أنت مصر تستعطي بأعينها النجل
أنت مصر تستعطي بأعينها النجل | وعرض جمال لا يقال إلى مثل |
غريبة هذي الدار بادية الذل | جلت طفلة عن موطن ناضب قحل |
إلى حيث يروي النيل باسقة النحل |
|
فلاخية ما درها ثدي أمها | سوى ضعفها البادي عليها وهمها |
ولم تتناول من أبيها سوى اسمها | وما أحرزت من أهلها غير يتمها |
وأشقى اليتامى فاقد البر في الأهل |
|
فكانت كنامي الغرس يزكو وينصر | ومطعمه طين ومسقاه أكدر |
يحيط بها دوحان شيخ معمر | وأم عجوز القشر واللب أخضر |
تبيعها قوتا بشيء من الظل |
|
فمن صبحها تسعى لجني ومكتدى | وفي ليلها تقضي الذي يبتغي غدا |
كما كان عبد الرق جنحا ومغتدى | يواصل مسعاه ليخدم سيدا |
ويوسعه رزقا ويغدى من الثفل |
|
قضت هكذا بين الأسى والمتاعب | صباها ولما تغد بين الكواعب |
فصحت كنبت الطود بين المعاطب | ومدت إلى حيث الثرى غير ناضب |
جذورا إذا أنهلنها عدن بالعل |
|
فيا لقوى التمكين في جسم سالم | يقاومن دون العمر كل مقاوم |
يجاذبن بالأوراق در الغمائم | يهابطن بالأعراق ذر المناجم |
خفافا إلى ضم صعابا على الحل |
|
يمر بها عهد الصبا والتدلل | على شظف في عيشها وتذلل |
وكم جرعت من صبرها كأس حنظل | وكم نالها صرف من الدهر مبتلي |
فطال عليها لا يميت ولا يسلي |
|
وكم ضاجع الجوع الأثيم بهاءها | فقبلها حتى أجف دماءها |
وكم ساعف الحر المذيب شقاءها | وكم نازع البرد الشديد بقاءها |
نوائل تأتي كالليالي وتستتلي |
|
أنرن نهاها في اعتكار التجارب | بنيرانهن المحرقات الثواقب |
صغن لها من فحم تلك الغياهب | ذكاء من الماس المضيء الجوانب |
به تجتلي ما لا ترى أعين النمل |
|
دعاها بليلى والدها لتنكرا | وهل كان صونا لاسمها أن يغيرا |
على أنها كانت مثالا مصورا | تصور من ماء الجمال مقطرا |
فحلاه ما تهوى المنى وبه حلي |
|
يسر بمرأى حسنها كل سابل | فينفحها من ماله غير باخل |
وكم مدقع من شدة الفقر سائل | يرد يديه لا يفوز بنائل |
ولا جود للإنسان إلا على دخل |
|
تحن إلى الصقع الذي لم يبرها | وجرعها صاب الحياة ومرها |
نأت ونأى أترابها عنه كرها | ولكن هي الأوطان نحمد ضرها |
ونهوى الأذى فيها ولا النفع إن نجل |
|
على أنه صقع شحيح الجداول | عقيم الثرى لكنه جد آهل |
جديب خصيب بالبطون الحوامل | وما تقذف الأمواج في متن ساحل |
من الرمل ما يقذفن فيه من النسل |
|
يعد بنيه للتباريح والفنا | إذا لم يرودوا كل أفق من الدنى |
فتيخذون التيه في الأرض موطنا | وهم كالدبى الغرثى نفوسا وأبطنا |
إذا نزلوا خصبا فبشره بالمحل |
|
فلا تنكر الأزواج بغي نسائها | ولا تكبر الزوجات خلع حيائها |
وولد خلت آباؤها عن إبائها | تساوم في حسن الوجوه ومائها |
وتنمو على سوء المعاطاة والختل |
|
كذا أدبت ليلى فطيما وعالها | ذووها ليضحوا بعد حين عيالها |
فتطعمهم من خزيها ما جنى لها | وتكسوهم مما تعري جمالها |
وتحمل ما في العيش عنهم من الثقل |
|
ولكن في نفس الصغير المساويا | يماثلن بالحسن الخصال الزواهيا |
كأول نبت الحقل يجمل ناميا | ولا تفرق العين الغريب المضاهيا |
من النبت إلا في أوان جنى الحقل |
|
فلم يك في ليلى سوى ما يحبب | بها من معانيها الجياد ويعجب |
وكانت على الأيام تنمو وتعذب | كمثمرة الأغصان والصقع طيب |
يبشرن في فصل ويعقدن في فصل |
|
إلى أن غدت في أعين المتوسم | تنير كنور الشارق المتبسم |
منعمة الأعطاف لا عن تنعم | متممة أوصافها لم تتمم |
بحلي ولم تصلح بطلي ولا صقل |
|
ضروب جمال لو رأتها أميرة | رأت كيف تعلوها فتاة حقيرة |
وكيف حوت جاه الملوك فقرة | مضورة مما تجوع جديرة |
بإحسان أرباب المبرات والبذل |
|
بهاء به يسمو على الجاه فقرها | وعري به يزري الجواهر نحرها |
وثوب عتيق إن فشا منه سرها | أباح كنوزا للنواظر صدرها |
يحرمها جفن ترصج بالنبل |
|
ورأس إذا ما زانه تاج شعرها | فأشرف من عرش غضاضة قدرها |
وقد تشتريه ذات تاج بفخرها | وترضى به تاجا كريما لفقرها |
معوضة خيرا من الكثر بالقل |
|
وقال أبوها يوم تم شبابها | وحيك لها من نور فجر إهابها |
أيا أم ليلى حسب ليلى عذابها | توفر مسعاها وقل اكتسابها |
وأسأم تكرار السؤال ذوي الفضل |
|
أراها أصح الآن جسما وأجملا | فحتام لا نجني جناها المؤملا |
نمت ونمو الفقر يأتي معجلا | ولم أر في الإعسار كالحان مؤئلا |
لمن يطلبون الرزق من أقرب السبل |
|
فقالت لها أم شديد دماؤها | سخي مآقيها سريع بكاؤها |
بنية هذي الحال أعضل داؤها | وأنت لنا دون الأنام دواؤها |
أغيرك نرجو للمعونة والكفل |
|
فقالت أشيري يا أميمة إنني | لفاعلة ما شئته فأمرنني |
وما تؤثريه أحترفه وأتقن | وكل الذي فيه رضاك يسرني |
فروحكما همي وعزكما شغلي |
|
فقالت لها إنا نرى لك مهنة | تعيد علينا نقمة العيش منة |
تكونين فيها للنواظر جنة | وللشاربين المستهامين فتنة |
فترقين أوج السعد من مرتقى سهل |
|
لخير لها يا أم العدم والطوى | من السعد تهديه إليها يد الهوى |
وأولى بها من أن تذال فتصفوا | معاناة هم ناصب يوهن القوى |
وسير على شوك القتاد بلا نعل |
|
كذلك ناجاها الضمير مؤنبا | ولكن جوع النفس فها تغلبا |
فرد إلى الصمت الضمير مخيبا | وألقى بتلك البنت في أول الصبا |
إلى حيث يخشى ناسك زلة الرجل |
|
فمر بها في حانة نفر أولى | مجون دعتهم بالرموز فأقبلوا |
وحيوا فحيتهم وفيها تدلل | فقال فتى ما للمليحة تخجل |
وحيث تكن تنزل على الرحب والسهل |
|
تسمين يا حسناء قالت تحببا | أنا اسمي ليلى هل ترى اسمي معجبا |
فقال لئن أنشدته الصخر أطربا | برقة هذا الصوت أو راهبا صبا |
أو الثاكل اعتاض السرور من الثكل |
|
وقال فتى ما شاء ربك أحكما | جمالك يا ليلى فجاء متمما |
رأيت ولكن لا كغثرك مبسما | ولا مثل هذي العين تروي على ظما |
ولا كحلا في الجفن أفصح للكحل |
|
فلما سقتهم قال نشوان يمزح | أتسقيننا روحا وجفك يذبح |
ومد يدا منهم فتى متوقح | إليها فجافت ثم صافت ليسمحوا |
لها بمزيد من شراب ومن نقل |
|
وقالت بتول فارقبوا الله واتقوا | ولكن أشار اللحظ أن لا تصدقوا |
فأضحكهم هذا العفاف الملفق | وقال فتى شأن الرحيق يعتق |
ولكن تعتيق العفاف من الخبل |
|
فتابعه ثان وقال تفننا | أما زلت بكرا بئسما الدير ههنا |
ولكنها الأثمار تخلق للجنى | وإلا فعبن أن تطيب وتحسنا |
إلى أن تراها ذابلات على الأصل |
|
وعقب مزاح بأدهى وأغرب | أأخبركم ما لابكر في خير مذهب |
هي الكأس فارشف ما تشاء وقلب | فإن هي لم تعطب فلست بمذنب |
وإن كدرت عادت إلى الصفو بالغسل |
|
وكان رفيق منهم متألما | يرى آسفا ذاك الدعاب المذمما |
وتلك الفتاة البكر خلقا مثلما | وعرضا غدا تثليمه متحتما |
فقال اربأوا جاوزتم الحد في الهزل |
|
لئن جاز مس البكر أو ساغ لثمها | بلا حرج ما دام يؤمن ثلمها |
فلم زهرة الروض التي هي رسمها | إذا ابتذلت جفت ولو صين كمها |
ولم تستعد زهوا وطيبا من الطل |
|
أبا ليلى هل تصفو وتطلع أنجما | لتقذى بأرجاس الورى أعين السما |
ويا زمنا قالوا به الرق حرما | علام أبيح الطفل للجوع والظما |
فباعاه للفحشاء تحت يد العدل |
|
أصيبية جاؤوا المكان ليسهروا | وقد أجلسوها يسكرون وتسكر |
فلما نفى اللب الشراب المخمر | تمادوا بها في غيهم وتهوروا |
وأرقصهم طوافة الزمر والطبل |
|
فهذا معاطيها وذاك مداعب | وهذا مداجيها وذاك مشاغب |
وهذا مراضيها وذاك مغاضب | وهذا مباكيها وذاك ملاعب |
وكلا ترى منهم على خلق رذل |
|
يحاول كل أن يزيغ فؤادها | وكل يرجي أن يضل رشادها |
يرومون منها أن تبيح وسادها | ويبغون طرا بغيها وفسادها |
سواء لديهم بالحرام وبالحل |
|
ذئاب تداجي نعجة لافتراسها | وترقب منها فرصة لاختلاسها |
ولكنها ردتهم عن مساسها | تبالغ في تشويقهم باختباسها |
ولفتتها الغضبى ومشيتها الخزل |
|
فما هي منها في الطهارة رغبة | ولا هي في فقد البكارة رهبة |
ولكنه علم لديها ودربة | كما أبواها أدباها وعصبة |
أرتها فنون الغش بالقول والفعل |
|
تصيد لهى عشاقها باختيالها | وتبتز منها أمها فضل مالها |
فتنفقه في روحها ودلالها | وتقني الحلى معتاضة عن جمالها |
بأوسمة للقبح في الشيب والعطل |
|
أعدلا يباهي عصرنا زمنا خلا | وقد عود الأطفال فيه التسولا |
وسيمت به الأبكار سوما محللا | وباعت نساء ولدها واشترت حلى |
وربي سفل البيت تربية السخل |
|
على هذه الحال الشديد نكيرها | نما الحسن في ليلى ومات ضميرها |
فجسم كمشكاة يعز نظيرها | بإتقانها لكن خبا الدهر نورها |
وعين كحالي الغمد أمسى بلا نصل |
|
فلما استوى شكلا ربيع الصبا بها | وشب عن الأكمام زهر شبابها |
ودل على النعماء غض إهابها | وأنكر زهوا ما مضى من عذابها |
حكت جنة فيها منى القلب والعقل |
|
وما هي إلا دمنة لكن اكتسى | ثراها من النبت المزور ملبسا |
ويسطع منها الطيب لكن مدنسا | وفي نورها تنمو الرذائل والأسى |
وموردها عذب على أنه يصلي |
|
حوى سيرا من كل ضرب فؤادها | بها يهتدي سبل الخداع رشادها |
ويقوى على ضعف القلوب ودادها | فلا تنثني حتى يتم مرادها |
وحتى يكون الحق في خدمة البطل |
|
يحدثها كل بأمر تجددا | ويفشي لها أسراره متوددا |
وما يكشف البدر الظلام إذا بدا | كما تكشف الأسرار ليلى وما الصدى |
بأسرع منها في الحكاية والنقل |
|
وكم تصطبي ذا غرة لا يخالها | محصنة بكر وذي الحال حالها |
فيغويه فيها أنسها وابتذالها | ويسخو عليها ما يشاء احتيالها |
وتعرض عنه حين يطمع في الوصل |
|
أليس صفاء البكر في أول الصبا | كقطر الندى يحلى به زهر الربى |
فإن يستحل ذاك الصفاء تلهبا | فلا عجب أن تحسب البكر ثيبا |
ويخطيء فها من يكون على جهل |
|
وكم من سري مولع بالتعفف | سبت بالحياء الكاذب المتكلف |
وداجت فصادت بالمقال الملطف | وبالتيه حيث التيه محض تزلف |
وبالهجر حيث الهجر أجمع للشمل |
|
إذا ما البغيات احتشمن ظواهرا | وجارين في آدابهن الحرائرا |
وكن جميعا كالنجوم سوافرا | فأي حكيم يستبين السرائرا |
وهل في ضياء الشهب فرق لمستجلي |
|
على أنها لم ترض عن مستقرها | وكانت تناجيها أماني سرها |
بأن تتولى عاجلا فك أسرها | فإن وفقت فازت بإعلاء قدرها |
على كل من تعلو عليها وتستعلي |
|
وكان فتى طليق المحيا جميله | ولكنه نذل الفؤاد ذليله |
يميل إليها وهي لا تستميله | فيزداد فيه غيظه وغليله |
وقد طويت أحشاؤه طية الصل |
|
وكان كثيرا ما يود خطابها | فتصغي إليه وهي تحسو شرابها |
فإن ملأت مما يقول وطابها | تولت وكان الصد عنه جوابها |
فآب وفي آماقه أدمع تغلي |
|
وظل يوافي في المواعيد زائرا | فيحسوا الطلى جمرا ويروي النواظرا |
يخالسها نياتها والسرائرا | لطيفا لما يبغي على الذل صابرا |
فخورا برحب الصدر والكفل الخذل |
|
فآلى لها يوما بأن يتأهلا بها | فأصاب الوعد منها المؤملا |
فقالت كفاني خدمة وتبتلا | وذي نعمة أرقى بها سلم العلى |
وماذا ترجي بعدها امرأة مثلي |
|
فأبدت لها الإقبال بعد التبرم | ولكن أطالت خبره خوف مندم |
فقالت لها النفس الطموع إلى كم | تظلان في مشق من الريب مؤلم |
ويقضى نفيس العمر في الوعد والمطل |
|
فلم أر أغوى من جميل وأطوعا | فؤادا ولا وجها أحب وأبدعا |
فتى لك يهدي قلبه واسمه معا | فإن طال هذا المطل منك تطلعا |
إلى امرأة تسموك بالجاه والأصل |
|
فخامر ليلى الخوف ثم تحولا | إلى غيرة والغيرة انقلبت إلى |
غرام فما تلوي على أحد ولا | تكاشف بالحب النزيه مؤملا |
سوى ذلك الغر الجميل من الكل |
|
ومن نكد المخدوع أن زمانه | يسخر للخل المداجي أمانه |
فإذا يرعوي المغرى ويلوي عنانه | يكون المداجي قد أذاه وخانه |
وأدرك ما يسعى إليه من السؤل |
|
أصم الهوى ليلى وأعمى ذكاءها | ورد عليها كيدها ودهاءها |
فمن نفسها نالت وشيكا جزاءها | ومشقي الورى منها أنم شقاءها |
بأن أخذت في فخها بيدي وغل |
|
وليلة أنس زارها من صحابها | فريق بغوا أن يكشفوا سر ما بها |
فدار حديث بينهم في عتابها | لإعراضها عن صحبها وانقلابها |
إلى أجدر العشاق بالصد والرذل |
|
فخالهم يهجونه لمارب | ويتهم محض النصح في فم ثالب |
فبينا تجافي دونه كل عاتب | أتى يتهادى بين جيش معايب |
تهادي قيل حف بالخيل والرجل |
|
ففارقت الحضار طرا وأقبلت | عليه وفي أحشائها غلة غلت |
وفي وجنتيها حمرة كاللظى علت | فحيته بالبشر الطليق وأغفلت |
سواه من الجلاس كالسلعة الغفل |
|
أهذا الذي فيه الملام يريبها | وفي حبه سعد الحياة وطيبها |
هم بغضاء والحبيب حبيبها | وهم بلهاء لا جميل خطيبها |
وما لجميل بينهم من فتى كفل |
|
وكان من الجلاس أشيب مغرم | تصبته عشقا وهو قد كاد يهرم |
فقال إلى كم نحن نعطي وننعم | ليحظى بها قوم سوانا وينعموا |
وشر جنون سورة الفسق في الكهل |
|
دعاها فجاءته تجيب تلمظا | فأنحى عليها بالملام وأغلظا |
إلى أن جرت منها الشؤون تغيظا | فثار جميل يقذف السم واللظى |
عليه بمدرار من السب منهل |
|
وبارزة حتى التراب تخضبا | ففاز على الشيخ الفتى متغلبا |
وأشبعه ذلا لكي يتأدبا | وعلمه أين التصابي من الصبا |
وأقنعه باللكم واللطم والركل |
|
فلما رأت تلك الحمية سرت | وفرج عنها غيم حقد وحسرة |
بل انكشف غماؤها عن مسرة | ونادت جميلا يا ملاذي ونصرتي |
تفديك نفسي من شجاع ومن خل |
|
وألقت عياء رأسها فوق صدره | فزان سواد الشعر أبيض نحره |
مثالان قاما للشباب ونصره | وللحسن تجلو شمسه وجه بدره |
وللحب مرفوع اللواء على العذل |
|
فألوى عليها عاكفا متدانيا | يخاصر أملودا من القد واهيا |
ويرشف من أجفانها الدمع جاريا | على ورد خد يخجل الورد زاهيا |
محلى بإكليل من الدر مخضل |
|
كأن جميلا بارتشاف شؤونها | سقى وردة محرورة من عيونها |
كأن الندى المنثور فوق جبينها | مدامع فجر أفرغت في هتونها |
على روضة شبه الهلال من الفل |
|
وأوحى إليه المكر أن يتعجلا | ليدرك من ليلى المرام والمؤملا |
فإن أمهلت حتى تفيق وتعقلا | يظل بأيديها مقودا مذللا |
قياد بعير جره الطفل بالحبل |
|
فراغ بها في جنح أليل أهيم | كهم على صدر الوجود مخيم |
إلى ربض قفر المسالك مظلم | معد ليؤتى فيه كل محرم |
بما ثم من روع ومن شجر جثل |
|
فطارت به نفس الفتاة تروعا | فراودها عن نفسها متضرعا |
فعفت فمناها فزادت تمنعا | فأقسم إلا أن يموتا إذا معا |
طعيني حديد بين كفيه مستل |
|
وبالغ في إغرائها مقسما لها | بأن فتاها من غد صار بعلها |
ويرفعها شأنا ويكفل أهلها | ويجعل في أسمى الصروح محلها |
وينقذها من عيشة الأسر والغل |
|
وكان الدجى قد رق حتى تصدعا | وهب بشير الصبح يرتاد مطلعا |
فما زال يجلو خافيا ومقنعا | إلى أن نضا أدنى الستور وقد وعى |
دما طاهرا أجراه إثم فتى نذل |
|
دم كان سرا في البتول مقدسا | فلما أراقته ابتذالا تدنسا |
أفي لحظة تغدو المصونة مومسا | وتضحي عروس البغي إكليلها الأسى |
ومرقدها بعض الحجارة والرمل |
|
فما الكوكب الدري زل وأعتما | ولا الملك الهاوي طريدا من السما |
بأعجل من ليلى سوقطا وأعظما | فلو رضيت بالموت بعلا وإنما |
أترضى به بعلا سوى امرأة أهل |
|
مضت سنة تصفو الليالي وتعذب | مرارا وليلى دائما تتعذب |
صبور على جمر الغضا تتقلب | جفاها الأولى قدما إليها تقربوا |
وما لقيت منهم سوى الصد والخذل |
|
وكان جميل كالنساء له حلى | ويكسى جلابيب الحرير تبذلا |
تسلفه ليلى جنى خزيها ولا | تضن عليه خوف أن يتحولا |
ويفلت منها وهي في أشهر الحمل |
|
فيأخذ مال السحت والعيب رشوة | ويسخو كما لو كان يملك ثروة |
يشارك فيه والديها وإخوة | تعولهم أكلا ومأوى وكسوة |
وتحرم ليلى طيب النوم والأكل |
|
وكم سافل من مثله رقي الذرى | وتاه على القوم الكرام تكبرا |
بمرتزق ياتيه من حيث لا يرى | كأن له كنزا خفيا عن الورى |
هداه إليه ساحر ضارب الرمل |
|
أقام زمانا غير واف بوعده | وليلى ثبوت في صيانة عهده |
وتهواه حتى في إساءة قصده | وتحمل منه المطل خشية بعده |
وتقبل منه ما يمر وما يحلي |
|
مصائبها برأنها من خطائها | وحررنها من خبثها وريائها |
عفا ربها عنها لصدق ولائها | وأخلصها حرقا بنار شقائها |
وطهرها غسلا بمدمعها الجزل |
|
فلما قضت من عدة الحمل أشهرا | شكت ألما يستنفد الصبر منكرا |
وكانت على المألوف تشرب مسكرا | وتتعب حتى يطلع الفجر مسفرا |
فتمضي بجسم خائر العزم معتل |
|
فقالت لمن تهوى أراني ضئيلة | فإن تفني مالي يكن لي وسيلة |
لأشفى وإلا مت حبلى عليلة | ففرحها بالوعد إفكا وحيلة |
وفر فرار اللص من حوزة العدل |
|
وطال عليها يومها في التوقع | ومر زمان بعده في التوجع |
تبيت على مهد الأسى والتفجع | وتصبح في يأس أليم مصدع |
وليس لها مشك وليس لها مسلي |
|
أيهتك عرض البكر وهو مخاتل | ويسرق ما تجنبه ما زلاء حامل |
ويردي ابنه المسكين والعدل غافل | فوا خجلتا زان ولص وقاتل |
ويكرم بين الناس إكرام ذي نبل |
|
وليل أشد الداء أيسر خطبه | بطيء كأن الموت فرجة كربه |
تجنى على ليلى بأنواع حربه | ومد لها شوكا بأنوار شهبه |
وألحق من آمالها العلو بالسفل |
|
أضاعت به مما تقاسيه رشدها | وعانت من الأوصاب فيه أشدها |
يغالب آنا وجدها فيه حقدها | ويغلب آنا حقدها فيه وجدها |
وتصرخ من فرط التألم والإزل |
|
أيا رب إني حامل ثم مرضع | ومالي من القوت الضروري مشبع |
أبي موسعي ذما وأمي تقرع | وأشعر أن ابني بجوفي موجع |
فهل هو جان أم يعذب من أجلي |
|
لقد بعت كل امقتنى ورهنته | وأنفقت حتى خاتما منه صنته |
هو العهد من ذاك الخؤون أؤتمنته | ضننت به من حيث كنت ظننته |
لعودته لألا فزال به فألي |
|
إلهي قد يجني ملاك تحسرا | ويخطيء عان إن خطا فتعثرا |
ويأتي وليد إن تبسم منكرا | ولكن جنين لا يفوه ولا يرى |
أفي العدل أن يجزى برئيا بذنب لي |
|
لتهنئك يا بنت النعيم سعادة | كما شئتها تأتي وفيها زيادة |
وتهنئك من بعل كريم عبادة | ويهنئك حمل طاهر وولادة |
وطفل ربيب المجد والسعد والدل |
|
تجف دمائي ما تفكرت أنني | على وشك وضع والشقاء يحفني |
فلا يد ذي ود ولا وجه محسن | أهم برزق يستفاد فأنثني |
وقد ناء بي عن قصده ثقل الحمل |
|
ألا لم هذا الطفل يحيا ولا أبا | له اليشقيى شقوتي ويعذبا |
كفى قلب أحنى الوالدات تحوبا | أيأتي فريا ذلك القلب إن أبى |
حياة الأسى والجوع للولد النغل |
|
أتغنيك من مهد بقية أضلعي | ويغنيك من شدو نواح تفجعي |
وهل تتغذى من فؤاد مقطع | وتشرب ماء من سواكب أدمعي |
وهل تتردى العار للستر يا نجلي |
|
فيا ولدي المسكين فلذة مهجتي | ويا نعمة عوقبت فيها بنقمة |
ومن كنت أرجوه لسعدي وبهجتي | وكان يناجيه ضميري بمنيتي |
وآمل أن يحيا ويرجع لي بعلي |
|
تموت ولما تستهل مبشرا | تموت ولم أنظر محياك مسفرا |
تفارق قبرا فيه عذبت أشهرا | إلى جدث منه أبر وأطهرا |
وتحيا صغار الطير دونك والنحل |
|
تموت وما سلمت حتى تودعا | وأمك تسقيك السموم لتصرعا |
وتنفيك من جوف به كنت مودعا | لتخلص من عيش ثقيل بما وعى |
من الحزن والآلام والفقر والذل |
|
فإن تلق وجه الله في عالم السنى | فقل ربي اغفر ذنب أمي محسنا |
فما اقترفت شيئا ولكن أبي جنى | علينا فعاقبه بتعذيبه لنا |
وأمطره نارا تبتليه ولا تبلي |
|
كفرت بحبي في اشتداد تغضبي | فعفوك يا ابني ما أبوك بمذنب |
فقل رب أمي أهلكتني لا أبي | وأمي زنت حتى جنت ما جنته بي |
فزدها شقاء واجزها القتل بالقتل |
|
رأت شهب الظلماء مشهد ظلمها | وقد أسقطت منها الجنين بسمها |
فلم تتساقط مغضبات لحطمها | وأشرب نور الشمس من دم إثمها |
كما يلغ الضاري الدماء ويستحلي |
|
على أن ليلى بعد عام تصرما | سلت وسلا المغري لها ما تقدما |
وعاش جميل ناعم البال مكرما | كأنهما لم يستبيحا محرما |
إذا التقيا باللحظ يما تبسما | لدكرى شهيدين البكارة والطفل |