www.omferas.com
شبكة فرسان الثقافة

عذر أقبح من الذنب – فهمي هويدي

0

ليت الأمير تركي الفيصل ما أصدر البيان الذي شرح فيه ملابسات مصافحته لنائب وزير الخارجية الإسرائيلي، ذلك أن شعورنا بالحزن لحدوث المصافحة، تحوّل إلى شعور بالصدمة على أثر الاطلاع على البيان.

صحيفة الرؤية الكويتيه الخميس 27 صفر 1431 – 11 فبراير 2010
عذر أقبح من الذنب – فهمي هويدي
http://fahmyhoweidy.blogspot.com/2010/02/blog-post_11.html
 
ليت الأمير تركي الفيصل ما أصدر البيان الذي شرح فيه ملابسات مصافحته لنائب وزير الخارجية الإسرائيلي، ذلك أن شعورنا بالحزن لحدوث المصافحة، تحوّل إلى شعور بالصدمة على أثر الاطلاع على البيان.
 
صحيح أن ذلك ليس أول تواصل إسرائيلي ـ سعودي، لأن ثمة أحاديث متواترة عن اتصالات سابقة غير معلنة تردد فيها اسم الأمير بندر بن سلطان السفير السابق في واشنطن، وأخرى غير مباشرة كان بينها دعوة الرئيس الإسرائيلي شمعون بيريز إلى مؤتمر حوار الأديان الذي عقد في واشنطن بتمويل سعودي وحضره الملك عبدالله بن عبدالعزيز، إلا أنها المرة الأولى التي يثار فيها الموضوع بشكل علني ومباشر.
 
صحيح أيضا أن الأمير تركي الفيصل لا يحتل منصبا رسميا في المملكة، وإنما هو رئيس سابق للمخابرات السعودية وسفير سابق في لندن وواشنطن، ويحتل الآن منصب رئيس مركز للأبحاث بمؤسسة الملك فيصل الخيرية،
 الأمر الذي يعني أن ما صدر عنه لا يمثل المملكة بالضرورة، إلا أنه يظل جزءا من الأسرة الحاكمة وليس منفصلا عنها، وإذا لم يكن تصرفه محسوبا على المملكة فهو بغير شك محسوب على الأسرة، التي لها موقفها الحازم الرافض لأية علاقات مع العدوان الصهيوني، في ظل استمرار سياساته الراهنة.
 
ولئن قيل إن غيره من المسؤولين الخليجيين فعلها، فالرد على ذلك أن للسعودية وضعها الخاص كقيمة سياسية ورمزية دينية، وأخطاء الكبار خطايا كما يقال،
 أما إذا قيل إن شيخ الأزهر سبق إلى مثل تلك المصافحة، فردّي على ذلك أن تلك نقطة سوداء في صفحته. ستظل تلاحقه في الدنيا والآخرة، ثم إنه تصرّف كأي موظف في حكومة عقدت اتفاق سلام مع إسرائيل.
 
خلاصة القصة أن مؤتمرا دوليا للأمن بدأ أعماله في ميونيخ بألمانيا يوم السبت الماضي (6 فبراير). وفي يومه الأول رفض الأمير تركي الفيصل الجلوس إلى جوار نائب وزير الخارجية الإسرائيلي داني ايالون في إحدى حلقات المناقشة، ما أثار استياء الرجل وانفعاله،
فاستغل الموقف لكي يعلن أن ثمة هوة بين الأقوال والأفعال في الشرق الأوسط، مشيرا إلى أن شخصا من دولة لديها الكثير من النفط رفض أن يجلس معي في حلبة المناقشة.
مشيرا إلى أن «السعودية بكل ثروتها لم تقدم مليما واحدا للسلطة الفلسطينية».
 
بقية القصة شرحها البيان الذي أصدره الأمير تركي لاحقا، وقال فيه
: «رددت عليه بأنني اعترضت على جلوسي معه في جلسة واحدة، لا لأنه نائب وزير خارجية إسرائيل، ولكن بسبب سلوكه الفظ مع السفير التركي في تل أبيب.
كما أنني أرفض مزاعمه بشأن دعم بلادي للسلطة الفلسطينية، بتذكيره أن المملكة قدّمت لها أكثر من 500 مليون دولار خلال السنوات الخمس الأخيرة..
 ثم طلب مني ايالون بعد ذلك الصعود إلى المنصة ومصافحته كدليل على عدم وجود ضغينة،
فأشرت إليه بأن عليه أن ينزل هو إليّ، وعندما وقفنا وجها لوجه قال إنه يأسف على ما قاله، ورددت عليه بأنني قبلت اعتذاره، ليس فقط كشخص، ولكن للسفير التركي أيضا».
 
كانت تلك هي الملابسات التي أدت إلى المصافحة، كما أوردها البيان الذي نشرت نصه صحيفة «الشرق الأوسط» في 8 فبراير الجاري
وبدا العذر فيه أكبر من الذنب، ذلك أن الأمير تركي ذكر أنه رفض الجلوس إلى جوار ايالون بسبب إهانته للسفير التركي في تل أبيب،
وأنه رد ادعاءه بأن السعودية لم تدعم السلطة الفلسطينية،
 
وجاءت الحجة الأولى مدهشة، لأن وزير الخارجية التركي كان جالسا في دائرة الحوار، وهو الأولى بالغضب لسوء معاملة سفير بلاده لدى إسرائيل.
 
ولا بأس من رد مسألة الدعم المالي للسلطة، لكن العجيب في الأمر أن الأمير لم يشر إلى أن ثمة قضية لم تحل بين العرب وإسرائيل، وأن كل مسؤول إسرائيلي بمن فيهم السيد ايالون ذاته يداه ملوثتان بالدم الفلسطيني،
كذلك فإن ايالون حين دعاه للصعود إلى المنصة لمصافحته لكي يثبت الأمير ألا ضغينة لديه إزاءه، فإن النقطة التي أشار إليها البيان ركزت على من يصعد إلى المنصة أو ينزل منها، ولم تكن حول ما إذا كانت هناك ضغينة أم لا.
 
المفارقة أن بيان الأمير عبر عن تلك الضغينة ـ التي هي الشعور الطبيعي لدى أي عربي شريف ـ وقال لنا ما كان ينبغي أن يقوله للمسؤول الإسرائيلي أمام الملأ الجالس في المؤتمر، إذ ذكر في البيان أن إدانته للسياسة الإسرائيلية ثابتة لم تتزحزح، كما أنه اتهم إسرائيل بسرقة الأرض العربية التي لم تكن لها في الأساس.
 
لقد هان أمرنا بحيث لم نعد نعترض على وقوع الفاحشة السياسية، وإنما أصبحنا ندعو إلى سترها وإحسان إخراجها.
………………….

اترك رد

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني.