www.omferas.com
شبكة فرسان الثقافة

أباؤنا يأكلون أبناءنا/صلاح صبحية

0

إنها الصورة القاتمة دائماً في مجتمعنا العربي والإسلامي ، صورة الأسرة المتفككة ، التي لم تقم على أساس من المصداقية بين الزوجين ، فبدل أن تسود المحبة والمودة والرحمة والسكينة بينهما ،

إنها الصورة القاتمة دائماً في مجتمعنا العربي والإسلامي ، صورة الأسرة
المتفككة ، التي لم تقم على أساس من المصداقية بين الزوجين ، فبدل أن
تسود المحبة والمودة والرحمة والسكينة بينهما ، تسود الكراهية ويعم الحقد
في أركان البيت ، وينعكس ذلك سلباً على الأولاد ، فيكون الضياع للجميع ،
والذي يزيد المشكلة تعقيداً وسواداً أننا نسينا تعاليم ديننا الحنيف في
معالجة المشاكل التي تقع بين الزوجين ، نسينا التحكيم ، حَكمٌ من أهله
وحَكمٌ من أهلها ، وبدل أن نبادر إلى معالجة المشكلة بالحكمة وألا نكونَ
إلا طرف خيرٍ بين الزوجين ، يصبح أهل الزوجين طرفين في مشكلة الزوجين ،
تاركين تعاليم دينهم ووصايا رسولهم الكريم ، فتتفرق الأسرة ، الأب  ينتقم
من زوجته فيأتي لأولاده بزوجة أب  تفعل فيهم ما تفعل ، والأم تتوه وسط
المجتمع فهي المطلقة لا دليل لها سوى كرهها المتزايد لمن كان زوجها ،
والأولاد يضيعون في الشدّ بين الأبوين وربما بين الجدين ولكنهم يجدون بين
ثنايا المجتمع أرضاً خصبة لانحرافهم ، انحراف سببه أبوين متضادين لم
يستطيعا إلى العيش المشترك سبيلا ، ضياع ٌ يتلوه ضياع ، والبيت الذي كان
يضم الجميع  أصبح أرضاً حراماً ، وأصبح أرضاً محتلة من قبل زوجة الأب فهي
الحاكمة المتصرفة بكل شؤونه وموجوداته ، ولكن الثمن الأغلى هو الذي يدفعه
الأولاد  من مستقبل حياتهم  ، حيث يضيع الولاء والانتماء وتصبح الرؤية
ضبابية فلا أحدٌ من الأبوين والأولاد قد وجد ضالة الصواب فعاد إلى
حقيقته ، عاد ليعيش تحت سماء المودة والسكينة ، فكل فردٍ في الأسرة هو
سكنٌ وسكينةٌ لبقية أفراد الأسرة ، الأسرة السليمة في المجتمع السليم .
       هل هذا يعني أننا لسنا جميعاً على قدر المسؤولية في بناء الوطن ؟ نعم
فلقد أسقطنا الوطن من حساباتنا وفي كل تصرفاتنا ، وأصبح الوطن آخر شيء ٍ
نفكر به ، أو أصبح الوطن لا قيمة له في ظل الطلاق الذي أصبح طلاقاً
بائناً بينونة كبرى لا رجعة فيه ، فقد خربنا بيوتنا بأيدينا والآخرون
كلهم يريدون لبيتنا الخراب ، وأولادنا يصيحون في وجوهنا أن اعقلوا أيها
الآباء ، حافظوا على بيوتنا ، ارحمونا من خلافاتكم ، ولكن كل أبٍ في هذا
الوطن يصيح في وجه أبناءه بأنً هذا الوطن لي ، والأولاد يصيحون بأنّ هذا
الوطن لنا جميعاً فلا تمزقوه وتحولوه إلى ممالك وطوائف ، ولكن لا حياة
لمن تنادي ، فالأب قد اكتفى بالجزء الذي يعيش فيه من الوطن ، والأم
استطاعت أن تخرج من تحت طاعة الزوج وهي تستر عوراتها بقسمتها لأرض
الوطن ، ولكن أمام الجميع أصبح الكل عراة إلا من أسمائهم التي ما عادت
تحمل معانيها التي كانت لها يوم الولادة ، ورغم كل الخراب الذي لحق
ببيتنا الفلسطيني فما زال الانقسام هو ديدننا في كل تصرفاتنا ، لأنّ
الأقدام المبتورة ، والأيدي المقطوعة ، والعيون المفقأة ، والأجساد
المشوهة ، والأبناء المعتقلون في كل سجون الوطن ، والقتلى الذين مثّل
بهم ، جميعهم يصرخون ، أخي لا تصالح ، نداء الإثم والعدوان ، كيف لا
يصالح الأخ أخيه ، وكيف لا يصالح الأب بنيه ، وكيف لا يصالح الولد أمه
وأبيه ، أم لكل واحد منهم شأن يغنيه ، وكل واحد أهم من الجميع ، وكأنهم
لم يسمعوا رسول الله محمد صلى الله عليه وسلم وهويقول ( إذا التقى مسلمان
بسيفهما فالقاتل والمقتول في النار ، قيل يا رسول القاتل في النار فكيف
يكون المقتول في النار ، أجابهم لأنّ المقتول لو تمكن من قتل صاحبه
لقتله ) ، هذه هي حقيقة واقعنا الفلسطيني المر ، كلنا قتلة ، وكلنا في
النار ،  لأننا وبدون خجل رفعنا أسلحتنا في وجوه بعضنا ، وقبل أن نرفع
أسلحتنا تطاولنا كثيرا على بعضنا  فتبادلنا التهم التي لم ترحم أحداً
فينا ، فهل من مصالحة اليوم بين الكبار لتنعكس مصالحة بين الكبار
والصغار ، أم ما زالت وسوسات الشياطين تأخذ مجراها في نفوسنا ، فما أروعك
يا هاجر وأنت ترمين إبليس اللعين  بحجارة  تستمد قوتها من الله سبحانه
وتعالى ، فأي إبليس سنرميه بحجارة مكتوب ٌ عليها ، تعاونوا على البر
والتقوى ولا تعاونوا على الإثم والعدوان ، فقد أصبح إبليس ُ مسيطرُ
علينا ، فنقف على منبر رسول الله لنلعن الانقسام ،انقسام الوطن ، ونحن من
قسم الوطن ، فبدل أن نكذب ونشوه الحقيقة باسم الله ، لماذا لا نخجل من
أنفسنا أمام الله وأمام أبناء الوطن ، ولماذا لا يخجل الكبار أمام الصغار
ويعترفوا بخطاياهم ويتوبوا إلى الله ، ولماذا يبقى الكبار يزرعون الأمل
أمام أعين الصغار ولكنهم سرعان ما يحولون الأمل إلى سراب ، يجتمع الكبار
في كل مكان ، ويستظلون بالبيت الحرام ، ولكنهم لا يعرفون إلى الحرام
طريقاً ، فكل حرام هو حلال ، حتى أصبح الإثم والعدوان هو شعارنا اليومي ،
فلا يجلسون في مجلس صلح ومصالحة إلا ويخرجوا منه أشدّ تنافراً وتباعداً
وتباغضا ، ولسان حالنا يقول يا ليتهم ما التقوا ولا اجتمعوا ، فاجتماعهم
كان على ضلالة ، فكل واحد منهم يريد الغنيمة له وحده ، وكلٌ منهم لم يعد
حامياً للوطن ، فالجميع نزلوا عن الجبل ، ودارت عل الجميع دوائر السوء ،
ولا أحدٌ استطاع أن يدرأ عن نفسه السوء والمفسدة ، فإذا بالآباء يأكلون
أبناءهم دون أن يشعروا بمرارة اللقمة وأجاج الشربة ، فمتى يصحو الجميع من
تنويمهم المغناطيسي من قبل راسبوتين هذا العصر .
فلسطين – ترشيحا  في  20/11/2010    صلاح صبحية
salahsubhia@hotmail.com

اترك رد

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني.