www.omferas.com
شبكة فرسان الثقافة

ليس كل “طيب” أردوغان – فهمي هويدي

0

ليس كل سياسي “طيب” يمكن أن يصبح أردوغان. تلك مقولة تبدو بديهية إلا أننا صرنا بحاجة إلى التذكير بها في أجواء مصر الراهنة.

صحيفة الشرق القطريه الاثنين 3 شعبان 1432 – 4 يوليو 2011
ليس كل “طيب” أردوغان – فهمي هويدي
http://fahmyhoweidy.blogspot.com/2011/07/blog-post_04.html
ليس كل سياسي “طيب” يمكن أن يصبح أردوغان.
تلك مقولة تبدو بديهية إلا أننا صرنا بحاجة إلى التذكير بها في أجواء مصر الراهنة.
 
ذلك أن ثمة شبه إجماع في الساحة المصرية والعربية بوجه عام على الإعجاب بالتجربة التركية التي يتصدر أردوغان واجهتها. الإسلاميون يعتبرون الرجل نموذجا لقيادة خرجت من رحم الحركة الإسلامية.
والعلمانيون يرون فيه دليلا على نجاح المشروع العلماني الذي «هذَّب» واحدا مثله وأوصله إلى سدَّة الرئاسة.
هذا التوصيف من الجانبين يتسم بالتعجل والقصور.
سأجيب توا عن السؤال كيف ولماذا، ولكنى قبل ذلك أدعوك إلى ملاحظة أداء نفر من المرشحين لرئاسة الجمهورية في مصر، والتعليقات التي صدرت عن بعض المعجبين والمتابعين فيما يبعثون به من رسائل تظهر على شاشات التلفزيون.
 
فأولئك المرشحون يظنون أن شباب أردوغان ورشاقته وكونه «طيب» وربما حجاب زوجته أيضا، من المؤهلات التي عززت موقفه لدى الرأي العام ورجحت كفته في الانتخابات الأخيرة.
أما المعجبون الذين يتعلقون بفكرة «المخلِص» فإنهم يسارعون إلى القول بأن أردوغان هو الحل.
أعرف إحدى الشخصيات العامة (لم يترشح للرئاسة) أغرته النجومية التي يتمتع بها بأن يقوم بدور إصلاحي ربما فتح الأبواب لتحقيق طموح سياسي أكبر، فسافر إلى تركيا لكي يتعرف على رحلة أردوغان والظروف التي ساعدته لأن يحتل المكانة التي جعلته موضع الإجماع والأمل من جانب أغلبية الأتراك.
 
وقرأت كتابات لبعض الباحثين والأكاديميين تحدثت عن مناقب الرجل وخصال الزعيم فيه. وهو ما اتفق معه وأعتبره شهادة إنصاف للرجل. ولكنى أعتبره بمثابة قراءة ناقصة للنموذج ــ لماذا؟
 
الإجابة الحاضرة في ذهني أننا يجب أن نفرق بين قيادة استثنائية تظهر فجأة ومصادفة من حيث لا يحتسب أي أحد، وقيادة أخرى تخرج من رحم المجتمع وتجسد حلمه وأشواقه.
والأولى تمثل مصادفة يتعذر المراهنة عليها، لأنها تجسد فكرة المخلِّص الذي تدفع به الأقدار،
أما الثانية فإنها تكون نتاج تفاعلات سياسية معنية وخبرات متراكمة وبيئية مواتية تفرز الشخصية المناسبة المرجوة في التوقيت المناسب.
لا أحد يستطيع أن يعول على المصادفة التاريخية التي لا تتطلب منا سوى أن نبقى قاعدين، وأيدينا على خدودنا بانتظار هبوط المخلِّص المنتظر من وراء الحجب.
لكن التفكير الرشيد يدعونا للخروج من حالة الانتظار إلى المبادرة، بمعنى العمل على توفير البيئة التي تستدعي المخلص وتفرزه. والمخلِّص في هذه الحالة قد يكون فردا أو معمارا سياسيا يقوم مقامه.
إن القبول أو الجاذبية أو ما يسمى «بالكاريزما» لا تتوافر لأي أحد، وحتى إذا توافرت فإنها لا تكفى بذاتها لكي تصنع الزعيم في الظروف العادية. وهو ما قد يحدث في ظل وضع استثنائي كانقلاب أو ثورة أو حرب تكللت بالنصر، وهى الملابسات التي قدمت لنا جمال عبدالناصر وياسر عرفات وأحمد بن بيللا وجيفارا وديجول وكاسترو وإيزنهاور وغيرهم.
أما في الظروف العادية فلابد من بيئة مواتية توفر الظروف لظهور الزعيم الذي يغدو بمثابة تعبير واستجابة تاريخية لمتطلبات تلك البيئة.
هذا الذي أوردته أردت أن أنبه به إلى أن أردوغان ليس شخصا موهوبا فحسب، ولكنه ابن بيئته أيضا. ليس وحده. وإنما أيضا النموذج التركي الذي لم يصنعه أردوغان، ولكن الديمقراطية هي التي صنعت النموذج وهى التي أتاحت لأردوغان وفريقه أن يصلوا إلى سدة الحكم وأن يمهدوا لتأسيس الجمهورية التركية الثانية،
الديمقراطية وليست الكمالية التي كانت.
 
وبالمناسبة فإن البعض يحاولون إقناعنا بأن العلمانية هي التي صنعت النموذج التركي. وذلك تدليس فكرى وسياسي يروج له أنصار «العلمانية هي الحل»، لأنه لا علاقة ضرورية أو حتمية بين العلمانية والديمقراطية، وينبغي ألا ننسى هنا أن أكثر النظم العربية استبدادا وجبروتا (تونس وسوريا ــ مثلا) هما من أكثرها انحيازا للعلمانية ومجافاة للإسلام.
لا مجال للحديث عن خصوصية التجربة التركية وتعذر استنساخها في العالم العربي. لأن أكثر ما يعنيني في اللحظة الراهنة هو تنبيه «الأردوغانيين» في بلادنا إلى أهمية البيئة التي أخرجته ووفرت له طوال ربع القرن الأخير فرصا للنمو ومراكمة الخبرة والنضج، الأمر الذي أوصله إلى ما وصل إليه.
 
لذلك أرجو من جميع المعجبين بالرجل وبالنموذج التركي أن يكثفوا جهودهم، لتعزيز الديمقراطية وتثبيت أركانها، لتوفير التربة التي تستنبت المعبرين الحقيقيين عن ضمير المجتمع، بدلا من تضييع أوقاتهم في محاولة التقليد والاستنساخ التي لن نجني منها سوى أردوغان مغشوش يخيب الآمال ولا يلبيها،
 
أعطونا ديمقراطية حقيقية في مصر يطول أجلها لعشرين أو ثلاثين سنة، وأنا أضمن لكم ظهور مائة أردوغان في البلد.
………………–

اترك رد

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني.