www.omferas.com
شبكة فرسان الثقافة

مأساتنا وانقسامنا/د. فايز أبو شمالة

0

هلّلت مع المهلّلين في سجن نفحة الصحراوي، وفرحت بصدق من كل قلبي، وقلت: يكفي حروب، وانتفاضة، وموت، وتمزق أسري، وجراح، كم نحن بحاجة إلى السلام، وإلى استراحة المقاتل لنلتقط الأنفاس، ونرتاح قليلاً، ونسقط عن أجسادنا صدأ السجن، ونقطب الجرح. لنجرب السلام قليلاً، ونعاود ترميم ما دمره الاحتلال، لنعد صياغة النفس الفلسطينية القادرة على فرض مكونها الإنساني منافساً قوياً للإسرائيليين، ولاسيما بعد سيادة القطب الواحد، وبعد حرب الخليج الأولى التي دمرت طاقة العراق العربي.

مأساتنا وانقسامنا
د. فايز أبو شمالة
هلّلت مع المهلّلين في سجن نفحة الصحراوي، وفرحت بصدق من كل قلبي، وقلت: يكفي حروب، وانتفاضة، وموت، وتمزق أسري، وجراح، كم نحن بحاجة إلى السلام، وإلى استراحة المقاتل لنلتقط الأنفاس، ونرتاح قليلاً، ونسقط عن أجسادنا صدأ السجن، ونقطب الجرح. لنجرب السلام قليلاً، ونعاود ترميم ما دمره الاحتلال، لنعد صياغة النفس الفلسطينية القادرة على فرض مكونها الإنساني منافساً قوياً للإسرائيليين، ولاسيما بعد سيادة القطب الواحد، وبعد حرب الخليج الأولى التي دمرت طاقة العراق العربي.
واصلت حديثي بين السجناء قبل ثمانية عشر عاماً، في سجن الرملة، وسجن عسقلان، وسجن غزة فيما بعد، وقلت: إن إسرائيل دولة تتنفس الحروب، لندع السلام يكسر رماح الشر في نفوس اليهود، ونصهر السيوف لتصير مناجل، لندع السلام يكشف زيف العدوان، لنفتت تآلف الخوف من العرب، لنعطِ الأمان لليهودي كي يعيش بيننا سيداً في الشرق، وندع السلام ينخر عظم حقده، ويفض غشاء كراهيته لنا، دعونا نفْرط عقد التلاقي بينهم على دمنا، دعونا نجبر قبضتهم الشريرة على التراخي عن أعناقنا.
عدة سنوات، وحديثي، وأمثالي الذين تحرروا من الأسر، يتمحور حول أفضال السلام، وعن عشقنا الفطري له، وعن أهمية المفاوضات طريقاً وحيداً سيعيد لنا حقوقنا، وينصفنا من الظلم التاريخي الذي وقع علينا، وأننا ارتضينا القانون الدولي حكماً منصفاً بيننا وبين اليهود في دولة إسرائيل، وعلينا أن نخوض بحر السلام بكل قوة، وعزم، وأن نواصل المشوار بلا تردد، ودون الالتفات إلى المتطرفين اليهود الذين يريدون تدمير السلام، واجبنا الإنساني أن نضيق عليهم الخناق، ونعزز مكانة أولئك اليهود المسالمين الذين يرغبون بالعيش بأمان في بلاد الشرق، لنغمض العين عمن يتساقط من شهداء بيننا بفعل الرصاص الإسرائيلي؛ بالخطأ مرة، أو الظن السيئ بهم مرة، أو لمحاولتهم رجم الاحتلال بحجر، أو لأن بندقية الجندي الإسرائيلي لم تعتد على رؤية العربي الطيب.
سنوات عبرت، ونحن نردد: طريقنا السلام، وخيارنا المفاوضات، بينما اليهودي في إسرائيل يواصل التوسع الاستيطاني، والتوسع في احتلال النفس الفلسطينية، والسيطرة على روح المقاومة، سنوات عبرت لم يغير فيها الإسرائيلي من بنائه النفسي القائم على سحق الفلسطينيين، ولم يغير أوامر القتل، أو شروط السجن، أو وسائل التعذيب، وكأن السلام الذي عشقناه، وهللنا له كان المقصود فيه أي مكان آخر في العالم باستثناء أرض فلسطين.
بعد ثمانية عشر عاماً من مطاردة السلام الهارب، والمفاوضات العبثية، يصر السيد عباس، ويقول: ليس لدينا خيار إلا طريق السلام، والمفاوضات!؟.
هذه هي مأساتنا، وهذا هو سبب انقسامنا.
fshamala@yahoo.com
 

اترك رد

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني.