www.omferas.com
شبكة فرسان الثقافة

الاستعمار الغذائي/أسامة عكنان

0

أولا.. تعطيل الدور التنموي للماء.. لقد تعطل أي دور تنموي حقيقي لمورد “الماء” في الوطن العربي، من خلال عدم إتاحة الفرصة للاستثمار في الزراعة وفي إنتاج الغذاء كي يأخذ مداه الطبيعي ومنحاه الصحيح الرافد لتنمية مستدامة وغير مشوهة وحاضنة لنهضة حقيقية آمنة ومسنودة إلى عناصر المنعة التي يعتبر الغذاء قبل السلاح عمودها الفقري. وبالتالي فقد هذا المورد

الاستعمار الغذائي

أسامة عكنانعمان – الأردن

أولا.. تعطيل الدور التنموي للماء..          لقد تعطل أي دور تنموي حقيقي لمورد “الماء” في الوطن العربي، من خلال عدم إتاحة الفرصة للاستثمار في الزراعة وفي إنتاج الغذاء كي يأخذ مداه الطبيعي ومنحاه الصحيح الرافد لتنمية مستدامة وغير مشوهة وحاضنة لنهضة حقيقية آمنة ومسنودة إلى عناصر المنعة التي يعتبر الغذاء قبل السلاح عمودها الفقري. وبالتالي فقد هذا المورد – أي الماء – قدرته على أن يكون سلاحا تنمويا فعالا ومفيدا، لأنه ورغم وجوده وتوفره كمورد حيوي من حيث المبدأ، وبكميات كافية ومعقولة بكل المقاييس العلمية والتكنولوجية – التي حاول الجميع إقناعنا بعدم توفرها بالتضليل حينا وبالكذب حينا آخر – ليس بالإمكان أن يستفاد منه الاستفادة التنموية الحقيقية في المجال الزراعي، إلا إذا كانت هناك أراٍض زراعية داخلة ضمن الخطط التنموية، باعتبارها من أهم بنود تلك الخطط والركيزة الأساس فيها.           أما في حال تشتت هذا العنصر – الأراضي الزراعية – وضياع إمكانية توظيفه التوظيف الأمثل في تنميةٍ تعمل على تأمين الاكتفاء الذاتي من الغذاء, فإن الماء كمورد، وإن كان موجودا ومتاحا، سيفقد قيمته التنموية حتما. وهذا هو السبب الذي أُخْرِج فيه هذا المورد من مجال التأثير التنموي الزراعي، بعد أن تم التآمر عليه وعلى الزراعة، عبر التضليل في المعلومات والمفاهيم المتعلقة به في الوطن العربي.           لقد وضعت الدوائر الإمبريالية هدفا إستراتيجيا لها بغية إحكام الطوق الأمني حول الوطن العربي بعد مرحلة ما بعد الاستعمار، هو أن يرتهن هذا الوطن غذائيا بشكل يفقده أمنه القومي المحقق لمنعته، ويفقده مع ذلك القيمة الإستراتيجية لامتلاكه النسبة الأكبر في مورد الطاقة الأهم في العالم ألا وهو “النفط”، فيفقد استقلالية قراراته المصيرية جراء ذلك. ولقد انصب جوهر المؤامرة على “الغذاء” لتحقيق هدف الارتهان الكامل فيه، عبر التآمر على “الزراعة” التي لم يكن بالإمكان إخراجها من دائرة كونها محورا أساسيا للتنمية إلى اعتبارها بندا هامشيا من بنودها بدون التآمر على مورد “الماء” الذي بدونه لا تقوم هذه الزراعة أساسا.           ولتحقيق هذه الحزمة من الأهداف الإستراتيجية كان يجب أن يصار إلى إقناعنا بأن الماء لدينا غير كاف للزراعة ولإنتاج الغذاء، ما يدفعنا قطعا إلى ربط خططنا التنموية في مجال تأمين الغذاء، بالاستيراد من خارج حدودنا، فاتحين المجال على مصاريعه لطفيليي التجارة كي يدمروا أراضينا الزراعية وينتهكوا حرماتنا الغذائية، وهم يستوردون لنا غذاءنا من شركات الغذاء العالمية العابرة للقارات، وأرضنا تجف وتتصحر عاما بعد عام. نادبين حظنا العاثر الذي رمانا القدر في أتونه عندما استغرقتنا عقيدة خطيرة قاتلة مفادها أننا أمة لا تملك من الماء ما يكفيها لأن تنتج غذاءها، فكان من أمر مائنا وزراعتنا وغذائنا ما كان مما نشاهده ليل نهار. ولتوضيح فكرة المؤامرة التي استهدفت الغذاء عبر استهداف الزراعة، التي استهدفت بدورها عبر استهداف الماء، نضرب المثال التالي:          إذا كان عنصرا الإسمنت والرمل ضروريين لبناء بيتٍ لنا، وكانا متوفرين بما يكفي حاجتنا أو يزيد, بينما هناك من يريد منعنا من بناء البيت، نظرا لتعارض ذلك مع مصلحته لسبب أو لآخر, ولكنه لا يملك القدرة على السيطرة على عنصر الرمل، في حين يستطيع أن يسيطر على عنصر الإسمنت, فإن سيطرته على هذا الأخير والذي بدونه لا نستطيع أن نبني البيت وإن امتلكنا العنصر الآخر، سيحول بالتأكيد بيننا وبين إتمام مشروعنا, وسيكون عنصر الرمل المتوفر لدينا وبكثرة، قد فقد قيمته الفعلية والحقيقية رغم وفرته، لأنه بدون الإسمنت لا قيمة له على صعيد البناء.           وما دمنا غير قادرين على تحرير الإسمنت الذي نحتاجه للبناء من سطوة ذلك الذي تتعارض مصالحه مع إتمام بنائنا, فسوف نبقى نعاني من عدم وجود البناء، وسوف يبقى رملنا بلا قيمة, وسوف نضطر إلى البحث عن حل لمشكلة بناء بيتنا من خارج حدودنا. وهذا نوع من أنواع التحييد لمورد هام نمتلكه في عملية حيوية بالنسبة لنا.          هذا المثال هو في تصورنا إسقاط أمين لواقع المياه والزراعة في الوطن العربي. فنحن لدينا الأرض الزراعية ولدينا المياه الوفيرة، وكلاهما يكفينا لإنتاج غذائنا اللازم وزيادة. رأس المال العالمي حريص على منعنا من إنتاج غذائنا وعلى ربط حاجتنا من الغذاء بمؤسساته المنتجه له، كي نضعف إستراتيجيا في مواجهته. ولكنه لأسباب تقنية فرضتها الطبيعة، لا يتمكن من السيطرة على مياهنا بالمعنى المباشر للسيطرة، إلا من خلال وسطاء تثير مناكفاتهم المائية الخطيرة لنا وضعا قلقا ينذر بخطر غير مأمون العواقب بالنسبة لرأس المال العالمي، خاصة وأن معظم البشر متفقون على عدم اللعب بنار الاختلاف القاتل على موارد المياه.           ولكن رأس المال العالمي هذا يتمكن من السيطرة على فلسفة الزراعة لدينا، فيشوهها ويربطها بمؤسسات إقراضه وبشركات الغذاء العالمية التابعة له, بعد أن يقنعنا بأن مياهنا لا تقيم أودنا في مسألة الإنتاج الزراعي الكفيل بتغذيتنا، فيبعدنا نتيجة لذلك عن العمل باتجاه الاكتفاء الذاتي في مجال الغذاء, لأنه سيغدو – في ظل قناعتنا الطلسمية بعدم كفاية مائنا لتحقيقه – خارج نطاق خططنا التنموية. وعندما تتلاقى هذه العقيدة مع هيمنة فئات طفيلية من التجار الكومبرادوريين الذين يفكرون بملء جيوبهم ونهب ثروات شعوبهم أكثر مما يفكرون بتأمين حياة الشعوب ومستقلل أجيالها، يغدو الوضع خطيرا على وجه الحقيقة.           وهكذا تفقد الأرض قيمتها على صعيد تأمين غذائنا، بعد أن يكون الماء نفسه قد فقد قيمته على صعيد كفايته لإرواء أرضنا. وبالتالي يكون عنصر الماء قد تحيَّدَ تحييدا كاملا وتم تعطيله، وتكون الأرض قد حيِّدت وعُطِّلَت، لأن وجودها في ظل عجزها عن إنتاج غذائنا بسبب عدم كفاية مائنا لتحقيق ذلك يغدو وجودا شرفيا، يحافظ لها على شرف النجومية، دون أن يقحمها إقحاما حقيقيا في داء أدوار البطولة في المسرحية الراهنة.          نخلص مما سبق إلى حقيقة مفادها أن هناك تشوُّها فعليا ومستفحِلا في النهج التنموي السائد في معظم البلدان العربية بوجه عام، وأن هذا التشوُّه يكون أكثر استفحالا عندما يتعلق الأمر بالزراعة وإنتاج الغذاء. وأن هذا التشَوُّه راجعٌ أساسا إلى الارتكاز في تنمية الاقتصادات العربية – في هذا الجانب الإستراتيجي الحيوي منها – إلى منطلقات التنمية الرأسمالية القائمة في المراكز على رهننا غذائيا لإضعافنا سياسيا. لذلك فإن الاطلاع على واقع التنمية الزراعية العربية بصورة عامة ومجملة, قد يعطينا فكرة ولو بسيطة عن أبعاد ونتائج خضوع المورد المائي العربي إلى التحييد المؤدي حتما إلى تنمية زراعية مشوَّهَة. فما هو واقع الزراعة وبالتالي الغذاء في الوطن العربي؟ثانيا.. واقع الزراعة في الوطن العربي..تشير التقديرات إلى أن الرقعة الزراعية المطرية في الوطن العربي تقدر بنحو “78% ” من جملة الأراضي المزروعة. في حين تبلغ الرقعة المروية “22%” من تلك الأراضي”.”1″ وعلى صعيد الأرقام التفصيلية يقول الدكتور “محمود عبد الفضيل” أستاذ الاقتصاد السابق في الجامعة الأمريكية، والأستاذ السابق في كلية الاقتصاد والعلوم السياسية في جامعة القاهرة: “إن مصر على الرغم من تكدسها السكاني المتزايد باستمرار لا تزرع من مساحة أراضيها سوى “7,3% “، ويعتمد “60% ” من الرقعة المزروعة – أي ما يزيد قليلا عن “4,4% ” من مساحة مصر الإجمالية – على مياه الأمطار. هذا ومصر فيها النيل. أما العراق فهو يزرع حوالي “23%” من مساحة أراضيه، “60%” منها على الأقل تعتمد على الأمطار. ولبنان على الرغم من كبر مساحته المزروعة من أراضيه نسبيا، إذ تشكل أكثر من “38% ” فإنه يعتمد أيضا على الأمطار في ري حوالي “83%” من هذه الأراضي”.”2″إن هذه الأرقام لا تشير إلى فقر في الموارد الزراعية بالضرورة، فالمساحة الهائلة للوطن العربي تجعل تلك النسبة الضئيلة ذات دلالة رقمية كبيرة على أرض الواقع عندما نعكسها إلى قِيَم مطلقة. ومع ذلك فلا بد من الإشارة إلى أن هناك تفاوتات في الأرقام والإحصائيات التي عالجت موضوع الأراضي الزراعية. وعلى العموم فإن تقديرات الخبراء الزراعيين تشير “إلى أن البلدان العربية تضم أكبر مخزون محتمل لزيادة الإنتاج الغذائي في الدول النامية. فهناك إمكانيات واسعة لزيادة كمية الأغذية من الزراعة التقليدية في بلدان كالعراق والسودان والصومال, وذلك عن طريق زيادة الرقعة الزراعية من خلال التوسع في استصلاح أراضٍ جديدة من ناحية، وعن طريق زيادة إنتاجية المساحات المزروعة حاليا من خلال تحسين أساليب الري والصرف وزيادة درجة الكثافة المحصولية من ناحية أخرى”.”3″وأمام هذه الحقيقة نتساءل عن سر العجز الغذائي العربي المتفاقم باستمرار عاما بعد عام رغم وفرة هذه الموارد، المتاح منها والمحتمل؟ فالتفاوت بين نمو كل من السكان والإنتاج الغذائي على مستوى الوطن العربي، حقيقة لا جدال فيها, لكن ذلك التفاوت ليس هو كل الحقيقة بل هو أحد أوجهها. ولعل تنزيله – أي التفاوت – في إطار الظروف المناخية السائدة وما تزخر به المنطقة من موارد طبيعية, تشكو من قلة الاستعمال, قد يزيح الغشاء عن الوجه الآخر منها. فالمناخ يتميز في المنطقة ليس باعتداله فحسب, ولكن بكونه لا يعرف التقلبات الفجائية التي تمثل عنصرا مدمرا للزراعة ومعيقا لخطط التوسعين الأفقي والعمودي فيها. بل إننا لو أدرجنا الوطن العربي في مقارنة جغرافية مع أقاليم ومناطق أخرى، لوجدنا أنه يقابل من حيث خصائص المناخ, المناطق الأميركية والأسترالية التي ظلت حتى يومنا هذا تغزو السوق العالمي للغذاء. وفيما يتعلق بقلة استعمال الموارد الطبيعية، يمكن إدراج كل من المياه والأراضي الصالحة للزراعة في ذلك. فإجمالي الموارد المائية السنوية يقدر بحوالي “353” مليار متر مكعب لا يستخدم منها إلا نصفها فقط، لتغطية مختلف الأنشطة والأغراض الزراعية والصناعية والبشرية.          أما عن الأراضي الصالحة للزراعة، فإن السودان يمتلك مناطق شاسعة تكاد تماثل مساحة فرنسا وألمانيا معا. وتمتلك ليبيا في منطقة الجبل الأخضر مساحة تتسع لتشمل “15” مليون فدان غير مستخدمة في الزراعة, وفي المغرب والجزائر مناطق شاسعة تصلح للزراعة وللري, وفي العراق وسوريا والأردن مساحات أخرى شاسعة صالحة للزراعة بنوع آخر من أنواع الإنتاج الزراعي والفواكه والنخيل بل وجذور البطاطا، وبصفة خاصة في شمال العراق. بل إن السعودية على اتساع المساحة الصحراوية القاحلة فيها، تمتلك بعض المناطق الصالحة للزراعة غير مستغلة، دون الحديث عن اليمن وبعض مناطق الخليج العربي الأخرى الأقل جدبا من السعودية. وعموما فإن المساحة الصالحة للاستغلال الزراعي على مستوى الوطن العربي تقدر بحوالي “14%” من مجموع المساحة الكلية البالغة “14,5” ملايين هكتار, أو ما يعادل “197” مليون هكتار, مثلت النسبة المزروعة منها حتى مطلع القرن الحادي والعشرين نحو “25%” فقط.وعلى هذا الأساس فإن أهل الاختصاص يشيرون إلى الإمكانيات الهائلة لزيادة الإنتاج الزراعي بجميع أنواعه عن طريق التوسع الأفقي, لأن المساحة المزروعة مطريا والبالغة “80%” من جملة المساحة المزروعة، تمكن مضاعفتها في عدد من الأقطار, أهمها السودان والصومال وتونس وموريتانيا والجزائر وليبيا وسوريا والأردن والمغرب. وكذلك الشأن بالنسبة إلى المساحة التي تستخدم الري، والمقدرة بحوالي “20%” من جملة المساحة المزروعة, من الممكن التوسع فيها إلى ضعفي ما هي علية الآن في كل من مصر والسودان والعراق وسوريا والمغرب والأردن، بزيادة الموارد المائية من “156” إلى “338” مليار متر مكعب في السنة مع ترشيد استخدامها, واستكمال المنشآت الخاصة بالسيطرة والتحكم في مياه الري, خصوصا وأن كفاءة نظام الري المستخدم حتى الآن، ما تزال بالقياس لتقنيات الري الحديثة أقل مما يجب, حيث ما يزال العرب الذين ملأوا الدنيا بالضوضاء وهم يبكون شح مواردهم المائية، يستخدمون حوالي “11,2” ألف متر مكعب في ري الهكتار الواحد, بينما نقدر كمية المياه اللازمة لزراعته في الدول المتقدمة التي تعتبر دول تخمة مائية بنحو “7,8” ألف متر مكعب، يفكرون في الوصول إلى طرق جديدة تكفل ترشيدها باستخدام ما هو أقل منها.          لكن زيادة الإنتاج الزراعي الغذائي لا تقتصر على التوسع الأفقي فيه, بل هي يمكن أن تمتد إلى المستوى العمودي من خلال رفع الإنتاجية التي رغم قفز معدلها بالنسبة إلى أهم المحاصيل الزراعية وهي الحبوب مثلا، من “1,05” طن للهكتار، خلال الفترة “74 – 81″، إلى “1,78” طن للهكتار، أثناء الفترة “82 – 89″، فإنها تظل دون المعدل العالمي البالغ نحو “2,06” و”2,5″ طن للهكتار خلال نفس الفترتين على التوالي. بل ودون المعدل الذي حققه العالم الثالث والذي وصل إلى نحو “1,6” و”2,2″ طن للهكتار، ونحن إلى هنا، لا نتحدث عن المعدل المسجل في الولايات المتحدة الأمريكية وأوروبا والمقدر بحوالي “3,7” و”4,3″ أو “3,4” و”4,2″ على التوالي. وعلى العموم فإن مختلف الدراسات تشير إلى أن في إمكان المنطقة العربية ككل أن تحقق الاكتفاء الذاتي فيما يتعلق بمتطلباتها الغذائية”.”4″ثالثا.. متى بدأ الاستعمار الغذائي للأمة العربية؟..وإذن ومادام واقع الأراضي الزراعية والمياه في الوطن العربي على هذا النحو من إمكانية تحقيق اكتفاء ذاتي غذائي كامل عبره, فلماذا هذا العجز والتردي في واقع الغذاء الذي تتزايد فاتورته عاما بعد عام؟ في تصورنا هناك أكثر من عنصر تشكل مجتمعة منظومة أسبابٍ للواقع المتردي للزراعة في البلدان العربية. فإذا كان سوء استخدام المياه تحت عنوان “المبالغة في الري”، يشكل أحد أسباب تدني الإنتاجية، خلافا لما هو شائع من أن الإكثار من المياه يضاعف إنتاجية الأرض. وإذا كان نمط الملكية والحيازات السائد يسهم في هذا التردي والتراجع في واقع الزراعة العربية, فإن ما خلفه الاستعمار وراءه من خراب ودمار في بنية الأرض الزراعية على كل الصعد، فضلا عن هيمنة الفئات الكومبرادورية الطفيلية التابعة لأجندا الرأسمالية العالمية على مقدرات الشعوب العربية، تعتبر أسبابا أخرى لا تقل أهمية عن سابقتها، أسهمت وما تزال تسهم في مفاقمة الواقع المتردي للزراعة العربية.          فالاستعمار كان يستولي على أفضل الأراضي ليعيد توزيعها من جديد على المستعمرين بهدف إنتاج ما يلبي حاجيات العاصمة في المستعمرة، وحاجيات المركز الاستعماري الأوربي نفسه ما وراء البحار. مع تقديم التسهيلات الضرورية عند تصدير الإنتاج وتوفير المرافق اللازمة لحث المستعمرين على المكوث في المستعمرات، لتشكيل قطب جذب لمعمرين وعسكريين جدد يقوي بهم الاستعمار عضده في تدمير خيرات تلك الأراضي المغتصبة وتبديدها, وذلك على حساب السكان عموما والفلاحين الأصليين خصوصا، هؤلاء الفلاحون الذين كانت ترهق كواهلهم الإتاوات المجحفة التي فرضت عليهم لتمويل تلك المرافق والخدمات وشبكات الطرق والسكك الحديدية التي تربط بين أماكن الإنتاج والموانئ البحرية, التي تقوم بتحويل ذلك الإنتاج وتصديره إلى الخارج. وقد كانت تلك الإتاوات تَدفع ببعض الفلاحين إلى إنتاج المواد الزراعية التصديرية ذات التسويق السريع للحصول على النقد الكافي لتسديد الضرائب وتحقيق بعض المدخرات لضمان الاستمرار ومواصلة الحياة. كما أنها كانت تدفع بالبعض الآخر إلى التخلي عن أراضيهم لصالح المستعمرين، بعد أن يجدوا أنفسهم عاجزين عن دفع الضرائب نظرا لارتفاع حجمها وانخفاض المداخيل المتأتية من زراعة أراضيهم.           وبهذه العملية المزدوجة “فرض الزراعات التصديرية من جهة، واغتصاب الأراضي لإعادة حركة إنتاجها من جهة أخرى”, زَرَعَ الاستعمار جذور مشكلة الغذاء, وذلك على عدة أصعدة منها: 1 – إن مثل هذه الزراعة التي راحت تنتجها الأراضي العربية الواقعة تحت نير الاستعمار، لم تكن تلبي حاجيات السكان المحليين الغذائية. فالاستعمار الفرنسي مثلا جعل من الجزائر مزرعة لا لإنتاج الحبوب والخضروات واللحوم اللازمة لغذاء الجزائريين الأساسي، بل لإنتاج الحمضيات والعنب لتزويد صناعتي المربيات والخمور الفرنسية بالمادة الأساسية لها، بما يكفل ضمان الاستمرار في تدفق هاتين السلعتين إلى السوق الأوربي بأسعار مناسبة تتيح لفرنسا أن تبقى رائدتهما في القارة العجوز. وعندما استقلت الجزائر عن الاستعمار الفرنسي، ولتفادي النقص في المواد الغذائية الأساسية من أرض كانت مزروعة بالحمضيات والكروم، لعب الاستيراد ولعبت الاستدانة دورا رياديا, فأصبحت الجزائر تبيع الخمور والحمضيات لتشتري القمح واللحوم الحمراء، إلى أن أصبح ذلك واقعا مع مرور الوقت، خاصة بعد أن تم تغييب النهج البومديني بغياب الرئيس الراحل “هواري بومدين” عن قيادة الجزائر، لتقفز الفئات الطفيلية التي كانت تتربص بقدوم هذه اللحظة، إلى قيادة الجزائر مخرجة كل مفاعيل اقتصادها عن التوجه إلى تنمية من القبيل المحقق للاكتفاء الذاتي كما كان يفعل الرئيس الراحل!! فالاستيراد المتزايد الذي يعد أحد مظاهر مشكلة الغذاء إذن، تمتد جذوره التاريخية إلى فترة الاستعمار الاستيطاني الذي ورثت التزاماته فئات لم تفكر في التغيير الحقيقي والإيجابي باستثناءات قليلة هنا وهناك ما لبثت أن غيِّبَت عن ساحة الفعل بظهور ورثة الفكر الاستعماري في مجال الاقتصاد والتنمية الاقتصادية. إضافة إلى أن تلك الزراعات المحدودة العدد، باستمرارها وتكرارها أثناء كل موسم زراعي، أنهكت الأراضي بعد أن كان الفلاحون الأصليون يلجأون قبل تعرض بلدانهم للاستعمار إلى التداول, أي إلى تقسيم الأراضي إلى أجزاء, وعندما يزرع الفلاح جزءا منها – مع مراعاة تنويع الزراعات للحفاظ على خصب الأرض – فإن البقية تلجأ إلى الراحة لتحسين نسبة الخصب.          2 – أما على صعيد آخر، فإن انتزاع الأراضي وتوسيع رقعة الاغتصاب كلما قحلت الأرض وقل عطاؤها كان يحصل على حساب الغابات والمروج والمراعي، وكذلك على حساب بعض الفلاحين الذين بفقدانهم أرضهم التي هي مورد رزقهم الأوحد، وتدهور مستواهم الاجتماعي شيئا فشيئا, لجأوا إلى النزوح عن المدن والقرى، وتوغلوا في الجبال والأحراش والغابات، ليعضدوا عملية تحطيمها بحثا عن سبل رزق جديدة يعتاشون منها. ولقد دعم ذلك التحطيم الممنهج، الجذور التاريخية للتصحر والانجراف والجفاف، بعد أن فقدت الطبيعة – من جراء تسارع تلك الظاهرة – توازنها البيولوجي. فإذا كان ما تطرقنا إليه يمثل بعض الأشكال المباشرة التي توخاها الاستعمار, فإنه لم يقف عند هذا المستوى بل تجاوزه إلى وسائل مُقَنَّعَة أخرى للحفاظ على مصالحه، ومن ثم تكريس مشكلة الغذاء وتبعية الوطن العربي من خلال عمق هذه المشكلة بمختلف أبعادها”.”5″          3 – وإذا كان الاستعمار قد فعل فعلته في الزراعة خلال سيطرته على البلدان العربية وذلك على النحو الذي مر معنا، محطما بذلك البنية الزراعية التي خدمت وغذت الشعوب العربية آلاف السنين، لصالح التصدير الذي يخدم حاجاته في المركز. فإن المعضلة لم تنته بعد زوال الاستعمار المباشر. ولم يكن طرد الاستعمار كافيا لحلها، ما دامت الدول التي استقلت عن الاستعمار قد عادت لترتبط زراعيا وغذائيا وفق منهجها المشوه في التنمية بالشركات الاحتكارية الكبرى التي مثلت الأسلوب الاستعماري الجديد لإبقاء الزراعة العربية بل والعالم ثالثية تدور في حلقة المصالح الاستعمارية الجديدة. وقد أخذت هذه الشركات تتغلغل في السوق الغذائي العالمي وتسيطر على مرافقه لتتحكم في تسويق منتجات الغذاء في دول الجنوب عموما ومنها الدول العربية. إلى أن وصلت المسألة إلى درجة الارتهان.          ولعل أهم ما يجسد تغلغل هذا النوع من الشركات في سوق الغذاء، هو احتكارها الإنتاج الغذائي العالمي الذي قد تكون حققت منه ما بين “90” و”100″ من الشركات الغذائية الأولى في العالم, نحو “50%” سنة “1985”. إن “48” من تلك الشركات تحمل الجنسية الأميركية، وتستحوذ على ما يربو على ثلثي رقم المبيعات الذي قد يفسر تدفق الإنتاج الأميركي من حبوب وذرة وصويا على السوق العالمي. ولتحقيق أعلى نسب من الأرباح فإن هذه الشركات ما فتئت تفرض رقابة صارمة على مسالك الإنتاج، حتى تفي بكل طلبات القطاع الزراعي لديها من أسمدة ومبيدات وبذور وتجهيزات, وعلى مسالك التوزيع والتسويق كذلك, لمعرفتها العميقة بطلبات المستهلكين ذوي الطاقة الشرائية المرتفعة والمتمثلة في الأقليات المسرفة في الأوساط الحضرية للوطن العربي، وفي جحافل المترفين بالمراكز المدنية للدول الصناعية الكبرى، مثل نيويورك وطوكيو وباريس ولندن.لذلك، فللاقتراب أكثر فأكثر من المنتجين والمستهلكين, فإنها أنشأت فروعا لها في شتى أنحاء العالم. ولتبيان أهمية المراقبة لدى تلك الشركات، كتب “أرنيست فيدر”: بأنها – أي المراقبة – بمثابة الشرط الأول لتقرير ماذا تنتج, وما هي الكميات الضرورية, ثم متى وبأي وسيلة تتخلص من الإنتاج النهائي, وكيف تضمن الحدود القصوى لترحيل الأرباح. فإذا كان لهذه الشركات هذا الثقل كله فكيف تساهم في تعميق جذور المشكلة الغذائية؟          “إن هذه الشركات الغذائية العالمية بقدر ما تتحدث عن إنتاج الغذاء, فإنها لا تتحدث عن الفول والذرة والأرز والقمح.. بل هي تشير بدلا من ذلك إلى الفراولة ولحم البقر والدجاج والأزهار. أما فيما يتعلق باللحوم مثلا، فإن إنتاج كيلوغرام واحد منها يتطلب ما بين ثلاثة إلى سبعة كيلوغرامات من الحبوب, وذلك طبقا لنوع اللحم المطلوب “دواجن, خنزير, بقر”، وطبقا لمتطلبات توازن غذاء الماشية من طاقة ومن حبوب ومن زلاليات. لذلك نجد أنه على مستوى مجمل الدول الصناعية فإن “60%” من كل الحبوب تستعمل لتغذية الحيوانات, أما على صعيد الولايات المتحدة وحدها فإن “90%” من الشعير والذرة والصويا, أي نسبة توازي ربع الكمية غير المصدرة من الحبوب تستهلكها الحيوانات, ما حدا بأحد الأميركيين إلى الإشارة إلى أن سياسة تبديد محاصيل الولايات المتحدة الغنية بالزلاليات شهدت نجاحا بلغت معه كمية الزلاليات المستعملة لتغذية الماشية فقط، أكثر من ستة أضعاف الكميات الضرورية لتغذية الشعب الأميركي، وكلما وقع إفراط في استهلاك اللحوم، تبعه تبذير أكثر لذلك النوع من المحاصيل.          لكن إنتاج الشركات الغذائية العالمية الكبرى لا يقتصر على ذلك, بل إنه يمتد أيضا إلى المواد الزراعية الصناعية، نظرا لسهولة تسويقها، وذلك على حساب الأغذية الأساسية للسواد الأعظم من الناس الذين وبسبب توفرها يفتحون الأبواب على مصاريعها لاستيرادها بكل ما يولده ذلك من تغيير في أنماط الاستهلاك, يعضده في ذلك تركيز تلك الشركات المفرط على الدعاية التي يتحول فيها “النستلة والسيريلاك” وجميع أنواع الحليب المصنع في الغرب، أو “الكوكاكولا وفانتا” وكل أنواع المشروبات الغازية المنتجة هناك، إلى ضرورات لا يكتمل نمو الأطفال أو لا تتم عملية الهضم وفتح الشهية بدونها. وهكذا إذن تساهم تلك الشركات في زرع بذور المشكلة الغذائية من خلال التأثير في إرادة المستهلكين لإنتاج وتسويق كل ما لا يمت إلى حاجاتهم الأساسية بصلة، بسبب ما يحققه ذلك من أرباح طائلة تسعى إليها تلك الشركات.”6″          لقد استطاعت هذه الشركات التي خلفت الاستعمار في هيمنته وفي مهمته الاستنزافية، تمرير ما كان يمرره من مصالح، بدون احتلال مباشر لأراضي الدول المستنزفة في الجنوب. وتحول الغذاء من ثم إلى سلاح امتلكته الدول الغنية صاحبة تلك الشركات في وجه الدول العربية تحديدا لمقارعة سلاح النفط. وما محاولات التحكم في المياه ونشر المنظومات المعلوماتية المضللة حولها بهدف فرض سياسات استخدامها تنمويا، إلا امتداد لهذه السياسة التي تسعى إلى امتلاك السلاح الدائم في مواجهة الدول العربية وفي مواجهة أي مشروع نهضوي وحدوي فاعل لها.          “فليس سرا أن الولايات المتحدة الأمريكية قد عكفت منذ عام “1973” على دراسة الاستخدامات الممكنة لسلاح الغذاء في مواجهة سلاح النفط. ولعل البعض يتذكر أن الكونغرس الأمريكي قد ناقش في نوفمبر “تشرين ثاني من ذلك العام إمكانية فرض نوع من الحظر على تصدير السلع الغذائية في مواجهة أي محاولة من جانب دول الأوبك لفرض حظر على تصدير النفط”.”7″          ورافق كل هذه المعادلات الغذائية العالمية إهمال غير طبيعي للزراعة من قبل معظم الدول العربية بما فيها دول الوفرة النفطية، إلى درجة جعلت النفط سلعة غير إستراتيجية بالقياس للفقر الغذائي لتلك الدول رغم ثرائها النقدي الكبير.          “فقد أهدرت في الدول النفطية الزراعة بسبب اعتمادها على ريعها، خاصة في تمويل وارداتها الغذائية من حبوب ولحوم وغلال أثناء السبعينيات، على حساب تمويل الإنتاج المحلي للنهوض بالزراعة التي رغم أهميتها فإنها لا تمثل من الناتج الداخلي الخام سنة “1981” إلا صفر بالمائة في الكويت، و”1%” في كل من الإمارات العربية والسعودية، و”2%” في ليبيا, و”6%” في الجزائر. وفي سنة “1988” فإن تلك النسب كانت لمختلف الأقطار الأنفة الذكر على التوالي “1.18%” و”6.2%” و”1.8%” و”5%” و”11.5″.”8″          4 – ولا يقل نمط توزيع الملكية والحيازات الزراعية في تأثيره السلبي عن باقي العناصر التي ذكرناها في هدر الزراعة العربية. وهذا العنصر ذو تأثير سلبي على الزراعة في كل دول الجنوب، وليس على صعيد الدول العربية فقط, علما بأن نمط الحيازات هو في الغالب موروث استعماري سواء على صعيد التشريعات والقوانين الناظمة أو على صعيد الأسماء المالكة.          “فعلى صعيد التفاوت، فقد أظهرت دراسة عن “85” بلدا في العالم الثالث الذي يشكل الوطن العربي أحد أجزائه, أن ما يزيد قليلا عن “3%” من كبار ملاك الأراضي “أي أولئك الذين يملكون من “114” فدانا فم فوق” يسيطرون على “79%” من كل الأراضي المزروعة. في حين أن الأرض بالنسبة لهم أو لكثير منهم لا تمثل مورد رزق مباشر, الظاهرة التي ساهمت في إهمالهم الاعتناء بها, ما يجعل مردوديتها في معظم الأحيان متدنية نسبيا بالمقارنة بمردودية الأراضي التي لا تشكو تَغَيُّبَ مالكيها”.”9″          5 – ولإحكام الطوق على الدول النامية في موضوع التنمية الزراعية لم يقف حد الحصار والالتفاف والتشويه عند الشركات العالمية للغذاء، وعند نمط توزيع الحيازات والملكيات الزراعية، وإهمال أصحاب الريع النفطي لتحويل رساميلهم النفطية إلى مشاريع زراعية منتجة وحقيقية. بل راحت المؤسسات المالية العالمية التي ربطت تنمية دول الجنوب بالاقتراض منها تتدخل في المسألة بصورة تمعن في خلق تبعية مفرطة لتلك الدول بمحور رأس المال العالمي, ليس فقط عبر التحكم في مجالات إنفاق قروضها إلى تلك الدول, بل وأيضا في خلق المفاهيم التنموية لديها.           “فالبنك الدولي أكد حضوره حين أورد في تقريره لسنة “1982” ما يلي: حتى إذا ما برهنا على أن الزراعة التصديرية تطورت على حساب الإنتاج الغذائي, فإن إستراتيجية اكتفاء ذاتي لا تتعارض بالضرورة مع مبدأ تعويض الزراعات بزراعات تصديرية، لأن مثل هذه الزراعات هي الكفيلة وحدها بالحد من مخاطر العجز عن تسديد القروض التي تتلقاها بعض أقطار المنطقة كجزء من العالم الثالث من البنك الدولي”.”10″وهكذا فليس بذي أهمية في عرف البنك الدولي، أن يكون الاكتفاء الذاتي ذا دلالة سلعية، بل حتى لو تحقق ذلك عن طريق توفر النقد القادر على شراء الغذاء من الخارج، فإن ذلك جيد ولا تعارض بينه وبين متطلبات الأمن الغذائي الوطني. ولأن تأمين ذلك النقد لا يتم إلا عن طريق إنتاج السلع التصديرية الجالبة له من الخارج إلى خزينة الدولة، فإن إنتاج تلك السلع هو السبيل الأضمن لتحقيق الاكتفاء الذاتي. فعندما يُنتج شعب ما غذاء لا يقبل التصدير، فإنه في نظر البنك الدولي سيعجز عن أن يسدد فوائد وأصول القروض السابقة، وبالتالي فلا مفر من إنتاج ما يقبل التصدير للحصول على نقد أجنبي، تُسدد به القروض فوائداً وأصولاً، ويشترى به الغذاء من الخارج!!          وهكذا تغدو السياسة الزراعية التصديرية والتي تساعد على تسديد القروض مهمة لهذا الغرض تحديدا. فلتمت الشعوب إذا شاءت جوعا، ولتسؤ تغذية أطفالهم، وليرتهنوا لمنتجي الغذاء العالميين، وليغيروا كل ثقافاتهم وتقاليدهم الغذائية، ولينحروا أنماط استهلاكهم التي جعلتهم في مأمن من الغوائل آلاف السنين، من أجل سداد القروض التي ورطتهم فيها سياسات تنموية مشوهة في الأساس. لا بل أن الدول الغنية راحت تحاول الالتفاف حول ما تبقى من عنق هذه الدول المتخمة بالمشكلات التنموية، عبر ما سمي وعرف بالمعونات التي تقدمها تلك الدول للدول المحتاجة، علما بأن مبدأ المعونة لا يختلف في نتائجه النهائية عن مبدأ القرض بكل سلبياته.          “فالمعونة يستثمر جزء منها في القطر الذي تلقاها لخلق طلبات جديدة على سلع وخدمات تنتجها أو توفرها الدول التي منحت المعونة. ولتلبية تلك الطلبات لا بد من الاستيراد وبالتحديد من تلك الدول، حتى لا يتوقف النشاط، ومن ثم السقوط في أيدي أخطبوط التبعية من خلال الآلية آنفة الذكر”.”11″ وهكذا يغرق الجميع في هذه الحلقة المفرغة التي لا تنتهي من التنمية المشوهة التي قامت على هدر الإمكانات الذاتية، خالقة نمط حياة ارتبط بالاحتكارات الدولية، ارتباطا لا مخرج منه إلا بالقبول بهدم كل البناء الأيديولوجي الذي قامت عليه تلك السياسات التنموية، وهو ما يعتبر شكلا حقيقيا من أشكال الثورة على الموروث الاستعماري الذي انتقل بالبلدان وبالشعوب العربية من استعمار الأرض بشكل مباشر من قبل أجنبي بغيض، إلى استعمار الاقتصاد من قبل حليف أبغض لذلك الاستعمار. لا يمكن للفئات البيروقراطية الحاكمة وحلفائها من أصحاب رأس المال المحلي، أن يوافقوا عليه بمحض إرادتهم!!الهوامش..1- كتاب “الإمكانات العربية , إعادة نظر وتقويم في ضوء تنمية بديلة “, تأليف “د. علي نصار “, مركز دراسات الوحدة العربية, الطبعة الثانية, بيروت, “1985”, ص “15-16”. 2- مجلة الباحث العربي, عدد “7”, نيسان وحزيران “1986”, العلاقة الجدلية بين النفط والمياه والإنماء في الوطن العربي, د. محمود عبد الفضيل, ص “47”.3- مجلة الحوادث , بتاريخ “10/4/1987” , ص “44”. 4- مجلة الباحث العربي , المرجع السابق , ص “57”.5- مجلة المستقبل العربي , عدد “149”, تموز “1991”, مشكلة الغذاء في الوطن العربي, عبد القادر الطرابلسي.6- نفس المرجع السابق.7- نفس المرجع السابق.8- مجلة الباحث العربي, المرجع السابق, ص “56 – 57”.9- مجلة المستقبل العربي, المرجع السابق.10- نفس المرجع السابق. 11- نفس المرجع السابق.

اترك رد

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني.