أن ينطلق مهرجان سينمائي في غزة المحاصرة والنازفة، هذه الأيام، فهذا بحد ذاته إنجاز وعمل يستحق الاهتمام، فكيف إذا شارك في هذا المهرجان تسعة عشر فيلماً عربياً إلى جانب تسعة أفلام فلسطينية، خضعت جميعها لتحكيم لجان متخصصة، واحدة للأفلام الروائية وأخرى لأفلام عن مدينة القدس وثالثة لأفلام وثائقية.
مهرجان سينمائي في غزة
بقلم: محمد العجلة
كاتب صحفي/ غزة
أن ينطلق مهرجان سينمائي في غزة المحاصرة والنازفة، هذه الأيام، فهذا بحد ذاته إنجاز وعمل يستحق الاهتمام، فكيف إذا شارك في هذا المهرجان تسعة عشر فيلماً عربياً إلى جانب تسعة أفلام فلسطينية، خضعت جميعها لتحكيم لجان متخصصة، واحدة للأفلام الروائية وأخرى لأفلام عن مدينة القدس وثالثة لأفلام وثائقية.
حمل المهرجان اسم “مهرجان القدس السينمائي الدولي” واحتضنته جامعة فلسطين ونظمه بالتنسيق مع الجامعة ملتقى الفيلم الفلسطيني الذي يرأسه المخرج سعود مهنا, واستمر لثلاثة أيام متتالية من 21-23/12/2009م، عرض خلالها ثمانية وعشرون فيلماً تم اختيارها من بين اثنين وخمسين فيلماً تقدمت للمشاركة في المهرجان.
حفل الافتتاح الذي حضرته نخبة من الفنانين والكتاب والمثقفين والمهتمين، تميز بإلقاء كلمات قصيرة معبرة، شملت كلمة رئيس جامعة فلسطين د. سالم صباح، وكلمة رئيس المهرجان د. حسين أبو شنب، وكلمة المنسق العام للمهرجان الناقد السينمائي عز الدين شلح، وكلمة رئيس لجان التحكيم المخرج سعود مهنا، وتولت عرافته الإعلامية والناطقة باسم المهرجان إيناس الطويل والشاعر محمود الناطور.
للمهرجان دلالات عديدة، إحداها ما يتعلق بتوق ومحاولات أبناء قطاع غزة لكسر الحصار المرهق حتى ولو بأشواقهم وتطلعاتهم. دلالة أخرى تتعلق بدور الفن والفنانين، وإصرارهم على المشاركة في حمل هموم الإنسان والمجتمع، وهذه النقطة بالذات تقودنا بالضرورة إلى الحديث عن جهود فردية عظيمة (ليست مؤسسية أو مدعومة أو ممولة من إحدى الجهات المحلية أو الأجنبية) قام ويقوم بها فنانون من أجل الفن والحركة الفنية ولإيجاد مكان لائق ومكانة مناسبة لهم في مسيرة شعبهم المناضل المتطلع للحرية والاستقلال.
من هؤلاء الفنانين، بل في مقدمتهم المخرج سعود مهنا، الذي يعطي ولا يأخذ (حقيقةً لا مجازاً) ويقدم الغالي والنفيس من أجل كتابة وإخراج فيلم، أو تشكيل ملتقى أو تنظيم مهرجان فني0000 الخ، وكل ذلك بدافع الحب للمجتمع والناس.
لقد تعرفت إلى الفنان سعود مهنا عام 1993م حيث كنت أعمل في الصحافة ولدي اهتمام كبير بتغطية الشؤون الأدبية والفنية، وشهدت عن قرب كيف كان يسابق الريح لإنجاز أعمال فنية وخاصة أفلام روائية ووثائقية، ولم يأبه بأي معيقات أو صعوبات، حتى أنه عمل على استقدام ثلاث فنانات إلى غزة من فلسطينيي الـ48 للتغلب على مشكلة نقص العنصر النسائي في الفن، وكان من بينهن الفنانة المبدعة عبير مخول التي واصلت العمل في غزة، وأدت دور البطولة في أكثر من عمل فني تليفزيوني ومسرحي.
من الدلالات المهمة لهذا المهرجان لمسة الوفاء التي تحلى بها منظموه، وذلك من خلال تكريم المخرجين الفلسطينيين والعرب وبعض الفنانين الذين أسهموا في خدمة القضية الفلسطينية.
إن هذا المهرجان، وغيره من النشاطات الفنية (التي لم تتوقف في غزة، لاسيما بعد قيام السلطة الوطنية رغم أنها تباطأت أو قل عددها في فترات معينة بسبب ظروف الانتفاضة والاعتداءات الإسرائيلية المتكررة على الشعب الفلسطيني) تثبت مرة أخرى أن لدى الشعب الفلسطيني، في كافة أماكن تواجده، طاقات وكفاءات فنية يمكنها أن تشكل إضافة هامة في هذا المجال، وغزة (نعم غزة) ليست استثناءً من ذلك، حتى في هذه الأيام، أيام الحصار والانقسام والهموم الثقيلة الجاثمة على صدر المواطن الغزي.
هذا المهرجان الفني رسالة إلى العالم بأن من حق غزة أن تعيش كما يعيش الآخرون، فكل التقدير والاحترام لمن أسهم في إنجاز هذه الرسالة.
***