www.omferas.com
شبكة فرسان الثقافة

القيصر ذو الملابس المرقعة/بقلم زهير كمال

0

القيصر ذو الملابس المرقعة بقلم زهير كمال بعد أربعة أشهر من حصار المسلمين للقدس شتاء سنة 637 – 638 م، أصبحت المدينة خلالها جزيرة منعزلة في محيط اسلامي ، وادى ذلك الى اصابة سكانها باليأس من قدوم اي نجدة لهم . توصل سوفرونيوس Sophronius بطريرك المدينة ، وأعلى مرجع روحي فيها، انه لا مفر من الاستسلام . كان شرط سوفرونيوس الوحيد هو الاستسلام لرئيس المسلمين عمر بن الخطاب فقط وليس للعسكر الذين يحاصرونها لما للمدينة من مكانة دينية خاصة . ومن الممكن انه اقترح على المترجمين ان يذكروا ان هذا الموضوع موجود برمته في الكتب القديمة بما فيها من صفة ونعت الملك الذي ستسلمه القدس او ايلياء مفاتيحها.

 11:12 AM (2 hours ago)

القيصر ذو الملابس المرقعة
بقلم زهير كمال
بعد أربعة أشهر من حصار المسلمين  للقدس شتاء سنة  637 –  638 م،  أصبحت المدينة خلالها جزيرة منعزلة في محيط اسلامي ،  وادى ذلك الى اصابة سكانها باليأس من قدوم اي نجدة لهم . توصل سوفرونيوس Sophronius  بطريرك المدينة ، وأعلى مرجع روحي فيها، انه لا مفر من الاستسلام .
كان شرط سوفرونيوس الوحيد هو الاستسلام لرئيس المسلمين عمر بن الخطاب فقط وليس للعسكر الذين يحاصرونها لما للمدينة من مكانة دينية خاصة .
ومن الممكن انه اقترح على المترجمين ان يذكروا ان هذا الموضوع موجود برمته في الكتب القديمة بما فيها من صفة ونعت الملك الذي ستسلمه القدس او ايلياء مفاتيحها.
في كتب التاريخ ، تكررت كثيراً قصة وجود دلائل على احداث ستقع ومدونة في الكتب القديمة (على قلّتها)،  ربما لاعطاء المواضيع صفة الأهمية او القدرية. وثبت الآن وكما هو متوقع انه لا وجود لمثل هذه الكتب القديمة المليئة بالاسرار.
لم يستسغ ابو عبيدة عامر بن الجراح هذه القصة، فالقدس لعسكري مثله مدينة أخرى في طريقه، فأرسل في اليوم التالي خالداً بن الوليد، فهو يشبه عمر حجماً وشكلاً، ولكن لم ينطل هذا على رهبان القدس فالمسافة بين يثرب ومدينتهم تحتاج الى ايام عديدة .
وهكذا جاء عمر من أجل القدس .
عندما نزل عن راحلته جاءه ابو عبيدة وأراد تقبيل يده ، فهمّ عمر بتقبيل رجله وهذا عرفان من الأمة بجهوده التي قدمها،
والأمة الحية تقدر خدمات أبنائها لها .
كان عمر يلبس جبة من الصوف فيها اربعة عشر رقعة، ملابسه العادية، وبهذه المناسبة التاريخية العظيمة اقترح عليه رفاقه ان يلبس ثياباً بيضاء وأن يركب جواداً بدل البعير فهذا أهيَب، نزل عمر عند إلحاح أصحابه ولبس ثياباً بيضاء يقال انها كانت من ثياب مصر وتساوي خمسة عشر درهماً وطرح على كتفه وشاحاً من كتان لم يكن جديداً ولكنه يفي بالغرض وقدم اليه ابو عبيدة حصاناً رومياً أشهب .
فكر الرفاق: ها قد أصبح أميرنا عظيماً مهيباً يليق بمناسبة نادرة مثل هذه.
ركب عمر الحصان الذي بدأ يتبختر ويتراقص في مشيته.
 لثوان بسيطة نسي عمر نفسه .
نزل عن الحصان بسرعة الملسوع وقال : أقيلوا عثرتي أقال الله عثرتكم يوم القيامة، فقد كاد أميركم ان يهلك بما دخل في نفسه من العجب والكبر وإني سمعت رسول الله (ص) يقول: لا يدخل الجنة من في قلبه مثقال ذرة من الكبر. ولقد كاد ان يهلكني ثوبكم الأبيض وبرذونكم المهملج (حصانكم المتبختر) 
نزع عمر ما كان عليه وعاد الى لبس مرقعته .
على مشارف القدس وبعد أن صلّى الفجر قال لأبي عبيدة : يا عامر تقدم الى القوم واعلمهم اني أتيت.
بعد إجراء الترتيبات اللازمة ركب عمر بعيره وتقدم الى الباب الذي سرعان ما فتحه له الحراس بناءً على أمر سوفرونيوس الذي كان على سور المدينة يتأمل قيصراً بهذا التواضع وهذه البساطه.
 ترى ماذا دار في عقل راعي الكنيسة في تلك اللحظه؟ وهو يشاهد منظراً خارجاً عن المألوف. رأى سوفرونيوس الكثير من القياصره والملوك، ملابسهم ومركباتهم  وربما فكر بفخامة ملابسه هو. ألم يدر في خلده وقتها أن المسيح كان بسيطاً متواضعاً وربما لبس في حياته ملابس مثل هذه التي يرتديها قيصر العرب، الا تدعو كل تعاليم المسيح الى ما يراه مجسداً امامه.
لم يتسنى لنا معرفة وقع هذه المنظر على سوفرونيوس فقد توفي في 11 اذار(مارس) سنة 638 م، أي بعد دخول عمر للقدس بأشهر قليلة عن عمر يناهز 78عاماً، وكثير من كتاباته في علم اللاهوت قد ضاعت.
لم يدخل عمر ذلك اليوم الى القدس ولكنهم خرجوا اليه وسألوه العهد والميثاق والذمة وأقروا له بالجزية. ليلتها باتت القدس مفتوحة الأبواب دون خوف او وجل فهي في حماية عمر وصحبه الذين لا يعرفون الغدر او الخيانة.
دخل عمر صبيحة اليوم التالي وقام بزيارة الأماكن المقدسة وكنيسة القيامة .
حان وقت صلاة الظهر فدعا سوفرونيوس عمر للصلاة في داخل كنيسة القيامة. ولم تكن هذه الدعوة عن خوف او رهبة او خضوع فرجل في عمره ومركزه لا يعرف هذه الأمور ولكن من المؤكد انها اعجاب بالرجل وشخصيته، وكل من قابل عمر ساورته نفس المشاعر.
خرج عمر من الكنيسة وصلى قريباً منها.
ذهب الى موقع الصخرة  وبدأ بازالة اكوام القمامة وخطط لإقامة المسجد الأقصى هناك..
عندما دخل الجيش الى المدينة للتجول فيها لاحظوا ان الذهب والمال والأثاث الثمين موجود على أرصفة الشوارع، وقد ذكر المؤرخون أن أهل القدس وضعوا ذلك لاختبار العرب، لم يمس الجنود شيئاً من ذلك.
كان الجنود البسطاء القادمين من بيوت الطين وخيم الشعر ينظرون الى هذه المواد القيمة وكأنهم ينظرون الى صخور ورمال فلم يرمش جفن أحد منهم. ولم يذكر الرواة والمؤرخون حادثة واحدة. وهل يفكر جندي بدوي فقير أن يسبب الحرج لأمير المؤمنين!
ماذا كان رأي اهل القدس في جيش بهذه العفة والأخلاق؟.  فعهد قيصرهم الذي يلبس جبة فيها اربعة عشر رقعة هو عهدهم أيضاً وهذه نوعية جديدة من الناس لم يألفوه من قبل ولم تألفه البشرية كذلك. 
لا بد من التوقف والتفكير في كيفية تدوين هذه الواقعة. فالمؤرخ لم يفعل سوى نقل كلام احد الجنود الذين حضروا دخول القدس: قال الجندي للمؤرخ: لقد وضعوا هذه الأشياء الثمينة عمداً لاختبارنا وظنوا انه من الممكن ان نخون العهد ولكننا خيبنا آمالهم. ونقل المؤرخ بدون تمحيص موضوع الاختبار.
 وكما يقال فللحقيقة وجه آخر:
ما وضعه أهل القدس على أرصفة الشوارع خارج بيوتهم، إنما نوع من الفداء لحياتهم وحياة أولادهم فهذا حال كل المدن المحاصرة بعد الاستسلام تفدي نفسها خوفاً من عبث الجنود . (خذوا اموالنا ودعونا نعيش)
هذه الحادثة بحد ذاتها تسترعي التوقف والاهتمام فقبل أكثر من عقدين بقليل كان عدد كبير من جنود هذا الجيش يقاتل ويغزو بعضه البعض ويتنازع على المواد الشحيحة الموجودة في صحراء قاسية لا تعطي سوى القليل .
وجاء الاسلام بمبادئه الثورية وأولها جهاد النفس ضد النوازع الشريرة ومبدأ مسؤولية الفرد عن أفعاله، هذه الأفعال التي يحاسبه عليها المجتمع ( الكيان الكلي وليس القبيلة) في الحياة، ويحاسبه عليها الله في الآخرة،
أي الثواب والعقاب في الحياتين .
اصبح هناك نظام قدم الأمان للجندي، العدل والمساواة، وكل الإمكانيات من أجل إسعاده .
ماذا سيقدم في المقابل سوى التفاني والإخلاص والإنضباط بل أكثر من ذلك حياته إذا لزم الأمر.
وهذا هو معدن الامة وكل افرادها طيلة تاريخها والى ان يرث الله الارض وما عليها وبدون شوفينية او تعصب. وما نمر به الان لن يكون سوى فترة مزعجة قصيرة في حياتها.
 منذ أكثر من ألف وأربعمائة عام يقوم حارس مسلم بفتح أبواب كنيسة القيامة في القدس صباحاً ويقوم بإغلاقها مساءً، وتتوارث أسرة مقدسية مسلمة هذا المفتاح أباً عن جد وذلك تطبيقاً للعهدة العمرية، ويقع مسجد عمر قريباً إلى حدٍ لا يصدق من كنيسة القيامة، وقد أقيم المسجد حيث صلّى عمر خارج الكنيسة وتجلّى ذكاء عمر وفراسته وبعد نظره التاريخي في تفصيل بسيط كهذا، فقد رفض الصلاة داخل الكنيسة حتى لا تكون حجة لمن بعده باقتسام الكنيسة. ويخلط المؤرخون بين مسجد عمر الملاصق للكنيسة        وبين المسجد الأقصى عند قبة الصخرة حيث أقام عمر مسجداً مشابهاً للمسجد النبوي، بينما اقيم مسجد عمر في مرحلة لاحقة
العهدة العمرية هي مثل رائع على التعاون بين الديانتين الإسلامية والمسيحية.
 
بسم الله الرحمن الرحيم
هذا ما أعطى عبد الله عمر أمير المؤمنين أهل إيلياء (القدس) من الأمان، أعطاهم أماناً لأنفسهم وأموالهم وكنائسهم وصلبانهم وسقيمها وبريئها وسائر ملتها، لا تسكن كنائسها ولا تهدم ولا ينتقص منها ولا من خيرها، ولا من صليبهم ولا من شيء من أموالهم ولا يكرهون على دينهم ولا يضار أحد منهم ولا يسكن بايلياء معهم أحد من اليهود، وعلى أهل ايلياء أن يعطوا الجزية كما يعطي أهل المدائن وعليهم أن يخرجوا منها الروم واللصوص فمن خرج منهم فإنه آمن على نفسه وماله حتى يبلغوا مأمنهم ومن أقام منهم فهو آمن وعليه ما على أهل ايلياء من الجزية، ومن أحب من أهل ايلياء أن يسير بنفسه وماله مع الروم ويخلي بيعهم (الكنائس)  وصلبهم فإنهم آمنون على أنفسهم وعلى بيعهم وصلبهم حتى يبلغوا مأمنهم … ولا يؤخذ منهم شيء حتى يحصد حصادهم وعلى ما في هذا الكتاب عهد الله وذمة رسوله وذمة الخلفاء وذمة المؤمنين إذا أعطوا الذي عليهم من الجزية.
وشهد على ذلك خالد بن الوليد وعمرو بن العاص وعبد الرحمن بن عوف ومعاوية بن أبي سفيان.
كتب وحضر سنة خمسة عشر للهجرة.
العهدة العمرية تشرح نفسها وبصمات عمر وتفكيره التقدمي في موضوع الاقليات والاديان الاخرى واضح ولن تجد شبيها لها في احترام حقوق الانسان في ذلك العصر السحيق.
اخذ اهل القدس كل حقوقهم وحرياتهم مقابل دفع مبلغ معين من المال هو اقل بكثير من ضرائب هرقل والدولة البيزنطية ويتم دفعها عند استطاعتهم ذلك بعد الحصاد.
ام يكن ذلك منّة من عمر او تصدّقاً على سكان القدس وغيرها بل من فهمه للمساواة والعدل وروح الاسلام وتعاليمه السمحاء.
ونظراً لاهمية ما ورد في الوثيقة من حقوق فقد حافظت عليها الكنيسة الشرقية طيلة هذا الزمان وبالرغم من مرور الصليبيين وغيرهم على القدس.
لم يقرأ الصليبيون في (الحملة الاولى) العهدة العمرية، وكيف لهم أن يقرأوها وهم قادمون من مناطق ترتع بالجهل والإنغلاق والتعصب الأعمى، فأعملوا قتلاً بسكان القدس من المسلمين والمسيحيين على حد سواء في حركة تطهير عرقي بشعة.
ولم يحظ مسلموا اسبانيا بحرية مرور آمن إلى المنفى وهم لم يعرفوا وطناً لهم سوى الأندلس فكان عليهم أن يغيروا دينهم وأسمائهم أو يموتوا.
حدث هذا بالرغم من صعود البشرية درجات على سلّم الرقي والحضارة.
اما في الحملة الصليبية الثانية (اسرائيل) فقد ارتكب القادمون من اوروبا حركة تطهير عرقي ثانية ضد اهل فلسطين المسلمين والمسيحيين على حد سواء.
تغلغلت العهدة العمرية في وعي سكان فلسطين المسيحيين والمسلمين الى حد عميق ولم تؤثرعليها كل تقلبات الزمن فعيسى العوام حارب مع صلاح الدين اما المطران هيلاريون كبوجي فقد حارب في صفوف الثورة الفلسطينية ونفي من فلسطين، الوطن الذي يحب، بتهمة تهريب الاسلحة الى المقاومين، اما الآن ورغم تقدمه في السن فقد ركب احدى قوارب رفع الحصار عن غزة.
وفي الوقت الذي يروج فيه شيوخ السلاطين للاستسلام يقف المطران عطاالله جنباً الى جنب مع الشيخ رائد صلاح يدافعان بقدر استطاعتهما عن المسجد الاقصى والمقدسات الاسلامية المسيحية ضد الصليبيين الجدد.
وبروحية المطران المسلم والشيخ المسيحي ستنتصرهذه الامة وستنهض من جديد.
 
 

اترك رد

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني.