www.omferas.com
شبكة فرسان الثقافة

منذ التأميم و أمنياتنا في السباق بقلم آرا سوفاليان

0

عناوين ثلاثة كبيرة تجثم كالطود على صدور المخلصين في سوريا الحبيبة 1 ـ رفع مستوى المعيشة، 2 ـ ومواجهة الفساد، 3 ـ ومواجهة ظواهر الخلل والتقصير. ثلاثة عناوين مهمة ولكن… هناك أولويات… إن مواجهة ظواهر الخلل والتقصير هي تحصيل حاصل وهي البوابة الأولى التي يجب علينا اجتيازها للولوج إلى فضاء الفساد المعتم الذي بات يهدد كل شيء، أما مواجهة الفساد فهو أمر لن يتحقق إلاَّ بعد رفع مستوى المعيشة وبالتالي فإن رفع مستوى المعيشة هو المبدأ الأول الذي يعّول عليه في مواجهة ما سيأتي لاحقاً.

منذ التأميم و أمنياتنا في السباق  بقلم آرا سوفاليان
عناوين ثلاثة كبيرة تجثم كالطود على صدور المخلصين في سوريا الحبيبة
1 ـ رفع مستوى المعيشة،
2 ـ ومواجهة الفساد،
3 ـ ومواجهة ظواهر الخلل والتقصير.
ثلاثة عناوين مهمة ولكن… هناك أولويات… إن مواجهة ظواهر الخلل والتقصير هي تحصيل حاصل وهي البوابة الأولى التي يجب علينا اجتيازها للولوج إلى فضاء الفساد المعتم الذي بات يهدد كل شيء، أما مواجهة الفساد فهو أمر لن يتحقق إلاَّ بعد رفع مستوى المعيشة وبالتالي فإن رفع مستوى المعيشة هو المبدأ الأول الذي يعّول عليه في مواجهة ما سيأتي لاحقاً.
في فترة قريبة سابقة كان يقال عن سوريا أنها… سويسرا الشرق، فلقد كانت القوة الشرائية للنقد السوري مرتفعة للغاية، وكان الدولار يعادل ثلاث ليرات سورية لا غير، وكان الارتباط مع البنوك الأجنبية متحقق، وكان لليرة السورية سعر صرف عالمي.
أما سمعة التاجر السوري فكانت عالية وموثوقة، وكان التاجر أو الصناعي السوري يستطيع استيراد تجهيزات وآليات وآلات وقطع صناعية ومواد أولية بالأمانة وبكفالة بنك من البنوك السورية المعتمدة عالمياً، وكان يواظب على السداد، ليواكب التوسع أو التطوير في منشأته فلقد كان يعرف أن خواتم الأمور خير.
فهناك على سبيل المثال: رب عمل استورد من بريطانيا مائة نول نسيج، وواظب على السداد إلى ما بعد الفترة التي جرد فيها من معمله وآلاته وسياراته، وهي الفترة التي عرفت بالتأميم، فلقد اختار أن لا تتعرض سمعته للخطر في مواجهة بنوك الغرب، فلقد كان يأمل بأن يعود ماله إليه، ويعتقد بأن المرحلة التي مرّت هي مرحلة مؤقته، ستمضي، وتعود الأمور إلى ما كانت عليه… ولكن الذي حدث علّمه أن الذي ذهب لن يعود وأن فكرة التأقلم هي فكرة مثالية لا وجود لها على أرض الواقع.
أما معمله فلقد تحول إلى متحف، فلقد كان شركة مساهمة عائلية تحكم من قبل الأقرباء، والجميع يعملون في هذه الشركة  بقلب واحد، ويعتبرون أن المال مالهم وهم الرقيب وهم المحاسب والحسيب وهم الحريصون على مصادر رزقهم وهم أعداء الهدر وأعداء ظواهر الخلل والتقصير، فصار المعمل للشعب وهذه الملكية فضفاضة المعالم وأدت إلى هرب العمال الذين خسروا العلاوات والحوافز التي كان ينالها كل منهم من رب العمل عن طريق الاحتكاك المباشر واليومي به، وقد تحول الحال اليوم إلى رؤية رب العمل من خلف زجاج سيارته السوداء الفارهة يجلس في المقعد الخلفي ويرسم على وجهه تلك المعالم المصطنعة التي يهابها الشعب، بعد أن جاء خلف رواية تقول انه ابن الشعب وان المعمل تحولت ملكيته إلى الشعب، فهرب العمال وتركوا المعمل للشعب.
وكان لا بد من استقدام يد عاملة رخيصة تقبل بالرواتب المعروضة، فهناك سقف لا يمكن تجاوزه ولا محل فيه للإستثناءات، وبالطبع فإن اليد العاملة هذه، غير مدربة وغير فاعلة ولا منتجة، فتمَّ بواسطتها تخريب المصنع، وبالنسبة لمصنع النسيج المومى إليه، فلقد سارع الموكل إليهم بالحفاظ على مال الشعب، سارعوا إلى وضع نولات النسيج في المستودعات بعد تعطل خطوط الإنتاج الخط تلو الآخر، ليتحول هذا المصنع الذي كان يصدّر إلى أوروبا، ليتحول إلى مستودع كبير للخردة، وفي خطة إنقاذ غير مجدية تم تحويل المصنع إلى ما يسمى بالمعهد المتوسط للصناعات النسيجية.
إن توظيف اليد العاملة الغير مدربة والتي تقبل بأي شيء وإقحامها في خطوط الإنتاج سيؤدي إلى الاقتراب وبوتيرة متسارعة من نقطة إغلاق المصنع وقد تحقق ذلك وبجدارة بسبب الهدر والسرقة وسيطرة النفقات الإدارية على مجمل الربحية المتحققة في البداية، والتي تحولت فيما بعد إلى خسائر مروعة أصابت القطاع العام في مقتل وأدت إلى تحييده، وتحول الموضوع برمته إلى تقليد ثم نهج مفروغ منه وأمر غير قابل للإصلاح.
وتأتي المكابرة عن طريق تحميل خسائر القطاع العام بالمجمل على الميزانية العامة مما أدى إلى ارتفاع معدلات التضخم وانخفاض قيمة النقد، ولهذا الانخفاض معدل تراكمي أوصل الليرة السورية إلى أدنى معدلاتها في الأسواق المالية، ففي فترة سابقة هي أواخر الثمانينات وصل سعر صرف الليرة السورية بالنسبة للدولار في السوق السوداء إلى أعلى معدل وهو 65 ليرة سورية للدولار الواحد، وهي الفترة التي دعيت بالفترة الأصعب اقتصادياً، والتي كان من أهم نتائجها أن يكون الجواب هو لا بالمطلق على أي شيء يخصّ النشاط الاقتصادي.
ولأن وعاء المدخرات المحلي يجب أن يوزع كعوائد عمل، حيث سيكون هناك نصيب للذين لا يعملون، وبدون إعادة ملئ هذا الوعاء بسبب أرقام الإنتاجية المتدنية، فإن الحصص ستتناقص وستتلاشى القيمة الشرائية لنواتج العمالة وهي الأجور.
وهذا ما طال كل الأصعدة، وتبين إن عماد الاقتصاد وهو منشآت القطاع العام، سجلت وتسجل أرقام ربحية وهمية، تبين فيما بعد أنها خسائر متحققة، وهذا ما أدى إلى وقوف أصحاب نظريات الخصخصة في دائرة الضوء.
إن رفع المستوى المعيشي يتحقق تلقائياً من زيادة الإنتاجية كمّاً … والأهمْ نوعاً، لأن ذلك سيحقق وفرة ويدعم قيمة النقد المحلي في مواجهة النقد الأجنبي، فمن كان يتوقع أن يطلب من الصين اليوم المساهمة في تقليص آثار الأزمة الاقتصادية العالمية الحالية؟
أما الفساد فهو نتيجة حتمية للفروقات بين منحنيات عوائد الأجور وتكاليف المعيشة، ولأن لكل معادلة طرفين متساويين فلا بد من إضافة عامل توازن في الطرف الأقل، وبالتالي فلا بد من زيادة الإيراد لمواجهة الإنفاق عن طريق متحصلات هي الرشى.
عند ارتفاع مستوى المعيشة فإن الإنسان يحفّز آلية الحفاظ على الفائض المتحقق، ويخاف عليه، فتتحفز تلقائياً آلية محاربة الفساد والرشوة، وهذا ما حدث في دول العالم المتقدم وأولها اليابان وألمانيا ثم السويد والدول الاسكندنافية.
الموضوعية في فرض الضرائب هي عامل اقتصادي صحي يؤدي إلى الانتعاش الاقتصادي وتحسين ظروف العمل وعائدات الإنتاج وهذا ينطبق على عائدات أصحاب المنشأة وعائدات العمال في آنٍ معاً، لأن ثورة النشاط الانتاجي يخلقها تضاعف الربح.
أما الضرائب لدينا فهي عبثية وتشجع المكلفين على التهرب من أدائها باللجوء إلى الفساد، والحجة هي أن هناك منشآت اقتصادية لا يستطيع مراقب الدخل دخول حساباتها إن لم يكن الدخول إلى مبانيها… وبالتالي فإن النتائج المترتبة هي اللاعدالة في التكليف الضريبي، وهذا لا تتم مواجهته في المنظور الضيق لصناعيينا وتجّارنا ورجال الأعمال عندنا إلاّ في مجالين الأول وهو الغش وتدني المواصفات مباشرة بعد تصريف الدفعة الأولى من المواد والسلع وهي بأحجام تجريبية مخففة(نظام الكمائن)، والثاني هو التهرب الضريبي ويفضّل سلوك الطريقين معاً، والنتيجة النهائية هي العمل على مبدأ الضربة الواحدة الموفقة ثم الهرب وإعلان الإفلاس، وهكذا فإن الثقة بالمنتَج السوري قد ضاعت، ولعل إعادة البناء هي أصعب من الهدم بألف مرة.
بعد الذي حدث في ناغازاكي وهيروشيما استيقظ الشعب الياباني على دمار اقتصادي لم يعهده من قبل… فلعبت شخصية الامبراطور الفذة، خطة إنقاذ ناجحة وهي: حفنة أرز مقبل يوم عمل كامل، وهذا الأجر موحّد، يناله الطبيب ونادل المطعم وسائق حافلة النقل وعامل النظافة. ووعد الأمبراطور شعبه بتجاوز المحنة والنهوض من جديد وبقوة جديدة ليست عسكرية بل فاعلة وبشكل أكبر وهي القوة الاقتصادية… وراهن الإمبراطور على خصائص الفرد وربح الرهان وجعل من اليابان أقوى قوة اقتصادية في العالم حظيت ولأول مرة بفائض مروع في ميزان المدفوعات.
الإنتاجية والعمل الخلاق هما الآلية الكابحة للتضخم، وهذا يرفع قيمة النقد مما يؤدي إلى رفع مستوى المعيشة فتنشط آلية مواجهة الفساد ومحاربته لكي لا تضيع المنجزات والمتحصلات فتتحفز ذاتياً آلية محاربة ظواهر الخلل والتقصير… وتبدأ مسيرة التقدم في قواعدها الأساسية الناظمة وهي: لا يقبل أي فرد خسارة المتحققات وبالتالي فهو لن يقبل بمعدلات الانتقاص من المنافع، لأن العودة إلى الوراء مرفوضة في كل أشكالها إلاّ فيما يتعلق بتصحيح الخطوة الأولى… تلك الخطوة الأولى الخطأ التي أوصلتنا إلى ما وصلنا إليه.
Ara  Souvalian
arasouvalian@gmail.com

اترك رد

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني.