وداعا أيها الخدن الحبيب
وداعا أيها الخدن الحبيب | غدا ميعادنا وغدا قريب |
تعاظمني وقد وليت خطب | بجانبه تضاءلت الخطوب |
إذا ما بان أترابي فإني | لفي أهلي وفي وطني غريب |
يخالطني الأولى هم بعد جيلي | وليس بثوبي الثوب القشيب |
لنا حال ألفناها شبابا | ويجفل من تحولها المشيب |
تغشى وجه إبراهيم صرف | يقال له الردى وهو المغيب |
ألم يك في سماء العصر نجما | فبعد شروقه زمنا غروب |
وليس بحائن من لا نراه | بأعيننا وتبصره القلوب |
فتى فيه تعددت المزايا | فلم يك في الرجال له ضريب |
طبيب للعيون به شفاء | إذا ما الطب أعيي والطبيب |
شهدت له خوارق ناطقات | بما يسطيعه الآسي اللبيب |
أديب نسجه من كل لون | كأروع ما يدبجه أديب |
تساوق شعره والنثر حسنا | فما يختار بينهما الطروب |
وفي جد وفي هزل تجلت | له فطن بها بدع ضروب |
يفوز العقل منها بالمجاني | وفيها ما يفيد وما يطيب |
صناع يد له في كل شيء | يزاوله بها سر عجيب |
فما يغريه يخرجه فريا | وما يرميه من غرض يصيب |
نديم إن تنادر بين صحب | وجدتهم وما فيهم كئيب |
سوانحه الحسان يجئن عفوا | كما تهوى قريحته اللعوب |
خفيف الروح نقاد برفق | يبصر بالعيوب ولا يعيب |
يحاكي النطق والحركات مما | يشذ فليس يفلته غريب |
شآمي ومصري صميم | ونوبي ورومي جنيب |
رموز في الظواهر مضحكات | ويدرك لطف مغزاها الأريب |
يروع بما يجيد يدا وفكرا | وجار أناته طبع غضوب |
فذلك أن جوهره سليم | وليس يضيره عرض يشوب |
ومما أكبر الإخوان فيه | خلائق ليس فيها ما يريب |
مناط نظامها حزم وعزم | ومجلى حسنها كرم وطيب |
فأما عن شجاعته فحدث | وفي الذكرى لسائلها مجيب |
قضى في الجيش عهد أليس ينسى | له من فخره الأوفى نصيب |
به مرح أوان الروع حلو | يثير شجونه الخطر المهيب |
يداوي أو يواسي كل شاك | ولا يعتاقه حدث رهيب |
ويؤنس أو يواسي كل شاك | ولا يعتاقه حدث رهيب |
هنالك أطرب الشجعان شعر | به مزجت زمازمها الحروب |
تغرد حافظ وشدا الشدودي | بما لم يألف الزمن العصيب |
وفي صمت المدافع والمنايا | تهادن قد يغني العندليب |
وداعا يا صديقا إن شجانا | بهجر فهو بالذكرى يؤوب |
حياتك جزتها مدا وجزرا | ومسك في نهايتها اللغوب |
قليل ما تواتيك الأماني | كثير ما تحملك الكروب |
وكم فوت فيها طيبات | يفوز بها المداجي والكذوب |
لئن لم تجز في دنياك خيرا | لربك في السماء هو المشيب |