لست صاحب فكرة العنوان، لأنني سمعته من أحد السياسيين المخضرمين في مصر، أثناء تعقيبه على إعلان نشر على صفحة كاملة في إحدى الصحف القومية، ناشد رئيس الجمهورية أن يتدخل لإنصاف أحد المواطنين من تعسف جهاز الإدارة وظلمه له، تكرر الإعلان مرتين،
صحيفة الرؤية الكويتيه الاثنين 23 شوال 1430- 12 أكتوبر 2009
وكالة غوث المصريين – فهمي هويدي
http://fahmyhoweidy.blogspot.com/2009/10/blog-post_11.html
لست صاحب فكرة العنوان، لأنني سمعته من أحد السياسيين المخضرمين في مصر، أثناء تعقيبه على إعلان نشر على صفحة كاملة في إحدى الصحف القومية، ناشد رئيس الجمهورية أن يتدخل لإنصاف أحد المواطنين من تعسف جهاز الإدارة وظلمه له، تكرر الإعلان مرتين،
لكنه لم يكن وحيدا، لأن الصحف الصباحية أصبحت تنشر إعلانات من هذا القبيل لمواطنين فشلوا في حل مشكلاتهم مع الإدارة، فراحوا ينشرون مشكلاتهم عبر وسائل الإعلام راجين أن يتدخل رئيس الجمهورية أو رئيس الوزراء أو الوزراء المختصون لرد حقوقهم التي فشلوا في تحصيلها من خلال القنوات العادية.
حينذاك قال محدثي انه إزاء استفحال الظاهرة لربما اقتضى الأمر إنشاء هيئة خاصة باسم «وكالة غوث المصريين»، تتولى تسليك الأمور العالقة في أجهزة الدولة، التي يعجز المواطن العادي عن إنجازها.
الفكرة ليست مبتدعة تماما، لأنها منفذة على أرض الواقع بصورة مختلفة، فالذين يتولون «التخليص» في الجمارك والمطارات، والذي يتوزعون على أبواب المصالح الحكومية من المرور إلى الضرائب وأقسام الشرطة مرورا بوزارات الخدمات وأجهزة الإدارة المحلية.
هؤلاء جميعا «وسطاء» يستخدمون خبراتهم وعلاقاتهم لتمرير المعاملات المختلفة وإغاثة عامة المصريين من أصحاب الحاجات. وهي ظاهرة يتسع نطاقها يوما بعد يوم، بحيث استقر لدى الرأي العام أن صفة المواطن ليست كافية لإنجاز مصالح الناس، وأن كل واحد لابد له من «واسطة» تساعده على تحصيل حقوقه.
لماذا حدث ذلك؟..
هناك أسباب متعددة
منها تعقيد الإجراءات في المصالح الحكومية، الأمر الذي يحير صاحب المصلحة وينهكه، ويشعره في أحيان كثيرة بأنه في حاجة إلى «صديق» يعينه على إنهاء معاملته،
منها أيضا أن الموظف المصري مثقل بالهموم التي عادة ما تفوق طاقته. وهو يذهب إلى عمله مكتئبا وغير مستعد لتقديم واجبات وظيفته. إذ إضافة إلى ضعف أجره فلابد أن تكون أعباء الحياة قد قصمت ظهره، خصوصا إذا كان متزوجا ولديه أبناء وبنات يطالبونه كل يوم بمصاريف الدروس الخصوصية. فضلا عن أنه يهان في المواصلات في الذهاب والإياب. وتلك ظروف تجعله متبرما وضائق الصدر باستمرار، وبحاجة الى من يحمل عنه ويخدمه لا أن يقوم هو بخدمة غيره.
لذلك أزعم أن مجتمع الموظفين في مصر في حالة إضراب عن العمل. صامت وغير معلن، وأنهم ما عادوا يعملون إلا عند الضرورة وتحت ضغط لا يستطيعون مقاومته.
لا أستطيع أن أتجاهل في هذا السياق دور التحولات السلبية التي طرأت على منظومة القيم في المجتمع، وبمقتضاها اختلت قيمة الحق والواجب، بعدما أدرك عامة الناس أنهم مسحوقون وبلا حقوق، ومن ثم فإنهم لم يجدوا دافعا لأن يؤدوا ما عليهم من واجبات.
ولأن الحكومة هي الطرف المعني بهذه الرسالة بالدرجة الأولى، فقد انعكس ذلك على أداء موظفيها. وحدهم الأكابر من رجال السلطة يأخذون حقوقهم كاملة غير منقوصة، لسبب جوهري هو أنهم مواطنون من الدرجة الأولى، ومقاماتهم تشكل عنصرا ضاغطا لا يستطيع الموظف العادي أن يتفلت من الاستجابة له.
الأمر الذي يعني أن جهاز الإدارة من الناحية العملية لم يعد في خدمة المجتمع بقدر ما أصبح في خدمة السلطة، وبعد التعديلات التي أدخلت على هيكل النظام الوظيفي في مصر، وبمقتضاها أصبح مصير مسؤولي أجهزة الدولة معلقا على رضا السلطات العليا، فقد ساد الاعتقاد بأن استرضاء الكبار أهم وأنفع من استجلاب رضا الناس. وهي كلها اعتبارات تضفي وجاهة على فكرة مأسسة قضاء مصالح الضعفاء بإنشاء وكالة لغوث المصريين العاديين، بعدما أصبحت أجهزة الدولة مشغولة بالمصريين الممتازين.
…………………..