبط حوالي نصف وفيات الأطفال دون الخمس سنوات بسوء التغذية 10 مليون طفل كل سنة ، مؤكدة أن منظمة الصحة العالمية who قررت أن الجوعوسوء التغذية هما من بين أخطر المشكلات التي تواجه فقراء العالم .

ماذا عن حالة ” المجاعة ” التي أعلنتها الولايات المتحدة رسميا في الصومال ..؟! وهي دليل قاطع على تفشي نسبة عالية من معدلات سوء التغذية عند الأطفال ، وعلى ارتفاع نسبة الوفيات التي تصل إلى وفاة كل شخصين بين كل من عشر آلاف مواطن في اليوم الواحد ..!

إن جوع هؤلاء الفقراء التصق بهم كتوأم مذ جرت دماء الحياة المعوزة في شرايينهم الجافة ، ولعل الجوع الأفريقي في كافة أصقاعه الخالية إلا من الفقر والأمراض وجوع مستديم يرافقهم في حلهم وترحالهم ، عكف تفكيرهم في هذه الحياة مذ طلقة الولادة إلى شهقة الموت على رغيف كتب عليه من هيئات إنسانية لحقوق الإنسان ، هذه الهيئات وجدت ؛ لأن ثمة إنسانية خالية مما يسمى بالحقوق ..!

وهي وحدها احتفالية خارقة أن يجد أحد هؤلاء قوت يومه دون أن تقرصه قرصات الجوع المهلكة ، التي تقلبه في شتى الفصول على حال واحدة وحلم واحد يتكرر ولا ينتهي كهيئة سرمدية ، جوع هؤلاء الذي يدفع الملايين الممتلئين بكل شيء سوى جوع من نوع آخر يفتقدونه حد الخواء العميق ؛ إنه جوع الروح ، وهو علة خلقت مع الذين ولدوا ومعلقة من الذهب في أفواههم من فرط الامتلاك وزخم الامتلاء حتى نفذت أرواحهم من كل شيء سوى آفة الحسد والبغض إلا فيما ندر ، عند حفنة نادرة ما تزال ضمائرهم حية ..!

فالجوع البشري كاسح ، منذ طفولة الزمن إلى أرذله ، يذكرها هذا بقضية المحقق في رواية ” فيكتور هوغو ” المسمى بـ” البؤساء ” الذي طارد ” جان فالجان” على مدار سنوات لتثبيت العدالة ؛ لأن جوع هذا الرجل سرق في لحظة جوعه الكافرة قطعة من الخبز أدانته كمجرم فار من يد العدالة ، ويا لها من عدالة ..!

وهنالك جوع يجعل الغضب يثور من عقاله ؛ كما ثارت ثائرة الشعب في عهد الملكة فرنسا طالبين الخبز ولكن رد فعل الملكة صب ّ البنزين على الغضب حتى تأجج في هياج ملعون حين علقت بسذاجة جاهل عن أحوال الشعب ومعاناته : ” ولماذا الثورة إذا لم يجدوا الخبز ؛ فليأكلوا البسكويت ..! ” .

هذه الثورة الفرنسية ويضاف إليها ثورة الحرب الكبرى بين عامي 1914 – 1918م التي كانت وقائعها بشعة فكل طرف من الأطراف أدى إلى تجويع الآخر عن طريق الحصار ، بينما ثورة آذار / مارس التي بدأت بأحداث شغب في العاصمة سببها قلة الطعام مما جعل الجنود الروس يتمردون والذين كان يفترض بهم قمع ذلك الشغب وظهرت حكومة مؤقتة أدت إلى تنحي القيصر عن العرش ..

وفي القرن الخامس قبل الميلاد وفي أول ديمقراطية حقيقية في تاريخ العالم اضطر اليونانيون من رجال ونساء وأطفال إلى استهلاك اللحم البشري. وكان هؤلاء الناس- الذين أكلوا لحوم البشر هم الفقراء- ممن كانوا من ضحايا الحرب الذين تعرضوا إلى حصار في شمال اليونان، إذ انه بعد أسابيع من الهجوم عليهم ، نفد كل الغذاء الموجود في مدينتهم المحاصرة ، وتفشّت الأوبئة فيما كانت تصطف خارج الأسوار قوات التحالف لأثينا القديمة ، إنها ثورات كانت من أجل إشباع شهوة البطن ، وهي شهوة إن افتقدها الإنسان فسوف تموت كافة أحاسيسه وانفعالاته سوى امتلاكها مهما كانت السبل والطرق ، ففي أرض الجياع لا قوانين ، عدا قانون إرضاء شهوة الجوع المستفزّ حتى آخر رمق ، ما أكثر الجرائم التي يخلفها الجوع ، وما أكثر ضحاياه في بوتقة قاتليه ومقتوليه ..!

***********

وللجوع سيرة مغرية ؛ لأنه يعي كخبير كيف يجعل العالم والإنسانية كافة تُخلص التفكير فيه كقضية أساسية ، لا يمكن في حال من الأحوال ، ومهما كانت الظروف إسقاطها من قائمة الحياة ..وليس وحده انعدام الأمن الغذائي يشكّل أزمة جوع ، بل ثمة جياع من نوع آخر ؛ جوع التشفي من الجنس البشري ، كالمجازر التي يقترفها الجنود في حق البشرية ، كما فعل جنود الأمريكان في السجون العراقية ، وفي الأفغانستان ، وفي معاقل الغوانتنامو وغيرها من معاقل التعذيب والعنصرية والوحشية ضد إنسانية الإنسان ؛ في وجه ذاك التعذيب حيث ينتصب الإنسان خصما أمام إنسان مثله ولا اختلافات بينهما سوى لعله في لغة أو دين أو وطن ؛ وهذه الاختلافات هي مبعث أكثر الصراعات البشرية في الكون ، وكم فات أسياد هذه الدمى البشرية التي تتعارك من أجل صنم مسكون بنوازعه المريضة ، الوقوف على حقيقة قوله تعالى ” جعلناكم شعوبا وقبائلا لتعارفوا ” ؛ لا ليتحاربوا ولا ليمصّوا دماء بعضهم بعضا ..! فلدى هؤلاء جوع سحق إنسانية الإنسان وعنف هؤلاء نابع من عوامل عدة أهمها الغربة والضغط النفسي ، والعنف الموازي للتسلية وقتل الضجر ، وماسوشية التي تتمثل في متعة التشفي بالآخر كما جوع ” هتلر ” حين قذف اليهود في أفران يهوديا بعد آخر ، و” نيرون ” الذي احرق بجوع حقده المجنون تاريخ روما ، كما ” القذافي ” الذي قفّص شعبه في أقفاص الجرذان ، كما ” علي عبدالله صالح ” الذي بهت حين استيقظ شعبه بعد أن كان وأعوانه يهبون لهم ” القات ” كهدايا تمجه عقولهم نهارا وليلا لغفلة الحياة والحقوق ، كما ” بشار الأسد ” الذي استبدل مهاماته من رئيس دولة إلى ” جزار ” يقطع أطراف أبناء شعبه ؛ ليكونوا وليمة طازجة بدم ساخن في جرف الأنهار ..!هؤلاء الجنود حكايتهم مع الحياة في اختلاف متواز ومتناقض ؛ فما قبل الحرب ليس كما بعد الحرب ، والعديد منهم افتقد بعد الصراع الدامي الذي وجد نفسه في دوامته ورائحة الدماء والجثث المآل من الحياة تماما ، فاقدين بما يسمى ببارقة الأمل في حياة نقية .. والبعض يقضي حياته في كوابيس تكبس على مناماته في أحلام مؤرقة دربها مسدود إلى حلم مسالم ، وهناك من تجردهم الحروب من انتمائهم الإنساني ، وقل ّ أن تغفر لهم الحياة القاسية التي عايشوها ومارسوا تبعاتها مع من شاطروهم مساحات الدامية ، كاعتراف أحد الجنود الذين رماهم القدر للمشاركة الإجبارية تحت ضغط الهلاك في إحدى النزاعات وهو ما يزال طفلا لم يتجاوز الثامنة من عمره وقتذاك : ” أنا خائف اليوم ، ولا أدري عائلتي ، وليس لدي مستقبل ، فحياتي ضائعة وليس لدي ما أعيش من أجله ، ما عدت أستطيع النوم ليلا ؛ إذ أظل أفكر في تلك الأشياء الفظيعة التي رأيتها وفعلتها عندما كنت جنديا ” ..وللصهاينة سياسية مختلفة يقرها فتاوي ” حاخاماتهم ” والتي من أبرز موادها ” القتل البشري ” التي تسمح بقتل غير اليهود سواء أكانوا رجالا أم نساء أم أطفالا ” كما أصدرها ” مردخاي الياهو ” : ” اقتلوهم وجردوهم من ممتلكاتهم ، لا تأخذكم بهم رأفة ، لا تتركوا طفلا ، لا تتركوا زرعا أو شجرا ، اقتلوا بهائمهم من الجمل والحمار ” ..!ولا تترقبوا شيئا يدعى رحمة من سجل الصهيون ؛ فحتى وزراءهم لم يشفع لهم حين تدخلوا في قرار تنازل عن ما يخص الأراضي الفلسطينية ، حيث أبيح بقتلهم بما يناسب ومصلحة اليهود ، أي أنها تمارس سياسات ” تصفية ” تجاه كل من يجسر ويتحدى الوقوف في وجهها ..! أي أن جنود اليهود منذ أعلنوا التحاقهم بالصهيونية تخلوا عن كل مفردات التي تمت الإنسانية بصلة تجاه الآخرين كما أشار الممثل الأمريكي ” ميل جيبسون ” وهو معروف بمواقفه الجريئة وصداماته مع اليهود مذ فيلم ” آلام المسيح ” : ” الصهاينة هم منبع الدمار في العالم وأتمنى لو بإمكاني محاربتهم كالجنود ” ، فالسياسة الصهيونية قائمة على التشكك حتى من الذبابة التي تطن فوق رؤوسهم ، إنه أشد أنواع الجوع بشاعة على أرض الخليقة وأمرّها ..! وهناك جوع إلى الأمومة ، إلى الحب ، إلى الحنان ، تلك القيم الاجتماعية العميقة والمهمة كانفعالات طبيعية في حياة كل جنس بشري ، وافتقاد إحداها يؤدي غالبا إلى جرائم متفاقمة وبشعة ، لعل من أبرزها جرائم الاغتصاب والشذوذ والخطف وغيرها ؛ من أجل إيجاد إشباع لحاجات اجتماعية وئدت من بيئة الجاني في زمن ما دون وجه حق أو عززت فيه على نحو قسري كسلوكيات خاطئة اكتسبها من بيئة خطأ ..!ثمة جوع آخر أيضا معنوي ؛ جوع الإنسانية إلى قيم نبيلة تشعرها بكيانها البشري على أرض الواقع ، جوع إلى العدالة والكرامة والحرية والحب والعيش الكريم ؛ فثورات العربية من محيطها إلى خليجها لم تكن لجوع اللقمة وحدها ونقص ذات اليد ؛ بل كان جوعا نابعا من شعور الإنسان بالعار في وطنه الأم ..وهناك من يبيع نفسه من أجل قطعة خبز ، ووحدها الحرة تجوع لكنها تأبى أن تبيع نفسها إشباعا لشهوة جوع ..! هذا هو المبدأ التي سار عليه هؤلاء ، أحرار يطلبون حقا شرعيا وليس مسلوبا ، خلق لهم ولكن قطع عن الوصول إليهم ؛ ثمة وحوش بشرية عبء على الإنسانية الجمعاء لا هم ّ لها سوى إشباع أهواءها حتى التخمة على حساب حقوق الآخرين وقسطهم من الكرامة والسلام والعدل والخير العميم ..!وتاريخ الثورات الحالية شاهد عيان على جنود لم يثاروا مع شعوبهم من أجل لقمة ، بل من أجل حياة يستحقونها كما يستحقها أي إنسان عزيز له حقوق ، إنه جوع غني بالكرامة ،

اترك رد

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني.