www.omferas.com
شبكة فرسان الثقافة

وقوف على الرصيف… بقلم آرا سوفاليان

0

إن ألف باء الإدارة تفرض الشيء المنطقي الآتي: لا يمكن لي معاقبة من قصرتُ في تأدية حقوقه فكيف هي الحال والمُعاقب لم يأخذ شيئاً من حقوقه بالمطلق… إن حدث ذلك فيجب البدء في معاقبة نفسي قبل البدء في معاقبة الناس وهذا هو الحد الأدنى من المنطق… وإن كنت لا أستطيع معاقبة نفسي لاعتبارات معروفة فعليّ التوقف عن معاقبة الناس…

وقوف على الرصيف… بقلم آرا  سوفاليان
إن ألف باء الإدارة تفرض الشيء المنطقي الآتي: لا يمكن لي معاقبة من قصرتُ في تأدية حقوقه فكيف هي الحال والمُعاقب لم يأخذ شيئاً من حقوقه بالمطلق… إن حدث ذلك فيجب البدء في معاقبة نفسي قبل البدء في معاقبة الناس وهذا هو الحد الأدنى من المنطق… وإن كنت لا أستطيع معاقبة نفسي لاعتبارات معروفة فعليّ التوقف عن معاقبة الناس… الشريعة الإسلامية لا تقطع يد السارق الذي يسرق ليأكل… ولكنها تحاسب وبشدة من دفعه لأن يفعل ذلك.
قال أحد المستشرقين الانكليز في معرض رده على مساعد له يدعوه لاعتناق الإسلام: أعيدوا العادل الفاروق عمر بن الخطاب ثم ابحثوا عن إنسان واحد غير مسلم!
على المقصر في تأمين ما يلزم للناس أن يعاقب نفسه أولاً وإن لم يستطع فعليه أن يتنحى أو يتوقف عن معاقبة الناس وهذا أضعف الإيمان، لا نريد من أحد أن يحمل لنا كيس الطحين ولكن نريد أن نُترك وشأننا عند وضعنا في ظروف قاهرة لا نملك حيالها أي مخرج.
الأسبوع الماضي كنت مدعواً لإجراء مقابلة عمل أعلّق عليها أهمية كبيرة وكان عليّ مقابلة لجنة من الأجانب للعمل في شركة أوروبية لها فرع في دبيّ… وارتكبت خطأ قاتل عندما ذهبت بسيارتي وعللت نفسي بأن هذا العمل سيوفر عليّ بعض الوقت وسيحافظ على رونق الملابس التي ألبسها ونظافة الحذاء… ووصلت إلى المكان وهو في المزة فيلات غربية… وبحثت عن مكان قريب أضع فيه سيارتي ولكن عبث، ذهبت إلى الأمام ووصلت إلى آخر الطريق واستدرت عائداً ومشطت الشارع المقابل دون فائدة، وناديت عامل باركينغ وطلبت منه أن يتكفل بالسيارة فرفض استلام المفاتيح وقال لي: نحن في ورطة والسيارات عالقة في الباركينغ الذي لم يعد يستوعب دولاب سيارة واحدة.
انحرفت في الشارع اليميني وصعدت باتجاه الحديقة ودرت حولها مرتين دون فائدة ودخلت في حارة فرعية خلف الحديقة وخلفي بضعة سيارات والكل يبحث عن مكان للتوقف دون فائدة وجاء في مواجهتي رتل سيارات آخر وعلقنا جميعاً لأنه وعلى الرغم من أن هذه الحارة هي باتجاهين وتعتبر كافية جداً بالرغم من وقوف السيارات على اليمين وعلى اليسار ولكن الشيء الغير محسوب حسابه هو ترك السيارات في وسط الشارع كرتل ثاني والذهاب دون ترك رقم موبايل… وكانت علقة أسطورية خرجت منها بصعوبة هائلة… وجربت تغيير المنطقة ككل فمضيت بعيداً جداً ووصلت إلى تقاطع كل السيارات فيه على الرصيف وانتظرت طويلاً دون فائدة، ونزلت سيارة تقودها سيدة عن الرصيف ورَحلتْ فطرت كالصاروخ وأخذت مكانها وأنا أعتقد أنني عثرت على كنز.
أقفلت السيارة وحاولت الذهاب إلى موعدي لأكتشف بأنني ضعت… ويبدوا أنني ذهبت في اتجاه آخر يعيقني أكثر… فقررت البحث عن تكسي ولكن عبث لأنه لا يوجد تكسي في هذه الأماكن التي يملك فيها كل شخص أكثر من سيارة واحدة… وسألت… والذي يسأل لا يضيع ووصلت إلى المكان المطلوب وأخذت المصعد ودخلت الردهة وبحثت عن الباب الذي يحمل الرقم المطابق للعنوان الذي أحمله وقرعت الباب بلطف… فلم يفتح لي أحد… فقرعت بلطف أقل ثم أقل… ففتحت لي الباب إحدى الموظفات… فعرفتها عن نفسي وأنني حضرت من أجل المقابلة… فنظرت إلى ساعتها وقالت: آسفة أيها السيد فأنت متأخر عن الموعد المحدد لإجراء المقابلة خمسٌ وثلاثون دقيقة تم خلالها اختيار ثلاثة متقدمين سيتم انتقاء أحدهم… واللجنة هي الآن بصحبة المدير وقد خرجوا منذ دقائق ولا بد أنك قابلتهم في بهو البناء.
عدت من حيث أتيت وكانت متاهة ثانية أصعب من الأولى لأني لا أعرف هذه المنطقة بأكثر من الشارع العام أما التفرعات وما يتفرع عنها فهذا بالنسبة لي هو في علم الغيب… وتحولت أمنياتي كلها إلى أمنية واحدة هي العثور على السيارة والعودة من حيث أتيت… ونجحت في الوصول إلى سيارتي بعد إتباع خطة أسلكها في كل مرة يحدث لي فيها ما حدث وهي: أن أتوقع الطريق وأضع الاحتمال الوحيد للوصول إلى مكان السيارة ثم الأخذ بعكسه تماماً وهذه القاعدة سحرية وتناسب بلدنا… ووصلت إلى سيارتي التي تقبع على الرصيف هانئة وادعة مطمئنة تنتظرني بمنتهى الشوق واللهفة وعندما ولجتها عرفت سبب هذا الشوق وهذه اللهفة، فلقد تم وضع مخالفة وقوف على الرصيف تحت مسّاحة البلور الأمامي!!!
فنظرت إلى يمين ويسار سيارتي فرأيت كل السيارات على الرصيف وعلى الرصيف المقابل رأيت نفس الشيء كل السيارات على الرصيف … سألت نفسي… لماذا أنا بالذات وعلى أي أساس تم اختياري دون الآخرين؟ وكيف عرف الدرّاج أنني غريب عن المنطقة وأن جناحيَّ قصيرين… أما الحد الأدنى من العدالة فهو الآتي: يجب تأمين مواقف للناس مأجورة أو غير مأجورة وبعد ذلك مخالفة المخالفين… وان كان هذا مستحيلاً بسبب اعتماد التوسع العمودي لدمشق على حساب التوسع الأفقي المُكلف بسبب جشع أصحاب الأراضي من جهة والتكتم على مخططات التنظيم والتوسع وعرقلة مخاضاتها وولاداتها بانتظار مستثمر دسم ينطبق عليه المثل الشامي المعروف المتعلق بالعسل وأسعاره…  خاصة وأن الخروج من دمشق بالبولمان سيوصلك إلى أرض قفر بعد عشرة دقائق مسير… فيجب إلغاء هذه المخالفة بالمطلق بسبب التقصير في إيجاد مواقف وهذاً أولاً وبسبب اللا عدالة والعشوائية الناظمة لهذه المخالفة حيث تتم مخالفة سيارة قد تكون الأقرب لمكان وقوف الدرّاج وإهمال ألف سيارة أخرى تقف في وضع مخالف مشابه وعلى الرصيف… قليلاً من الشجاعة وقليلاً من الاعتراف بالحقيقة وبالتقصير…كيف يتم هذا الحشد الهائل كرمى لعيون تجار السيارات ولما يدفعونه فيتم إغراق البلد بهذا العدد الرهيب من السيارات الذي يفوق قدرة البلد على الاستيعاب دون فتح شوارع جديدة…فيتم الوقوف في الشوارع على اليمين وعلى اليسار ورتل ثاني ورتل ثالث وعلى الأرصفة وفي الحدائق العامة وفي مداخل البنايات… أوجدوا أمكنة لوقوف السيارات خاصة وأن أصحابها صاروا الآن يدفعون أضعاف قيمة المخالفات والضرائب التي كانوا يدفعونها من قبل من أجل طرقات لا تشبه الطرقات ومن اجل حفر ومطبّات تختزل نصف العمر الافتراضي لاستخدام المركبات… قليلاً من الشجاعة والصدق مع الذات… أين سنضع سياراتنا هل نتعاقد مع روافع هيدروليكية ترفع سياراتنا إلى أسطحة البنايات!!!
 أوقفوا هذا النوع من المخالفات أو قننوها فتصبح مخصصة لأصحاب الضمائر الميتة بالمطلق والذين يتوقفون في أماكن يستحيل التوقف فيها كالمنعطفات الخطرة والساحات وفي ممرات المشاة وتحت أعمدة الإشارة والذين يتركون سياراتهم رتل ثاني وأحياناً رتل ثالث ويذهبون دون ترك رقم موبايلاتهم… قليلاً من الشجاعة واحترام الناس وأغلبهم مثقفين وأطباء ومهندسين ومعلمين وقضاة وحملة شهادات جامعية قليلاً من الاحترام للإنسان ولسوريا وشعبها الذي يستحق معاملة أفضل من هذه المعاملة وبكثير… افعلوا ذلك وثقوا أنها الخطوة الأولى في طريق التقدم لأنها الخطوة الأول في احترام الإنسان هذا المخزون الثمين والذي قيل فيه ـ الإنسان هو أغلى ما نملك ـ فكروا في وضع هذا الشعار موضع التنفيذ واستعدوا للحصاد.
آرا  سوفاليان
 Ara  Souvalian
arasouvalian@gmail.com

اترك رد

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني.