www.omferas.com
شبكة فرسان الثقافة

الجامع الأزرق في يريفان… بقلم آرا سوفاليان

0

فكرت أن أعايد إخوتي المسلمين بمناسبة عيد الفطر السعيد بمقالة وصورة فاخترت كتابة المقالة المرفقة التي تتحدث عن الجامع الأزرق والعلاقة بين الشعب الأرمني والشعبين العربي والإيراني من جهة أخرى.

الجامع الأزرق في يريفان… بقلم آرا  سوفاليان

فكرت أن أعايد إخوتي المسلمين بمناسبة عيد الفطر السعيد بمقالة وصورة فاخترت كتابة المقالة المرفقة التي تتحدث عن الجامع الأزرق والعلاقة بين الشعب الأرمني والشعبين العربي والإيراني من جهة أخرى.

الجامع الأزرق في يريفان هو صرح إسلامي عظيم تجده في قلب العاصمة الأرمينية يريفان وهي العاصمة الجديدة بعد ضياع العاصمة القديمة المسماة آني، هذا الصرح الإسلامي الجميل هو الجامع الأزرق الذي يذكر بمحبة الأرمن للعرب منذ عهد الفتوحات الإسلامية، فلقد تم فتح أرمينيا سلماً في عهد الفاروق عمر بن الخطاب وبجيوش الثغور بقيادة سراقة بن عمرو… ولمس الأرمن لمس اليد الشعار الذي يقول (لم يعرف العالم فاتحين أرحم من العرب)

فلقد كانت أرمينيا في وسط المحيط كسفينة في مهب الريح وأمواج فارس تلطمها من الشرق في محاولة يائسة لإغراقها، وأمواج الروم تضربها من الغرب في محاولة يائسة لإغراقها أيضاً، وحروب متتالية مع الشرق تتلوها حروب أخرى مع الغرب دون فترات هدوء ولا سلام ولا هدنة حتى تحول شباب أرمينيا إلى عملة نادرة وتم استنفاذ أرزاق البلد ومقدراتها وذهبها فجاء سراقة بن عمرو وعرض الإسلام أو الجزية أو الحرب سجالاً… وكانت خزائن الملك خاوية خالية على عرائشها فلا يوجد مال لدفع جزية أو أي شيء يمكن التصالح عليه، ورفض سراقة بن عمرو محاربة النساء ورفض الأرمن الدخول في الإسلام ورفض سراقة ومن معه فرض الإسلام بحد السيف واكتشف الأرمن أن كل الشائعات التي سبقت جيوش الفاتحين كانت عارية عن الصحة ووقع سراقة بن عمرو في حيرة من أمره، وأقترح الأرمن أن يذهب وفد منهم لمقابلة الخليفة العادل في القدس … وحدث لقاء ما بين عمر ابن الخطاب والوفد الأرمني برئاسة البطريق أبراهام الأرمني نتج عنه العهدة العمرية، وقبل أمير المؤمنين أن يدفع الأرمن الجزية حسب مقدرتهم دون أن يجبروا على ما لا طاقة لهم به، وتم حماية أرضهم وعرضهم وبيعهم وكنائسهم وأديرتهم ورهبانهم وقساوستهم وصلبانهم وذخائرهم وكتبهم وأناجيلهم.

اعتقد الأرمن أن الذي حدث هو عهد احتلال جديد ولكن سرعان ما أدركوا أنهم واهمين لأن العرب تركوا للأرمن حرية إدارة شؤونهم وانتخاب ملك يمثلهم، والأهم من كل ذلك، ضمن العرب للأرمن حرية العبادة وهذا حق لا يتنازل عنه الأرمن حتى بعد الموت، لأن الأرمن كانوا أول شعب آمن بالسيد المسيح الإنسان (الملك ورعيته) وتم الإعلان عن المملكة الأرمنية المسيحية المقدسة في العام 301 ميلادية قبل روما التي كانت لا تزال على العهد الوثني والشرك بالله وعبادة آلهة لا تنفع ولا تضر، وتخلى الأرمن عن آلهة الفرس في المناطق الشرقية من أرمينيا الكبرى وتخلوا عن آلهة الرومان في المناطق الغربية وعبدوا الواحد القهّار ودفعوا الثمن على شكل سيول من الدماء وفقدوا معظم شبابهم.

وجاء العرب لينقذوا الأرمن من خطر الانقراض أو التلاشي التام والذوبان الإقليمي في القوميات المجاورة فلقد كان احتياطي عدد السكان والزواج والتوالد منهك إلى درجة خطيرة للغاية  نتيجة موت معظم الشباب في الحروب مما أدى إلى خلل ديموغرافي مروع.

العرب أوقفوا الحروب بالقوة وقوضوا إمبراطورية فارس في الشرق وحجمَّوا إمبراطورية الروم في الغرب وكسروا ظهرها، وتنفس الأرمن الصعداء فبين ليلة وضحاها وجدوا أنفسهم في كنف دولة يهابها الجميع ولا يجرؤ أحد على التحرش بها… فعاشوا في ظلال هذه النعمة التي وفرها لهم العرب … وقد عهدهم الرسول كأهل ذمة وأوصى بهم عندما قال صلوات الله عليه وعلى آله وصحبه أجمعين (من أخذ عليهم عقال بعير كنت خصمه يوم القيامة)

ونعم الأرمن بفترة سلم وانتعاش وتوقف سفك الدماء وتصحح الخلل الديموغرافي وحدث ما حدث من مصائب في أواخر العهد العباسي  واضطّر العرب إلى التخلي عن الأرمن لأن الأرض العربية أضحت الآن في خطر فانسحبوا وودعهم الأرمن بالورود وتمنوا عليهم البقاء ولكن لم يكن بالإمكان أفضل مما كان… وترك العرب أرمينيا وبقيت بلا حماية فتكالب عليها الجوار بعد أن خسرت النصير والمغيث.

لم يسجل الأرمن على العرب إلاَّ عتب واحد لا ثانٍ له وهو الآتي: كان هناك سهل في أرمينيا يتوسط جبلين وقد تعب الأرمن في إنجاز طريق في السهل وتم تسوية الصخور في بعض الأمكنة وأزيلت بشق النفس وتم تعبيد الطريق بالحجارة  وتركت الجدران الصخرية على الأطراف وتم إنشاء مضمار رائع مشابه لذاك الذي كانت تجري فيه الألعاب الأولمبية وكانت تقام في هذا المضمار البطولات في الجري والمصارعة ورمي القرص ورمي القوس وسباقات الفروسية وكان يتم اختيار الأبطال في كل دورة ويتم تكريمهم من قبل الملك بالذات الذي يأمر بحفر تماثيل لهم في جدران المضمار تكتب تحتها البطولات والجوائز التي حصلوا عليها وتحفر أسماؤهم تحت تماثيلهم  والتاريخ المقابل للبطولة وتكريم ملكي خاص بالدورة الرياضية والاصطلاح المستخدم في تسميتها.

وكان الاعتناء بهذه التماثيل وبالمكان وبالمضمار على أشده وكان المكان يعامل على أنه ملك الحكومة وأرض خاصة بالملك ومن يليه في المُلك.

واستيقظ الأرمن في صبيحة اليوم التالي للفتح العربي على كارثة غير متوقعة وغير مفهومة الأسباب فلقد تم تحويل المضمار بجدرانه وتماثيله إلى قاعً صفصفاً وتم تحطيم الجدران والتماثيل التي تم قطع أيديها وقلع عيونها وجدع أنوفها وتم طمس الكتابات واقتلاع الزخارف وأقواس النصر وأكاليل الغار المحفورة في الصخر فضاعت ثروة تاريخية لا يمكن تعويضها أبد الدهر وظل الحطام حتى هذه اللحظة يحكي عن عمل غير مبرر لم يفهمه الأرمن وقتذاك، أما العلاقات الطيبة والحوار الراقي والفهم والتفهم فلقد أدى إلى نتائج علمية باهرة في مختلف صنوف العلوم وهناك علماء أرمن في الرياضيات والهندسة والجبر وأطباء كثيرون تعاونوا مع العلماء العرب وأطلقت عليهم أسماء وألقاب عربية وتعلموا العربية ليقفوا وقفة الند مع أقرانهم وساعد الأرمن العرب في التقدم بعلوم الطب والتشريح عن طريق السماح وتمكين العلماء العرب من مباشرة التشريح الطبي على الجثث وهو أمر كان من المستحيل تحقيقه في بلاد العرب لأن التشريح كان يعتبر تمثيل بالموتى وهو أمر تتم المحاسبة عليه بشدة وكانت تتم تسوية الأمور بين الأطباء الأرمن والأطباء العرب بحيث لا يعلم أحد بما حدث وهو شيء لم يجد فيه الأرمن أي حرج لطالما أن الهدف كان نبيلاً … وهكذا فلقد تم اعتماد كتب الطب والتشريح العائدة لأطباء عرب وأطباء أرمن وحتى الآن في كبريات الجامعات الأوروبية وكان هذا النتاج هو خلاصة التعاون الخلاق.

أما الآثار الإسلامية التي تركها العرب بعد مغادرتهم أرمينيا فلقد تم الاعتناء بها والمحافظة عليها إلى درجة لا توصف ولم تتعرض إلاَّ للتداعي الزمني وتأثيرات المناخ لا غير.

ومن أهمها على الإطلاق الجامع الأزرق.

وهو الجامع الذائع الصيت في وسط العاصمة الأرمنية الذي يشع بنور الإسلام ، ولونه بلون السماء وفي هذا عبرة ، يتلألأ بلونه الأزرق المتدرج ليلاً بسبب الإضاءة والاهتمام ونهاراً بفضل نعمة الله وضوءه … واللون الأزرق منتشر في معظم أجزاءه، مدخل وجدران وقبة ومئذنة شاهقة تصل إلى علو 24 م في مدينة  يعتبر عدد الجالية المسلمة فيها قليل وأغلبهم من الطلاب والدارسين وأعضاء الوفود الدبلوماسية  والتجار والمستثمرين وغيرهم.

رمم المسجد بين عامي 1996 و2000 بعد حصول جمهورية أرمينيا على استقلالها إثر تفكك الاتحاد السوفياتي السابق، بتكلفة قدرها مليون دولار وتعهدت إيران الصرف على المشروع بالكامل، وتحول المسجد اليوم إلى مركز إسلامي تباشر فيه الشعائر والأنشطة الإسلامية من حفظ القرآن الكريم وتلقين الدروس الدينية وتعاليم الإسلام الحنيف وتقام بعض الأنشطة المتعلقة بالأعمال اليدوية والمنسوجات والمنمنمات، يرصد ريع هذه الأنشطة لأعمال البر والتقوى والإحسان، ويتولى التدريس فيه نخبة من المدرسين الأكفاء.

يعتبر المسجد الأزرق من أكبر المساجد في منطقة القوقاز بني فيما بين العامين 1766 و1769 ميلادية ، في عهد خلافة الإمام حسين علي خان حاكم يريفان في ذلك الوقت ولم يكن المسجد الوحيد بل كان هناك ثمانية مساجد أخرى في المدينة، وفي العام 1962 تم تحويل المسجد الأزرق وبأمر من الحكومة السوفياتية إلى أثر تاريخي  ومنعت ممارسة الشعائر الدينية فيه.

خصصت للمسجد سبعة آلاف متر مربع في قلب العاصمة الأرمنية، وتتوسط هذه المساحة الشاسعة حديقة غنّاء تحتوي على أشجار ضخمة ومعمرة ونادرة تمت المحافظة عليها وحمايتها وهناك في الوسط بحرة ماء زلال ونافورة على غرار التقليد المتعارف عليه في مساجد تلك الحقبة ويأتي اللون الأزرق ليوشح لون الطبيعة الأخضر فيحدث تناسق جميل ورائع يخلب الألباب ويضيف إلى المكان المقدس جمالًٌ وروعة.

في داخل المسجد مساحة كبيرة مخصصة للصلاة ذات طابع إسلامي ومفروشة بالسجاد الأرمني وللسجاد قيمة وقدسية لدى الإخوة المسلمين لأن السجاد للسجود  والسجود هو لمدبر الكوّن وحده… والجدير بالذكر أن السجاد الأرمني هو من أجود وأغلى انواع السجاد في العالم وسبق لأحد ملوك الفرس التفرد بحادثة لم يسبقها اليه أحد  من الملوك وهو الشاه عباس محمود خدابنده الصفوي وحكم بين عامي 1603 -1617 فلقد اسر خمسة آلاف أرمني من صناع السجاد المهرة ونقلهم عنوة إلى أصفهان وشجعهم على الاشتغال بالحرفة وتعليم الإيرانيين مهارات صنع السجاد الأرمني فتحول السجاد الأصفهاني إلى أغلى سجاد في العالم.

وفي المسجد الأزرق ثريات جميلة ونجف تضيء المسجد من الداخل وينعكس ضوءها على الجدران والأعمدة المصنوعة من المرمر والزجاج المعشق ذو الألوان الزاهية، وتثير الآيات القرآنية المنقوشة على الجدران الخشوع والمهابة.

وتم إنشاء ثمان وعشرون قاعة نصفها على يمين المسجد والنصف الآخر على يساره تمارس فيها الأنشطة الإسلامية وتضم ثلاثة معارض للصور التي تؤرخ للمسجد منذ تشييده مروراً بمراحل ترميمه وحتى إعادة افتتاحه، ومعرض آخر يتضمن صور الكنائس الأرمنية في إيران.

ويضم المسجد مكتبة ضخمة تحوي القرآن الكريم  وأهم  الكتب العربية والإسلامية المتعلقة بالأدب والتاريخ والسياسة والعلوم والفقه والحديث الشريف وكافة المراجع الدينية الإسلامية لتكون رديفاً ومعيناً للباحثين في شؤون العلم والدين، وتحتوي المكتبة على أرشيف ضخم من شرائط الفيديو والكاسيت التي تعنى في الشؤون الدينية، من تعليم وتثقيف وتوجيه وإرشاد.

ويقول علي مورافيتش الذي يعمل في المسجد إلى جانب دراسته للهندسة في إحدى الجامعات الأرمنية أن المسجد يقدم عدداً من الأنشطة الثقافية الأخرى فهناك قسم لتعليم اللغة الفارسية ومركز للمعلومات إلى جانب عيادة طبية.

المسجد كخلية نحل يؤمه المصلون من يريفان وما حولها طلاب ودارسون وتجار وأعضاء بعثات دبلوماسية وأفراد الجالية العربية وعلى الأخصْ الجاليتين السورية واللبنانية، أطفال وشباب وشيوخ ونساء تربطهم بالمسجد وبدينهم الحنيف علاقة حب ووفاء، ويرتاده السياح القادمين من جنبات المعمورة لأنه ينفرد بتميزه كأثر سياحي كبير وهام.

يقول الشاب الإيراني أمير أوميد الذي يدرس الهندسة الالكترونية في يريفان ( احرص على المجيء إلى المسجد والصلاة فيه فهذا المسجد يشعرني بأنني في بلدي)، أما حسن مصطفى فيقول: هناك في المسجد مكتبة رائعة أدرس فيها، ومراجع ثمينة تعينني في دراستي، ويطيب لي مجالسة العلماء لأستفيد من علمهم وثقافتهم ودرايتهم وخبرتهم بشؤون الدين، أما الشابة نسيم حسن التي جاءت إلى أرمينيا برفقة والدها رجل الأعمال فتقول: (أشعر بأنني في دولة إسلامية عندما تخطو قدماي إلى داخل هذا المسجد حيث أحضر الدروس الدينية وأحفظ القرآن الكريم وأتعلم قواعد اللغة الفارسية)، وتقول مريم سفقى (أحرص على اصطحاب طفليَّ مرتين أسبوعيا لتلقى الدروس الدينية  هنا في المسجد الأزرق ليبقى ارتباطهما بديننا الإسلامي الحنيف وليتعزز، خاصة وأننا نعيش هنا في المغترب في أرمينيا)

حاشية:

هناك علاقات متميزة تربط بين الشعب الأرمني من جهة والشعب الإيراني من جهة أخرى… فلقد حمى الشعب الإيراني الشعب الأرمني في أيام المحنة ودافع عنه وأسكنه الأرض ومنحه الجنسية والمدرسة وحرية العبادة وحرية تدريس اللغة الأرمنية  وهذا ما فعله العرب أيضاً ومن هنا فإن الولاء والمحبة من قبل الشعب الأرمني للشعبين العربي والإيراني مسألة لا تنتهي … وكذلك الاعتراف بالفضل…

للإحاطة الأشمل بالموضوع

http://www.akhbaralaalam.net/

www.khabararmani.com

 

ARA SOUVALIAN

 

اترك رد

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني.