www.omferas.com
شبكة فرسان الثقافة

العطش القادم كذبة العصر/الحلقة الثانية/أسامة عكنان

0

العطش القادم كذبة العصرلن يعطش العرب مهما ادعى المغرضون، ولن يتنازلوا عن حقوقهم من أجل كذبة اسمها العطشالحلقة الثانية أسامة عكنانعمان – الأردنالواقع المائي العربي في ضوء المعلومات المتوافرة..

العطش القادم كذبة العصرلن يعطش العرب مهما ادعى المغرضون، ولن يتنازلوا عن حقوقهم من أجل كذبة اسمها العطشالحلقة الثانية أسامة عكنانعمان – الأردنالواقع المائي العربي في ضوء المعلومات المتوافرة..    يقع الوطن العربي بين خطي الطول “60” شرق غرينتش و”17″ غرب غرينتش, على امتداد “8000” كم من موريتانيا حتى عمان, وبين خطي عرض “3,5”و”37″ شمال خط الاستواء على امتداد وسطي “4000” كم هي المسافة بين حدود الصومال الجنوبية حتى جبال طوروس. وتبلغ مساحة الوطن العربي “14” مليون كلم مربع, ويعاني الوطن العربي كسائر بلدان العالم الثالث من تزايد في عدد السكان وبوتائر عالية جدا, تتراوح ما بين “2,8%” و”3,1%” و”3,5%” سنويا، الأمر الذي يقال معه أنه يخلق ضغوطا شديدة على الموارد الاقتصادية التي يُرَوَّج دائما إلى أنها محدودة. هذا ولم تستطع وتائر التنمية المُنْتَهجة سبيلا للنهضة والبناء الاقتصادي حتى الآن مواكبةَ زيادة عدد السكان, ولا تزيد وتائرها في أحسن الأحوال عن “2,7%” سنويا. فقد بلغ السكان عام “1983” نحو “181”مليون نسمة, وقفز في عام “2000” إلى “313” مليون نسمة وسيصل في عام “2030” إلى “526” مليون نسمة إذا افترضنا أن نسبة زيادة السكان كانت “2,7%” سنويا فقط, أما إذا وصلت الزيادة سنويا إلى “3,5%”، فسيبلغ عدد سكان الوطن العربي في ذلك العام إلى “745” مليون نسمة.”20″        وتشير معظم الدراسات إلى أن الصحاري في الوطن العربي تشغل نسبةً تزيد عن “90%” من كل مساحته, وهي مثلا تمثل أكثر من “96%” من مساحة مصر, حيث يَسَّر نهر النيل الحياة لـ “4%” فقط من مساحتها الكلية, ولعلها لا تبتعد عن ذلك كثيرا في شبة جزيرة العرب، وإن اختلفت نسبة الصحارى في هذين الإقليمين عن نسبتها في كل من العراق وسوريا والسودان والجزائر، وإن يكن بشكل يسير من بلد إلى آخر. إنه نطاق صحراوي متصل، فيما عدا أحواض الأنهر وبعض المناطق الساحلية والواحات والحطبات. وقد درج البعض على تعريف الصحراء بأنها المناطق التي تقل فيها كمية المطر السنوية “بالسنتيمترات” عن متوسط درجة الحرارة السنوية مضافا إليها عشرة، فيما درج آخرون على القول بأنها المناطق التي تقل فيها كمية المطر السنوية عن خمس متوسط درجة الحرارة السنوية مقدرة بالبوصات. وقد تم تقسيم الصحاري إلى فئات ثلاث هي: الصحاري شديدة الجفاف وهي بلا مطر طوال العام، والصحاري الجافة حيث المطر لا يتيح الزراعة، والصحاري شبه الجافة، حيث تهطل أمطار تتيح بعض الزراعة.”21″        بداية نسجل تحفظنا على اعتبار أن أكثر من “90%” من مساحة الوطن العربي بمثابة صحارى، ونعتبر أن هذا الرقم مبالغ فيه بصورة غير علمية، ونؤكد على أنه استند إلى مصادر غير دقيقة. ونميل إلى اعتبار أن هذا الرقم يتضمن نوعا من التضليل والتشويش. إضافة إلى ذلك نبدي استغرابنا الشديد للمعلومة التي تشير إلى أن الصحاري في العراق وسوريا لا تقل كثيرا عن النسبة المذكورة في مصر وهي “96%” من مجموع مساحتها, علاوة على عدم دقة الرقم المتعلق بمصر ذاتها. فعلى سبيل المثال ومن باب تبيان تضارب المعلومات وتشتتها حتى في هذا الموضوع الذي لا يزال بعيدا عن الحساسية المفرطة في تأثيراته السياسية المباشرة, ذكر الدكتور “محمود عبد الفضيل” أستاذ الاقتصاد في الجامعة الأمريكية وفي كلية الاقتصاد والعلوم السياسية في جامعة القاهرة في لقاء أجرته معه مجلة الحوادث ما يلي:        “على صعيد الأرقام التفصيلية فإن مصر على الرغم من تكدسها السكاني المتزايد باستمرار لا تزرع من مساحة أراضيها سوى “7,3%”، أما العراق فهو يزرع “21%” من مساحة أراضيه”.”22″ وهكذا يتضح أن الأراضي الزراعية وحدها في مصر تبلغ “7,3%”، فكيف إذا أضفنا لها مساحات الأحواض المائية والجبال وغيرها من المناطق التي تصنف على أنها ليست صحاري؟ هل يعقل عندئذ أن تكون نسبة الصحاري في مصر أكثر من “96%”. والعراق بدوره يختلف واقعه عن الصورة التي وردت في المعلومة المذكورة بفوارق هائلة, الأمر الذي يدعو لأن يتم التشكيك في قول من يقول بأن الواقع العراقي لا يختلف كثيرا عن الواقع المصري في نسبة الأراضي الصحراوية من مجموع أراضيه.         لا بل يمكننا أن نؤكد على أن نسبة الصحاري في الوطن العربي حسب تعريفاتها الثلاثة السابقة تقل عن التسعين في المائة بما لا يقل عن “10%”. فدولة مثل الجزائر التي تتجاوز مساحتها “2,25” مليون كلم مربع, يقع خمس أراضيها تقريبا في المنطقة الشمالية البعيدة عن أن تعتبر امتدادا مناخيا للحزام الصحراوي الجاف, وما يقال عن الجزائر يقال عن السودان الذي تتجاوز نسبة الأراضي غير الصحراوية فيه نصف مساحته الكلية البالغة “2,5” مليون كلم مربع. أما المغرب فأكثر من نصف أراضيها غير صحراوية وكذلك العراق, ونسب معقولة جدا من أراضي عُمان واليمن أراض غير صحراوية. أما دول القرن الإفريقي فهي أيضا لا تصل إلى النسبة المذكورة بأي حال. وبناء على ما سبق يمكننا القول بأن أكثر من “18%” من مساحة الوطن العربي هي أراض غير صحراوية. وبالتالي فإن هناك شطبا لنصف المساحة غير الصحراوية ودمجها في المساحة الصحراوية في المعلومة المذكورة. ولسنا ندري لماذا وعلى أي أساس ولمصلحة أي منظومة من السياسات يتم ذلك التضليل؟ ولا يخفى على المهتمين كيف أن العديد من الدراسات ذات العلاقة بموضوع الزراعة والمياه في الوطن العربي تبدو متشائمة على ضوء المعلومات التي من القبيل المذكور.         لا تقف التناقضات والتعارضات بين الأرقام والمعلومات المتعلقة بموضوع المياه في الوطن العربي عند هذا الحد, بل هي تذهب إلى أبعد من ذلك فتطال كل مرافق البحث المائي. فعلى صعيد الموارد المائية نجد الأرقام التالية: 1-    “تقدر الموارد المائية المتاحة في الوطن العربي على النحو التالي: ·   مياه سطحية (أمطار) تقدر بـ “2113” مليار متر مكعب سنويا, ينساب منها سطحيا ما مقداره “153,15” مليار متر مكعب, بالإضافة إلى مياه سطحية متاحة مقدارها “164,25” مليار متر مكعب من مياه الأنهار، يستغل منها ما مقداره “135” مليار متر مكعب, علاوة على “250” مليار متر مكعب من المياه السطحية التي يمكن تأمينها بأشكال مختلفة.·   مياه جوفية تقدر بـ “15.3” مليار متر مكعب تُستغل من المتاح من إجمالي المياه الجوفية المتجددة والمقدر بـ “28.9” مليار متر مكعب”.”23″                     2-  “لقد تم في إطار برامج الأمن الغذائي العربي حصر الموارد المائية في الوطن العربي من قبل فريق عمل مكون من الخبراء العرب. إذ قام هذا الفريق بدراسة كافة التقارير الصادرة عن الدول العربية، سواء التقارير الوطنية أو تلك التي أعدتها المنظمات العربية أو الدولية المتخصصة وذلك حتى عام “1977”، وقد تم تبويب هذه المعلومات في مجلد خاص بالموارد الأرضية والمائية في الوطن العربي صدر في عام “1980” عن المنظمة العربية للتنمية الزراعية. ويمكن تلخيص المعلومات التي تم الحصول عليها عن الموارد المائية، على النحو التالي:           1-    الأمطار السنوية تقدر بـ “2213,195”مليار متر مكعب في السنة.2-    الجريان السطحي يقدر بـ “119,732” مليار متر مكعب من الأمطار في السنة.3-    الموارد المائية السطحية المتكونة من مصادر أخرى غير انسياب وجريان الأمطار.أ – موارد متاحة “132,679” مليار متر مكعب في السنة.ب – موارد مستثمرة “125,129”مليار متر مكعب في السنة.ج – الموارد القابلة للاستثمار “212,855”مليار متر مكعب في السنة.4-    الموارد المائية الجوفية:أ – الموارد المستثمرة حاليا “12,778”مليار متر مكعب في السنة.ب – الموارد القابلة للاستثمار “22,69”مليار متر مكعب في السنة.”24″            من الملاحظ تماما أن مجموعتي الأرقام قد استخلصتا من الدراسات التي تم إعدادها في أواخر سبعينيات القرن الماضي حول الأمن المائي العربي نفسِها، ومع ذلك فإننا نجد أنه باستثناء كميات الأمطار التي تم الاتفاق عليها، على افتراض أن خطأ المائة مليار متر مكعب بين الرقمين هو فقط خطأ مطبعي، فإن رقما لم يطابق الآخر لا على صعيد المياه السطحية المتاحة أو القابلة للاستثمار، ولا على صعيد المياه الجوفية، ولا على صعيد الانسياب السطحي من مياه الأمطار. لا بل إن الفروق بين مجموعتي الأرقام كانت فروقا هائلة لا يستهان بها وهي غير قابلة للتفسير العلمي، وقد جاءت على النحو التالي: البند                                الرقم الأول             الرقم الثاني           الفارق بينهما              نسبة الفارقمياه الأمطار                         2113                 2213,195           نعتبر الفارق وهو مائة مليار بمثابة خطأ مطبعي الجريان السطحي                    153,15             109,732             حوالي “44”              حوالي “28%”موارد سطحية متاحة                164,15             132,679             حوالي “32”              حوالي “25%” موارد سطحية مستثمرة              135                  125,129             حوالي “10”              حوالي “7%”موارد سطحية قابلة للاستثمار       250                  212,855             حوالي “37”              حوالي “15%”موارد جوفية مستثمرة                15,3                12,778               حوالي “3,5”             حوالي “21%”موارد جوفية قابلة للاستثمار        28,9                 22,69                حوالي “5,2”             حوالي “18%”    ومن الواضح أننا نتحدث عن فروق هائلة جدا لا يمكن إهمالها. فإن صحت الأرقام الأولى فالواقع المائي يختلف جذريا عما لو صحت الأرقام الثانية, وهذا يسهم في تشويش الدراسات وعدم دقتها أو فعاليتها في التخطيط المائي العربي. ولكن الأمر أيضا لا يقف عند هذا الحد الذي يغدو هينا أمام ما سنشاهده من مفارقات مذهلة تبعث على الشعور بالدوار. فعلى الصعيد الأكثر تفصيلا وحين الحديث عن كل صنف من أصناف الموارد المائية منفصلا عن الآخر، سنصاب بالذهول الذي يجعلنا نفكر في ترك البحث وإلغاء الدراسة. فعلى صعيد الموارد المائية السطحية مثلا نجد الأرقام التالية: 1-  “الأنهار دائمة الجريان توفر المصادر الأساسية للزراعة المروية والطاقة الكهربائية والاحتياجات الصناعية ومياه الشرب والصرف الصحي, وتقدر الموارد المائية من هذا المصدر على حساب المعدل المتوسط بنحو “352” مليار متر مكعب في العام, يأتي “40-50%” منها من مصادر خارج حدود الوطن العربي. وإذا استبعدت فواقد التبخر بما فيها الفواقد في المستنقعات في جنوب السودان، فإن صافي الإيراد لا يزيد عن “250” مليار متر مكعب”.”25″2-   “إضافة إلى الجريان السطحي الذي تقدر كميته بما لا يتجاوز “191” مليار متر مكعب أي حوالي “11,4%” من الهطول السنوي للأمطار, يضاف إليها حوالي “161” مليار متر مكعب هي تصاريف أنهار الفرات ودجلة والنيل والسنغال, تقدر الموارد المائية السطحية في الوطن العربي بما يقارب “352” مليار متر مكعب, منها “296” مليار متر مكعب هي مجموع تصاريف الأنهار في الوطن العربي. إلا أنه لابد من التذكير بأن هذه الموارد تتعرض لفواقد عالية بسبب التبخر. وعليه فإن الموارد المائية السطحية تقدر بـ”250″ مليار متر مكعب، ويمكن تنميتها كحد أقصى إلى “296” مليار متر مكعب”.”26″            رغم ما يبدو من تشابه في الأرقام الواردة في المجموعتين الرقميتين السابقتين تقريبا, إلا أن هناك تناقضات واضحة بينهما. ففي المجموعة الأولى يتم الحديث عن “352” مليار متر مكعب من المياه المتاحة من الأنهار دائمة الجريان, فيما تتحدث المجموعة الثانية عن “296” مليار متر مكعب فقط من هذا النوع من المياه, وبفارق “56” مليار من الأمتار المكعبة, لأن الرقم “352” مليار متر مكعب في المجموعة الثانية يتضمن كافة المياه السطحية نهرية كانت أو غير نهرية, فيما قدرت النهرية فيه فقط بـ “296” مليار متر مكعب.        من جهة أخرى تقدر المجموعة الأولى من الأرقام كميات المياه الخارجية المنسابة من الأنهار الرئيسية الأربعة التي تنبع من خارج الوطن العربي بـ “40-50%” من “352” مليار متر مكعب التي هي مجموع كميات المياه السطحية النهرية دائمة الجريان, لتتراوح على ضوء هذه النسبة بين “140,7” مليار متر مكعب و”176″ مليار متر مكعب سنويا, فيما تحدد المجموعة الثانية رقما معينا هو “161” مليار متر مكعب، بحيث يغدو من غير الواضح أيهما الأصح الرقم المحدد أم النسب المتغيرة!!         وحتى لو افترضنا أن المجموعة الثانية لجأت إلى المعدل المتوسط على ضوء جمع النسبتين الدنيا والقصوى وقسمة الناتج على اثنين فان الرقم سيكون حوالي “158” مليار وليس “161” مليارا, فكيف تم اختيار الرقم ولجوءا إلى أي معايير وقواعد؟ لا أحد يدري. ويبدو التناقض أكثر إذا اخترنا الرقم “161” مليار متر مكعب لتسهيل العملية الحسابية، واخترنا في الوقت نفسه الرقم “296” مليار كرقم يحدد مياه الأنهار في الوطن العربي كلها من مجموع المياه السطحية, لأننا سنلاحظ أن تصاريف الأنهار الرئيسية الأربعة التي تنبع من دول الجوار ستشكل عندئذ ما نسبته حوالي “55%” من مجموع كميات المياه النهرية في الوطن العربي, لتقع النسبة التي ثبتتها المجموعة الأولى في موقع الشك والريبة.             ومع ذلك فإن الأرقام لا تختلف فيما بينها فقط, بل تختلف أيضا عن الأرقام التي سيقت عندما تم التحدث عن حجم الموارد المائية الكلية للوطن العربي. فعلى سبيل المثال تقرر المجموعة الأخيرة من الأرقام أن كميات المياه السطحية على صعيد الوطن العربي باستثناء مياه الأنهار هي “56” مليار متر مكعب, في حين قررت الأرقام السابقة أنها “153,15” مليار متر مكعب في المجموعة الأولى  أو “109,732” مليار متر مكعب في المجموعة الثانية, والفروقات التي بين أيدينا هي من الضخامة بحيث تنعدم معها إمكانيات الدراسة والبحث. كما أنه في الوقت الذي تقرر المجموعتان الرقميتان الأخيرتان أن مياه الأنهار السطحية هي إما “352” مليار متر مكعب وإما “296” مليار متر مكعب, فإن المجموعتين الرقميتين السابقتين تقرران أرقاما تبعد كثيرا عن هذه الأرقام, فهما تتحدثان عن كميات مياه سطحية تقدر بـ “164.15” مليار متر مكعب و”172.639″ مليار متر مكعب.        وعلى فرض أن السبب في هذه الفروقات قد يعزى إلى الاختلاف في تصنيفات أنواع المياه السطحية, فإن الأمر لا يستقيم معنا. فعلى سبيل المثال لو قمنا بإضافة الموارد السطحية المتاحة مع تلك القابلة للاستثمار في المجموعتين السابقتين، فإن المجموع سيكون إما “414.25” مليار متر مكعب وإما “345.5” مليار متر مكعب. ففي الرقم الأول هناك حديث عن فرق يقدر بأكثر من ستين مليار متر مكعب, وفي الرقم الثاني فإن هناك حديثا عن فرق لا يقل عن سبعة مليارات متر مكعب. وأيضا فمن غير المقدور عليه اعتبار أن الصنف المسمى في المجموعتين السابقتين “مياه سطحية قابلة للاستثمار” هو نفسه الصنف الذي سمي في المجموعتين الرقميتين الأخيرتين بـ “الموارد النهرية السطحية”، لأن الرقم في هذه الأخيرة كان يتحدث عن “352” مليار متر مكعب, فيما تراوح هناك بين “250” مليار متر مكعب و”212.855″ مليار متر مكعب في الحالة الثانية.       وإذا انتقلنا من المياه السطحية إلى المياه الجوفية بشيء من التفصيل, فإننا سنعاني من المعضلة نفسها، وسنكتشف أننا أمام تشابك وتداخل وتضارب غير مفهوم في الأرقام والإحصائيات, ودعونا نتبين ذلك من خلال إيراد الأرقام التالية:أ – “تنتشر في أرجاء الوطن العربي طبقات مائية عديدة تكونت في حقب تاريخية مختلفة وتتميز بتعدد طبقاتها، وتكتنفها تعقيدات بالغة فيما يتعلق بتغذيتها المتجددة ونوعية المياه فيها. ولا تزال المعلومات المتوفرة عنها ضئيلة جدا ما عدا بعض الدراسات المتعلقة ببحوث النفط أو بمشروعات محددة للتنمية. ومن الدراسات التي قام بها المركز العربي لدراسات المناطق الجافة والأراضي القاحلة، قدرت الموارد الجوفية القومية المتجددة بحوالي “42” مليار متر مكعب سنويا، رغم أن المخزون الجوفي يزيد عن “8000” مليار متر مكعب، إلا أن استثماره تكتنفه محاذير كثيرة منها نوعية المياه وانعدام تجددها وتكلفتها الاقتصادية”.”27″        ب – “تدل التقديرات على أن الوارد السنوي للمياه الجوفية يقدر بـ”42” مليار متر مكعب. وقد بدأ الاستثمار الجائر للطبقات المائية الجوفية يهدد مواردها، فظهرت مشاكل عدة نذكر منها زيادة الملوحة وتداخل مياه البحر. وهنا لا بد من التذكير بأنه يمكن التمييز بين نوعين من المياه الجوفية:         الأول.. يوجد في الطبقات المائية ذات الموارد المتجددة.         الثاني.. يوجد في الطبقات المائية ذات الموارد غير المتجددة.        أما الطبقات المائية ذات الموارد غير المتجددة فهي تلك التي تنتشر في مناطق الجزيرة العربية وشمالي إفريقيا (أحواض الصحراء الكبرى ومصر والسودان)، ومن أهم هذه الطبقات، طبقات الحجر الرملي النوبي في شمال إفريقيا، وتكوينات الساق أو الرضوية والدمام في الجزيرة العربية، إذ دلت دراسات النظائر على أن أعمار المياه في هذه الطبقات يزيد على “35” ألف سنة.””28″        ج – “أما المياه الجوفية القديمة “الحبيسة”، فإنها تتواجد في خزانات عميقة نسبيا، واستخراج المياه منها غير قابل للتعويض بالشكل الطبيعي للتغذية، ويعتقد أن التغذية الطبيعية لهذه الطبقات توقفت منذ “7” آلاف سنة على الأقل. وأهم الطبقات الخازنة لها “طبقات الرمل الباليوزية”، وقد تبين أن من هذه المياه ما هو جيد النوعية ومنها ما هو متملح أو أجاج، والأحواض الرئيسية المكتشفة لهذه المياه هي:                  في شمال إفريقيا:·        تشاد، ويبلغ مخزونها حوالي “14” ألف كلم مكعب.·        الفزان، ويبلغ مخزونها حوالي “4,8” ألف كلم مكعب.·        كفرا، ويبلغ مخزونها حوالي “3,4” ألف كلم مكعب.·        شمال كفرا وسرت، ويبلغ مخزونها حوالي “2000” كلم مكعب.·        صحراء مصر الغربية، ويبلغ مخزونها حوالي “18” ألف كلم  مكعب.في السعودية:·        نفوذ، ويبلغ مخزونها حوالي “4” آلاف كلم مكعب.·        الرياض، ويبلغ مخزونها حوالي “1,5” ألف كلم مكعب.·        الربع الخالي، ويبلغ مخزونها حوالي “14,5”ألف كلم مكعب.         هذا باستثناء ما يتواجد في سيناء والأردن والجزائر وموريتانيا، وتزيد هذه الكمية بالإجمال على “65” ألف كلم مكعب. من هنا فإن لهذه المياه أهمية كبيرة من ناحية الأمن المائي العربي، ويمكن اتخاذها كاحتياطي مائي عربي استراتيجي، وهي تستخدم في كافة المجالات حتى الرديئة منها يمكن استغلالها في حقن البترول لاستخراجه، أما بالنسبة لاستخدامها على صعد أخرى كالري في الصحاري ومناطق الواحات فإنه آخذ بالازدياد”.”29″            د – “صرح الدكتور مهندس إدريس أحمد محمود خبير المياه والصرف الصحي بالصندوق العربي للإنماء الاقتصادي والاجتماعي، أن مخزون المياه العذبة في الوطن العربي يقدر بحوالي “7734” بليون متر مكعب، أي ما يعادل حوالي “0,07%” من المخزون العالمي، وأن كمية المياه المتجددة تبلغ حوالي “338” بليون متر مكعب في السنة، أي ما يعادل “0,7%” من الموارد المائية المتجددة في العالم”.”30″     بداية ورغم أن المجموعات الرقمية المتعلقة بالمياه الجوفية اتفقت فيما بينها على حجم المياه الجوفية المتجددة مقدرة إياه سنويا بـ “42” مليار متر مكعب، فإنها من جهة أولى اختلفت بصورة كبيرة جدا في حجم المياه الجوفية غير المتجددة “الحبيسة”، كما اختلفت في تقديرها للمياه الجوفية المتجددة عن مجموعات الأرقام الكلية السابقة التي تحدثت عن موارد المياه في الوطن العربي. إن الحديث عن مياه حبيسة تقدر بـ “8000” مليار متر مكعب في مجموعة رقمية، فيما يتم الحديث في مجموعة أخرى عن مياه حبيسة تقدر بـ”65″ ألف مليار متر مكعب, لهو أمر يبعث على الدهشة ويدل على العبث, إذ لم يكن متصورا أن يكون الفارق بين رقمين مطروحين بحجم يفوق ثمانية أضعاف أحدهما”.”31″    أما فيما يتعلق بالمياه الجوفية المتجددة سنويا فإننا نجد أن المجموعات الرقمية الأولى إذ تحدثت إجمالا عن الموارد المائية العربية, فقد أشارت إلى مياه جوفية مستثمرة مقدرة إما بـ “15,3” مليار متر مكعب أو “12,778” مليار متر مكعب، وذلك باختلاف بين المجموعتين. فيما تحدثت المجموعتان عن مياه جوفية قابلة للاستثمار تقدر بـ “28,9” مليار متر مكعب و”22,69″ مليار متر مكعب على التوالي. ونحن هنا أمام عدة احتمالات..        فإذا كانت الموارد الجوفية القابلة للاستثمار هي اصطلاح يطلق على الموارد الجوفية المتاحة ككل, فهذا يعني أن الموارد هي حسب المجموعات الرقمية التي أوردناها في بداية الحديث عن موارد المياه العربية إما “28,9” مليار متر مكعب وإما “22,69” مليار متر مكعب, وبالتالي فنحن أمام فروق عما ورد في المجموعات الأخيرة يقدر بـ “13” مليار تقريبا، أو بحوالي “19,5” مليار متر مكعب, وهي أرقام تكاد تكون فلكية كفروقات بالقياس لكميات مائية بحجم المياه الجوفية المتاحة..        أما إذا كانت الموارد القابلة للاستثمار هي كميات موجودة غير المستثمرة فعليا, فهذا يعني أننا نتحدث هنا عن مياه جوفية متجددة تقدر بـ “44,2” مليار متر مكعب أو بـ “35,5” مليار متر مكعب. وهذا أيضا يجعلنا أمام فروقات كبيرة، وان كانت أقل حدة من الفروقات في حالة صحة الاحتمال الأول, ناهيك عن أن هذا الاحتمال يعني مسألة في غاية الأهمية وهي أن كميات المياه الجوفية المتجددة غير المستثمرة بعد هي كميات هائلة, وبالتالي فإن الحديث عن استنزاف الموارد الجوفية المتجددة وتملحها نتيجة المبالغة في استخدامها يفتقر إلى الدقة على الصعيد العربي العام.       ويجدر التوضيح بالقول بأن الاستنزاف المذكور إنما هو على صعيد بعض المناطق التي تعتمد بكثرة على الموارد الجوفية لافتقارها إلى موارد سطحية, في حين أن المياه الجوفية على الصعيد العربي ككل لا تعاني من هذه المشكلة التقنية. “فمن المعروف أن الموارد المائية التقليدية تنقسم إلى متجددة وغير متجددة. فأما الموارد المتجددة فهي تلك الموارد التي لا ينجم عن استخراجها لفترات طويلة أي هبوط في المنسوب إذا كان معدل الاستخراج لا يتعدى معدل التغذية. وأما الموارد غير المتجددة فهي تلك التي ينجم عن استثمارها هبوط المنسوب.       أما فيما يتعلق بالرقم “338” بليون متر مكعب الذي أورده الخبير إدريس أحمد محمود, فإننا للوهلة الأولى نتصور من سياق كلامه أنه يتحدث عن المياه المتجددة الجوفية، إلا أننا نجد أنفسنا مضطرين لتجاوز زلته اللغوية لنفترض أنه يقصد التجديد على مستوى المياه ككل. وهنا نجد أن الرقم المستخدم يفرض مفارقات مذهلة. فإذا كان الخبير المذكور يقصد بالمتجددة كل المياه بأنواعها السطحي والجوفي، فهذا يعني أنه يتحدث عن “296” بليون متر مكعب من المياه السطحية المتجددة، وهو الرقم الذي ذكرت مجموعات رقمية مرت معنا أنه يمثل كميات المياه السطحية النهرية في الوطن العربي, ليكون رقم الخبير بالتالي ينقص عن أقل رقم للمياه المتجددة السطحية بـ “56” بليون متر مكعب. ولا ينجي الباحث من ورطته أن يعتبر أن رقم “338” الذي ساقه يضم المياه السطحية بدون الجوفية, ففي هذه الحالة هو ينقص عن أحد الأرقام السطحية النهرية بمفردها بحوالي “14” مليار متر مكعب, فيما يزيد عن الرقم الآخر بكمية تقدر بحوالي “42” بليون كيلو متر مكعب. فتأمل عزيزي القارئ هذه الفروقات المذهلة في الأرقام, وكيف يمكننا على ضوئها إنجاز بحث علمي أو دراسة موضوعية؟    وليس بوسعنا كي نزيد من تأكيدنا على أن هناك توجها مقصودا نحو تشويش منظومة المعلومات المتعلقة بالمياه، إلا أن نتابع ما أشارت إليه دراسة أمريكية وصفتها الصحافة العربية التي نقلت عنها المعلومات, بأنها دراسة أعدتها الأجهزة المختصة في الولايات المتحدة الأمريكية في شهر حزيران من عام “1991”, من خلال معاهدة الدراسات الإستراتيجية للمياه في أمريكا وأوروبا.. تقول الدراسة:     “إن حوالي “40%” من سكان العالم يعتمدون على مياه أنهار وبحيرات تشارك فيها أكثر من دولة, وأن “50%” من سكان إفريقيا والشرق الأوسط يعتمدون على مثل هذا التدفق من أنهار وسيول في أكثر من بلد وتخترق أكثر من حدود بين دولتين, أما الدول العربية (وهنا بيت القصيد) فإن “67%” من سكانها يعتمدون على مياه تنبع من بلاد غير عربية, وأن “24%” من سكان العالم العربي يعيشون في مناطق لا تجري فيها أنهار بصورة دائمة”.”32″    إنها محاولة خبيثة وغير بريئة للإيحاء بأن العرب معنيون لحل مشكلاتهم المائية بألا يكونوا على خلاف مع جيرانهم حتى لو كان جيرانهم ذوي ارتباطات إمبريالية أو بدول عدائية تستخدمها الإمبريالية للضغط على العرب.. خلاصة القول إذن عندما نتصدى لبحث موضوع الموارد المائية في الوطن العربي، أننا سنصاب بالدوار والتعب قبل أن نخرج بأي نتيجة قاطعة أو مطمئنة على الأقل. ومع ذلك فلن نخرج لأننا كباحثين معنيون في النهاية بالتعامل مع الأرقام والملومات المتاحة على ضوء رؤى معينة وتصورات خاصة. وبالتالي فنحن معنيون بالخروج بنتائج نقرر على ضوئها أي الأرقام وأي المعلومات هي الأصح أو الأقرب إلى الصحة. وبما أننا لا نملك أدوات الحكم القاطع في هذا الشأن، فليس أمامنا سوى أن نختار من بين المعلومات المتاحة ما نراه بصورة شبه ذاتية أقرب إلى الحقيقة والواقع، نبني عله من ثم كامل تحليلاتنا. وبدورنا وبعد هذا الضياع بين أرقام متباينة ومعلومات متضاربة، لتضاربها أول وليس له آخر، نود أن نحدد من وجهة نظرنا المعلومات التي نحسبها أقرب إلى نقل الصورة الصحيحة، ونحن نؤكد أن الاختيار من بين هذه المعلومات التي بين أيدينا ينبني بالدرجة الأولى على أمور ذاتية أكثر منها موضوعية:1-    كميات الأمطار السنوية تقدر بـ”2213″ مليار متر مكعب.2-    كميات المياه السطحية المتاحة (الأنهار) تقدر سنويا تقدر بـ”352″ مليار متر مكعب.3-    كميات المياه السطحية المتاحة من فيضان مياه الأمطار تقدر سنويا ب”155″ مليار متر مكعب.4-    كميات المياه الجوفية المتجددة المتاحة تقدر بـ”42″ مليار متر مكعب.5-    كميات المياه الجوفية الحبيسة غير المجددة تقدر ب”65″ ألف كلم مكعب.    مع تأكيدنا على أن هذه الأرقام أولية وأنه يمكن الكشف مستقبلا عن مياه جوفية متجددة وغير متجددة جديدة في أماكن أخرى وبكميات هائلة، بالإضافة إلى أنه بالإمكان العمل على الاستفادة من كميات كبيرة من مياه الأمطار الفائضة بالإكثار من السدود أو بتقليل الفاقد منها عبر التبخر بتطوير تقنيات تعمل في هذا الاتجاه.. إلخ. وسنعتبر أن هذه الأرقام هي منطلقنا للتحليل والبناء في موضوع المياه.       وسننتقل الآن إلى موضوع أخر مهم فيما يتعلق بواقع المياه في الوطن العربي، ألا وهو حجم الاستهلاك. فما دمنا قد عرفنا المتاح من الموارد فعلينا أن نعرف حجم الاستهلاك كي نحدد ما إذا كانت هناك عجوزات أم لا؟ وأين تكمن وما مدى خطورتها؟ وكيف يمكننا من ثم التغلب عليها.. إلخ. ملاحظة.. (هوامش الدراسة كاملة سترفق بالحلقة الأخيرة منها)…. يتبع

اترك رد

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني.