في العام 1985 عدت من أسبانيا وكنت أعمل كعازف أورغ في أوركسترا غربية تضم أجانب، أعادتني مكالمة قصيرة مع والدتي قالت لي فيها: ـ هل تعلم يا بني كم مرة احتفلنا بعيد الميلاد أنا واخوتك دون أن تكون معنا؟ ـ قلت لا يا أمي لا أعرف ـ قالت احدى عشر سنة ـ أجبتها ( وحياتك ما رح يصيرو 12)
حرصاً على عدم خورفتنا… بقلم : آرا سوفاليان
في العام 1985 عدت من أسبانيا وكنت أعمل كعازف أورغ في أوركسترا غربية تضم أجانب، أعادتني مكالمة قصيرة مع والدتي قالت لي فيها:
ـ هل تعلم يا بني كم مرة احتفلنا بعيد الميلاد أنا واخوتك دون أن تكون معنا؟
ـ قلت لا يا أمي لا أعرف
ـ قالت احدى عشر سنة
ـ أجبتها ( وحياتك ما رح يصيرو 12)
وعدت ورأيت نفسي ومعي فرقتي في مطار دمشق الدولي وكانت معنا آلات موسيقية وتجهيزات صوتية حيث تمت خدمتنا في المطار على أكمل وجه و (شفنا نجوم الظهر) حيث أشرقت شمس صباح اليوم التالي ونحن لم ننتهي من خانات الشحن والتخليص والتمحيص العائدة لمكتب عنبر بن شرشف نظيف باشا، ليس لأنه كان معنا شيء أكثر من التجهيزات التي أخرجناها من دمشق بالأصل والمسجلة على آخر صفحة في جواز سفري باعتباري رئيس الفرقة بل لأننا قصّرنا في تبييض الفال على الرغم من اننا بيضناه بما يكفي وقتها ولكن، اعتقد السادة أعضاء مكتب عنبر بأننا نحمل معنا كنوز الملك سليمان ومتعلقاته الشخصية، ونحن لا نعرف! وهم لا يريدون أن يعرفوا ولا أن يفهموا، ثم فهموا بعد أن استعنا بصديق في دمشق.
بعد التهليل والتأهيل والتسهيل والترحيب وتوزيع الهدايا وهي في أغلبها فساتين وقمصان وأحذية لاخوتي وجزمة نسائية وجزدان جلد ومسجلة ووك مان كاسيت صغيرة وكاميرا كانون أو تشرين لم أعد أذكر؟ وبعض الصور المُأطرة والتذكارات اليدوية والمراوح الاسبانية وعليها صور أهم المدن في اسبانيا وصور التوريرويات والماتادورات أطال الله عمرهم جميعاً وعمر من هنَّ في معيتهم من حسناوات طليطلة وغرناطة وملقا والأندلسيات زرقاوات العيون ونخلات اوروبا الغربية الذين أعادوا مجتمعين الأجواء التي سادت ما بعد صقر قريش ولكن بطريقة أخرى جديدة ومبتكرة، تتضمن إطالة أعمار مشايخ بني يعرب القادمين من السعودية ودول الخليج الذين أغدقوا على الأسبان ما أغدقوا فجعلوا بلدهم اسبانيا من أغنى دول العالم بسبب وارداتها الهائلة من السياحة والخدمات المرافقة لها والتي تفوق اليوم واردات كل الدول العربية من البترول.
(الحاصلو) وقف أخي الأوسط… الدمشقي بالأمس والأرمني من قبل والكندي الأميركي اليوم، وقف في مواجهتي وقال لي: آرا أنت مدين لنا بمبلغ 35 ألف ليرة سورية … قلت له: خرجت من الشام بريء الذمة وعدت إليها الآن فمن أين ولماذا وكيف انشغلت ذمتي بهذا المبلغ الخرافي (كان الدولار في العام 1985 يساوي 8 ليرات سورية تقريباً).
قال لي: دفعنا أنا وأخوك بالنيابة عنك سلفة اكتتاب على بيك آب مازدا في افتوماشين وعليك تبييض الفال من حرّ مالك في الحال.
قلت له: المال الذي أحضرته معي قصدت أن اشتري به بيت على العظم في الضواحي ولم يكن في بالي أن أكتتب به لا على بيك آب ولا على غرامافون فكيف تفعلون ذلك دون الأخذ برأيي؟ … قال لي: هل هذا جزاء المعروف؟؟؟ قلت له: هل السيارة أفضل من البيت؟؟؟ قال: نعم أفضل وأفضل بكثير لأن السيارة سترفع قدميك عن الأرض وستغنيك عن الاذلال الذي يمارسه علينا وعليك سائقي التكاسي، أما البيت الـ على العظم هذا فستأكله الكلاب.
ودفعنا وانتظرنا وراجعنا فراجعوا علينا ومضت سنين طويلة تلتها سنين أطول وكلها كبيسة وأنا لا أحب المخللات ولا المكاديس بأنواعها، ووصل الدولار إلى حيطان الـ 60 فانجلطنا وصبرنا صبر أيوب على المحبوب واكتشفنا أن المسألة طالت أكثر من اللزوم وأنها تحولت إلى لعبة لا أكثر ولا أقل فاضطررنا إلى سحب المبلغ الذي كان يوازي 4375 دولار لنشتري به 583 دولار واستعدنا المبلغ بواسطة شك حرره لي موظف دمث في مكان ما مواجه سينما الكندي وقال لي بقحة: لقد بقي المبلغ في حوزتنا كل هذه المدة الطويلة وكان بالحفظ والصون وأعدناه لك كامل وغير منقوص … قلت له: شكراً لأمانتكم يا سيدي لأنه لم يكن ينقصنا إلاّ أن تعيدوه منقوص؟؟؟ بعد أن استثمرتم هذا المبلغ طيلة هذه الفترة بالفايظ وأعدتموه لنا الآن بكل أمانة حيث كان هذا المبلغ يشتري بيت على العظم في الضواحي فصار اليوم لا يشتري جهاز تلفزيون.
وطار البيت الذي على العظم في جوف الكلاب وطار الحلم ومعه الطفلة أحلام طفلة غوار الطوشة في كاسك يا وطن وأيقنا أن مصداقية افتوماشين ومعها من معها والتي كانت لا تنزل قيد شعرة عن الرف … صارت تنزل لتبوس الأرض، وصرنا نبوس الواوا ونبوس التوبة بعد بدء ايديولوجية الخورفة وانهيار المندلون الأخير في بيتنا العريق الذي لم يعد محمي بالمطلق على الرغم من وقوعه إلى داخل السور في منطقة دمشق الأثرية القديمة بإعتباره من الأوابد الأثرية التي لا تقبل التغيير وممهورة بخاتم اليونيسكو الحافظ لعراقة المدن وتقاليدها.
منذ بضعة أيام دفعت رسم السيارة والتأمين الإلزامي لسنة ميلادية قادمة وأنا لدي تأمين شامل لمدة 5 سنين يكسر الظهر… ولأنه لا توجد دولة في العالم تفرض التأمين على نفس المطرح (وهو سيارتنا العتيدة في مثالنا هذا) مرتين وخاصة بعد ضريبة الرفاهية التي تفوق ثمن السيارة في بلدها حيث نشأت وتربت وترعرعت ورضعت حليب أمها، فلقد دفعنا خاشعين خاضعين شاكرين حامدين الواحد الأحد على هذه النعم وتوكلنا عليه لأنه (ليس باليد حيلة) فأنا أنتمي إلى جموع قليلي الحيلة في هذا البلد الواسع الحيلة.
ولا أعرف لماذا عادت هذه الذكرى الأليمة تطرق مخيلتي بعد أن قرأت مقال في موقعي المفضل… والمقال يتحدث عن البهدلة والمذلة التي تلحق بكل مواطن يذهب لتأدية حقوق الحكومة وترسيم سيارته في كتلة الزبلطاني السرطانية والكتل المشابهة… وفي المقال صورة مرفقة يُرى فيها بعض المتعربشين من معقبي المعاملات فوق رؤوس المواطنين بشحاحيطهم وشواريخهم وأقدامهم القذرة، في موقف يخجل منه كل الذل الموجود في العالم … وعدت إلى المقال فعرفت انه تم رفض تعليقي… وفي معرض البحث عن التعليق المرفوض قرأت تعليق لمعلق آخر ورد فيه ما يلي:
مرسوم البنزين كرمال الله
مشان الله عجلو بإصدار مرسوم البنزين وخلصونا من هلـ عيّ كرمال النبي. صرلنا سنة ناطرين إلغاء المعاملة شو صار معكن رح تخلص صلاحية الميكانيك عندي وما رسيتو على بر
ومعلّق آخر أضاف ما يلي:
مواطن شريف
شو صار من شان إلغاء الترسيم أم أن تصريحات وزرائنا هي للاعلام والاستهلاك المحلي و التخفيف عن النفوس المحتقنه فقط بصراحه النيّه الطيبه لدى وزرائنا موجوده ولكن التخطيط مفقود و كل قراراتنا ارتجاليه و خاصه في ناحيه مكافحه الفساد… لان الفساد ليس رجل انما عقليه و طالما أننا نخلق البيئه المناسبه له فلن نجني سوى المزيد من البيئه الفاسده
تصفيق شديد صفير حاد بعد ضم الأصابع ووضعها في الفم … كفى … لأن إضافة تعليقات أخرى من هذا الموقع ستؤدي الى رفض هذا المقال من قبل كافة المواقع التي تنشر لنا.
وتذكرت قصة افتوماشين وتذكرت المذلة التي تعرضت لها قبل بضعة أيام في كتلة الزبلطاني السرطانية وحمدت الله أنني باشرت المعاملة بنفسي ولم أقع في شرك النصابين من معقبي المعاملات الذين يهجمون على السيارة من مفرق كراج الكويت في منطقة الزبلطاني حيث تم طرد شاغليه بدون تعويض!!!!!! مروراً بمعامل الرخام والروائح القذرة المنبعثة من الدباغات وصولاً إلى كتلة الزبلطاني السرطانية، حيث يقولون لك (ننجز لك معاملة الترسيم كاملة وخلال عشر دقائق مقابل 200 ليرة سورية لا غير) ليتضح أن عليك دفع أتاوة لا تقل عن الألف ليرة تحت طائلة مناوشة المنتسبين إلى دورات المصارعة و الكاراتيه والتاكواندو… و(دبّر حالك إذا فيك تدبّر حالك أو بتروح من كيس حالك لحالك)
وقفز إلى ذهني مصطلح الخورفة حيث تمكنت من إبراء ذمتي المرورية لغاية شهر آب اللهاب من العام القادم 2011 إن أحيانا الله حتى ذلك اليوم، ولكن ماذا لو تم تحميل مبالغ الترسيم على البنزين بعد العيد كما تناهى إلى مسامعنا في دولة الإشاعات المؤكدة… الجواب… ستتم خورفتنا وخوزقتنا بدون أدنى شك … وبتكاليف فادحة.
وستطالني هذه الخورفة وستطال أمثالي من الذين يسكنون في مناطق بعيدة وفي الضواحي لأنه لا يكفي ما أحمله من عناء لأني لا أستطيع شراء بيت في دمشق حيث يجب علي أن أدفع الفرق في ثمن البنزين حتى اليوم، وفي دفع ترسيم نظامي لغاية آب اللهاب من العام القادم 2011 مضافاً إليه ترسيم مضاعف على البنزين باعتباري أسكن في الضواحي وهكذا فإن مصطلح الخورفة بدأ يداعب رأسي المتعب بالأصل… ولأني أحمل شهادة محاسب قديم فلقد اقترحت حلّ محاسبي ضمّنته في تعليق ثاني أرسلته وفكرت أنه ومن أجل العدالة ولأن الدولة لا تعيد ما تأخذه ولا تحاسب الجباة الذين يبلصون المواطن سهواً أو عمداً، فيجب تحديد أجل ينتهي بعده العمل بالترسيم القديم وليكن في 31 كانون الأول 2011 يتساوى بعد هذا التاريخ كل الناس ويتم تطبيق إضافة الترسيم على البنزين ويدفع الناس الفرق بمعنى يتوجب عليّ ترسيم على الأسلوب القديم يتعلق بالفترة من نهاية آب اللهاب من العام 2011 ولغاية 31 كانون الأول من العام 2011 بحيث يتم التوقف عن جباية الرسوم بعد ذلك إلاّ ضمن هذه المدة المقيدة وليس بعدها، وفي هذا كل العدل ومنع الخورفة فأرسلت تعليقي الثاني الذي إن لم يرفض فسيواجه من قبل المعنيين بإذن من طين وإذن من عجين وهو الآتي.
آرا سوفاليان
هذا تعليق جديد
تم رفض أول تعليق لي على المقالة وهذا هو التعليق الثاني ـ هذا الحشد يفيد بأن الأهواء تتجه لفرض رسم إضافي على البنزين وهذا سيوقع الظلم على الناس الذين يسكنون في الضواحي ويقطعون مسافات بعيدة وأنا منهم ـ وفي كل الأحوال إن تم اعتماد هذا الرسم فيجب عدم ظلم الناس الذين دفعوا رسومهم لمدة عام قادم وأنا منهم أيضاً ـ حيث يجب تحديد زمن تطبيق المكرمة الجديدة وليكن نهاية العام 2011 ويدفع صاحب السيارة الفارق حتى نهاية العام فتتساوى الناس ثم يبدأ القانون الجديد ـ حرصاً على عدم خورفتنا.
وفي نهاية هذا المقال المليء بالخورفة نتمنى لكم إفطاراً هنيئاً حفظكم الله من كل أنواع الخورفة لأن سوريا وشعبها يستحقان الأفضل والأجمل و سوريا أحلى بلاد الدنيا بدون العقليات المحدودة الكثيرة جداً والتي يتم استبدالها بهدوء وفي كل يوم … ثقوا أن بوكرا أحلى وبعدو أحلى وبعد بعدو أحلى بكثير بهمة زينة شبابنا وكل عام وانتم بخير.
آرا سوفاليان
Ara Souvalian
arasouvalian@gmail.com