www.omferas.com
شبكة فرسان الثقافة

انطباعات شيخ القصب /محمود السرساوي

0

يحاول غانم بو حمود في «انطباعات شيخ القصب» أن يؤكد سعيه إلى لغة شعرية مفارقة للسائد، تساهم في تشكيل ملامح خاصة به في سياق الحداثة الشعرية، لكن هذا السعي يصطدم غالباً بمستوى العلاقة بين الشاعر وموجوداته، إذ الحوار الجمالي يفترض أدوات موازية للمعطيات تمكّن الشاعر من اصطياد مضمراتها، واستحضار مغيبها، أما الانشغال بالفكرة من خارجها فيقود إلى تمثّل وصفي خارجي يقول أكثر مما يكشف، ويرى أكثر مما يبصر، مستغرقاً في هشاشة المحسوس وبناء لغته على محور التطابق بدلاً من الاستبدال، فالشاعر لا يكد أو يجتهد في إعادة تشكيل معطياته إنما يستحضرها من قاموسها المتحقق، وتشكيلها المألوف.

انطباعات شيخ القصب
بين إطاعة الشعر واستطاعته

يحاول غانم بو حمود في «انطباعات شيخ القصب» أن يؤكد سعيه إلى لغة شعرية مفارقة للسائد، تساهم في تشكيل ملامح خاصة به في سياق الحداثة الشعرية، لكن هذا السعي يصطدم غالباً بمستوى العلاقة بين الشاعر وموجوداته، إذ الحوار الجمالي يفترض أدوات موازية للمعطيات تمكّن الشاعر من اصطياد مضمراتها، واستحضار مغيبها، أما الانشغال بالفكرة من خارجها فيقود إلى تمثّل وصفي خارجي يقول أكثر مما يكشف، ويرى أكثر مما يبصر، مستغرقاً في هشاشة المحسوس وبناء لغته على محور التطابق بدلاً من الاستبدال، فالشاعر لا يكد أو يجتهد في إعادة تشكيل معطياته إنما يستحضرها من قاموسها المتحقق، وتشكيلها المألوف.

ففي «مقام ماذا تعرف عنه» النص الأول نقرأ:
«/ حياً، مازال الحب / هناك/ قل لي/ ماذا تعرف عنه/ لا تخجل مني ولا تأسف/ الأولى أن تخجل منه../» ص9
فكما نلاحظ، لا يغادر الكلام أبعد مما فيه، ولا تساعد التحديدات المسبقة للتشكيل في انزياح الحالة الشعرية التي تبدأ من لحظة خارجية وتنتهي بها.
فالاكتفاء بما يتناثر على السطح من التناول لا يأخذ اللغة إلى ساحة الاكتشاف إنما يبقيها كأداة قول ليس إلا.
«/في يديك أصابعي/ قد لا ترى/ في لغتي أظافر../ مذ بصمتي / كادت تضيء../ ما الذنب لو اشعلت الحرائق/» ص11
فالتشكيل الشعري المنجز في الكتابة الشعرية يفرض غوايته على البناء حتى في الصور التي نراها تنبني بعين العقل ما يحد من إضاءاتها الداخلية.
«/ أطلق سراح فراشتي/ سرقتني أقمار الصدى/ هذي العناقيد استوت/ من يهدي تفاحي إليّ/ قلبي على غصنٍ هوى/» ص13
وتتفاوت المستويات أحياناً داخل النص الواحد لكن قاسمها المشترك هو طمأنينة المألوف ومخيلته المعتادة.
«/ ما كان بودك / كان بودي/ هي ساعةٌ /هو يومٌ/ هي زنبقة فرح / أن أطلب/ أن ترفضني/ أن أرفض/ أن تقبلي../» ص34
وهكذا تتكرر المحاولة في بناء المتضادات لتطال العديد من نصوص المجموعة دون أن تتفرد في هوية تدل عليها.
«/ أنه الصمت عينه/ أو أنه أبلغ الكلام، غير أن المرايا اليتيمة / يومئذ/ أجهشت..» ص 34
لكن التحرر من ربقة الانتباه الكامل في «رقصة التشكيل» ـ إن صح التعبير ـ يقود أحياناً إلى ومضات عالية، صحيح أنها لا تشكل النسيج بأكمله لكنها تحقق حضور أدوات الشاعر، ومنها على سبيل المثال لا الحصر «/ ترمي في بئري اللهفة/ صمتاً ملتاعاً/ نجمتين../ بئري مثقلة بالعتمة/». ص76
وهذا المقطع مثلاً لا يقارن «بالصوت التاسع» الصفحة العاشرة بعد المئة في المجموعة : «/ ابتسامتك رغيفي/ قل لطواحيني ألا تغادر أصواتها / صبرك زيتي/ قل لمواسمك أن تبرّ بمواسمها..!/»
أما «نقوش على أبواب غزة» ص134 فيعلو التشكيل ويهبط وفقاً لتوسعات الحالة الشعرية داخلي حيناً وخارجية في أحايين أخرى، فنطالع مثلاً : «/ تخبئين أشياء كثيرة يا «أم» علي !/ أما كنت اقرب إليك منك/ وكنت أقرب إلي مني../».
وتبدو المقاربات في هذا المقطع وما يليه قابلة لإعادة الاكتشاف، فالحدث المتناول ينتصب أكثر حدة من رهافة الداخل وتواتره، فيطغى الجرح على الكلمات وقدرتها في تجريده.. «/ لن أتعلم إلا منك/ ملحك/ تبغك/ دمعك/ جرحك../ طفلك/ لن يأخذ إلا عنك..!/» ص 136
وأخيراً، يمكن القول بأن مجموعة «انطباعات شيخ القصب» بحاجة إلى أكثر من قراءة، إذ غالباً ما نطيعُ الشعرَ أكثر مما نستطيعهُ في غوايات كهذه .

محمود السرساوي

الكاتب : غانم بو حمود
الكتاب: انطباعات شيخ القصب/ شعر
تاريخ الإصدار: 2009م
تصميم الغلاف : لميس حنا شوالي

عن جريدة البعث

العدد: 13950 – تاريخ: 2010-05-24

http://www.omferas.com/vb/showthread.php?p=99888#post99888

اترك رد

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني.