مقتطف من بداية الرواية:
لن يصدق أحد ما آلت إليه عائلة الرضواني فمنذ ان استقرت قبل اكثر من نصف قرن تقريبا في العاصمة المتجهمة تحت غبار الصيف تاركة جذورها في المدينة الوسطى يشقى فيها نرها المتدفق , مخلفة امدادا مستحيلة الذكر , حتى تغيرت امور كثيرة باتت مدعاةلاستغراب المعمرين وحكماء
العشائر ممن عاصروا تلك العائلة وشهدوا تكوين صياغات مجيدة لشجرة عائلية عتيقة انحدرت بامجادها من خيام الصحراء ليستقر الأمر أخيرا بان تلتقي الابنة الصغرى بالرقعة العائلية المكتوبة في جلد غزال قديم في العشرة السادسة لهذا القرن في المنقلة الباردة لتوقد نارها الضئيلة , في ليلة جليدية ,
انطلق فيها شيطان الزمهرير عابثا في عظام اولادها الستة المتضورين جوعا المتربصين بالنار لاصطياد دفئها الباهت , حتى انها قبل ذلك وبلحظة ياس خبيثة منحت بناتها عوضا عن الدمى الوسام الملكي الطاهر الذي شرف إحدى مزارعه فاتحا يثمنها مدرسة لتعليم الأطفال الحفاة الذين كانوا يلتهمون الطباشير كأنه
قطه حلوى , ويجلسون فاغري الأفواه ينشون الذباب المحلق حولهم , ويرددون كالببغاوات ببله شديد اناشيد صعبة المعاني كان ( الملا) ينظمها بمفسه , حالما بالفروسية المجيدة تاركا لسائسه وحافظ أسراره
وآخرمخلفات جبروته ان بلحنها على صوت ربابته الأثرية المتوارثة لأبيه عن جده , معتبرا إياها عنوان سلالته الصغيرة , ثم مالبث بعد ذلك بسنوات كثيرة ان اشتهر بها وذاع صيته في البلاد , مسدلا آخر ستارة يمكن ان ترفع على مسرح تاريخ الرضوانية
إلا ان ستارا آخر مختلفا أسس حين افتتحت إحدى بنات الجيل الروصاني الثالث قبل نهاية القرن, بيتا للهو الشهواني الرفيع _ ص 5
*************
مقتطف من مطلع الرواية يختصرها جميعا ومااختصرت…
من نهايتها:
في ذلك المكان مكان دفن الجنود أحياءا تحديدا استيقظت على نحو غريب نباتات صبيرية ليس لها شبه قيل أنها تبث عطرا فواحا باعثا على البكاء وقد احتار الجيولوجيسون من الندى الاحمر المتجمع فوق الأشواك الصحراوية , وفسره البعض ممن لا خيال له بأنه انعكاسات شمس المغيب على قطرات الماء ,
إلا أن الصوت المنطلق في نواح حزين متناغم مع عطر دموع ( الصبير) الدامي ظل لغزا بلا تفسير , فيروح عطره يطوف في أرجاء المكان حتى الصباح , ونقل بعض الرعاة أن الحجارة تئن هي الاخرى , وتنادي متفجعة بصوت هامس:
-يمه ..يـ..مـّ..ـه
ولم تنفع كل التحليلات العلمية والمختبرية باكتشاف أسباب خليقة ( الصبير) الانين , واعتاد الرعاة بعد ذلك على شهقات الأنين كل مغيب وقد ساد اعتقاد راسخ بينهم ان جوقة الأرواح التي فاضت في غروب حزين بقيت تعلق أنفاسها ملتاعة لاحضان الأمهات.
********
رؤية نقدية لرواية قبل اكتمال القرن…
أوجه شكري اولا للأديبة عائدة محمد نادر لدعوتها لي لأمسية نقدية لرواية أختها ذكرى محمد نادر /التي احترم وبعد:
**********
لاأظن أن رواية بهذه القامة الرفيعة يمكن أن نضيف لها أكثر مما قدم الدكتور حسين سرمك بكتاب نقدي خاص تستحقه  وتوضح زوايا ربما من زحام الأفكار لدى الكابة لم يتضح تماما فكانت المكمل والهام لها كرديف وضروري جدا, يمكننا وضع بعض نقاط انطباعية لدى مطالعتنا او نهمنا في متابعة تلك الرواية التي لاتخص العراق عامة
بقدر ماتمت بصلة ما محورية بعيدا عن البيئة الخاصة العراقية للبيئة العربية ككل …
فكم المتناقضات التي تحويها بيئتنا الاجتماعية يجعلنا نتساءل بقوة:
-الا يوجد فيكم رجل رشيد؟ أي كيف يمكننا ان نحمي من استطاع اختراق الواقع  المر بنظافة؟أمر محير ومرهق حقيقة والعالم كومة شوك لاسعة!!
لقد كان جهدا تأريخيا ضخما ولغويا ثرا ومما أثار استغرابي:وربما لفت نظري أنها حظيت بالفوز الذي تستحقه تماما دون إضاءات إعلامية كان يجب أن تنالها بقوة , ويمكننا حصر نقاط النجاح ولست أزكي نفسي عن اللجنة لكن كانطباع قارئ فقط:
1-المبنى اللغوي المتين دون نفوذ لفظة في غير محلها وأؤيد وجهة نظر الدكتور حسين سرمك في كتابه النقدي:رواية قرن الخراب العراقي العظيم.( وحسب قول الأستاذ قيس غلمت: بلاد الشام لغتها فطرية بينما العراق متأصلة في جذور الفطرة والتعليم.)
ان كلمة حرب لاتفي بالغرض امام تصفية شعب كامل ..وأقول لاتفي كلمة حرب بما يجري على امتداد الوطن العربي إنها عملية تصفية بشرية وأخلاقية ودينية كبيرة…
2-المضمون التاريخي والبعد النفسي الصادق الذي كان أمينا على الوقائع الحقيقية , وإن التشعب الحاصل فيها  لولا الكتاب  النقدي  أكرر والذي كان كملحق  للرواية  كان ضروريا ,لتوضيح جوانب صعبت على المتلقي  فهمه بسهولة ,للزحام الحدثي لو جاز التعبير الذي أربك القارئ رغم عنصر التشويق القوي فيها, وسوف يحضه على القراءة من جديد ( كما حدث لي مع الأديبة العاسمي في روايتها ),
ورغم كم الألم المتوازي مع الإضاءات الجريحة في الشخصيات إلا ان الحزن كان مخيما بظلاله السود على طول خطوط الرواية حتى لتخال الدنيا خلت من الأخيار!!!! هل هو وفاء للواقع ام فبركة مقصودة؟.
3- السرد الشيق والمؤلم في ذات الوقت الذي جعلنا نستعرض الرواية كبانوراما كاملة تجتزي منها صورا متلاحقة وتضمها لبعضها كشبة احداث مافتئت تكرر بعض  منها توظيفا لفكرة الفساد والظلم في البيئة ,شخصيات تملك من المتناقضات ماتنوء بحمله  ومن الآلام مالا يطيقها إنسان واحد يعينه.
كان السرد عميقا ارتقى عن كلمة سرد ليكون تأريخ تفصيلي قوي لم ينحدر للترهل أبدا لزخم الاحداث وتلاحقها بلهاث متواصل وكأن الاديبة وسط حلبة عراك وصدام متواصل, ترصد بكاميرا مكبرة ,وتكتب ماترى  ويكاد يصيبها الشرر فتبتعد بقدر ماتقترب…
4-كانت الرواية ثوبا جمع بين الصنعة الروائية والإبداع القصصي بحيث نسقت  الكاتبة,وجمعت  بين الصور والتعابير الجديد الفاتنة وبين الصنعة الروائية الشبكية الواضحة فلم تمض بخط سردي رتيب بقدر ما كانت شكبة كبيرة جمعت معظم الشخصيات على قصعة الموت المتلاحق…
لاأحاول محاذاة الدكتور حسين  هنا ,بقدر ماأعذر تفاعله مع واقع يمسه كعراقي وقد ذكر في الأمسية تلك 1-1- 2011 السبت -في النادي العراقي في حي العفيف بسوريا
والرواية من طباعة دار الينابيع بدمشق.)
انه عانى كذلك من ويلات الحروب ووقائعها , حيث يضمن كتابه بعض ملاحظاته عن الشجناء بعد خروجهم وماصاروا إليه ,وهنا إذ نرى ان الناقد متعايش مع الأزمات التي أصابت العراق ولو بعضها ليكون مفتهما لحيثيات خاصة لن تكون معالمها واضحة لو كان الناقد من غير تلك البيئة .

**
مما أثار استغرابي أيضا عدم أيراد سيرة حياة المؤلفة ! ليس بالضرورة ان نفرد صفحات وهذه روايتها الأولى لكن من حق القارئ ان يعرف من هي ذكرة محمد نادر ولو في  سطور,
وربما حضوري وضح لي عن تلك الصحفية الشجاعة التي تعيش حاليا في جنيف ولكن القارئ سوف يجد تلك الصفحة تنتظر التسطير نرجوها في التآليف اللاحقة التي نتمنى من القلب ان تكون بنفس المستوى الرفيع هذا.
جمل تختصر الزمن:
من جمل مأثورة تضمنتها الرواية نجتزي بعضها:
السياسة كالدعارة لكليهما شبه
اظننا اقوام لانقوى على ان نحيا اللحظة بعمق تفاصيلها نحن اجبن من هذا الا اننا نسعد كثيرا باستعادتها في غبش احلامنا واقاصيصنا
افضل مافي المصائب انها تعلمنا كيف نحمي قلوبنا لئلا تتكسر كهذه الصحون
عندما لايكون ثمة امل في احد ما في امر ما لن يكون هناك الم لن يكون هناك خيبة ان الالم كله يكمن في الخيبات التي يسببها من نرجو ان يمنحونا ما نحلم به.
ليس هناك من قوة عظمى في الغرب الا وتريد ان يكون لها وريث في بلاد الرافدين!!

************
يتبع
ريمه عبد الإله الخاني-15-1-2011