قرأت العنوان الوارد أعلاه كاسم لمقالة نشرت في موقع دنتال غيتس الطبي الذي أشغل فيه منصب نائب المدير وكان العنوان مخيفاً بعض الشيء ـ أصعب يوم في سورية ـ وأصبت ببعض الخوف فأجلت قراءة المقالة إلى أن قرأتها اليوم وبالصدفة … في البداية ظننت أن المسألة تعود لعدوان الخامس من حزيران أو خفايا حرب تشرين التحريرية، عندما استطاعت الجيوش العربية إرباك إسرائيل التي خافت بشكل جدي ولأول مرة على وجودها ككل، وهي دولة نووية بلا منازع وعريقة بالإجرام وبدون ضوابط، أو أن المسألة تعود لبعض التهديدات الأخرى من الشمال، أو من الشرق، أو من البحر، أو أي شيء آخر سري، لا أعرفه.
النتائج وأصعب يوم في سوريا… بقلم آرا سوفاليان
قرأت العنوان الوارد أعلاه كاسم لمقالة نشرت في موقع دنتال غيتس الطبي الذي أشغل فيه منصب نائب المدير وكان العنوان مخيفاً بعض الشيء ـ أصعب يوم في سورية ـ وأصبت ببعض الخوف فأجلت قراءة المقالة إلى أن قرأتها اليوم وبالصدفة … في البداية ظننت أن المسألة تعود لعدوان الخامس من حزيران أو خفايا حرب تشرين التحريرية، عندما استطاعت الجيوش العربية إرباك إسرائيل التي خافت بشكل جدي ولأول مرة على وجودها ككل، وهي دولة نووية بلا منازع وعريقة بالإجرام وبدون ضوابط، أو أن المسألة تعود لبعض التهديدات الأخرى من الشمال، أو من الشرق، أو من البحر، أو أي شيء آخر سري، لا أعرفه.
وتبين أن المقالة المفاجأة كانت أقل من ذلك بكثير لأنها تتعلق بالبكلوريا والامتحانات و صدور النتائج اليوم … واليوم هو حسب رأي كاتب المقالة هو أصعب يوم في سوريا والى ما هنالك!
ولن تصدقوا إذا قلت لكم أن المسألة وعلى الرغم من أنها ليست بالصعوبة التي شطح إليها خيالي وقبله خيال كاتب المقالة، ولكنها قطعاً ليست سهلة والبرهان هو ما يلي:
على الرغم من مضي أكثر من 37 سنة على نيلي شهادة البكلوريا (المتنيلة على عينها) فأنا حتى اليوم أحلم كوابيس غريبة تتعلق بالبكلوريا والامتحان ومنها:
1 ـ كان والدي يتولى توصيلي إلى المدرسة التي يتم امتحاني فيها والكابوس هو بقاء 10 دقائق على إغلاق الأبواب وأنا ووالدي لا نتمكن من تشغيل السيارة وندفعها في وسط شوارع دمشق وهي لا تعمل وأنظر إلى ساعتي وقد تأخرت وتم إغلاق الأبواب وأقول (ضاعت هذه السنة… سأرسب…سأرسب ) وأرى في الحلم جبهة والدي، يتصبب منها العرق والسيارة لا تريد أن تعمل ثم أنهض مذعوراً فاليوم لدي ضيوف من لبنان سيصلون باكراً و يجب عليّ الاستعداد لملاقاتهم… لقد تأخرت.
بعد 37 سنة لا تزال امتحانات البكلوريا عبارة عن ثلة أشباح وكوابيس تجثم على الصدور، فمن هو المسؤول عن سوقنا إلى هنا لنصل بهذه الحالة المذرية بعد كل الإهمال الذي طالنا من أول يوم في روضة الأطفال وحتى أول يوم في امتحانات البكلوريا وحتى الآن وربما بعد الآن وربما إلى ما بعد بعد الآن، جنة أو نار الله أعلم، مع ترجيح الجنة لأن العدل من أسماء الله ولا بد أن ينصف جلّ جلاله كل السوريين بلا استثناء ويعوض عليهم فتكون الجنة من نصيبهم إن شاء الله.
2 ـ أحاول النهوض من الفراش ولكن هناك أياد خفية تثبتني على سريري وهي أياد غير مرئية ولكنها بقوة أيادي المصارعين أنهض فتدفعني إلى السرير محاولة واثنتان وثلاثة وعشرة وأستغيث فلا ينجدني أحد! واستيقظ وأنا مذعور … لن أتمكن من الوصول إلى الامتحان لقد تأخرت.
3 ـ جربت التروماي في طفولتي بهدف التسلية فكان يمر من برج الروس قرب بيت أهلي ويذهب عبر شارع الملك فيصل حتى ساحة المرجة ويعود ليضعني من جديد أمام دار أهلي وكانت العملية كلها بخمسة قروش سورية (فرنك) وهي نفس العملية التي تكلف اليوم 20 ليرة سورية بعلب السردين التي يقود بعضها (نقول بعضها وليس كلها) ثلة من عتاة المجرمين والتي تدعى بالميكرو ( أغلى بـ 400 ضعف ومن لا يصدق عليه بالآلة الحاسبة 20 ليرة× 100 قرش والناتج تقسيم 5 قروش = 400 ضعف كل ضعف يحيي الضعف الذي يليه بشدة وبضعف) وكان مع الجابي يومذاك، لوح خشب له حواف يدعى الدفّة عليه البيليتات واسفنجة عليها ماء لقطف البيليت بدون لعاب، وهذا حسب النظام الفرنسي، لأن الفرنسيين هم من أدخل التروماي الى سوريا، ونحن من ألغى التروماي ووضع الأسفلت فوق قضبان سكته الفولاذية، وكانت الدفة المشار إليها تستخدم كأداة تأديب للأولاد الذين يتعلقون في نهاية الترام ولا يدفعون الأجرة، حيث يضربهم الجابي على رؤوسهم بها وكان ردهم هو فصل السنكة وهي الرمح الذي في نهايته العجلة التي تدور على السلك الكهربائي وتؤمّن تغذية المحرك بالكهرباء أي بالطاقة النظيفة لأن قلب الفرنسيين المستعمرين كما يبدو كان على سوريا أكثر منا اليوم فلقد كانوا يخافون من السرطانات التي يسببها التلوث.
وعند محاولة صعود امرأة أو كهل من الباب المخصص للنزول كان السائق لا يرى ما يحدث وكان الركاب يصرخون بالسائق ـ هاوس ـ هاوس ـ ومعناها طلب التوقف.
كنت صغيراً وأذهب في هذه الدورة بهدف التسلية مع أولاد خالتي شفيق وتوما وهما أكبر مني … ولا أعرف لماذا وبعد 37 سنة وفي كابوس رهيب أركب هذا الترام بالذات ذاهباً إلى امتحان البكلوريا ولكن هذا الترام يغير خطه ويدخل بين البساتين ويضيع الوقت ولا أتمكن من الوصول إلى قاعة الامتحان، وأنهض من هذا الكابوس وأتجول في غرف البيت واشرب الماء وأعود للنوم وعندي رعب من تكرار هذا الكابوس وبطريقة أخرى مبتكرة.
4 ـ باب الحديد الأسود العالي وعليه الرماح السود المخيفة والسور الممتد الذي يميز مدارسنا كلها والذي يوحي بأنه باب سجن، وخلفه الآذن الذي يحاول إغلاقه بمنتهى الحرص، وأنا أركض وأركض والآذن يراني وهو يضحك وقبل وصولي إلى الباب بمتر واحد أسمع دوي إغلاق الباب وأقرع عليه بكلتا يدي فلا يرد أحد وأسمع الضحك والشماته من خلف الباب ثم أنهض من سريري وقلبي ينبض بسرعة 199 على مبدأ (يا شوفير دعاس بنزين علـ 199 ولا تخاف من البوليص نحنا ولاد الأنكليز)… فمن هو الذي قادنا إلى هنا بعد كل الإهمال الذي طالنا من أول يوم في روضة الأطفال وحتى أول يوم في امتحانات البكلوريا حيث تطالنا أقسى صفعة على وجوهنا النضرة في امتحانات التشفّي وكسر الأذرع وحصاد الخيبة الذي سيليه اليوم فرض معدلات مريخية لا قبل لأحد بها أي معظم الطلاب بإستثناء الببغاوات.
هناك يا سادتي من أهملنا 12 سنة حتى نصل الى البكلوريا فنرى من يقف في الساحات العامة يترصدنا و بيده سيف يتأهب ليقطع به رؤوسنا، في حين يكون العلم والتعليم في الدول الأخرى لذة ويسر وفائدة ومتعة لا تضاهيها متعة، بعد 37 سنة من انتهاء كابوس البكلوريا لا زلت أحلم بكوابيس إضافية متعلقة
آرا سوفاليان
Ara Souvalian
arasouvalian@gmail.com