ماذا سيحدث إن وقعت مدينة من الحجارة فوق ساكنيها؟ الجواب: ستتكرر قصة موجعة وموجة ألم فادح وخسائر لا يمكن تعويضها تتحول كلها إلى ذكرى منسية تأخذ اسم وتاريخ.
هاييتي بين ألطاف الله … بقلم آرا سوفاليان
ماذا سيحدث إن وقعت مدينة من الحجارة فوق ساكنيها؟ الجواب: ستتكرر قصة موجعة وموجة ألم فادح وخسائر لا يمكن تعويضها تتحول كلها إلى ذكرى منسية تأخذ اسم وتاريخ.
كنت في المرحلة الابتدائية عندما وقعت في يدي مجلة تصدر في الكويت واسمها العربي وكان فيها بحث عن زلزال اوغادين الذي ضرب المغرب العربي في الستينات من القرن الماضي، وآلمني دخول الكاميرا إلى البيوت التي سويت بالأرض والتي كشفت ما آلت إليه الحال فهنا أجزاء من سرير طفل وهناك ألعابه وتحتها ملابسه، وكلها بقيت إلاَّ الطفل.
الآن وتكاد تنتصف عطلة الأطفال الانتصافية (عطلة الربيع!) التي تأتي في عزّ البرد فلا تفيد الأطفال في شيء إلاَّ الجلوس أمام جهاز التلفزيون والأبواب مغلقة للحفاظ على الدفء، ومتابعات خجولة لنشرة أخبار الجزيرة حيث لا يسمح للوالد بمشاهدة الأخبار إلا بضعة دقائق لا تشفي غليل أحد.
وبسبب عارض صحي بسيط وهو التهاب خلف العين اليمنى، نجم عن التعرض للبريد الشديد بعد منتصف ليل رأس السنة الجديدة 1/1/2010 اضطررت لملازمة البيت حتى انتهاء دوز ابر الروزيفليكس 1 غرام عشرة أيام حيث جربت وبجدارة أفدح الآلام كما كانت تقول جدتي لأمي لأحفادها جميعاً وأنا منهم (الله يحرسكون من العين ولا يبليكون بوجع عين).
جاءت كارني الصغيرة وجلست إلى يميني.
ـ بابا هل لا زلت تشعر بألم؟
ـ نعم ولكن بشكل بسيط
ـ بسيط بحسب ما نعرف نحن أم بحسب ما تعرف أنت؟
ـ بسيط بحسب ما تعرفون أنتم
ـ انتظرني قليلاً سأحضر لك الدواء
ـ أخذت كل أدويتي يا حبيبتي … تعالي ابق إلى جانبي
ـ لا هذا دواء مختلف!
وعادت وبيدها قبعة زرقاء سماوية ولفحة جميلة من نفس اللون… وقالت: جرب ارتداء هذه القبعة وهذه اللفحة وسيزول الألم على الفور… قلت: من اشترى لك هذه القبعة الجميلة واللفحة المرفقة، قالت: جدتي أم آرا أحضرتها لي من كندا… قلت: وما هو البرهان على أنها من القبعات الشافية؟ … قالت: هذه قبعة مجربة… فمنذ فترة مرضت سيسي وصارت ترفض طعامها وعلمت أنها مصابة بألم شديد وصداع في الرأس وعندما ألبستها هذه القبعة تماثلت للشفاء.
وارتديت القبعة ووضعت اللفحة وسألتني: كيف تشعر الآن؟ قلت: أشعر ببعض التحسن.
سألتني: ماذا تشاهد الآن … قلت: تقرير إخباري يفيد بأن تركيا قبلت اعتذار اسرائيل الكتابي، قالت: وعن أي شيء اعتذرت اسرائيل؟… قلت: عن أشياء … قالت: هؤلاء الذين يقتلون الأطفال الفلسطينيين ؟… قلت: نعم، قالت: اعتذروا عن قتل الأطفال؟ قلت: لا لأن على الأطفال أن يعتذروا… قالت: كيف؟ قبل أن يموتوا أم بعد؟ قلت: اسرائيل تريد أن يكون ذلك قبل وبعد.
ـ هل تحبين يسوع المسيح؟
ـ نعم كثيراً … في قلبي.
ـ هل يمكنك أن تبيني لي السبب؟
ـ أحبه فحسب ولا يوجد سبب… و أنت؟
ـ أحبه كثيراً مع وجود سبب
ـ ما هو السبب؟
ـ طلب من الكبار أن يتشبهوا بالأطفال ويقصد في نقاء القلب … فذهب الكبار إلى قتل الأطفال إكراماً له!
ـ كيف هو نقاء القلب
ـ في هذه القبعة السماوية واللفحة المرفقة الجميلة.
بابا لا أستطيع متابعة هذا التقرير… لا بد أنهم أطفال غزة بملابسهم المدماة … يُحملون إلى سيارات الإسعاف.
ـ لا تنظري يا حبيبتي سينتهي هذا التقرير بعد لحظات.
ـ ما هذا يا أبي؟
ـ استمرار عمليات الإنقاذ في هاييتي
ـ الزلزال الذي حدث بالأمس
ـ نعم
ـ انظر هناك أطفال بين جموع القتلى
ـ من الذي قتل هؤلاء الأطفال؟؟؟
ـ غضب الطبيعة
ـ ومن الذي أغضب الطبيعة؟
ـ الإنسان
ـ كيف
ـ عبث بالبيئة فتغير المناخ.
ـ الزلازل موجودة قبل عيث الإنسان بالبيئة ، فلماذا تغضب الطبيعة على هاييتي الآن ؟
ـ ربما لأن أهلها من الفقراء
ـ بابا هل لنا أقرباء في هاييتي؟
ـ لنا في كل أنحاء العالم إلا هاييتي
ـ هل هناك سوريون في هاييتي
ـ لقد أشار التقرير إلى وجود سوريين في هاييتي … وقرأت عن ذلك في الانترنيت.
ـ وماذا يفعلون الآن
ـ ينتظرون رحمة الله
ـ هل تقصد أنه؟…لم يهب أحد لمساعدتهم حتى اللحظة.
ـ لا أحد حتى اللحظة … على حد علمي.
ـ ما هو السبب؟
ـ ينتظر مسئولينا أن يتطوع أحد لمساعدتهم … فهذا أرخص… أما التوجه الجديد عندنا فهو بيع بعض السادة علماء الاقتصاد في سوريا وإتحاف البشرية بهم خاصة لأن عددهم صار كبيراً إلى درجة أن الوزارات والمكاتب والمالية ودور الضرائب والعقارات والعَرَصَات والمحافظة صارت تغص بهم بالإضافة للمواطن السوري الذي صار بدوره يغصُّ بهم أيضاً ويغصُّ بما يتمخض عنه فكرهم الخلاق من ضرائب وضرائب على الضرائب ورفع أسعار بحيث أنه لم يعد قادراً على ابتلاعهم وابتلاع تشريعاتهم، (لا عل جالس ولا عل قاعد ولاعل نايم).
ـ لماذا لا تحدث الزلازل في بلد جدتي؟
ـ تحدث ولكن الأبنية لا تقع هناك … والذي يقع دوماً هو أبنية الفقراء… مع أن مئات المليارات من الدولارات تصرف من أجل لا شيء… يضن أصحابها على صرف جزء منها في تحسين معيشة الإنسان وإيجاد علاج لمرض السرطان على الأقل… أو إيجاد مجمعات سكنية آمنة لجموع البشر حول العالم ليس لحلّ كوارث كهذه في المستقبل بل لتحجيم آثارها على الأقل.
ـ يبدوا أن ذلك صعباً
ـ صعباً بالتأكيد ولكن يجدر بالإنسان أن يحاول
ـ كيف يحاول؟
ـ كما حاولت أنت يا طفلتي
ـ في أي شيء؟
ـ في القبعة السماوية الزرقاء واللفحة الملحقة
ـ هل نجحت في محاولتي يا أبي؟
ـ نعم يا حبيبتي فلقد زال الألم .
Ara Souvalian
arasouvalian@gmail.com