ذلك الشعب الذي آتاه نصرا
ذلك الشعب الذي آتاه نصرا | هو بالسبة من نيرون أحرى |
أي شيء كان نيرون الذي | عبدوه كان فظ الطبع غرا |
بارز الصدغين رهلا بادنا | ليس بالأتلع يمشي مسبطرا |
خائب الهمة خرار الحشا | إن يواقف لحظه باللحظ فرا |
قزمة هم نصبوه عاليا | وجثوا بين يديه فاشمخرا |
ضخموه وأطالوا فيثه | فترامى يملأ الآفاق فجرا |
منحوه من قواهم ما به | صار طاغوتا عليهم أو أضرا |
يكثر الإعصار هدما وردى | إن يكاثره وما أوهاه صدر |
مد في الآفاق ظلا جائلا | هو ظل الموت أو أعدى وأضرى |
إن رسا في موضع طم الأسى | أو مضى فاظنن بسيف الله بترا |
متلفا للزرع والضرع معا | تاركا في إثره المعمور قفرا |
إنما يبطش ذو الأمر إذا | لم يخف بطش الأولى ولوه أمرا |
ساس نيرون برفق قومه | مستهلا عهده بالخير دثرا |
مستشيرا فيهم الحذر إلى | أن بلا القوم فما راجع حذرا |
ضاربا فيهم بكف مرة | باسطا كفيه بالإحسان مرا |
لان حتى وجد اللين بهم | فجفا ثم عتا ثم اقمطرا |
لبس الحلم لهم حتى إذا | آنس الحلم بهم منه تعرى |
وانتحى يرهقهم خترا فما | عاقل في معقل يأمن خترا |
بادئا تجربة البأس بمن | هو من أهله في الأدنين إصرا |
لم يشفعهم لديه أنهم | أعلق الناس به قربى وصهرا |
مستبيحا بعدهم كل امرئ | رابه سما وإحراقا ونحرا |
من موالين وندمان لقوا | حتفهم حيث رجوا سيبا مبرا |
وأولي علم على تأديبه | أنفقوا من علمهم ما جل ذخرا |
حذروه شر ما يعقبه | بغيه إن لم يخف لوما وشرا |
فأباحوا خطلا أنفسهم | وأولي الألباب أعيانا وغثرا |
ظن في الجمهور أعداء لهم | ملئت أكبادهم ضغنا ودغرا |
كاظمين الغيظ خافين إلى | أن يلوا في وجهه العدوان جهرا |
ناكسي الهامات حتى يشهدوا | في لقاء القادرين الصعر صعرا |
من غيابات الدجى أبصارهم | تطلب النور وتأبى أن تقرا |
فئة شكس غلاة طالما | ناوأوا الحكم وهاجوا القوم نأرا |
قتلوا تركين في دعواهم | أنه يسرف في السلطان حكرا |
وأثابوا بالردى قيصر إذ | أخضع الدنيا لهم برا وبحرا |
أصحيح أن روما حفظت | من جلال العزة القعساء غبرا |
لم يخل ذلك نيرون ولم | ير من يأمنها يأمن وترا |
عد عن ذلك واذكر قتله | أمه كم عظة في طي ذكرى |
هي أردت عمه من أجله | وأرته كيف أخذ الملك قهرا |
ورعته حاكما حتى إذا | شجرت بينهما العلاب شجرا |
ورأى الشركة في سلطانه | وهنا والنصح تقييدا وحجرا |
سخر الفلك لها تغرقها | فنجت والغور لا يدرك سبرا |
فتباكى خدعة لكنها | لم يفتها ما وراء العين عبرى |
فاصطفى من جندها مؤتمنا | خائنا يأخذها بالسيف غدرا |
ولفضل في نهاها استشعرت | غيلة الوغد إذ البارق ذرا |
لحظة فيها استبانت هول ما | إثمها أمس عليها اليوم جرا |
غير أن الخوف منها لم يقع | موقعا يزري إذا ما الخوف أزرى |
فأشارت قبل لم تحتشم | ولها وقفتها تيها وجبرا |
ثم قالت دونك البطن الذي | نكب الدنيا به فابقره بقرا |
هكذا الباغي على جبن به | بدأ البغي وبالفتك تضرى |
يختل الناس فرادى فإذا | أجمعوا رأيا أدار الطعن نثرا |
من يجده ممكنا أصمى ومن | لم يجده ممكنا منى فأغرى |
مستطيلا ما اشتهى في بغيه | قائلا ما استطاع للرأفة قصرا |
غال من غال بهم في شبهة | بل كفى أن خال حتى اقتص وغرا |
وادعى الوزر وقاضى وقضى | غيبة إن كان أو لم يك وزرا |
وبنو روما سجود حوله | ركع راضون ما ساء وسرا |
لو علوا كالمد في بحر طغى | ثم ظنوه لعاد المد جزرا |
كلما كفكفه ناهي النهى | عن أذاهم جرأوه فتجرى |
ليس بالتارك فيهم جهده | لسوى أعوانه جاها وأزرا |
أفسد القوم على أنفسهم | فإذا الأخفر من كان الأبرا |
وإذا الأوفى خثون وإذا | حسن النكر قبيلا ساء نكرا |
وإذا كل ولاء عامر | تحته مفسدة تحفر حفرا |
ظل في الإرهاب حتى خف من | قذفهم في روعة ما كان وقرا |
فانثنى منشرحا صدرا كأن | لم يجيء من شنع التنكيل صدرا |
كل يوم يمنع الجيش حبى | وعطايا جمة تبذر بذرا |
كل يوم يصل الشعب بما | ليس يبقي لاستياء فيه حبرا |
كل يوم ينتدي حيث انتدى | للملاهي قومه صبحا وعصرا |
فأحبوه لهذا ونسوا | ما بهم حل من الأرزاء غزرا |
وجرى في كل شوط آمنا | وتملى العيش بعد الخوف طثرا |
أخطر الأمن فليقولا على | باله والهزر قد يعقب هزر |
أفتدري من فليقولا وما | سامه الرومان مستخذين بهرا |
أفتدري أي حكم جائر | ذلك الطاغي على الرومان أجرى |
أفتدري ما الذي كلفهم | ذات يوم ضحكا منهم وسخرا |
يوم أمسى غير مبق بينهم | من أسود الخدر من يعصم خدرا |
وثنى الأعيان في ندوتهم | طوع كفيه أأحلى أم أمرا |
فنوى أفعولة لم ينوها | غيره من قبل مهما يك جسرا |
لو أسرت نفس أشقى ظالم | بعضها اخجله ما قد أسرا |
ذاك أن ولى علهم قنصلا | فرسا من خيله أصهب ترا |
مرن الأرساغ ممراحا يرى | قارحا أو فوقه إن هو فرا |
كان في الخيل أبوه معزيا | بينا نسبته والأم حجرا |
رحب شدق لاهزا ماضغه | لا حب المتن استوى خلقا وأسرا |
مشرف العنق ضليعا هيكلا | لم يبالغ فيه من سماه غمرا |
طالما استعصى على ملجمه | في الصبا ثم على الأيام قرا |
وبدا فيه وقار بعد أن | كان خفاقا إذا حمل وقرا |
ريض للطاغي وأوهى عزمه | كبر السن فما يسطع كبرا |
وغدا في ظن مولاه به | دمثا لا خوف من أن يحذئرا |
دانيا حاجبه من وقبه | لينا جانبه عسرا ويسرا |
مذعنا يصلح للإقرار في | مجلس الأشياخ محمودا مقرا |
فلهذا اختاره صنوا لهم | وهو لا يحسبه أحدث كفرا |
لم يكد يأمر حتى استبقت | زمر تهتف في الندوة بشرى |
بشروا الأعيان بالند الذي | صدر الأمر به قدس أمرا |
ثم وافى بالجواد المجتبى | ساسه قد ألبسوا خزا وشذرا |
فدنا مستأنسا لكنه | موشك للريب أن يبعد نفرا |
ناشقا ما حوله ملتفتا | فعل من أوجس كيدا فاقشعرا |
ساكنا آنا وآنا نزقا | يفحص الموقف أو يهمر همرا |
مرخيا عذرا طوالا كرمت | عند من لا يرسلون العذر عذرا |
بينما يسبل أذنيه وقد | جحظت عيناه إذ يرنو مصرا |
أوشكوا أن يحزوا ثم بدا | فإذا ما ظن من حزن تسرى |
وانبرى من فوره أرغبهم | في رضى الغاشم يسترضي الطمرا |
زاعما مولاه يبلو ودهم | بالذي أهدى ولا يضمر حقرا |
وأتم الأنس داعون دعوا | للجواد الشيخ أجلل بك مهرا |
لم يكن مهرا وكم من فرية | بذلت في خطبة للود مهرا |
يا له طرفا بنى الحظ له | في بني أعوج عزا وسبطرى |
درت الجلسة يف حضرته | فأدار الذيل في جنبيه خطرا |
وله سامعتا من لم يثق | وله باصرتا من قل مكرا |
إن أطالوا جد رفسا وإذا | أقصروا حمحم تأنيبا وزجرا |
وإذا حرك رأسا أكبروا | وحيه لله ذاك الوحي درا |
كان إمرأ شأنهم من جهلهم | وقديما كان شأن الجهل إمرا |
عظموا طرفا وقبلا عبدت | أمم من جهلها ثورا وهرا |
ذاك إبداع فليقولا فهل | دونه نيرون في الإبداع حجرا |
سنرى إن هو لم يضر به | ما الذي يفعله القوم ليضرى |
لا سقاك الغيث يا جهل فكم | سقيت في كأسك الأقوام مرا |
أنت أغريت بظلم كل ذي | صولة غير مبال أن يعرا |
وسعت أم القرى ذاك الذي | عقها حمدا كما لو كان برا |
إن يكلمه الأعزون بها | فامتداحا أن يكلمهم فهجرا |
فمضى في غيه واسترسلت | في مجال الذل تحبيذا وشكرا |
ألهته أوهمته أنه | مالك الضر منيع أن يضرا |
فإذا أوضع في تفظيعه | كلما أزرى بها شدته أزرا |
كل يوم يدعي فنا فما | هو إلا أن نوى حتى أقرا |
قال بي حسن فقالت وبه | يا فقيد الشبه فقت الناس طرا |
فترقى قال إن مطرب | فأجابت وتعيد الصحو سكرا |
فتمادى قال في التصوير لي | غرر قالت وتؤتي الرسم عمرا |
فتغالى قال في التمثيل لا | شبه لي قالت ويحيي الميت نشرا |
فتناهى قال إن شاعر | فأجابت إنما تنظم درا |
فعرته جنة زانت له | خطة أدهى على الملك وأزرى |
أزمع الرحلة في موكبه | جاشما شقتها بحرا وبرا |
موليا شطر أثينا وجهه | إنه كان لأهل الفن شطرا |
يتوخى قولها في حقه | إنه أصبح في التمثيل نحرا |
وكفى من شهدت يوما له | شهرة توليه في الأقطار زخرا |
فمضى في أي حشد حاشد | يدع الرحب من الساحات ضجرا |
بعد أن أوفد رسلا كلفوا | في أثينا دعوة الناس وسفرا |
يبتغي إشهادها في محفل | حسنه الطالع في الظلماء بدرا |
مسمعا سمارها مزهره | عارضا تمثيله بطنا وظهرا |
إي وآيات أثينا كان من | شأنها أن تمنح الأخطار دهرا |
ذاك إذ كانت هي الدار وإذا | كانت الدنيا لتلك الدار قطرا |
إنما أمست أثينا عملا | داخلا في دولة الرومان قسرا |
فإذا ما ألفيت شاربة | بعض أمن بالثناء الزور يشرى |
أو بدت ساخرة من نفسها | تطريء الجهل وما كان ليطرا |
فكذاك الرق يدني من على | ويعيد الأمة الحرة عرى |
ذاك تأويل الحفاوات التي | وهبتها القيصر الممتاح فخرا |
فقضى مأربه ثم انثنى | برضى من فعل الفعلة بكرا |
ليس آفلون لو ناظره | بمصيب منه غير اللمح شزرا |
عاد باليمن وكل مضمر | حزنا لكنه يظهر سرا |
فتلقاه بروما أهلها | كتلقي فاتح فتحا أغرا |
قيصر الأكبر لم يحفل له | هكذا إذ دوخ الدنيا وكرا |
نصبوا الأبواب إكبارا له | وأحاطوا ركبه بالجيش مجرا |
وأقاموا زينة جنح الدجى | جعلت روما سماوات وزهرا |
زينة ما شهد الخلق لها | قبل ذاك العهد شبها يتحرى |
خلبته واستفزت روعه | فطوى الليل وقد أضمر أمرا |
ليجدن بها معجزة | ترهب الأعقاب ما النجم ازمهرا |
جامعا فيها الأفانين التي | يدعي إتقانها علما وخبرا |
مخرجا أشجى سماع للورى | من لهيب يسدر الأبصار سدرا |
مغربا حسنا وفي مذهبه | أن خير الحسن ما يفعم شرا |
فتقوم الزينة الكبرى بما | بعده لا تذكر الزينات صغرا |
فاز نيرون بأقصى ما اشتهى | محرقا روما ليستبدع فكرا |
بعد أن حصل في تمثيله | ما به أصبح في التمثيل شهرا |
شبت النار بها ليلا وقد | رقدت أمتها وسنى وسكرى |
شعلة من كل صوب نهضت | ومشت دفا وإحضارا وعبرا |
زحفت رابية مضرمة | تلتقيها في عناق الوهج أخرى |
جمعت أقسام روما كلها | في جحيم تصهر الأجسام صهرا |
فالمباني تتهاوى والجذى | تترامى والدمى تنقض جمرا |
والأناسي حيارى ذهل | غامروا هولا وساء الهول غمرا |
خوض في الوقد إلا نفرا | تخذوا الأشلاء فوق الوقد جسرا |
والضواري انطلقت لا تأتلي | ما التقت عضا وتمزيقا وكسرا |
هجمت للفتك ثم انهزمت | فزعات ساريات كل مسرى |
كثر اللحم شواء حولها | وتأبت بعد جهد الصوم فطرا |
تتهادى مهراقا دمها | وبها ضعضعة النازف خمرا |
دفق التبر ضياء ودما | مستفيض اللج ياقوتا وتبرا |
كان بالأمس كمرآة صفت | ربما كدرها الطائر نقرا |
تلتقي فيها صروح عبست | قاتمات وربى تبسم خضرا |
فإذا مرت نسيمات بها | حطمتها قددا ربدا وغرا |
حبذا عندئذ منظرها | منظرا والتبر في الأنهار نهرا |
إذ ترى الأمواج فيه أعرضت | مالئات صفحات الماء سحرا |
كجوار سابحات خرد | سابقات في تباريها وحسرى |
لاهيات مغربات ضحكا | آمنات لمحات الريب طهرا |
أرسل الحسن على أكتافها | من ضفير الزبد المذهب شعرا |
كل غيداء رداح ناوحت | بيد عبرا وبالأخمص عبرا |
هي نور الروض أو أزهى حلى | وهي غصن الرند أو أرشق خصرا |
تارة تبدو وطورا لا ترى | وتناهي الظرف إذ ترفض ذرا |
أين تلك العين هل حالت إلى | جنة وارتد برد الماء سعرا |
أصبحت سود سعال ساقها | سائق يوسعها حثا ونهرا |
في مسوح من قتار يجتلى | أرجوان تحتها من حيث تفرى |
عاد صافي اللون منها رنقا | وضحوك الوجه منها مكفهرا |
شرقت لماتها أصبغة | ورنت أعينها النجلاء خزرا |
صار غسلينا حميما غسلها | كاسبا من حر ما جاور حرا |
أي بنات الماء غبن بين | أن ترى سودا وما أبهاك شقرا |
ذاك ما أحدثه البغي وهل | أدرك الصفو فلم يردده كدرا |
قام سور حول روما ساطع | ناشرا أعلامه كمتا وصفرا |
تحت جو ملئت أرجاؤه | من تلظيها قتاما مسبكرا |
ينظر الغاشم في أقسامها | حذقه رسما وموسيقى وشعرا |