ما هو الفرق بين اللص وبين من يضرب سيارة متوقفة ويهرب؟ في الواقع لا يوجد فرق ابداً لأنه وفي الحالتين هناك اعتداء على اموال الناس مشفوع بالندالة والجبن وانحطاط الضمير. ان تدني الأخلاق لدينا وصل الى درجة انقطاع الرجاء، ولتوصيف أكثر دقة يمكنني أن أصف للقارئ الجحوظ والاستدارة والفنجرة… هذا التحول الذي حدث في عيني ابنتي الصغيرة كارني أميرة الرياضيات عندما عَرِفَتْ ان الصفر ليس أصغر الأعداد في الحساب وأن هناك قيم سالبة أيضاً لا تنتهي تمضي في الاتجاه السالب وكلها أصغر من الصفر… وهذا حال أخلاقنا الآن التي وصلت الى
أضرب وأهرب يا عديم الشرف… بقلم آرا سوفاليان
ما هو الفرق بين اللص وبين من يضرب سيارة متوقفة ويهرب؟ في الواقع لا يوجد فرق ابداً لأنه وفي الحالتين هناك اعتداء على اموال الناس مشفوع بالندالة والجبن وانحطاط الضمير.
ان تدني الأخلاق لدينا وصل الى درجة انقطاع الرجاء، ولتوصيف أكثر دقة يمكنني أن أصف للقارئ الجحوظ والاستدارة والفنجرة… هذا التحول الذي حدث في عيني ابنتي الصغيرة كارني أميرة الرياضيات عندما عَرِفَتْ ان الصفر ليس أصغر الأعداد في الحساب وأن هناك قيم سالبة أيضاً لا تنتهي تمضي في الاتجاه السالب وكلها أصغر من الصفر… وهذا حال أخلاقنا الآن التي وصلت الى الصفر منذ مدة طويلة وتكاد تصل الى اللانهاية السالبة الآن!
تعتبر حركة ناقل السرعة في السيارة والتي تؤدي الى رجوع السيارة الى الخلف من أخطر حركات السيارات في سوريا خاصة إذا كان السائق بهيم… ففي أغلب محاولات صف السيارة بين سيارتين متوقفتين تحدث نعرة بمؤخرة السيارة التي يقودها البهيم في واجهة السيارة التي تقف في الخلف ولا يدرك البهيم ان المسافة المتروكة غير كافية لدخول سيارته إلاّ بعد ان يسمع ضرب الحديد بالحديد والأسوأ هو ضرب الحديد بالبلاستيك فيضع السرعة الأولى ويهرب ليعيد الكرّة في مكان آخر ومع سيارة أخرى والمسألة تشبه من يحاول ارتداء حذاء مقاسه أربعين وهو يعلم أن مقاس قدمه ثلاث وأربعون… ونتائج النعرة متفاوتة وتتعلق بقوة النعرة الراجعة ونسبة الأدرينالين في دم الناعر، وهي تتراوح بين القحط او الطعج أو كسر الفوانيس الأمامية أحدهما أو كلاهما وقد يضاف الى ذلك أثر حميد آخر وهو خلع الطبون البلاسيكي ووقوعه على الأرض بإنتظار وصول المنكوب.
أذكر حادثة وقعت لي في سيارتي القديمة عندما قررت نفضها ودهنها كحلي ميتاليك فدفعت ما يوازي نصف ثمنها وكانت في مرحلة البوليش ولم تنتهي بعد حيث ركنتها في حارة من حارات شارع خالد بن الوليد وذهبت الى مستودع أدوية وعندما عدت كانت السيارة وكأنها قد خضعت لعمل ارهابي فلقد رجعت عليها شاحنة يقودها بهيم مما ادى الى تحطيمها من الواجهة لدرجة انني لم أعد أعرفها… وهرب الفاعل ووصف لي بعض الأطفال شكل الشاحنة ولونها وشادرها ولكنهم لم يفطنوا الى أخذ رقمها.
ذهبت بها فوراً الى كراج الكويت الى محل الصاجاتي كرمو الذي طُرد منذ فترة بسيطة مع كل شاغلي كراج الكويت من مكنسيانية وصاجاتية وكهربجية سيارات ودهّانين دون أي تعويض ووجدوا انفسهم في الشارع… ذهبت وقتها الى محل كرمو الذي نظر الى السيارة فإزرق وجهه ثم تحول الى نفس لون السيارة وهو الكحلي ميتاليك… وقال لي: يا حرام السيارة لسا مو مبولشة… كيف حدث ذلك ؟؟؟ قلت له لا أعرف… وتركت مفاتيح السيارة وذهبت.
صباح اليوم حدث شيء مماثل ولكن ليس معي والحمد لله (لأنو الشغلة في هذه الأزمنة الاسطورية مو متحملة نكّاشة ببور).
كنت أشرب قهوتي على البلكون وأمامي شجرة آني… وهي شجرة ياسمين صغيرة طلبت ابنتي الصغيرة آني ان نشتريها لها من بائع نباتات متجول مسكين وكبير في العمر… أهداها وردة عندما كانت تصعد الى البيت مع أمها…فاشترينا منه الياسمينة وصار اسمها شجرة آني.
فجأة دخل الحارة باص هوب هوب مدارس (ادارة موحدة) يضرب غمامة سوداء من عادمه الخلفي كفيلة بإعدام كل اشجار الياسمين في حارتنا وفي الحارات المجاورة مع ابنيتها وشرفاتها وغرفها عبر النوافذ المفتوحة وناسها وأطفالها وفرشها وأثاثها.
ووضع الرجل يده على زمور الهوا وحاول العودة الى الخلف ثم غيّر رأيه … يبدو أنه أضاع أحد زبائنه من الأطفال… قلت في نفسي (هيئتو مو جايبها على خير) وخاصة بعد أن وضع رجله على دعسة المازوت وصار يعطيها ويرخي يعطيها ويرخي يعطيها ويرخي ثم هجم الى الأمام وانحرف جهة اليمين في الحارة التي على اليمين والسيارات على الصفّين فرفع أول سيارة من السيارات المتوقفة على اليسار واستمر مندفعاً الى الأمام والضرر يتزايد لأن نمرة رجله كانت خمسين والمسافة المتبقية بين الصف اليميني والصف اليساري لا تستوعب هذا القياس… وتمتع الرجل بما حدث مستخدماً مرآته الجليلة ومضى مولياً الأدبار (مصدرها دبر).
طيب يا ابن الحرام تستطيع الهرب وبسهولة، ونستطيع أخذ رقمك وحفظه في الموبايل وبسهولة أكثر.
ـ لمن هذه السيارة المنكوبة؟
ـ لا نعرف… لم نراها من قبل… ربما تكون لزائر.
ولأول مرة يتم وضع ورقة مكتوبة بخط ولكن أنيق وفي مسعى خير تحت مسّاحة البللور الأمامي ومكتوب فيها.
آسف لما حدث لك… لقد ضرب باص مدرسة من فئة الهوب هوب وهو أقصى ما يستاهله أبناؤنا الطلاب… لقد ضرب سيارتك وهرب… وأخذنا رقمه وهو التالي… وحدث ذلك في الساعة الثامنة إلاّ ربع من صباح هذا اليوم… اسمي فلان ورقم موبايلي كذا ومستعد للشهادة معك بإعتباري شاهد عيان.
واتصل بي الرجل بعد ساعتين من الحادثة فتبين أنه جارنا في الحارة الثانية وشكرني وسألني عن بيتي فقلت له انظر الى بلكون الطابق الأول في البناية الكائة خلف سيارتك بعد تقطيع الشارع إن كنت لم تحركها بعد… فقال لي: الشباك العريض ذو البرادي الزرق… قلت نعم.
قال لي: هل بإمكانك النزول وملاقاتي قلت له: نعم ولكن يلزمني ساعة واحدة للوصول اليك فأنا في مكتبي الآن… قال لي: آسف ظننتك في البيت… قلت له: ماذا ستفعل الآن؟ قال سأذهب للشرطة لعمل ضبط… قلت له: أنا في خدمتك ومستعد للشهادة وإن أحببت فسأضع الفاعل غداً بين يديك وفي الساعة الثامنة إلاّ ربع لأنه سيعيد الكرةّ على الأقل في دخول الحارة الرئيسية حيث لا يمكنه أن يخزل زبائنه وأنا حفظت بالإضافة لنمرته شكل ولون مركبته الفضائية… سيعيد الكرّة في الغد لأن شجرة ياسميننا الصغيرة تتوق لرائحة الماظوطاط المنبعثة من عادمه وكذلك جدران منزلنا المطلية بالأبيض ورئتي كل طفل من أطفالنا في هذه الضيعة الضايعة… وفي الحقيقة فالرجل غير مذنب والمذنب الوحيد هو من سمح له دخول حاراتنا الضيقة بمركبته الفضائية العجيبة هذه والمستخرجة من المقابر ومن وضع هذا البهيم الذي يحمل شهادة قيادة خلف مقودها ليروعنا بها ويروع أطفالنا وسياراتنا… اتمنى لك حظاً سعيداً في المكان الذي ستذهب اليه الآن دون ان يكون هذا مضموناً حيث يمكن ان تكون معاناتك أكبر… الى اللقاء…. الى اللقاء الله معك… نعم ايها الجار المحترم هذا ما أتمناه الآن… أتمنى أن يكون الله معي.
آرا سوفاليان دمشق 4/10/2010
Ara Souvalian
arasouvalian@hotmail.com