www.omferas.com
شبكة فرسان الثقافة

شعور بالتفاخر وشعور بالتضاؤل … بقلم آرا سوفاليان

0

حفرة صغيرة في ولاية بعيدة وباردة من طريق بارد وفي بلد بادرة، تسقط فيها إطارات السيارات المسرعة فتغادر طاسة الإطار مكانها وتأخذ مساراً جديداً يوصل إلى مكان تجمَّع فيه بعض الصحفيين، ويتم تصوير هذه الطاسة من لحظة مغادرتها لإطار السيارة وحتى لحظة وصولها إلى المكان الذي تجمع فيه الصحفيين، ويواكب وصول الطاسة موجة هائلة من الضحك والتندر

شعور بالتفاخر وشعور بالتضاؤل … بقلم  آرا  سوفاليان

حفرة صغيرة في ولاية بعيدة وباردة من طريق بارد وفي بلد بادرة، تسقط فيها إطارات السيارات المسرعة فتغادر طاسة الإطار مكانها وتأخذ مساراً جديداً يوصل إلى مكان تجمَّع فيه بعض الصحفيين، ويتم تصوير هذه الطاسة من لحظة مغادرتها لإطار السيارة وحتى لحظة وصولها إلى المكان الذي تجمع فيه الصحفيين، ويواكب وصول الطاسة موجة هائلة من الضحك والتندر والسخرية من قبل الصحفيين وحشد من المارة الذين وصلوا إلى المكان مصادفة … وقد تستقر الطاسة بين أقدام حامل الكاميرا ويحدث الهرج والمرج من قبل الصحفيين والمعلقين وكل معلِّق بيده مايك لتغطية الحدث يتهم فيه الحكومة الكندية بالتقصير خاصة وأنه تم الإبلاغ عن هذه الحفرة التي نجمت عن تشقق الإسفلت بسبب الثلج ولكن المعنيين لم يهتموا لهذا الإبلاغ ولم يهتموا للشخص الذي بلَّغ المعنيين بالإصلاح فاتصل صاحبنا بوسائط الإعلام المختلفة فجنَّدوا له هذا الحشد من الصحفيين الذين أضحكوا كندا وجعلوا من الرجل الذي أهملت الحكومة شكواه بطلاً قومياً واستغلوا الفرصة لكشف عجز الحكومة … والقضية تتعلق بطاسه فكيف إذا كانت القضية تتعلق بشيء أثمن!

في اسبانيا دخل صاحب هذه المقالة وكان يقود فان مرسيدس يعمل على الديزل دخل في شارع يؤدي إلى بور بحري يدعى بورتوبانوس وله طرق متعددة للدخول وكان هذا الشارع مخصص لمشتركين تم منحهم  بطاقات عضوية ممغنطة يتم إدخالها في آلة تفرد حاجزاً طويلاً خشبياً فتتعرف هذه الآلة على الشخص الداخل فترفع الحاجز له فيدخل إلى منطقة من البور مخصصة للمشتركين.

وكان صاحب هذه المقالة غير مشترك ولا يملك بطاقة ممغنطة فتوقف أمام الآلة وخلفه حشد طويل من السيارات تمت عرقلته بدون قصد فأطلق أصحابه موجة من الزمامير لا تنتهي.

وهرعت فتاة ذات شعر ذهبي رائع بلباس أزرق جميل وشارات ذهبية على الأكتاف تفيد بأنها نقيب في شرطة السير ويعاونها رجلان لا بد أنهما شرطيين أيضاً ولكن اقل رتبة.

وتوقفت بكل أدب أمام نافذتي وأشارت بيدها فتوقفت الزمامير وصارت تحدثني بالإسبانية… فقلت لها… الإنكليزية أو الفرنسية من فضلك فأنا سائح ولا أجيد لغة البلد.

قالت لي: حسناً الفرنسية … فقلت لها تفضلي… قالت: كنت أسألك عن العرقلة والطابور المتوقف الذي سببته سيارتك بهذا الوقوف الخطأ، وسألتك إن كنت تعرف أين توقفت آخر سيارة في الطابور الذي صنعته خلفك؟

ـ قلت لها أعرف أين توقفت آخر سيارة خلفي … فقالت لي: أين … قلت: في مدريد.

وكانت مدريد تبعد 3000 كم عن النقطة حيث أنا … فقالت: شكراً للدعابة التي جاءت في غير وقتها… أرجو إعطائي شهادتك الدولية

قلت: إن أعطيتك إياها فستثقبينها حتماً … قالت: بالطبع فأنا لا وقت لديَّ للتفرج عليها!

قلت: وماذا لو تم ثقبها وأنا مظلوم فهل ستتمكنين من إعادتها سليمة؟

قالت: ماذا تقصد بأنك مظلوم … قلت: أنا لا أعرف أن هذا الشارع ينتهي بهذا الحاجز وأن هذا الحاجز يعمل على البطاقات الممغنطة ومخصص للمشتركين … فدخلت وعلقت وأنا مظلوم لأني لا أعرف.

قالت: منذ افتتاح هذا النادي والمنشآت المتعلقة به يعرف الجميع أنه ملكية خاصة ولا يدخله إلاَّ المشتركين وفي غالبيتهم يملكون يخوت بحرية وهذا شائع هنا إلى درجة أن أهل اسبانيا جميعاً يعرفون هذه الحقيقة.

قلت لها: كل أهل اسبانيا يعرفون وأنا لا أعرف… تعالي آخذك إلى بلدي لتكتشفي بأني أعرف ألف أمر لا تعرفينه أنت، لأنك غريبة وبالتالي لا أستطيع أنا ولا غيري بأن نلومك؟؟؟ … انظري إلى جهة اليمين من المدخل وحتى هذه الآلة ذات الحاجز… فهل تجدين لائحة عليها تحذير وتفيد بأنه ممنوع الدخول لغير الأعضاء… فلو أنه تم وضع هذه اللافتة فمن الطبيعي أن أغادر المكان وأتراجع للبحث عن طريق آخر.

فأخرجت مفتاحاً من جيبها وأدخلته في الآلة وطلبت مني الدخول ومن معي كضيوف … وأحضروا لنا المرطبات من النادي تعويضاً عن موجة الزمامير وهي في عرفهم شتائم واعتذرت لنا بالنيابة عن الجميع.

وبعد أسبوع مررنا من الطريق عينه فوجدنا لافته مكتوبة بأربعة لغات تفيد بأنه ممنوع الدخول لغير المشتركين وتحت اللافتة رسم لحاجز خشبي تتوسطه إشارة ممنوع المرور.

سألنا شاب سوري متجنس كان يرافقنا عن هذا الحاجز وهذه اللافتة بعد أن حدثناه بما جرى لنا فقال: لا تستغربوا فالأرجح أنهم وضعوا اللافتة في نفس اليوم.

 وشعرت شعور جميل لا يمكن وصفه فلقد استجابت لمقترحي حكومة لا أعرفها ولا تمثلني ولا يجمعني ألف جد من أجدادي لا باسبانيا ولا بالشعب الاسباني بالمطلق!

وهذا هو القصد من عبارة الشعور بالتفاؤل وهو ما ورد في مطلع المقالة … أما الشعور بالتضاؤل … فهو شعور انتابني اليوم بعد أن أرسلت لي أم أولادي مقالة إلى بريدي جعلتني أبكي… خاصة وإنها قصدت تذكيري بمقالة قديمة لي باسم ( سارقوا الأغطية) وهي منشورة في سيريانيوز منذ فترة طويلة جداً ولا زالت مركونة في الأرشيف حيث لا بد أنه لم يقرأها إلاَّ بعض الشرفاء… بدليل أنها بقيت حبر على ورق لنحصد الأذى كل يوم وننصرف لدفع الثمن!

وأرجو أنها لم ترسل هذه المقالة لتعزيز نظريتها التي تقول بأنني أضيع وقتي على الفاضي وأكتب شيء لا يهتم له أحد.

أما المقالة فهي عن «الوطن»  وقد أخذت منها ما يلي:

رحلة الموت من كفرسوسة إلى عدرا…اختفى من يدي والدته في حفرة مكشوفة للصرف الصحي
 
2009-10-21
 لم ولن يعلم أحد مقدار الخوف الذي عاشه الطفل محمد في متاهات خمسة عشر كيلو متراً من أنابيب الصرف الصحي المظلمة والمخيفة وتيارات المياه القذرة القوية التي كانت تتقاذفه قبل أن تنتقل روحه إلى السماء ولن يستطيع أحد تعويض خسارة عائلته فقدان وحيدها وبكرها الذي قضى بسبب الإهمال الذي سيحدد القضاء من المسئول عنه.
 محمد عياش الذي يصفه كل من عرفه بأنه كالملاك الطاهر والطفل الذكي اللامع المحبوب لدى الجميع والذي لا يخفى على أحد مقدار اللطف التي كان يتمتع به عن سائر أطفال الحي ولكن كل تلك الصفات لن تغفر له أمام الموت ولن تمنحه فرصة ليعيش ويشعل شمعة ميلاده الرابعة وتوقفت رحلة عمره عند سنوات ثلاث ولن يعود إلى زيارة منزل جده مرة أخرى.
موعد مع الموت
سقط محمد في حفرة للصرف الصحي نزع عنها الغطاء الحديدي ووضع فوقها قطعة من الكرتون على المتحلق الجنوبي قرب الجسر المؤدي إلى منطقة داريا والتقطت مصائد الدفاع المدني جثته في عدرا قبل محطة معالجة الصرف الصحي.
محمد لم يعلم أنها ستكون زيارته الأخيرة لبيت أهل والدته في كفر سوسة يوم أول من أمس الاثنين، ولم يعلم أنه سيكون يومه الأخير في هذه الدنيا، تاركا وراءه أما مصدومة بفقد ولدها الوحيد من بين يديها بعد أن غاب عن ناظرها لأقل من دقيقة واحدة، وأب ملوع بأحزانه وصامت منذ وقع الحادث الأليم لولده ولم يكن حاضراً لينقذه أو ليشهد على وفاته ويقبله قبل أن يلفظ أنفاسه الأخيرة على أقل تقدير.
 
استبعاد الصرف الصحي
إحسان والد الطفل المتوفى كان في عمله عندما بلغته زوجته بفقدها لمحمد قبل وصولها الطريق العام في كفر سوسة حيث تستقل مكروباصا ينقلها إلى منزلها في داريا بعد أن أنهت زيارتها لبيت أهلها، وتابع إحسان في تصريحه لـ«الوطن» بأن زوجته لم تتوقع أن يكون محمد قد وقع في حفرة للصرف الصحي مفتوحة بالقرب من الطريق إذ لم تتركه إلا دقيقة واحدة لتتمكن من حمل أكياس الخضار وحاجات ابتاعتها من سوق كفر سوسة للتوجه إلى بيتها في داريا، وبالطبع توقعت أن محمد عاد إلى بيت جده أو ذهب ليكمل لعبه مع أطفال الحي، وبعد أن فقدت الأمل من العثور عليه في الأماكن المفتوحة توجهت إلى زوجها لتعلمه بما جرى.
جاء إحسان إلى بيت حميه وبدأت عمليات البحث في بيوت الحي قاطبة والحارات ولم يعلم كيف خطر في باله أن ولده ربما سقط في إحدى فتحات الصرف الصحي المفتوحة وعندها بلغ من يلزم ليساعدوه في البحث عن طفله الفقيد لتستمر عمليات البحث.
 
رحلة الموت في الأنابيب
رغم الرائحة النتنة في أنابيب الصرف الصحي استمرت زمر الإنقاذ في فوج الإطفاء البحث عنه لساعات طويلة مستخدمة رجال وآليات الإنقاذ ومع اختفاء الأمل بالعثور عليه حيا زرعت تلك الزمر مصائد لانتشال جثته وفتشت غرف تفتيش الصرف الصحي في منطقة الكباس التي أنارتها سيارات الإنقاذ بالأنوار الكاشفة.
تمر الدقائق طويلة على العائلة التي تبحث عن بصيص أمل وعن تلك الأم التي لم تعلم أنها ستفقد ابنها إلى الأبد بينما جاهدت زمر الإنقاذ إلى إغلاق فتحة الصرف الصحي بمنطقة الكباس ولكنهم لم يتمكنوا من العثور عليه حياً ولا ميتاً يقول إحسان والد الطفل مضيفاً: إنه وفي تمام الساعة الثالثة والنصف صباحا أعلمونا بأنهم وجدوه ميتاً في مركز الصرف الصحي بعدرا وأحضروه إلى مستشفى المجتهد. ويضيف أبو محمد بينما الدموع لم تفارق عينيه: «أبلغني الطبيب الشرعي بأن ولدي توفي قبل أن يصل مياه الصرف الصحي إثر اصطدامه بجدران فتحة الصرف الصحي». في مشفى المجتهد سجيت جثة الطفل على المشرحة بينما آثار الكدمات ظهرت على جسده ووجهه الذي يبدو وكأنه نائم مغمض العينين على حين ارتسمت ما تشبه الابتسامة على فمه.
 
لصوص أغطية الصرف الصحي
الخبير في السلامة العامة محمد الكسم الذي قدم لـ«الوطن» الكثير من المعلومات حول تفصيلات الحادثة أوضح في تصريحه أن عصابات تقوم بسرقة أغطية فتحات الصرف الصحي وتبيعها بسعر 15 ليرة للكيلو الواحد مطالبا الجهات المعنية بتشديد الرقابة على الورش التي تقوم بصهر تلك الأغطية للقبض على لصوص الأغطية وتقديمهم للقضاء.
ورغم ذلك والكلام للكسم لا يعفي الجهات المعنية من تركيب الأغطية التي تسرق أو تختفي مضيفاً: إن غطاء فتحة الصرف الصحي التي وقع فيها الطفل ركبت بعد ساعات من سقوط الطفل فيها، ومضيفاً: إن مذكرات تحقيق أو توقيف صدرت بحق بعض المعنيين البلدية ومؤسسة الصرف الصحي بقضية سقوط الطفل في الفتحة بينما حاولت تلك الأطراف إخلاء مسؤوليتها عن الحادثة وحفر الصرف الصحي وإلقاءها على الآخرين.
 
تعقيب أخير لكاتب المقالة:
أيها الكرام!!!
نحن نضيع الوقت والمال ونكتب … وأنتم تطبقون شعار العوام وهو ما ورد في المثل الشامي المعروف (سمعان مو هون)… طيب!!! هل تعلمون لو أن (سمعان هون) لكان الطفل محمد عياش لا زال حياً بيننا … وهل تعلمون أن صلاح الدين الأيوبي كان طفلاً… وحظي بفرصة البقاء على قيد الحياة فحرر القدس …هل تدركون فداحة الخسارة … هل لديكم أدنى فكرة عن اللوعة وقلب الأم المدمى وشعورها الهائل بالظلم… هل صحيح بأنه لا يمكن صنع أغطية بأقفال لا يمكن سرقتها وهل صحيح بأنه لا يمكن مداهمة محلات صهر الفونت ومصادرة المسروقات وإعادتها إلى أمكنتها بعد قطع أيدي المشتري الذي يشجع اللصوص على سرقة الأغطية…وهذه الاقتراحات موجودة في مقالتي (سارقوا الأغطية) المركونة في سيريانيوز من سنين طويلة… وأخيراً هل تعرفون بأنه لا ستار يفصل بين الله عزَّ وجل ودعاء المظلوم… وماذا لو استجاب جلَّ جلاله لدعاء هذه الأم المظلومة؟ فهل يرضاكم أن نبقى شعباً بلا مسئولين؟
Ara  Souvalian
ara@scs-net.org
 

اترك رد

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني.