www.omferas.com
شبكة فرسان الثقافة

جائزة نوبل السلام “عدم الاستطاعة”ّّ!/ماجد الشّيخ

0

أن يكون مجرد خطاب لفظي، نواياه أعلى كعبا من إمكانية تحقيق ما تطرق إليه من بنود المسائل والقضايا التي ينوي مقاربتها، هو الدافع لكونه مرجعية أو المرجعية الأولى، لمنح جائزة بقامة وقيمة جائزة نوبل للسلام؛ فذلك من نوع السّفّ السياسي، إلاّ إذا أمست الجوائز مجرد منح مالية، تُعطى كشيك مغطى برصيد، لأعمال لا يغطيها أي رصيد، أو لمجرد أن الخطاب (خطاب جامعة القاهرة) قدم وعودا معسولة، وفرش الأرض ورودا، ورغب لأمنياته أن تصبح واقعا مبسوطا.

جائزة نوبل
السلام “عدم الاستطاعة”ّّ!
 
ماجد الشّيخ
 
  أن يكون مجرد خطاب لفظي، نواياه أعلى كعبا من إمكانية تحقيق ما تطرق إليه من بنود المسائل والقضايا التي ينوي مقاربتها، هو الدافع لكونه مرجعية أو المرجعية الأولى، لمنح جائزة بقامة وقيمة جائزة نوبل للسلام؛ فذلك من نوع السّفّ السياسي، إلاّ إذا أمست الجوائز مجرد منح مالية، تُعطى كشيك مغطى برصيد، لأعمال لا يغطيها أي رصيد، أو لمجرد أن الخطاب (خطاب جامعة القاهرة) قدم وعودا معسولة، وفرش الأرض ورودا، ورغب لأمنياته أن تصبح واقعا مبسوطا.
 
  هكذا على “رصيد” من النوايا – نوايا الرئيس أوباما – منحت لجنة جائزة نوبل للسلام، الرئيس الأميركي جائزتها هذا العام، لدوره في الحوار والتسامح و “إيجاده مناخا جديدا في السياسة الدولية”، والعمل باتجاه إنهاء الأحادية القطبية التي اعتمدتها الإدارة السابقة، وذلك عبر “جهوده الاستثنائية لتعزيز الدبلوماسية والتعاون بين الشعوب”، كما أولت اللجنة أهمية خاصة لرؤياه، وجهوده من أجل عالم خال من الأسلحة النووية، ولقدرته على “تغيير المناخ الدولي” حسب رئيس اللجنة ثوربيورين باغلاند.
 
  رغم ذلك رأى أوباما أنه “لا يرى الجائزة بمثابة اعتراف بانجازاته”، بقدر ما هي الدافع الأبرز الذي يضع على عاتقه فعليا وبشكل جدي؛ تحقيق ما وعد به من إنجازات، وما تضعه الجائزة على عاتقه من ضرورة حضور “إنجازاته”، في عالم يطفح كيله بـ “إنجازات” سلفه، على طريق الحروب والعنف والإرهاب باسم مكافحة الإرهاب. ولكن أين هي تلك الإنجازات أو بوادرها وإرهاصاتها، أم أن لجنة الجائزة حوّلت استحقاقات جوائزها للسلام على الأقل، نحو الخطابة أو الخطابات العتيدة التي لم تحز أرصدتها بعد، جريا على القول “نعطيكها الآن على أن تغطيها بإنجازاتك الموعودة غدا”!.
 
  في كل الأحوال، فإن نوايا أوباما ليست بالضرورة تتطابق مع نوايا طواقم إدارته، أو أغلبية الشعب الأميركي، كما هي ليست كلها قابلة للتحقق، في ظل الكثير من العقبات والمعوقات الناتجة من هنا أو هناك أو هنالك، فالنوايا وحدها لا تكفي في عالم مثل عالمنا، المصالح الجيو سياسية والمنافع المادية والاقتصادية فيه، هي المحدد الأول لمسارات السياسة، حتى وسط المناخات الجديدة، التي خلقتها فرصة وجود رئيس كباراك أوباما في البيت الأبيض.
 
  لكن بالمقابل.. تحمل جائزة أوباما مؤشرا أبعد غورا، لا سيما حين وضعت لجنة الجائزة، أعمال جورج بوش وسياساته، في ميزان التضاد مع ما يعد به أوباما من وعود ونوايا، لم تزل في نطاق الإمكان والاستطاعة أو عدمها، فصاحبها لا يمتلك إنجازات تاريخية، ولا آنية حتى اللحظة، فما قد يواجهه في طريقه نحو إيجاد معالجات وحلول للقضايا الدولية الساخنة قد لا يكون بسيطا، فهذه القضايا ليست من النوع السهل الممتنع، قدر ما يدخل بعضها في نطاق المقاربات والحلول المستحيلة؛ كالصراع العربي – الفلسطيني مع الحركة الصهيونية على أرض فلسطين التاريخية.
 
  وإذ رأت إسرائيل في جائزة أوباما، أنها يمكن أن تقوده إلى التخلي عن الخيار العسكري ضد إيران، إذا ما مضت في بناء ترسانة نووية عسكرية، ولم تُجد معها العقوبات والاتفاقات التي يمكن أن تعقب جولة المفاوضات السداسية مؤخرا، فهي (أي إسرائيل) تبدي خشيتها من تحول أوباما كحائز على جائزة نوبل للسلام، إلى حمامة تجد صعوبة في إبداء الحزم، أو استخدام القوة تجاه إيران، بل قد يقوده ذلك للتخلي عن الخيار العسكري ضدها، وهذا ما لا تريده إسرائيل..
 
  إلاّ أن جدعون ليفي (هآرتس 11/10) فقد قلّب الأمر على نحو آخر، حين رأى أن أوسلو غيّرت عادتها، وباتت توزع جوائزها وفق ما أسماه “الدفع المؤجل”: (نلها اليوم وادفع غدا). فما فعله أوباما في الأشهر التسعة الأولى من وجوده في البيت الأبيض، لا يتعدى “عدم الاستطاعة”، بينما على عكسه تماما فعلت إسرائيل، لتثبت أن “إسرائيل تستطيع”، فهي لم ترد تجميد الاستيطان، ولم ترد أن تتحمل المسؤولية عن جرائم غزة، وهي لا تريد أن تنهي الاحتلال. كل هذا “استطاعته” إسرائيل في مواجهة الرئيس الأميركي الحليف الأوثق لكيانها ودورها الوظيفي في هذه المنطقة من العالم، حيث خاض حملته الانتخابية تحت شعار “التغيير” الموشى بـ “الاستطاعة”.
 
  بل هكذا.. من “عدم الاستطاعة”، ومن مضي الرئيس الأميركي في دروبها الضيقة، استحق نيل جائزة نوبل للسلام، على ما لم يفعله بعد، أو لم ينجزه أصلا بعد، لا في العراق ولا في أفغانستان، ولا حتى تجاه إيران أو كوريا الشمالية، فهو لم يزل في بداية الشوط، يتحسّس طرق الخروج من أنفاق النزوع الإمبراطوري الذي أدخل سلفه الرئيس جورج بوش بلاده فيها، وها هو ما فتئ يتخبط وسط استراتيجيات خروج وانسحاب أو فوز أو انتصار، وهذه كلها لم تكتمل لا في العراق ولا في أفغانستان أو باكستان، وعلى امتداد رقعة العالم، دون أن تظهر أي علامات على رؤية النور في نهاية النفق، أو الأنفاق التي أوشكت أو توشك على الانهيار، إلاّ إذا عمل مفعول الجائزة فعله وأفاعيله، وهذا بالتحديد ما عبّرت إسرائيل عن خشيتها من رؤيته يتحقق، على حساب مصالحها ورؤيتها لعلاقاتها التحالفية الوثيقة، ودورها الوظيفي في خدمة إمبريالية الولايات المتحدة، بل وخدمة هذه الأخيرة لمصالح إسرائيل ككيان استيطاني إحلالي في محيط يعاديها

اترك رد

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني.