لذكراك يا حفني في النفس أشجان
لذكراك يا حفني في النفس أشجان | وكيف سلوي للرفاق الأولى لبانوا |
تولوا وأبقاني زمان بعدهم | أعز إذا عزوا أهون إذا هانوا |
نوابغ آداب وعلم تلاحقوا | ومكانوا من الآداب والعلم ما كانوا |
بعيني ما طالت حياتي شخوصهم | وفي السمع أقوال عذاب وألحان |
لقد تركوا سفرا من المجد حافلا | وكل له في ذلك السفر عنوان |
وتحت اسم حفني معان كثيرة | هو الضوء إن حللته وهي ألوان |
فحفني كان الكاتب الأوحد الذي | خلت قبل أنت حظى به مصر أزمان |
منارة عهد للحضارة زاهر | بشتى حلاها يستضيء ويزدان |
مباحثته في كل فن طرائف | يجملها سبك بديع وتبيان |
تنير وتشجي قارئيها كأنما | تصيب المنى فيها عقول وأذهان |
رسائله منسوجة نسج وحدها | تروع بوشي فيه للطرف أفنان |
وتنفح فيها نفحة عبقرية | نسيمات روض فيه ورد وريحان |
وحفني كان الشاعر المبدع الذي | قصائده در نظمن وعقيان |
قريض إذا استنشدته ذقت طيبه | وحسك نشوان وروحك نشوان |
كمشمولة من مشتهى النفس قطرت | يعاطيكها في مجلس النس ندمان |
يلوح بها المعنى الطليق وإنما | هو الوحي وحى لا عروض وأوزان |
وحفني كان العالم العامل الذي | له القول طوع والبلاغة مذعان |
مثقف نشء العصر أيام لم تكن | وسائل تقريب ولم يكن إتقان |
فاتوتي ذخرا من غوالي دروسه | غرانيق فازوا في الحياة وفتيان |
يعز الحمى منهم بكل مهذب | له أدب جم وفضل وعرفان |
و حفني كان الجهبذ اللبق الذي | به عاد للفصحى على اللغو سلطان |
ورد على القرآن محم رسمه | كما خه في سالف الدهر عثمان |
حفني في ناديه ذو الكلم التي | بأبدع منها لا تشنف آذان |
عبارته تجري بأشفى من الندى | ومنطقه من حكمة الدهر ريان |
هو الأسمر العبل البطيء حراكه | ولكنه روح تخف ووجدان |
فإن يك إنسان يباهيه طلعة | فليس يباهيه بمعناه إنسان |
وحفني قاض راقب الله عالما | بأن الذي يحيى إذا اقتص رحمن |
فبالغ في استبطان كل سريرة | محاذرة أن يخطيء الحق برهان |
وكائن طوى من ليلة نابغية | بها رقد الشاكي وقاضيه سهران |
وفي الدين أو في العلم صرف جهده | بأحسن ما يوحيه عقل وإيمان |
يمد بما في الوسع جامعتيهما | وكل له مرمى وكل له شان |
فهذي لها منه نصير ومرشد | وهذي لها منه ظهير ومعوان |
إذا ائتمر المستشرقون وقلبت | تواريخنا مما طو الين والآن |
فحفني منطيق المعارف والنهى | هناك وصوت للكنانة رنا |
وفي كل ما يأتيه لا يستفزه | أثمت غنم أم هنالك شركان |
فواحربا من طارئين تحالفا | عليه فدكاه كما دك بنيان |
اصيب بسهم جنبه فهو صابر | وآخر أصمى بكره فهو ثكلان |
و ما ملك من يحسن العيش بعدها | عليها سلام في الجنان ورصوان |
وهي الجلد الباقي به إذ ترحلت | وأودى أسى يبكيه أهل وإخوان |
مصاب أصاب العرب بدوا وحضرا | فقحطان ملكوم الفؤاد وعدنان |
وعز أسا دار السلام وصوحت | بقاع العزيز الخضر واهتز لبنان |
وروعت الفسطاط لكنها طغى | على حزنها في ذلك اليوم أحزان |
أجاب بنوها مهرعين وقد دعا | إلى الذود ظلم حملوه وعدوان |
وفارقت الغيد الخدور عوامدا | إلى حيث يلقى الروع شيب وشبان |
كفى شاغلا أن يشغلوا عن نفوسهم | لينصف شعب مستضام وأوطان |
فيقتحموا الخطار عولا وما بهم | أيردى كهول أو يعاجل ولدان |
ويزدحموا مستبسلين ويصطلوا | على الكر نيرانا تليهن نيران |
ففي جو الاستشهاد والموت فاتك | ولليأس إزراء عليه وطغيان |
تولى عن الجلى معد رجالها | فإما غفت عيناه فالقلب يقظان |
وإن لم ير النصر العزيز فروحه | من الموطن العلى به اليوم جذلان |
وما همه إن لم يوفوه حقه | إذا رد حق القوم والبغي خزيان |
سلام على حفني إن بلاده | ترددد ذكراه وفي النفس تحيان |
إذا هو لم يكرم على قدر فضله | فما البطء إجحاف وما الصبر سلوا ن |
أما كان حكم الدهر في الناس واحدا | ولم تختلف فيه شعوب وبلدان |
فقدم مجدودا وأخر غيره | تحكم نجم والفرقان أقران |
ولكن عقبى السوء سوء محتم | وما كان إحسانا فعقباه غحسان |
بلادك يا أفوى بنيها وفية | مشيئتها تقضى وإن عاق حدثان |
سيبقى على الأيام مجدك كاملا | برغم العوادي ليس يعروه نقصان |
وإن تنس أعمال رهائن وقتها | فليس لما خلدت في مصر نسيان |