www.omferas.com
شبكة فرسان الثقافة

الإشارة القاتلة وحياتك الأرخص من 200 ليرة… بقلم: شذر مذر

0

في مصلبة معمل الزيت وعلى الطريق للقادمين من دمشق والذاهبين إلى جرمانا من مخيم جرمانا وصعوداً إلى الانجاز الحضاري ولكن من النفق الذي سيخلد جرمانا وأهلها، وأنا تحت الجسر المعتم والمفروش بالأحجار والطين والمياه الآسنة والبحص المسنن والدبش، والشارة على يميني خضراء وتابعت سيري مطمئن آمن، ففتحت الإشارة المقابلة من اليسار وانطلقت السيارات باتجاه المحلق فهربت، وفتحت الإشارة المقابلة من جهة اليمين فانطلقت السيارات باتجاه معمل الزيت فعلقت.

الإشارة القاتلة وحياتك الأرخص من 200 ليرة… بقلم: شذر مذر
في مصلبة معمل الزيت وعلى الطريق للقادمين من دمشق والذاهبين إلى جرمانا من مخيم جرمانا وصعوداً إلى الانجاز الحضاري ولكن من النفق الذي سيخلد جرمانا وأهلها، وأنا تحت الجسر المعتم والمفروش بالأحجار والطين والمياه الآسنة والبحص المسنن والدبش، والشارة على يميني خضراء وتابعت سيري مطمئن آمن،  ففتحت الإشارة المقابلة من اليسار وانطلقت السيارات باتجاه المحلق فهربت، وفتحت الإشارة المقابلة من جهة اليمين فانطلقت السيارات باتجاه معمل الزيت فعلقت.
علقت في الوسط بين الرتلين وألهمني الله أن أتوقف حيث أنا لأنني إن تابعت باتجاه جرمانا فإن سيارتي ستتحطم شذر مذر وشذر مذر عالق بداخلها ولن ينفعني الحزام، وجاء بطلعته البهية يطلب الأوراق فقلت له  وشرفك كانت خضراء عندما عبرت … فقال لي: خضراء ولكن ليست لك،  قلت : ماذا تقصد بأنها ليست لي فهل تم زرعها هنا لتسمح بمرور الذاهبين إلى حرستا ودوما وأنا أقصد جرمانا فجئت إلى الشارع الخطأ ، فقال عابساً والسم ينقط من وجهه لإتمام التمثيلية المربحة هات الأوراق قلت: ولكن هذا ظلم لأنه لا يوجد غيرها على يميني ولا يوجد غيري أمامها وهي لي حتماً وكانت خضراء ولا بد أن زمنها غير متطابق مع الشارات المقابلة، وأنا أدعوك لمراقبتها فتعال نذهب إليها لنراقبها معاً  قال: نعم خضراء وأنا لست من هندسة المرور ولكن (يللي بدك بيصير) ووضعت في يده 200 ليرة لم يقبل بأقل منها.
واستدرت وسرت طويلاً وعدت لنفس النقطة حتى أعرف السر ووضعت السيارة بعيداً ونزلت أراقب الإشارة وبيدي ساعتي وكنت أتابع الإشارة القاتلة والإشارتين المواجهتين وعداد الرشاوى واسلوب طرق الكف بالكف والـ 200 ما بين الكفّين، والكمين الناجح، ففهمت اللعبة.
وعرفت أنه تم وعن عمد إنقاص الزمن  الفاصل بين انتهاء الضوء الأخضر في الشارة القاتلة وبين الشارتين المتعاكستين المواجهتين فإن قادك حظك لأن تكون من أصحاب الثواني الخضراء الأخيرة وتنطلق فستقع في المصيدة لأن الإشارتين المقابلتين سيتم فتحهما باكراً وستعلق أنت بين المسارين لأن سائقي الكميونات والمكاري سيعطونك درس في الوحشية لأنك بنظرهم مخالف وهم بالطبع لا يمكنهم أن يروا من حيث هم أن إشارتك كانت خضراء… ليس المؤلم في الأمر إذلالك وأنت بريء فهذا صار أمراً عادياً، بل المؤلم هو المخيلة الجماعية في السعي وراء الرشوة تلك المخيلة التي صارت تقارب مخيلة رجال المافيا وليست الخسارة هي تكسير السيارة أو الـ 200 ليرة ولكن الخسارة هي إن تكون قيمتك بنظر حكومتك  لا شيء وبعبارة أدق (الـ 200 ليرة أغلى من حياتك وأكثر قيمة ومنفعة) لأنني لو تابعت لكنت على الأقل قد تحولت إلى جثة هامدة داخل سيارتي بفعل الصدم من الكميونات ذات الحمولات الكبيرة، وبالطبع لن ينتبه أحد إلى هذه الأذية التي تسببها هذه الشارة الضوئية القاتلة التي تحولت بذكاء بعض المرزبانية إلى خزنة رشاوي مبررة، يفترض أنها ومن زرعها ومن ضبطها تهدف ويهدف ويهدفوا إلى حماية المواطن، لتتحول في الواقع إلى كمين قاتل وبمعية مرزبان يرتدي اللباس الأسود ويضع دراجته النارية في مكان استراتيجي ويعب الـ 200 ووراءها الـ 200 بعد كل فتحة إشارة وزملاؤه يخلون له الجوّ مبتعدين ليتمم البازار وليتقاسموا فيما بعد كما لاحظت بعد طول المراقبة،  ليس المال بل المكان أيضاً هو  وجموع المرزبانية الذين بمعيته ودراجاتهم معهم مطمئنين إلى أنه لن يأتي أحد لمعاينة الإشارة وتصحيحها ولن يهتم احد لضبط الزمن ووضع حدود زمنية تتعلق بالحماية وهو ومن معه  على ثقة أكثر بأنه ينتمي إلى إدارة موجودة في بلد، توجد في بعض شوارعه إشارات تعود لهذه الإدارة وتضيء كل ألوانها الحمراء والصفراء والخضراء في آن واحد  وبمنتهى الاقتدار والمكر والفخر والتفاخر، فعيد الميلاد قريب!!!
كُتب لي عمر جديد يوم السبت الواقع في 19/12/2009 في الساعة الثالثة إلاَّ ربع من بعد ظهر هذا اليوم وأنا عائد من عملي الذي كان على سبيل السخرة لا أكثر ولا أقل حيث دفعت  100 ليرة بدل باركينغ خوفاً من كلبشة السيارة والشرشحة لأني غير متأكد من حاجتي للوقوف لساعة او ربع ساعة أو أكثر من ساعة فالعلم في سوريا عند الله و200 ليرة بدل سلبطة ناتج عن اللعب بزمن الأمان المتعلق بالإشارة القاتلة بالاتفاق بين المرزبانية فدفعت 300 ومثلها بنزين ونفقات السيارة الإضافية التي تكسر الظهر، فصارو 600 ولم أبع أي شيء ولم أربح أي شيء فالمسألة متعلقة بالسوق العاطل والمسواق العاطل بمعنى سخرة بسخرة بمسخرة (تبديل لا داعي له بسبب تتنيح الزبون ويباسة رأسه)  ، وذهبت أبحث عن بطاقة يانصيب تنتهي بالرقم 19 فلم أعثر إلاَّ على رحمة الله الواسعة وهو جل جلاله مدبر الكون وقد شملني برحمته ونجَّاني ممن أصبحت الـ 200 ليرة بنظرهم أثمن من كل مواطني سوريا مجتمعين، والذين أضعهم بذمتي بأنهم قد عبثوا بزمن الإشارة وألغوا زمن الأمان الذي يتيح لآخر سيارة عبرت على الأخضر (ووالله العظيم على الأخضر) بأن يتيح لها الوصول وصاحبها إلى بر الأمان قبل أن يندفع الوحوش قادة سرايا التأديب أصحاب الكميونات ذات الحمولات الثقيلة المنحدرة من أعالي الجبال، والمجانين من أصحاب المكاري لينالوا منها ومن صاحبها ويعلموه الأدب والحكمة، ليصل بعد لطف الله وعطفه إلى المرزبان المتوقف في مكان استراتيجي مدروس للغاية، وكفه مشرع بلا حياء يريد رشوة يقول أنها أرحم بكثير من قيمة المخالفة المفروضة (فهنيئاً لشعبنا بقانون السير الجديد الذي رفع الرشوة من 25 إلى 200)، وإذا كان حساب زمن الأمان للعابرين في الثواني الأخيرة على الأخضر أمر يحتاج لاينشتاين فيرجى عدم السماح بالعبور بالتقدم نحو الأمام بل بالالتفاف حتى ينتهي هذا المشروع الجلل، فهذا أفضل من أن تزهقوا أرواحنا من أجل 200 ليرة وتتباكوا على أرقام القتلى والجرحى المتزايدة بسبب الحوادث المرورية لأن أغلبها مشمول بمعيتكم قصداً أو تقصيراً  والإشارة القاتلة الباقية إلى ما شاء الله أنصع برهان!!!

اترك رد

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني.