www.omferas.com
شبكة فرسان الثقافة

المُنتَصِرون/الاديب عدنان كنفاني

0

دموع معجونة بشتى صنوف الاحتراق، حفرت عميقاً في أخاديد وجنتيه، وتخضبت بفوضى شعيرات لحيته الشائبة.. تنساب من عينين متعبتين غائمتين

 المُنتَصِرون/عدنان كنفاني
 

 

المُنتَصِرون

بقلم :عدنان كنفاني

 




دموع معجونة بشتى صنوف الاحتراق، حفرت عميقاً في أخاديد وجنتيه، وتخضبت بفوضى شعيرات لحيته الشائبة.. تنساب من عينين متعبتين غائمتين..

يجلس القرفصاء فوق ستة عقود من التشرّد، وأكوام من الردم، يترنّح رأسه يمنة ويسرة، فيحتضنه براحتيه اليابستين، يرفع بين الفينة والفينة عينيه إلى السماء، يحاول، كما صقرٍ انتُزعت ريشات جناحية، وعجز عن الطيران، أن يجد تفسيراً لما يحدث.!

حفيده يقفز فوق الحجارة المدببة بشظايا من نار، يبحث بعينيه الطفلتين عن بقيّات أمّه، يتعثر بأطراف أخوته النابتة من قلب الردم، ويتدحرج أمامه رأس أبيه..

يرفع الكهل كفيّه للسماء، ويحشرج يصوّت مخضّب بالعبرات:

ـ من لي بأم ترعى هذا الصغير..

ـ من لي بأبٍ لطفل لمّا يبلغ الرابعة من عمره بعد..

ـ من لي بأسرة، وبيت.. وسقف.!

تختنق الكلمات في حلقه، فيشير بيديه الكسيحتين إلى بقايا البيت، والأسرة.

يلطم على صدره:

ـ دلوني.. أرشدوني ماذا أفعل.. ماذا أفعل..!؟

يحضن رأسه براحتيه، وينزف حيرةً وقهراً..

تقتحم غابة الصمت الموجوع صوت جنازير تطحن اللحم المبعثر على مساحة الدمار، لحظات يسكت فيها الكون، ثم صوت انفجار قذيفة ثقيلة من مدفع الدبابة.

تتناثر أشلاء الطفل.. يلتقطها الجدّ قطعة قطعة، يضمّها إلى صدره برفق، كأنها قطوف زيتون ناضج يفوح برائحة الزيت الأصيل.. ينظر إلى السماء بسكون روحه، ويبتسم..

قائد الدبابة يضحك منتصراً.. يسجّل في قائمة إنجازات المهمّة التي يحملها:

(تدمير وكر للإرهابيين، وقتل “مشروع إرهابي”..)

ـ ـ ـ

 

 

اترك رد

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني.