طغت أمة الجيل الأسود
طغت أمة الجيل الأسود | على حكم فاتحها الأيد |
وهبت منيخات أطوادها | نواشز كالإبل الشرد |
وأبلى النساء بلاء الرجال | لدى كل معترك أربد |
نساء لدان القدود لها | خدود كزهر الرياض الندي |
تنظم من حسنها جنة | على ذلك الجبل الأجرد |
ويوم كأن شعاع الصباح | كساه مطارف من عسجد |
تفرقت الترك فيه عصائب | كل فريق على مرصد |
يسدون كل شعاب الجبال | على النازلين أو الصعد |
أسود تراقب أمثالها | ولا يلتقون على موعد |
وكان عداهم على بؤسهم | وطول جهادهم المجهد |
يوافونهم بغتات اللصوص | ويرمون بالنار والجلمد |
ويفترقون تجاه الصفوف | ويجتمعون على المفرد |
ويمتنعون بكل خفي | عصي على أمهر الرود |
وأي رأى شاردا يقتنصه وأي رأى واردا يصطد |
|
ويلتقمون جناح الخميس إذا العون أعيى على المنجد |
|
منامهم جائمين وقوفا | ولا يهجعون على مرقد |
وما منهم للعدى مرشد | سوى غادر ماء من مرشد |
إذا لم يقدهم إلى مهلك | أضل بحيلته المهتدي |
ويعتسف الترك في كل صوب | فهذا يروح وذا يغتدي |
وما الترك إلا شيوخ الحروب | ومرتضعوها من المولد |
إذا ألقحوها الدماء فلا | نتاج سوى الفخر والسؤدد |
سواء على المجد أيا تكن | عواقب إقدامهم تمجد |
ولكن قوما يذودون عن | حقيقتهم من يد المعتدي |
وتعصمهم شامخات الجبال | وكل مضيق بها موصد |
ويدفعهم حب أوطانهم | ويجمعهم شرف المقصد |
لو الموت مد إليهم يدا | لردوه عنهم كليل اليد |
وكان من الترك جمع القليل على رأس منحدر أصلد |
|
كثير الثلوم كأن الفتى | إذا زل يهوي على مبرد |
وقد نصبوا فوقه مدفعا | يهز الرواسخ إن يرعد |
وحفوا كأشبال ليث به | وهم في دعاب وهم في دد |
فتى كالصباح بإشراقه | له لفتة الرشإ الأغيد |
يدل سناه وسيماؤه | على شرف الجاه والمحتد |
ترد سواطع أنواراه | سليم النواظر كالأرمد |
أقب الترائب غض الروادف | يختال عن غصن أميد |
لهيب الحروب على وجنتيه والنقع في شعره الأسود |
|
وفي محجريه بريق السيوف | وظل المنية في الأثمد |
فأكبر كلهم أنه | رآه تجلى ولم يسجد |
وظنوه مستنفرا هاربا | أتاهم بذلة مستنجد |
ولم يحسبوا أن ذا جرأة | يهاجم جمعا بلا مسعد |
تبين هلكا فلم يخشه | وأقدم إقدام مستأسد |
فأفرغ نار سداسيه | على القوم أيا تصب تقصد |
وضارب بالسيف يمنى ويسرى فأين يصب مغمدا يغمد |
|
سقى الصخر من دمهم فارتوى | ولم يشف منه الفؤاد الصدي |
فما لبثوا أن أحاطوا به | فدان لكثرتهم عن يد |
ولولا اتقاء الخيانة فيه لكان الألد له يفتدي |
|
فلما احتواه مقر الأميير | مقودا وما هو بالقيد |
أشار وما كاد يرنو إليه بأن يقتلوه غداة الغدا |
|
فأقصي الفتى عنه حراسه | وشق عن الصدر ما يرتدي |
وأبرز نهدي فتاة كعاب | بطرف حيي ووجه ندي |
كحقي لجين بقفلي عقييق | وكنزين في رصد مرصد |
فكبر مما رآه الأمير | وهلل أشهاد ذاك الندي |
وراعهم ذلك التوأمان | وطوقاهما من دم الأكبد |
ووثبهما عندما أطلقا | بعزم إلى ظاهر المجد |
كوثب صغار المها الظامئات | نفرن خفافا إلى مورد |
وأرخت ضفائرها فارتمت | إن منكبيها من المعقد |
تحيط دجاها بشمس عراها | سقام فحالت إلى فرقد |
وقالت أمهجة أنثى تفي | بثارات صرعاكم الهمد |
تفانوا فما خاس في وقعة | فتى من مسود ولا سيد |
يرى العز في نصر سلطانه | وإلا ففين موت مستشهد |
ومن خلق الترك أن يوردوا | سيوفهم مهج الخرد |
فدونكم قتلة حللت | تدري من دمائكم ما تدي |
فأصغى الأمير إلى قولها | ولم يستفز ولم يحقد |
وأعظم نفس الفتاة وبأسا | بها في الصناديد لم يعهد |
وحسنا بمشركة داعيا | إلى الشرك من يره يعبد |
أبى عزة قتل أنثى تذود | ذياد المدافع لا المعتدي |
فقال انقلوها إلى مأمن | وأوصوا بها نطس العود |
لتعلم أنا بأخلاقنا | ننزه عن تهم الحسد |
فإذ أخرجت قال للماكثين وهم في ذهولهم المجمد |
|
لها الله في الغيد من غادة | وفي الصيد من بطل أصيد |
أنهلك شعبا غزت داره | ثقال الجيوش فلم يخلد |
خليق بنا أن نرد القلى | ودادا ومن يصطنع يودد |
فما بلد تفتديه النساء | كهذا الفداء بمستعبد |