رؤية أربت على الرؤيا بما
رؤية أربت على الرؤيا بما | لم يكن يوما بظن ليمرا |
دار فيها طرب مختلف | تارك في مسمع الأحقاب وقرا |
تركض الأم تغني هلعا | وبنوها حولها يبكون ذعرا |
ويهد الكهل هد الفحل في | غرق والوقد لا يألوه هدرا |
كاد رحب الجو من حشرجة | وحوافيه الربى يشبه قدرا |
في اختلاط مرهق سماعه | واختلال مزهق حشدا وحشرا |
سرحات قصفت محضأة | بين منكوسة إكليل وعقرى |
رجبة من عوسج محتدم | فنيت ضربن لألاء ووغرا |
ضبغ تعوي وذئب ضابح | وصدى يزقو مهيجا مزبئرا |
ضيغم من سورة الحمى ومن | ثورة الحمي به يزأر زأرا |
طالما زمجر يشكو أسره | فهو يشكو أنه لم يقض أسرا |
ثعلب يضغو وفهد ضاغب | وغراب ناغب عشرا فعشرا |
ومن الأكلب حامي بركة | مس بعد القر بالحر فهرا |
ما سموم نفختها سقر | تنسف الدوح وتذوي العشب صقرا |
خافتت آنا وآنا عزفت | وتوالى هزقها عزما وفترا |
عندما في مارج من لاعج | بثه بثا وقد ضويق حصرا |
ما اصطخاب اللج في حيرته | بين تيار ودردور ومجرى |
كاصطخاب من وطيس هادم | لم يصن تاجا ولم يستثن جذرا |
ذاك يا نيرون لحن زاده | طربا مزهرك الرائع نبرا |
جمع الضدين لم يجتمعا | في مزاج يفطر الأكباد فطرا |
بين أصوات على نكرتها | جعلت وفقهما خفضا وجهرا |
هيكل يسقط في قعقعة | وذماء من حشى يصعد زفرا |
هكذا التصوير أحيا ما يرى | هكذا التطريب مؤتا أو أحرا |
هز بالإيقاع أفلاكا ولم | يصحب العود به طبلا وزمرا |
هكذا الشعر بلا قافية | خف وزنا وجرى بالدم بحرا |
عظمت فتنته من فرط ما | رق فالناس أرقاء وأسرى |
لا كنايات ولا تورية | إنما العاجز من كنى وورى |
من كنيرون أتى بالرسم لم | يستعر صبغا له أو يجر حبرا |
مثبتا في ليلة مبصرة | آية يمحو بها قوما ومصرا |
بينما تنظر ربعا أهله | ملء هذا الكون إذ تلفيه صفرا |
يا لها غر فنون بهرت | ظرفاء الوقت بالإبداع بهرا |
أين منها شأن مفني عمره | يتقرى الخلق أو يقرأ سفرا |
ليراه بعد جهد محسنا | إن شدا أو متقنا إن خط سطرا |
دمرت حاضرة الدنيا ولم | يجد الناجون في ذلك نكرا |
أوشكوا أن يجمعوا رأيا على | أن في الغيب لذاك الهول سرا |
لست محزونا على القوم وهل | كبد تلقى على الأنذال حرى |
غير أني لي على إبداعه | عتب فن وهو بالإبداع أدرى |
فلقد أغرق في إيقاعه | وغلا رسما وزاد النظم نثرا |
ولعل الهفوة الأخرى له | أنه لم يعتدل نقشا وحفرا |
ذاك همي ليس همي بلدا | باد خنقا أو توى حرقا وثبرا |
ما علينا من غريم غارم | إن أزرى الخلق شعب مات صبرا |
ليس بالكفؤ لعيش طيب | كل من شق عليه العيش حرا |
إن روما جعلت نيرونها | وهو شر القوم مما كان شرا |
بلغته الملك عفوا فبغى | كل ملك جاء عفوا راح هدرا |
يقدر الشيء معاني كسبه | فإذا ما هان كسبا هان خسرا |
عاث فيها مستبدا مسرفا | دائب الإجرام عوادا مصرا |
وهو لا يمنحها من باله | غير هم الخطر المكسوب قمرا |
ليس في تشنيعه من بدعة | إن للخامل عند الذكر ثأرا |
لا ولا في ظلمه من عجب | إن للظالم عند العدل وترا |
بم غر القوم حتى غفروا | ذلك الذنب له ما شاء غفرا |
بل قضوا أن يمحنوه حمدهم | حيث لا يجدر أن يبلغ عذرا |
ذاك أن أتهم ظلما منهم | معشرا مستضعف الجانب نزرا |
فرمى ملة عيسى بالذي | كان منه ملحقا الوزر وزرا |
زاعما أن النصارى قارفو | ذنبه ما كان أنآهم وأبرا |
والنصارى فئة يومئذ | لم تكن فيهم من المعشار عشرا |
ما بها حول ولا طول ولا | تقتني جاها ولا تملك وفرا |
لا تبالي دون من تعبده | جهد ما تمنى به خسفا وعسرا |
دينها في فجره والسحب قد | تحجب النور ولا تعتاق فجرا |
عن للغاشم أن يطعمها | لجياع الوحش في الملعب جهرا |
وبهذا يترضى شعبه | فرط ما الشعب بذاك اللهو مغزى |
فيظل البطل فيه عاليا | ويظل الحق عنه مستسرا |
أمر الطاغي بها فاحتشدت | في مقام زاخر بالخلق زخرا |
ورماهم بالضواري قرمت | فارتمت مجنونة وثبا وجأرا |
فتلقاها النصارى وهم | لم يضق إيمانهم بالضيم حجرا |
سجد شادون سام طرفهم | ضاحكو الآمال ما الخطب اكفهرا |
بربرت تلك الضواري دونهم | ثم شدت وهي لا ترحم شفرا |
هشمت وانتهشت وافترست | ما اشتهت نهمتها علما وهبرا |
ثم كلت شبعا وافترقت | في الزوايا تتوخى مستقرا |
سكر الأشهاد إعجابا بها | وهوت مملوءة بالدم سكرا |
ذاك ما رام به نيرون أن | يتلافى إثمه الأول سترا |
وإذا ما أسعد الجهل غلا | آثم في الإثم لا يرهب عزرا |
شيمة الموغل في إجرامه | كلما ازداد انطلاقا زاد حضرا |
شاد للإلهاء ذاك المنتدى | قبل أن يبني للإيواء جدرا |
والأولى زالت مغانيهم بما | شيد للألعاب محبورون حبرا |
بطء يوم فيه إيداء بهم | وهو يقضي في بناء اللهو شهرا |
خاب من خال النصارى هلكوا | حين راح الموت فيهم مستحرا |
فالذي أولده الفتك بهم | أنهم قل غدوا بالقتل كثرا |
ثم أضحى ملك روما ملكهم | ومولاهم على الأحبار حبرا |
هكذا الفكرة من أرهقها | كمنت ثم علت وثبا فطفرا |
درت الأمة من ظالمها | كلما جر عليها الظلم دفرا |
وعلى ذاك تغابت مرة | بعد أخرى وتمادى مستشرا |
لو أراد القسط لم يكفؤ له | أو تصدى للوغى لم يحم ثغرا |
فاته في نفسه السر الذي | يمنح الدائل مجدا مستمرا |
فتوخى الفخر من سخرية | مثل الدهر بها هزءا وهزرا |
لاهيا بالناس قتالا لمن | شاء فعالا لما استحسن جبرا |
لاعبا حتى إذا ضاق به | ملعب الدنيا تخطاه ومرا |
فقضى حين اقتضى منتحرا | بيدي مستأجر أوسع برا |
راكبا متن النوى لما نوى | ضاربا بين غد والأمس سترا |
ملقيا جسما إلى أمته | خشيت حرمانه دفنا وقبرا |
سرفا في الذل حتى إنها | لم تكن تدري لما تفعل قدرا |
من يلم نيرون إني لائم | أمة لو كهرته ارتد كهرا |
أمة لو ناهضته ساعة | لانتهى عنها وشيكا واثبجرا |
فاز بالأولى عليها وله | دونها معذرة التاريخ أخرى |
كل قوم خالقو نيرونهم | قيصر قيل له أم قيل كسرى |