www.omferas.com
شبكة فرسان الثقافة

التاريخ الفلسطيني بالمقلوب بقلم / توفيق أبو شومر/

0

إن قدرنا جعلنا نحيا مخضرمين بين قرنين وعصرين، عصر تأسيس الحركة الوطنية الفلسطينية ، وعصر المأساة الفلسطينية الراهنة ،وقد دفعنا قدرنا أن نشهد انتكاسة الحركة الوطنية الفلسطينية، بحيث أصبحت تسير بالمقلوب!

التاريخ الفلسطيني بالمقلوب  بقلم / توفيق أبو شومر

إن قدرنا جعلنا نحيا مخضرمين بين قرنين وعصرين، عصر تأسيس الحركة الوطنية الفلسطينية ، وعصر المأساة الفلسطينية الراهنة ،وقد دفعنا قدرنا أن نشهد انتكاسة الحركة الوطنية الفلسطينية، بحيث أصبحت تسير بالمقلوب!

من يتابع الأحداث الفلسطينية الجارية، يصاب بالدهشة والاستغراب مما آلت إليه هذه الحركة، ويُصاب أيضا بالإحباط عندما يقارن بين بدايات الحركة الوطنية ، وواقعها الحالي، لا لاختلافها في الرؤى والمفاهيم فقط، بل لانقلابها على مرتكزاتها الرئيسة.

وهذا الانقلاب الغريب العجيب لم يكن تكتيكا، ولا مسايرة للألفية الثالثة ومقتضيات حالها،ولا هو ناجم عن استخلاصات العبر من التاريخ، بل هو (تراجعٌ) محض غير مُبرر!

 ومن الأمثلة على ذلك أن الفلسطينيين في بداية ستينيات القرن الماضي، أدركوا بأن المثل القائل( ما حكّ جلدَك غيرُ ظفرك) كان هو المثلَ الصحيح الذي ينطبق على نضالهم العادل، فلذلك قرروا أن يتولوا بأنفسهم مشروع التحرر الوطني، ليس كمقاولين من الباطن لحساب دول أخرى، وحركات أخرى،  وتمكنوا من إعادة صياغة مُثُلهم ومبادئهم (فلسطينيا)وفق مقتضيات الحكمة السابقة، ومطلوبات العصر الذي يعيشون فيه.

فشرعوا – على الرغم من أنهم كانوا يعيشون في المنافي- في صياغة المبادئ الفلسطينية النضالية، وكانت تتلخص في ضمان التعددية السياسية، والتمسك بالحقوق الوطنية الفلسطينية، بمختلف الطرق والوسائل، وتحريم الدم الفلسطيني، والانفتاح والتثقيف والتوعية وظلوا يثيرون إعجاب العالم طوال أكثر من نصف قرن، لدرجة أن أحزابا عالمية كثيرة كانت تضع أحزابنا الفلسطينية في قائمة الأحزاب الرائدة في العالم، فلا غرابة عندما كنا نشاهد كثيرين من أعضاء الأحزاب العالمية يتتلمذون على يد النضال الفلسطيني، ويمارسون النضال ممارسة عملية تطوعا!

ويكاد المجتمع الفلسطيني أن يكون هو الوحيد الذي تتعدد فيه الأعراق والأجناس والديانات، ويعيش الجميع في وئام وانسجام يثير دهشة العالم وإعجابه، على الرغم من ضائقة الاحتلال، وكان هذا الوئام مبعث فخر فلسطيني نضالي، ولم تستمر هذه السمة طويلا ، عندما قامت بعض الجماعات وفق نظريتي (السير بالمقلوب) بالاعتداء على بعض أماكن الكنائس والمكتبات العامة.

ولم تكن في تلك الفترة راياتُ الأحزاب الصغيرة، تعلو علم فلسطين الكبير، كما يحدث اليوم بالمقلوب أيضا!

واستطاع المناضلون الفلسطينيون في تلك الحقبة سحب ورقة فلسطين من الجيب العربي والدولي ، وتولي مسؤولية النضال الفلسطيني، وسُجل هذا الأمر في ستينيات القرن الماضي كأروع إنجازات النضال الفلسطيني!

وها هم ورثة النضال الفلسطيني أنفسهم يعيدون اليوم ورقة فلسطين إلى الجيوب العربية من جديد بحججٍ شتى!

 إذن فنحن نسير بالمقلوب!

وليتنا اكتفينا بأن نعيد قضيتنا إلى جيوب إخوتنا العرب كقضية نضالية حقوقية مشتركة، بل أعدناها للعرب ملوثة بنقائصنا وعار اقتتالنا على المناصب والسلطات !

وفي إطار سيرنا الحثيث والسريع بالمقلوب أيضا ، قرَّرنا إعادة قضيتنا كلها إلى أدراج العالم ومحفوظاته، فصرنا نرى بأن قضيتنا هي قضية عالمية، وما نحن سوى آلات في تُرس القضايا العالمية العديدة، ولم تعد قضيتنا هي قضية فلسطين،الشعب المشرد من أرضه الساكن بجوارها، بل هي أزمة شرق أوسطية!

 وعدنا من جديد نسير بالمقلوب، نطالب العالم بقرار التقسيم، وبقرارات الأمم المتحدة الأخرى التي رفضناها بسبق الإصرار والترصُّد مثل 194 181 242 338 ، وظللنا نبرر رفضنا لها باستخدام الشعارات الأيدلوجية السياسية، وبسيف الخطابة البلاغية العربية المستمدة من القاموس المحيط، ولسان العرب!

وعدنا مرة أخرى نسير بالمقلوب!

ولكي ندلل على ما سبق، فإن حركة فتح التي انضمت إلى منظمة التحرير الفلسطينية عام 1968 اشترطتْ عند انضمامها للمنظمة أنها تمثل فلسطين، ولا تمثل (المنظمة) التي أنشأتها الجامعة العربية عام 1964، لأنها وفق إطار الجامعة، تكون منظمة قومية عربية، تنعكس عليها الصراعات والخلافات العربية، واشترطت فتح أن تبقى مستقلة وسرية!!

وفي ضوء ما سبق  أجرت فتح تعديلا على ميثاق منظمة التحرير الذي ظل معمولا به منذ تأسيس المنظمة 1964 ، فقد كانت كل الوثائق تضع العنوان التالي للميثاق الفلسطيني وهو” الميثاق القومي الفلسطيني” ، فتم تغيير (القومي) إلى (الوطني) ، فأصبح الاسم الجديد:

 ” الميثاق الوطني الفلسطيني

وهذا بالطبع يدخل ضمن حالة سيرنا بالمقلوب !

ومن حركاتنا العكسية، أننا بدأنا بتأسيس منظمة التحرير الفلسطينية كمقدمة لتأسيس (دولة فلسطين) ، وما إن أسسنا سلطة وكيانا أسميناه دولة فلسطين عام 1994 عقب اتفاق أوسلو وأصدرنا باسمها جوازات سفر حمراء للصفوة، وخضراء لباقي الرعية، وأسسنا المجلس التشريعي ، ثم فُتحت شهياتنا للوزارات، وشرعنا في إشباع شبقنا الشديد للمناصب الوزارية والوظيفية، وأنشأنا ضريحا لمنظمة التحرير، نزوره كلما ألمت بنا الكوارث فقط!

وما إن وصلنا إلى درجة الإشباع ، أو كما تسمى بالدارجة (الجفص) ، ولم نتمكن من تحقيق أقل طموحاتنا، وأدنى حقوقنا ، حتى أدركنا بأننا كنا نسير بالمقلوب!

فعدنا أدراجنا وأنكرنا هذه الدولة ومؤسساتها وعدنا إلى فتح تابوت مومياء (منظمة التحرير الفلسطينية) ننفض غبار الزمن عن ملفاتها ، ثم شرعنا ننفخ في جسدها المحنط باعتبارها هي الأساس وهي المرشد والموجه، وميثاقها الثاوي معها هو خير منقذ ومعين، وأن شفاءنا من كل أمراضنا المزمنة، ومن الأرواح الشريرة التي سكنت الجسد الفلسطيني، لا يتأتي إلا بإشعال بخور المنظمة في أجوائنا!

وهكذا عدنا نسير بالمقلوب!

ومن أحدث تقاليع سيرنا بالمقلوب، أننا بدأنا التفاوض مع إسرائيل ، عبر الوسطاء في بداية تسعينيات القرن الماضي، ثم فاوضناها وجها لوجه، وعلى طاولة واحدة خلال أكثر من عقدين، وجلسنا مع المفاوضين الإسرائيليين، وأكلنا من مائدة واحدة، وتبادلنا الوثائق والمستندات يدا بيد، وها نحن نعتزم أن نلقن إسرائيل درسا لن تنساه، وذلك بأن  نفرض عليها إرادتنا ونفاوضها  (من وراء حجاب) !!

 أيضا … بالمقلوب !

إلى متى سيستمر هذا السير (الحثيث) بالمقلوب، ومتى سنضع نهاية له وفق مقولة الأديب سعدي يوسف:

نحن ننحدر إلى القاع، ولكن أليس لهذا القاع من قرار؟

اترك رد

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني.