تلك المنارة في المكان العالي
تلك المنارة في المكان العالي | ترمي الدجى بشعاعها الجوال |
شيدتماها زينة وهداية | للناس من حجج مضين طوال |
مرآتها علوية كشافة | لغوامض الأشياء والأحوال |
عين تطالع سر كل حقيقة | وترود كل مظنة بسؤال |
وقف النبوغ وراءها مستشرقا | كنه البقاء وغاية الترحال |
يسمو إلى نجم السماء وينثني | فيزور نجم الأرض في الأدغال |
يجتاز أجواز الغيوب فيجتلي | فيها شموسا لم يدرن بخال |
يرنو إلى الذر الدقيق من الثرى | فيرى دراري لم تضأ بذبال |
يلقي ابتساما والخضم مقطب | والموج فوق حدوده متعالي |
فينم وجه اللج عما في الحشى | وتصاد من أصدافهن لآلي |
ما زال يقتنص الأوابد دائبا | بحبائل من نورها وحبال |
ويعير من حسناتها قلبيكما | آيات سحر للعقول حلال |
فتوافيان القارئين على صدى | منهم بما يروى من الأقوال |
وتطالعان أولي النهى بطرائف | تلج القلوب بلطف الاسترسال |
في دفتي سفر تضمن ما غلا | من حكمة الأحقاب والأجيال |
متجدد عدد الشهور ربيعه | حلو الجنى وبكل حسن حالي |
لو ضدت أوراقه من كثرة | طالت على متطاول الأجيال |
أنشأتماها للعلوم مجلة | كسيت طرائفها فنون جمال |
سهرت عيونكما على إتقانها | فمن السطور بها سواد ليالي |
ومن المداد دم أريق وإن بدا | متنوع الألوان والأشكال |
يعقوب في إحياء مجد بلاده | وبقاء تالدها من الأبدال |
هو فيلسوف سيرة وسريرة | متطابق الأقوال والأفعال |
أدنى الرجال إلى الكمال ولم يكن | في العصر شيء مغريا بكمال |
وفتى المواقف فارس ما فارس | في حومة أدبية وسجال |
حلال معضلة الأمور إذا غدت | والوجه قد أعيا على الحلال |
هل بي أقطاب الفصاحة مثله | سباق غايات بكل مجال |
يا فرقدي أدب ونبل أدركا | أسمى المنى من رفعة وجلال |
يهنيكما شرف المقام وخيره | علياء قدركما بغير تعال |
والعيد عيد النصف من مئة مضت | في خدمة هي مضرب الأمثال |
عيد بلاد الشرق فيه بلدة | ولأهله فيه اشتراك الآل |
وإذا ذكرنا العيد فلنذكر أخا | لكما يناديه المكان الخال |
لم ينصر العرفان نصرته امروء | بشمائل خلقت لها وخلال |
إن فات عينيه شهادة يومه | هذا رآه بأعين الأشبال |
صحب كما شاء الوفاء ثلاثة | كانوا لأهل الشرق خير مثال |
بدأوا جهادهم وساروا سيرهم | يبغون مطلوبا عزيز منال |
صبرا على الأيم حتى أقبلت | من كل وجه أيما إقبال |
أخلاق جد لا تتم بغيرها | في العالمين جلائل الأعمال |
ليس الكبار من الرجال هم الأولى | ضربوا الطلى فدعوا كبار رجال |
قد يحسب العز الرفيع مجازف | في طرقه غيلا على الرئبال |
أو يقحم الموت الجسور وعله | قد جرأته عقيدة الآجال |
أما الأولى دأبوا وذابوا حسبة | لإنارة وهدى وكشف ضلال |
وشروا براحتهم هناء بلادهم | فهم لعمري خيرة الأبطال |
لهم الولاية والقلوب عروشهم | ولهم مكانتهم من الإجلال |
يا من مدحتهما فلم تف مدحتي | بلبانة والعذر من إقلالي |
قد قام مجدكما كطود شامخ | ماذا يمثل منه لمع الآل |
وهل الروي وإن تسلسل شافيا | كالرد من ينبوعه السلسال |
لا بدع في تقصير شعري دونه | شتان بين حقيقة وخيال |