مشت الجبال بهم وسال الوادي
مشت الجبال بهم وسال الوادي | ومضوا مهادا سرن فوق مهادا |
يحدى بهم متطوعين كأنهم | عيس ولكن الفناء الحادي |
لله يوم قد تقادم عهده | فيها وظل يروع كل فؤاد |
يوم تجف لذكره أنهارها | خوفا ويجري قلب كل جماد |
وإذا قرأنا وصفه فكأنه | بدم زكي خط لا بمداد |
ونكاد نسمع للقتال دويه | ونرى الفوارس في لقا وطراد |
لبروسيا في أرض يانا عسكر | مجر شديد البأس وافي الزاد |
وخيامه في الأفق ماثلة على | ترتيب سلسلة من الأطواد |
نفرت طلائع خيله منذ الضحى | تترقب الاعداء بالمرصاد |
فاتوا كما يجري الأتي مشعبا | في غير مجرى مائه المعتاد |
وكأن نابليون في إشرافه | علم على علم الزعامة باد |
ألمجد رهن إشارة بيمينه | والنصر بين يديه كالمنقاد |
والفخر في راياته متمثل | وطلائع العقبان في ترداد |
فتهيأ الألمان لاستقباله | كالحائط المرصوص من أجساد |
وعلا هتاف مازجته غماغم | من سل أسلحة وركض جياد |
ورنين آلات تكاد تظنها | متجاوبات العزف بالإيعاد |
حتى إذا كمل العتاد تقاذفوا | بالنار ذات البرق والإرعاد |
شهب ضخام آتيات والردى | بمسيرهن ومثلهن غواد |
تلقي الرجال على الثرى قتلى كما | يلقي السنابل منجل الحصاد |
لله درهم وقد حمي الوغى | فتهاجموا كتهاجم الاساد |
تدعو الجراحة أختها بصدورهم | والسيف يتلو السيف في الأجياد |
وإذا التقى بطلان لم يتجندلا | إلا معا من شدة الأحقاد |
وإذا جواد خر فارسه دعا | بصهيله ذا حاجة بجواد |
والموت في الجيشين غير مجامل | يجتاح بالأزواج والأفراد |
يطوي الصفوف ويترك الدم إثره | فكأنه فلك ببحر عباد |
ما زال يفتك والنفوس زواهق | وكأت تلك هنيهة الميعاد |
حتى تولى الذعر جيش بروسيا | فتفرقوا بين القفار بداد |
فسعى الفرنسيون في آثارهم | بعزائم لا ينثلمن حداد |
يستكبر الصعلوك منهم دائسا | في أضلع الأبطال والقواد |
واستفتحوا برلين وهي منيعة | وقضوا بها الأيام كالأعياد |
وأقام أصحاب البلاد مآتما | وكسوا على القتلى ثياب حداد |
ناحت عرائسهم على أزواجها | والأمهات بكت على الأولاد |
واشتد حزنهم ولم يك مجديا | من بعد فقد أحبة وبلاد |
ألحزن يخمد والمذلة جمرة | لا تنطفي إلا بسيل جساد |
عاد الربيع لهم كسالف عهده | يزهو على الأغوار والأنجاد |
يا حسنه بلدا خصيبا طيبا | لكنه نهب الغريب العادي |
تتبسم الأزهار فيه حيثما | عبس الحمام بهالك الأجناد |
يا خجلة الأحرار من موتاهم | يثوون حيث المالكون أعادي |
فاستعصموا بالصبر ثم تكاتفوا | وتحرروا من رق الاستعباد |
وتأهبوا للثأر والأحقاد في | أكبادهم كالبيض في الأغماد |
حتى إذا اشتدوا وضاق عدوهم | ذرعا بهم أصلوه حرب جهاد |
وبنوا رجاءهم على استعدادهم | لا خير في أمل بلا استعداد |
هدموا معالمه ورووا ردمها | بدماه فاختلطا دما برماد |
واستفتحوا باريس فاستوفوا بها | أوتارهم وشفوا صدى الأكباد |
كل بمسعاه يفوز ومن ينب | عنه الحوادث لم يفز بمراد |